أتناول في هذه الورقة مسألة خصها الباحث سعيد يقطين بتقصيات عميقة، يتعلق الأمر بالوضع الاعتباري للأدب والنقد في الحقل الثقافي المغربي والعربي، وذلك انطلاقا من خلفية سوسيونقدية يتعين مفهوم المؤسسة الأدبية(L?institution littéraire) بوصفه نقطة ارتكاز أساسية فيها. وبالتالي فإن هذا التأمل يتنزّل في سياق المسؤولية الملقاة على الناقد في ما يتعلق بالتفكير في المشاكل الثقافية والنقدية المطروحة، وتسخير أدوات البحث والتفكير في بلورة التصورات الملائمة بصددها. وقبل أن أفصل الكلام في هذا الموضوع، أقترح عليكم أن أبدأ من هذه الفكرة التي مفادها أن ثمة عناصر عديدة بالنسبة لباحث ناقد من منزلة سعيد يقطين تكشف عن أهميته، وتوضح مقدار تأثيره الكبير في الدراسات الأدبية بالمغرب والعالم العربي. فهناك أولا الطريقة التي اشتغل بها على نظريات الأدب الحديثة وفكّر بها في النص الأدبي، فتعين بذلك الاشتغال من أكثر الباحثينَ والنقادِ مساهمة في إنارة الطريق في النقد العربي والمغربي المعاصر من خلال أطروحات نقدية ثرية بصرامتها العلمية وقدرتها على المعالجة والتحليل والفهم. فقليلون، في النقد المغربي والعربي، من لهم مثله القدرة على بناء نموذج نظري تحليلي يستند إلى معرفة عميقة بنظريات الأدب الحديثة، وتفحص علمي دقيق، وتبيّن جيد للخلفيات الفلسفية الكامنة خلفها، وكذلك المقاصد المحددة في تناول المفاهيم المركزية والأساسية في السّرديات (Narratologie) بوصفها علما كليا، وكذلك الإحاطة الواسعة بديوان السرد العربي في مراحل تشكله المختلفة. لذلك فأبحاثه لم تحمل النقد المغربي إلى مهاد جديدة يتخلص فيها من شرنقة الانطباعية والجدالية وحسب، وإنما ساهمت بقوة في التأسيس العلمي للممارسة النقدية والإسهام في توسيع الرؤية والفهم للأدب في الثقافة العربية، وإعادة الاعتبار لكثير من النصوص التي ظلت لفترات طويلة خارج دائرة المؤسّسة الأدبية. وإذا كان لي أن أحدد مساهمة الباحث والناقد المبرّز سعيد يقطين فإني لا أتردد في القول بأنها في قدرته على بناء هذه الخلفية النظرية الواضحة والمتماسكة على امتداد تشكل عمارته النقدية، وهذا البناء يقل إجمالا في البحوث النقدية العربية بحكم إما التعامل الاجتزائي الذي يطبع علاقتنا بالنصوص النقدية الأساسية، خصوصا على صعيد الترجمة إذ نلاحظ أن بعض الأسماء البارزة في حقل النظرية النقدية المعاصرة والحاضرة بقوة في الخطاب النقدي العربي لا نكاد نعثر إلا على ترجمة جزئية لمنجزها، أو الالتباس الذي يستحكم بتصورنا وفهمنا للنظريات الجديدة في الأدب عموما والسّرد خصوصا. لقد عمل سعيد يقطين على بناء تصور للسرد العربي تكمن نقاط الارتكاز الأساسية فيه في نظرية السرد التي ألمع إلى بعض من دعاماتها الشكلانيون الروس منذ 1920، ووضع جيرار جونيت أساساتها المتينة خلال الستينات من القرن الماضي. ومنذ ذلك الوقت والسّرديات تتطور تطورا عميقا ما مكنها اليوم من ارتياد أفق من التركيب المنهجي العابر للتخصصات خصوصا الأبحاث التي فتحتها على بعض الوسائط التي لم تكن واقعة في صميم اهتماماتها الأولى كالسينما والصورة الفوتوغرافية والأدب الرقمي. وثانيا لأن الدارس لأبحاث سعيد يقطين يلمس قدرته على بناء تصور خاص به، ليس فقط على مستوى استيعاب وفهم التحولات التي مرّت منها علوم الأدب، وإنما كذلك على صعيد تمثل المفاهيم الأساسية للنظرية الأدبية الحديثة والقدرة على جعلها ملائمة للنص الأدبي العربي ما مكنه من إنتاج معرفة غير مسبوقة بالسرد الأدبي ومكوناته وتجلياته. إن سعيدا ليس باحثا وناقدا فحسب، ولكنه أستاذ لهذا المجال العلمي الذي ارتبط به. ومن هنا فهو معني بأمور نجاحه في المساهمة في التراكمات القابلة للتحول إلى نوع. وهذا ما أهله لأن يجادل بقوة على الانتقادات التي وجهت للسرديات فاعتبرتها مجرد قوالب أو مصطلحات جافة أو وصفات ثابتة ونهائية علينا أن نقوم بتطبيقها على النص السردي. بينما هي في أعمال سعيد يقطين، منذ كتاب القراءة والتجربة حتى السرديات والتحليل السردي(2012) مرورا بأعمال أخرى عديدة، مشروعا للتفكير والبحث، يستدعي التسلح بثقافة علمية ومعرفة دقيقة بالعلوم والمعارف وكفاءةً في قراءة النصوص بهدف تحليلها في أفق التصور العلمي الذي يشتغل به الباحث بغية تطوير المعرفة بالسرد والسردية. وقد يجادل البعض بأن سعيد يقطين في دفاعه عن المعرفة الأدبية وأهمية بنائها على أسس علمية حتى تكون قادرة على وصف موضوعها وإنتاج المعرفة الرصينة به، يندرج في خانة الناقد المحترف الذي يرى أفق النقد في الإعلاء من شأن النزعة الأكاديمية على حساب الأحداث التي يعرفها العالم والتي لا يمكن في منظور إدوارد سعيد أن تبقي الناقد بمنأى عن الإفصاح عن وجهة نظره فيها. غير أن استحضار المساهمة العلمية التي نهض بها سعيد يقطين ولا يزال على مستوى التفكير في أسئلة الثقافة العربية في السياق الراهن، وأزمة الفكر الأدبي العربي، يكشف ذلك التفاعل اللماح عند الباحث بين الدفاع عن العلم، وتوظيف المعرفة الأدبية في تحليل الأسئلة التي يطرحها الأدب في سياق العالم الذي يتحقق فيه، بحثا عن أفق آخر تكون فيه الثقافة أقدر على تمثيل أسئلة الإنسان الذي ينتجها تمثيلا حقيقيا. هنا يمكن الإشارة إلى مقالاته المختلفة التي ناقش فيها هواجس وهموم الثقافة العربية والمغربية، ويضاف إلى هذا أبحاثه النقدية التي انفتح فيها على النقد الاجتماعي عند بيير زيما حيث قدم استقصاءات لماحة في الأدب في علاقته بالنصوص والأحداث الاجتماعية والمؤسّسات. وهنا يمكن التفكير بأعماله: انفتاح النص السردي والرواية والتراث السردي والأدب والمؤسسة. في هذا السياق تميز سعيد يقطين في بعض أبحاثه التي تكرّست للتفكير في الأدب والنقد بالصدور عن خلفية اجتماعية يشكل مفهوم المؤسسة الأدبية نقطة ارتكاز أساسية فيها، ومعلوم أن هذا المفهوم برز في التحليلات السوسيولوجية الحديثة التي حاولت أن تتجاوز قصورات الأعمال الكلاسيكية في النقد الاجتماعي التي طبعها منطق الانعكاس الماركسي ممثلة في طروحات جورج لوكاش ولوسيان كولدمان اللذين لم يتمكنا في استقصاءاتها النقدية من أن يمسكا بالعناصر شديدة الصلة بالمنطق الداخلي الذي يتطور من خلاله الأدب. فبدا مفهوم المؤسّسة وكأنه تعبير عن سعي إلى ملء تلك الخانة الفارغة في سوسيولوجية الأدب من خلال تفسير الأعمال الفنية بعبارات تخص الحقل الأدبي. وإذا علمنا أن هذا التحليل أظهر خلاصات شديدة الأهمية في بلدان مثل ألمانيا وبريطانيا وفرنسا التي اكتسب فيها الكتاب والكتابة الأدبية منذ فترة طويلة مكانة في الاقتصاد التجاري وكذلك في الاقتصاد الرمزي، أدركنا المردودية التي يمكن أن يقود إليها على مستوى التفكير في مفهوم الأدب ووضعه الاعتباري في الثقافة العربية عموما والمغربية على وجه التحديد. من هذا المنظور أعتبر أن مساهمة سعيد يقطين لا تكمن أهميتها فقط من كونها تحدث ضمن حياة أدبية لا يظهر فيها مفعول الأبعاد الاجتماعية في الأدب مرئيا على نحو أفضل، وإنما كذلك من خلال الاستخدام الجيد لهذه المفاهيم الاجتماعية الذي يؤمّن للمصطلح دقته وفعاليته. لذلك فإن أول ما يلفت نظر الناقد المتأمل لأبحاث سعيد يقطين الجادة في هذا المجال هو المناعة والفاعلية التي تحافظ عليها المفاهيم الاجتماعية، وهو يفكر الأدب في علاقته بالمحافل التي تؤثر في عملية إنتاجه وفي إرساء التقاليد المتعلقة بقراءته وتداوليته، مثل المدرسة والجامعة والإعلام ومؤسسات النشر والتوزيع، من أجل تشخيص أعمق للشروط التي تكون في إطارها الأدب المغربي. فبدون تحديد دقيق لهذه الشروط يكون التحليل مستندا إلى أرجل من طين، وبالتالي لا يساعد على بلورة الحلول الملائمة القمينة بالإسهام في تطور الأدب. وإذا أردنا الإمساك بالسؤال الأساس الذي يوجه تفكير سعيد يقطين في الأدب في الحقل الثقافي المغربي لوجدناه ماثلا في بحث الأسباب التي تجعل استقبال هذا الأدب من قبل القارئ المغربي مختلفا عن استقبال هذا الأخير للنص الأدبي العربي. فبدون الإجابة الواضحة عن هذا السؤال يصعب في نظر الباحث تجاوز مرحلة طرحه إلى التفكير في البدائل الممكنة على مستوى الرؤية الجديدة التي تؤمّن للأدب ما هو جوهري فيه. إن الإضافة التي يقدمها سعيد يقطين ها هنا تتجلى في الطريقة التي يفكر بها من خلال مفاهيم محددة من أجل بناء التشخيص الملائم. هنا يبدو مفهوم المؤسّسة آلية مناسبة لأنه يمكن من خلال وضع الأدب في سياق الممارسات التي تحيط به وتؤثر فيه، من معرفة ما إذا كان هذا الأدب يتطور انطلاقا من منطق داخلي يخص مختلف المحافل المرتبطة به كالكتاب والقراء والصحافة الأدبية والجامعة ومؤسسات النشر والتوزيع وغيرها، أم أن هذا التطور تستحكم به هواجس أخرى توجد خارج المؤسّسة أو في مؤسسات أخرى. إن ما هو منطقي من وجهة نظر هذا التحليل هو أن الأدب يتعين بوصفه ممارسة، ومعنى ذلك أن الأدب ككل الممارسات لا يمكن أن يحدث استجابة إلى حالة ذاتية يعيشها منتجه، وإنما يحدث استجابة إلى حاجات معينة تظهر على مستوى الحقل الثقافي ويكون العمل الأدبي استجابة لها. فالممارسة الاجتماعية ليست مجرد فعل صادر في الزمن الحاضر، ولكنها فعل موجه من الماضي، فعل تاريخي. فكما لا بد أن تتضافر عدة ظروف قبل هطول المطر، فكذلك الممارسة، هي محصلة خبرات مكتسبة أو موروثة، تتضافر لتقييم الوضع المعيش، وتحديد طبيعة الفعل الملازم في لحظة ما، لحظة الممارسة، أو هطول المطر. من هنا نستشف أهمية التحليل الذي يقدمه سعيد يقطين للحياة الثقافية في المغرب عبر مرحلتين مختلفتين: مرحلة السبعينات التي تميزت بأنساق ثقافية محددة تجلى مفعولها في مفهوم الكاتب والمثقف والأدب، وكذلك الهيئات الفاعلة في المجال الأدبي، ثم مرحلة الثمانينيات التي شهدت ظهور خطابات جديدة طرحت أسئلة حول هوية المثقف والكاتب والأدب. ورغم الاختلاف الذي يبرزه التشخيص على مستوى المرحلتين على صعيد التنويعات التي عرفها الأدب، فإن سعيد يقطين يلمس من خلال التحليل أن مفهوم الأدب ظل يتحدد من خارج المؤسسة وليس من داخلها. ما جعل من السعي إلى بلورة رؤية جديدة أمرا متعذرا بل مستحيلا. من اللافت للنظر أن سعيد يقطين يضعنا في عمله هذا في أجواء الثقافة العربية ومشكلاتها، ويدعونا إلى التأمل مليا في هذه الثقافة التي لم تتمأسس فيها تقاليد المعرفة العلمية، ما حال دون أن يتطور فيها الفكر الأدبي على صعيد الرؤية والأداة. لذلك فالخلاصات التي ينتهي إليها الباحث حول الأدب المغربي، وكيف أن الوعي به ظل مرتهنا لتلك النظرة المشدودة إلى المحتوى عوض الجانب الفني الذي يعتبره جوهريا في الخطاب الأدبي، هذه الاستنتاجات الهامة تنطبق كذلك على مفهوم النقد في الحقل الثقافي العربي منذ تشكله خلال عصر النهضة إلى اليوم. في هذا السياق يفكك سعيد يقطين الممارسة النقدية العربية من زاوية نقدية تضع في الاعتبار الأسس الابستمولوجية التي تستند إليها، انطلاقا من تحليل الكثير من نماذجها الممثلة للحظات مختلفة من سيرورة الخطاب النقدي العربي وفي فضاءات جغرافية عربية مختلفة. ورغم التنوع الذي ميز النقد وهو يستفيد من النظريات والمناهج والمدارس المختلفة على مستوى اللغة الواصفة التي تزخر بالمصطلحات الجديدة، أو على مستوى استعمال طرائق جديدة في معالجة النص الأدبي، فإن الباحث يعتبر أن النقد لم يثمر عن وضوح في الرؤية إلى العلاقة بالأدب والنص والمنهج، الشيء الذي انعكس سلبا على مستوى الوعي بالمنهج. هنا يخلص سعيد يقطين إلى أن مأزق النقد الأدبي العربي يكمن في لا نسقيته. ويحدد الباحث المقصود بالنسقية من خلال التمييز بين ممارسة نقدية تنطلق من نسق جاهز لديها، وأخرى تبني نسقيتها الخاصة بها وهي تشتغل. فالقراءة الأولى تستمد نسقيتها من موضوع الاشتغال(النص الأدبي) بينما تستدعي الثانية نسقيتها من ذاتها بما تمتلكه من مقومات وعناصر تضفي عليها طبيعة إجرائية خاصة في التعامل مع النص الأدبي. انطلاقا من هذا التمييز يتقصى سعيد يقطين النسق الذي هيمن على تصورنا وفهمنا للأدب. ذلك النسق الذي يستند إلى فكرة أن النص هو الذي يفرض علينا المنهج أكثر مما يستند إلى تصورنا المشكل عن الأدب، في ضوء تصورات أخرى متصلة بالإنسان والطبيعة، وهو الذي بواسطته ندخل عالم النص. إن الناقد الأدبي العربي وهو يشتغل بالمنهج يبدو كما لو أنه لا يدرك أنه يشتغل بمجموعة مبادئ تخصص المنهج وتميزه عن كل المناهج الأخرى، ليس فقط على صعيد المفاهيم والمصطلحات الموظفة، وإنما كذلك على صعيد ما ينتجه من فهم للأدب وبحث في ثناياه عن خلفياته وآلياته ومنطقه. لذلك يستنتج الباحث أن علاقة الناقد العربي بالمنهج منذ عصر النهضة إلى الآن لم تتجاوز دائرة الاعتبارات التالية: - عدم الأخذ بأي منهج، - التعامل بمنهج محدد، - التكامل المنهجي. قد تبدو الممارسة النقدية من خلال هذه التنويعات ممارسة مطبوعة بالتعدد والاختلاف، ما ينسجم وطبيعة الأدب باعتباره خطابا يحظ على التفسير والتأويل، ولا يمكن لمنهج أن يقول فيه كلاما نهائيا أو تاما، لكن الباحث يقرأ في ثنايا هذا التعدد الكثير من علامات الالتباس التي تمنع النقد من أن ينطلق بحرية لمواجهة التحديات التي تقف عائقا أمام تطوره وتحليل الخطاب الأدبي العربي ومعاينة منجزاته الفنية والجمالية. هذا الاختلاف يرتد من وجهة نظر سعيد يقطين إلى تصور واحد مشترك على مستوى العمق، تتناقله الأجيال المشتغلة بالأدب جيلا بعد جيل. في مستوى الكلام على النقد العربي يشير الباحث إلى إمكانية بناء تصور جديد للنقد إذا غيرنا التعامل مع النص، بحيث يكف النقد عن يكون مجرد نص جديد يدعي القرب من النص المدروس. إن النقد ينبغي أن يتميز من خلال خصوصية خطابه الذي يختلف عن الأدب، وكذلك من خلال خصوصية التصور الذي يؤسّسه عن موضوعه أي الأدب. وبهذا المعنى يكتسب النقد نسقيته بوصفه خطابا مغايرا يشتغل بدوره على خطاب يتميز بمواصفات مخالفة. هذا ما يؤكده الباحث بالقول: «حين تتحدد علاقة النقد بالأدب، والمنهج بالنص على قاعدة مختلفة وواعية ونسقية، فتلك بداية تجاوز الالتباس الذي هيمن طيلة تاريخ طويل من النقد العربي، ويعطي للفكر الأدبي العربي أهليته للمساهمة في تطوير الأدب والنقد معا، وتغيير مسار الوعي الأدبي ليأخذ مساره الذي يمكنه من تحقيق التراكمات القابلة للتحول إلى نوع، وإلا فسنظل نراكم ممارسات، لنتخلى عنها بعد مدة قصيرة، ونقطع معها. وليس هذا التجريب المنهجي المتواصل سوى مظهر من مظاهر الالتباس». على هذا النحو يكشف تفكير سعيد يقطين في الخطاب الأدبي والنقدي عن أهمية المنظور الذي يصدر عنه، ما أتاح له بلورة قراءة عميقة يتداخل فيها سؤال الثقافة بمفهومها المركب والواسع بسؤالي الأدب والنقد. إنها قراءة يسندها تصور الباحث للفعل النقدي، ولصلة الأدب بمطامح الأمة ووقائعها ورؤياتها إلى تفاصيل واقعها ومختلف مشاكلها بطرائق تعبيرية تنهض على أسس فنية وجمالية ورمزية. ليست المسألة الأساسية في تأملات سعيد يقطين في الأدب والنقد انطلاقا من علاقتهما بالمؤسسة الأدبية هي تزويدنا بسجل لأنساق هذه الثقافة تجسد ضيق الرؤية للأدب والنقد والعلوم الإنسانية ككل، وإقناعنا بأن هذه الأنساق التي تجلت في ممارستنا الثقافية الحديثة منذ بداية النهضة تعيد ذاتها في حاضر الممارستين الأدبية والنقدية. هذا التشخيص لا شك أنه مسألة مهمة، ولكن المسألة الأهم هي خلخلة هذه الثقافة بوضعها في صورة العوائق التي تحول دون تبلورها وفق منظور أفضل. وهذه المسألة ليست في الواقع سوى معادل لما ينهض به الباحث في أعماله النقدية الأخرى. من هنا تأتي الحاجة إلى قراءة مساهمة سعيد يقطين من منظور النقد الثقافي المقارن بشكل يحاول القبض على المغزى الفلسفي الثاوي في خطابه النقدي. فحاضر الثقافة العربية مثقل بماضيها القريب، بل صورة أخرى له لم يتغير فيها على مستوى الأدب والنقد سوى المدارس والمناهج والاتجاهات النقدية، بينما ظلت الرؤية على حالها تستعاد بأشكال مختلفة دون أن يتغير ما هو جوهري فيها. ورغم ذلك نلمس في أطروحة الباحث إيمانا بالمستقبل وبإمكانية ميلاد تاريخ جديد يجد بدايته كما يبين لنا سعيد يقطين في الإطاحة بالنظرة السائدة حول الأدب والنقد. وأول خطوة في الإطاحة بهذه النظرة تكمن في تأسيس رؤيتنا للأدب على الكشف عن طبيعته، والسعي لوصفه وصفا علميا، وهذا الدور ينبغي أن يكون من داخل المؤسسة الأدبية، فهي وحدها التي يمكن أن تهيئ للأدب كامل حضوره في حياتنا. وكذلك تغيير تصورنا لمختلف العناصر التي تنهض عليها هذه المؤسسة خصوصا مفهوم الكاتب والناقد.