يُقدّم التاريخ المقارن الذي أصدرته الجمعية الدولية للأدب المقارن سنة 1967 نظرة شمولية للموضوع المشار إليه في العنوان أعلاه. وقد ظهرت منه إلى حد الآن ثمانية أجزاء هي: الانطباعية باعتبارها ظاهرة أدبية دولية (1973)، والحركة الرمزية في أدب اللغات الأوربية 1984-1982، ومنعطف عصر الأنوار (1760-1820) (الأنواع الشعرية) (1982)، والإرهاصات الأدبية في القرن العشرين؛ في جزأين (1984-1986)، والكتابة باللغات الأوروبية بإفريقيا جنوب الصحراء؛ في جزأين (1986)، وميلاد روح جديدة (1400-1480). يقترح هذا التاريخ من خلال ثلاثين جزءا، يتكوَّن كل واحد منها من ستمائة (600) إلى سبعمائة (700) صفحة، محررة إما بالفرنسية أو بالإنجليزية، إعادة رسم التحولات الكبرى التي عرفتها آداب اللغات الأوروبية منذ نهاية العصر الوسيط إلى حدود القرن العشرين. وبقدر ما يروم هذا التركيب أن يكون متعمقا، فهو يستهدف أيضا أن يكون رحبا؛ بحيث يستند إلى التحليل الدقيق لأكبر عدد ممكن من المعطيات. وبالتالي فهو ليس كتابا مدرسيا يهتم بالخطوط العريضة ولا مجرد مونوغرافية. تمتاز عروض [المشروع] بمعرفة موسوعية، وتتسم المواضيع المعالجة بطابعها العام. وبالنظر إلى اقتصار الكتاب على آداب اللغات الأوروبية، فقد أدمج ضمن حقل اشتغاله المؤلفات الإفريقية والآسيوية المكتوبة بهذه اللغات. يتمسك هذا المشروع، الذي يرفض أي مركزية أوربية، بالتقاليد الأوربية بوصفها مجالا لاشتغال كفاءاته المخصوصة. التساؤل من الضروري تأكيد الطابع الإشكالي للمشروع؛ إذ هي المحاولة الأولى من نوعها في مجال الإسطوغرافيا المقارنة، وهي في نفس الآن جماعية ودولية، فضلا عن كونها متعددة المعارف فيما يخص منهجيتها وتعتمد التساؤل. يصوغ التاريخ المقارن، الذي يُسائل باستمرار مناهجه وطرائق تطبيقها، أجوبة تستدعي بدورها أسئلة جديدة. وهكذا يجترح التاريخ المقارن تسلسل المعرفة بطريقة استقرائية. تبين أجزاء هذا التاريخ المقارن وضوح اختياراته النظرية والمنهجية، كما أنه يدعو إلى الحوار من خلال اختياراته التأويلية، وبالتالي فهو يفيد في مد يد العون للباحثين المقبلين، وينمي لدى القارئ الحس النقدي، وطرح السؤال بغض النظر عن نتيجة ذلك. المقارناتية في مواجهة تواريخ الآداب الوطنية حدد هنري روماك (Henri Remak) بشكل جلي الأفكار الرئيسة للمجموعة في التوطئة، مستهلا ذلك بدوليتها: «يجب أن يتم استكمال التواريخ الأدبية الخاصة بشعب ما، أو بأمة، أو بلغة، ببحوث تروم تنظيم الظواهر المشتركة أو القابلة للمقارنة من خلال منظور دولي.» فالتواريخ الأدبية الوطنية تمتاز عادة باشتغالها أو تقطيعها المزدوج، في حمولتها أو موضوعها وأيضا في تنظيمها. وبالنظر إلى أن هذه التواريخ الأدبية الوطنية تخصص حصريا للآداب الألمانية أو الفرنسية أو السويدية مثلا، فهي تقتلعها – بمقتضى معيار سياسي لغوي – من المجموع المشكل للأدب الكوني. ومن ثم، تُحِل المقارناتية نظرتها الكلية مكان المنظور الفردي والذري [لتواريخ الآداب الوطنية]؛ حيث ترمم السياق الذي تندرج فيه الموضوعات المنعزلة وتتغيى تحقيق معرفة تتعالى على تباين اللغات والدول والأمم، وبالتالي فهي تلبي طموح العلم في الكونية والتوحد. يوجد هذا التقسيم في تأليف التواريخ الوطنية نفسها، عندما يتخذ العرض، في أغلب الأحيان، شكل مونوغرافيات، مختلفة ومتجاورة، حول حياة الأفراد ومؤلفاتهم؛ بحيث يتم تجميعها وفق معيار معين قد يكون العصر أو التيار أو النوع. ويمكن لتاريخ جيد للأدب الألماني أن يستعرض في إطار الغنائية الانطباعية إيلز لاسكير- شولر (Else Lasker-Schuler) فإرنيس ستادلر (Ernst Stadler) ثم جورج هيم (Georg Heym)… وفي مقابل هذا، نجد في الانطباعية باعتبارها ظاهرة أدبية دولية (التاريخ المقارن، ج I) أن خصيصة معينة من خصائص هؤلاء الكتاب لن تستحضر إلا من أجل تدعيم خلاصات تركيبية. وبناء عليه، هل تعتبر الانطباعية أسلوبا أم هي رؤية للعالم؟ أم أنها تحدد الخلفية الفلسفية للحركة وتقدم بانوراما للتأثيرات الأجنبية في ألمانيا ولعلاقاتها مع الفنون الجميلة. وبالتالي، لا تستهدف هذه السلسة تقطيع المتن الأدبي بحسب التواريخ الفردية للكتابة، وإنما تروم تقطيعه وفق المقارنات التي يمكن أن نقيمها بين النصوص، بصفة عامة، تبعا للعناصر القابلة للمقارنة، سواء كان الأمر يتعلق بنتائج المؤثرات أو بالتناغم الجمالي والشكلي والموضوعاتي والفلسفي والسوسيولوجي الخ. وبالنظر إلى رفض هذا التاريخ أن ينظر إلى الرجال واللغات نظرة انعزالية، فهو يعيد الاعتبار لأوجه ائتلافهم ومكامن اختلافهم، وكذا للعلاقات التي ربطت بينهم في الواقع؛ بحيث يؤسس بعدا هاما يتجلى في إقامة تواصل بين الأطراف بشكل يجعلها متسلسلة؛ بل مستمرة. لكل هذه الأسباب يأتي التاريخ المقارن من أجل استكمال خطاب التواريخ الأدبية الوطنية عوض الحلول مكانها؛ إذ كل توجه يغني الآخر. وباعتبار اللغة أداة للأدب نفسه، فهي تحدد تاريخه، وبالتالي سيكون من العبث نفي تنوعها. إذن، تسانِد التواريخُ الوطنية التاريخَ المقارن بقوة؛ بحيث يستحضرها بشكل مستمر لغايات توثيقية خاصة في مجالات لازالت ملتبسة. وهكذا، فإن فهم الكل يقتضي فهم أجزائه؛ ذلك أن المقارناتية الإجمالية التي يطمح المشروع إليها تقتضي معرفة عميقة بالتقاليد الخاصة. الدولية وعمل الفريق لا يعني أن يكون الأفق العام [للمشروع] دوليا تجرد المتعاونين من أصولهم وخصوصيات تربيتهم ووسطهم؛ إذ يكمن المطلوب منهم فقط في إقامة مسافة بينهم وبين عاداتهم الفكرية والتمثلات المحلية المتوارثة المسلَّم بها والمفروضة عليهم، كما يُطلب منهم على وجه الخصوص تنسيب إعجاب كل واحد منهم، والذي يكون غالبا بصفة لا واعية، بأدب (أو أكثر) على حساب الآداب الأخرى الأقل انتشارا مثلا. نفس الشيء يقال عن المفاهيم التي يستعملها كل واحد منهم في أبحاثه؛ ففي الوقت الذي كانت فيه «الواقعة السحرية» معروفة بألمانيا وإيطاليا وبالمنطقة الفلامية وأمريكا اللاتينية، كانت شبه مجهولة بباريس أو بلندن. وتبعا لكل هذا، تحيل الدولية إلى توسيع للأفق الفكري وتنمية للعدة النقدية وتجويدها؛ وهذا يعني أن الدولية تحيل إلى ذلك المجهود الفردي الواقعي الذي يُيَسِّره عمل المجموعة: «… لا يمكن لأي باحث تقريبا، أن يبحث بمفرده في الوقائع بأكملها، بل من الأفضل منذ الآن، أن يتم الاستناد إلى فرق محكمة التنظيم ينتمي عناصرها إلى جنسيات مختلفة» ( التوطئة). لا يتعلق الأمر بمجرد إضافة أفراد فقط، بل إنه يرتبط بإقامة توافق حقيقي وبشكل مسبق حول الأهداف المتوخاة والوسائل المتيحة لتحقيقها. وبالتالي، يتم قطع الصلة مع الفردانية التي هيمنت طويلا في مجال الأبحاث الأدبية لصالح فلسفة للحوار. فقد نوقشت كل مشاريع التاريخ المقارن من خلال تخمينات مستمرة، وذلك في إطار ندوات ونقاشات تحضيرية استندت إلى استمارات وشبكات قبل أن تتحقق، في نهاية المطاف، على شكل تصميم «مفتوح» قدر الإمكان، وفي فرضيات مشتركة قابلة للتعديل والتصحيح. وتشهد على هذا العمل الجبار الخفي منشورات مهمة في (Neohelicon)، و(Synthesis)، ومجلة جامعة بروكسيل (Revue de l'Université de Bruxelles)، وأيضا في سلسلات من قبيل دفاتر التاريخ الأدبي المقارن (Cahiers de l'histoire littéraire compaeée)، ومنشورات جامعة أوتريخت في الأدب العام والمقارن (Utrecht Publications in General and Comparative Literature). وقد ساهمت هذه المنشورات، التي كانت تستهدف أفكارا جديدة، بشكل كبير في توسيع مادة اشتغالنا. بديهي أن الصعوبة الكبرى تكمن في بناء تصميم منسجم يحتضن عشرين أدبا، ويعتبر مقبولا وقابلا للتطبيق من لدن شريحة واسعة من خبراء المجموعة الدولية. ويبدو أن اختيارين أساسين يبرزان هنا، وهما: إما تجزيء المشروع إلى أقسام تبعا للموضوعات، غير أننا نخاطر في هذه الحالة بالسقوط من جديد في ذرية تذكرنا بالتواريخ الوطنية، وإما الانطلاق من أبحاث دقيقة تنكب على كل أدب من الآداب الوطنية المزمع دراستها، قبل تجميع المعلومات المحصل عليها من منظور مقارناتي عبر عملية إعادة كتابة متناهية الدقة. غالبا ما يتم الجمع، على المستوى العملي، بين المنهجين معا؛ ذلك أن المجموعات الموضوعاتية تتطلب استكمالها من خلال تركيبات وصلات عابرة للآداب الوطنية. غير أن هذا لا يحول دون إبراز الأدوات ذات الأصول الوطنية. تبرهن ممارسة التاريخ والنقد الأدبي بجلاء على انعدام حلول كونية؛ سواء في هذه المجالات أو في غيرها. ومن نافلة القول أن نؤكد، حاليا، ارتباط أي بحث بشخصية الباحث وبالمناهج التي يعتمدها. كما أن المجموعات، ذات الدور الوازن في جل العلوم، والتي تطالب عموما ب»الفكر المتعدد» للمقارناتية، تضعنا وجها لوجه أمام سؤال جوهري يتصل بالتداخل المعرفي وخاصة بالتعدد المنهجي. التعدد، التكامل؟ يلخص مفهوم «النسق المتعدد» الذي اقترحه إيتمار إيفن- زوهار (Itamar Even-Zohar) بشكل جيد مختلف النظريات التي تعاقبت منذ الحرب العالمية الثانية من أجل تعريف الأدب. تعتبر هذه النظرية الأدب، إجمالا، بمثابة مجموع متعدد الأشكال يتكون من أنساق مترابطة ومتناسقة على نحو تُؤَسِّس معه لوحدة مركبة ومتغيرة. وإذا تصورنا وحدة المتن الأدبي هكذا، فلن يبق أقل مثالية؛ ذلك أننا نرغب في التعرف على الكيفية التي تتمفصل عبرها هذه الأنساق. وبشكل مواز، لا نعرف كذلك الكيفية التي ستمكننا من جعل الآليات المتيحة للفهم متناغمة. في الحالتين معا، سيتم الاكتفاء، مؤقتا، بحلول جزئية في علاقتها بكل بحث على حدة. وبالتالي تظل دراستنا متعددة التخصصات. لكن ما العمل إذا كان التجاور يفضي إلى التناقض؟ ما العمل إذا تعايشت في نفس المؤلف تقنيات يعتبرها البعض متعارضة في مبادئها؛ وذلك من قبيل التأويل المحايث والسوسيولوجيا، التنميط والتاريخ، السانكرونية والدياكرونية؟ يمكن أن نتساءل في هذا الإطار عن مدى واقعية هذا التناقض النظري. وبالفعل، فمن الناحية الديالكتيكية يجوز لنا أن نرجع ثنائية سانكرونية/ دياكرونية إلى فكرة التكامل، أي إلى العلاقة بين مظهرين من مظاهر الزمن. ومن ثَمّ نلاحظ باستمرار تعارضات يبدو حلها متعذرا للوهلة الأولى، غير أن صعوبتها سرعان ما تُذلَّل عندما ننتقل إلى التطبيق. ولا تمنع الصدمات الإيديولوجية من أن يحصل تعاون فعال في مثل هذه المناسبات. وبهذه الطريقة يمكن للمنهجية التنميطية، التي تتعارض نظريا مع التاريخ، أن تتوافق معه من الناحية التجريبية، على اعتبار استهدافهما معا لنفس الغاية؛ وهي إلقاء الضوء على نفس النسق المتعدد من زويا مختلفة. ويبدو أن التعدد الموجود في الوحدة المميزة لموضوع البحث أي الأدب هو ما يبرر تنوع الوسائل. ومع ذلك فنحن نسلم، من وجهة نظر تصورية، بأن الروابط التي تربط بين طرائق معينة للوصف والتفسير ما زالت حاليا أقل وضوحا وصلابة بالمقارنة مع تلك التي تجمع أنساق التواصل الأدبي. ونلاحظ أن تكامل تحالفات معينة هو ذو طبيعة تجريبية أكثر من أن تكون مبررة نظريا. ولنؤكد أن التاريخ المقارن يرمي، أولا وقبل أي شيء آخر، إلى إنصاف الأدب؛ بحيث يُقوِّم المناهج تبعا لفعاليتها ولمردوديتها ولا يبحث عن اختبارها في حد ذاتها، كما لا ينشغل بهاجس مدى ملاءمة أكسيوماتها. يعتبر هذا التكامل أولا مصدرا للثراء؛ فنحن نتوفر على الأرجح حاليا يشهد بذلك هذا المؤَلَّف على عُدَّة نقدية متعددة المشارب بشكل لم يتوفر سابقا؛ بحث يمكن لأي شخص أن يختار بكل حرية ما يناسب كفاءته ونوعية أدواته وطبيعة موضوعه: السيميوطيقا والبلاغة والسوسيولوجيا وجمالية التلقي والنقد النفسي… الخ. هي إذن غزارة في الوسائل تولد حيرة في الانتقاء. فإذا كانت منهجية ما غير صالحة في حالة ما، فإنها يمكن أن تحقق المعجزات في حالات أخرى. وبالتالي، فإن اختيار منهجية دون أخرى وتطبيقها يرتبط بمدى ملاءمتها للموضوع، وبالحدس أيضا. مبدئيا، لا يرفض التاريخ المقارن بشكل مسبق أية تقنية مجربة، سواء كانت حديثة أو قديمة، معروفة أو مغمورة، مكتفيا بتوظيف التقنية الأكثر اتصالا بمتطلباته. وتكمن الميزة الثانية [لهذا المشروع] في كون القارئ يجد نفسه في مواجهة مقاربات ونتائج متعددة، بل متباعدة، وبالتالي لا يكون مجبرا على قبول أو رفض أطروحة وحيدة. إنها تشكيلة من الاحتمالات الموضوعية توضع رهن إشارة القارئ؛ بحيث تحفزه على مواصلة البحث. أخيرا، تفيد ذاتيات المتعاونين في تصويب بعضها البعض. ورغم كل هذه المزايا، فإنها لا يمكن أن ترفع القلق الناتج عن اللاتوافقات النظرية. تقسيمات يشكل تحقيب السلسة، هو الآخر، موضوعا للنقاش؛ إذ هيمن توجه خاص بالنظر إلى لانهائية معاير تواريخ الآداب الوطنية، حتى إنها تحيل إلى قيم غير أدبية لا تنسجم والموضوع المدروس. ف»الباروك» «Baroque» الذي كان معروفا بألمانيا، كان لفترة طويلة مجهولا بفرنسا وبريطانيا العظمى؛ ذلك أن الكتب المدرسية الإنجليزية ظلت إلى زمن قريب تُصاغ بحسب التقلبات السياسية؛ نذكر على سبيل المثال: عصر إليزابيث (The Age of Elizabeth) ومرحلة الإصلاح (The Restoration Period). بالإضافة إلى ذلك، نتساءل حول مدى مشروعية تقسيم زمن التاريخ الأدبي إلى حقب، فقط، تتعايش فيها تيارات مختلفة يهيمن أحدها وأحيانا أكثر بشكل متواقت نسبيا، الشيء الذي يضفي على الحقبة فرادتها. فمثلا، تبين الأجزاء المخصصة ل منعطف عصر الأنوار (1760-1820) استمرار بعض أفكار الأنوار أو تحولاتها في توافق مع الرومانسية الوليدة. إنه تصميم متميز يهتم في نفس الآن بالدياكرونية والسانكرونية. أو هل من المفروض أن نضرب صفحا عن الدياكرونية؛ بحيث نعزل تيارا واحدا أو مذهبا أو حركة (الرومانسية، الواقعية، الطبيعية، الرمزية…) من أجل وصف (عبر أية معايير؟) نسقها أو رموزها في مختلف تحولاتها؟ بالنسبة للفرضية الأولى، لا تتمظهر صور التيارات المعزولة بشكل جلي. أما بالنسبة للثانية، فإننا نجازف بتعويض الزمن الواقعي للحياة الأدبية بآخر مجرد وداخلي خاص فقط بالتيار المدروس، ومستوحى عادة من الخطاطة البيولوجية: الولادة/ النمو/ النضج/ الانحطاط/ الوفاة. زد على ذلك أنه من المستبعد أن تتطابق هذه المراحل من بلد إلى آخر. هنا أيضا، يأتي مفهوم التكامل من أجل إخراجنا من هذا المأزق؛ فالتصوران معا مترابطان بشكل طبيعي، حتى وإن كان أحدهما يتقدم على الآخر. فكيف يمكن أن نتحدث عن الحركات الطليعية دون أن نموقعها في علاقتها بالحداثة التي ظهرت مع بودلير (Baudelaire)، وبالرمزية وبحركة التحديث التي عاصروها؟ إن وحدة الأدب الكوني تبقى بمثابة وهم. وبما أن ظروف الوسط توجِّه، هي أيضا، التحولات الأدبية، فإن مؤلفات خاصة داخل السلسلة تنكب على آداب اللغات الأوربية بإفريقيا السوداء وأمريكا اللاتينية والأنتيل، مما يطرح إشكال «المناطق» الأكثر تعقيدا من مشكل الحِقب… وفي النهاية، فقد خُصِّص ركن للترجمات ول «أنماط» تعبيرية متميزة كالمفارقة الرومانسية مثلا. وهكذا تأخذ تصاميم الأجزاء في اعتبارها كامل المذاهب النقدية الآنف ذكرها. التعددية والتكامل، حلان أقل أهمية من نموذج كوني صالح لا ريب في ذلك، لكنهما على الأقل يضمنان مناخا ملائما للبحث عن هذا النموذج. هوامش: 1 – هذه ترجمة للمقال الموسوم ب: Ecrire l'histoire, l'exemple de l' « histoire comparée des littératures de langues européennes », principes et organisation. الوارد في المؤلف الجماعي المعنون ب: Théorie littéraire, M. Angenot, Jean Bessière, Douwe Forkema, Eva Kushner, Paris, PUF, (Fondamental), 1989, pp : 353-358. (نشير إلى أن الكلمات بين معقوفين[…] هي من وضع المترجم، وغير واردة في النص الأصل.) 2 – جون ويسجيربر (Jean Weisgerber: أكاديمي بلجيكي، ولد في 14 ماي 1924. مهتم بالتاريخ الأدبي، من مؤلفاته العديدة: Les avant-gardes et la tour de Babel : interactions des arts et des langues (éd.), Lausanne, L'Âge d'Homme, 2000. Les Avant-gardes littéraires au XXe siècle (éd.), Budapest, Akadémiai Kiadó, 1984, 2 vol.