سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الأمين العام لاتحاد المغرب العربي الطيب بكوش في أول حوار شامل ل « الاتحاد الاشتراكي وليبراسيون» : قضية الصحراء، الإرهاب والساحل، أحداث الكركرات ، الاتحاد الإفريقي والوضع في المنطقة المغاربية
o السيد الطيب بكوش مرحبا بكم في حوار لجريدتي الاتحاد الاشتراكي وليبراسيون، نؤسس له بالترحيب بكم في محطتنا الإعلامية كأمين جديد لاتحاد المغرب العربي، في أول خروج إعلامي لكم بعد تسلمكم لمهام الأمانة منذ غشت 2016 ، وهو الزمن الذي نريد أن نقرأ فيه برنامجكم الأولي في الاتحاد و استراتيجيتكم، خصوصا و أنكم استلمتم الأمانة في مرحلة دقيقة وحساسة في الزمن السياسي الجهوي والاقليمي والدولي، و نبدأ معكم السيد الأمين، بسؤال قراءتكم للمرحلة خصوصا في محيطنا الجهوي والاقليمي؟ n المرحلة كما تفضلت هي مرحلة دقيقة، حيث تمر المنطقة بصفة عامة على المستوى المغاربي والمتوسطي والعربي بمخاض، لا يقتصر على منطقتنا بل هو مخاض دولي ، لا يمكن الفصل فيه بين الوضعين ، لا في إطار التفاعل فقط ، بل كذلك في إطار التأثير المتبادل. فما تعيشه أمريكا اليوم، مثلا ، في ظل الانتخابات الأخيرة ونتائجها، هو وضع جديد يعيش المخاض المشار إليه ناهيك عن الوضع في أوروبا، وذلك بظهور أطراف يمينية متطرفة في أفق الانتخابات التي ستعرفها الأيام المقبلة. زيادة على بؤر التوتر والحروب الأهلية والأزمات بصفة عامة، وخاصة في منطقتنا العربية ، مما يجعل المنطقة تمر بفترة مخاض عسير، وهو المخاض الذي لا يمكن أن نتنبأ بنتائجه، ولكن ما ينبغي الإشارة إليه أن هذه التوترات تكون لها نتائج سلبية على المنطقة العربية بصفة عامة، وقد تجسد ذلك منذ حرب الخليج الأولى والثانية، وإلى اليوم مازالت المنطقة تعيش انعكاساتها، خاصة في العراق الذي لم يعرف الاستقرار بعد، رغم مرور أكثر من ثلث قرن، أي جيلا كاملا ، ولا شيء ينبئ أن العراق ستعرف استقرارا بسرعة، و أضيف إلى ذلك أزمة سوريا العميقة جدا، وأزمة ليبيا واليمن وانقسام السودان ، وهذا كله يدل على أن المنطقة تمر بفترة عصيبة.
o طيب معالي السيد الأمين، ذكرتم في جوابكم عن سؤال أولي ، أن هناك ظرفا عصيبا وبؤر توتر , نريد أن نركز في هذا المنحى على المنطقة المغاربية، فقد عينتم، وليبيا في الشتات الذي تعرفونه، والعلاقات المغربية الجزائرية التي يشكل فيها ملف الصحراء المغربية والحدود المقفلة حجرعثرة، وفي تونس يشكل الوضع الأمني والاقتصادي انفلاتا نحو المجهول يكرسه الوضع كذلك في الساحل والصحراء، مما يجعل الوضع في المنطقة ككل يطرح أسئلة دقيقة، تقرأ في نتائج ما يسمى ربيعا عربيا، فهل كان هذا الربيع يستحضر هذه المعطيات أم أن التفكير في هدم الدول حال دون التفكير في نتائج اليوم؟ n هذا سؤال يحمل العديد من المفاهيم الدقيقة ، أولا مفهوم الربيع العربي ليس مفهوما عربيا، بل هو مفهوم استعمل في الغرب وطبق على المنطقة العربية، واستعماله هو أقرب إلى الشعار منه إلى الواقع . فعن أي ربيع نتحدث، في ظل هذا العدد المهول من الضحايا والمشردين، ومن الدمار في كثير من البلدان العربية و المغاربية؟ إذن يصعب أن نتداول مفهوم الربيع أمام هذا الخريف الذي أسال دماء الأبرياء من مواطنينا في دول الحراك . ففي تونس مثلا، قد يكون حديث عن بداية ربيع ، ولكن في أي مجال، هل في المستوى السياسي؟ وفي هذا الجانب وبحكم ما جرى بصفة توافقية وبإصدار دستور توافقي وبتنظيم انتخابات توافقية لم تنجح سياسيا إلا برعاية المجتمع المدني نظرا لخصوصية تونس مقارنة مع دول أخرى، فهذه التجربة ربما لها إيجابياتها في المستوى السياسي والإعلامي نظرا لوجود حرية في الإعلام أكثر من قبل، ولكن مقارنة مع ذلك أنتجت هذه البداية وضعا اقتصاديّا واجتماعيا هشّا وغير مستقر. وعندما أتحدث في هذا الصدد عن الوضع التونسي، فليس لأنه وضع خاص بل هو وضع فيه نقط اللقاء مع أوضاع أخرى في إطار المقارنة، لكن لكل بلد خصوصيته، ولا يمكن أن نجد التشابه الكامل بين مناطق الحراك. فما حدث في ليبيا وسوريا تزامنا بعد أسابيع مع ما حدث في تونس، لم يعط نفس النتائج لان الأوضاع السياسية والاجتماعية مختلفة. فالوضع في ليبيا مقترن بغياب الدولة ، ووجود الكثير من المليشيات المدججة بالأسلحة الخفيفة والثقيلة، والمشترك بين وضع ليبيا وسوريا هو التدخل الأجنبي، الذي يساند فيه شق طرفا والشق الأخر طرفا آخر، الشيء الذي لا يمكنه أن يؤدي إلى حل سلمي مطلقا، و هو ما يزيد الوضع تعقيدا وتأزما. كنت دائما سواء الآن كأمين عام اتحاد المغرب العربي، أو كوزير للخارجية التونسية بالأمس، ضد التدخل الأجنبي مهما كان شكله، وخاصة عندما يكون هذا التدخل بالسلاح، لأن ذلك لن ينتج لنا إلا مزيدا من التوتر والكوارث في المنطقة. فالدول الأجنبية التي تتدخل في المنطقة العربية بالقوة عادة ما تسعى إلى حل مشكل ظرفي دون التخطيط لما بعده، ودون تصور للمستقبل، فهدم ما يوجد في ليبيا، ترك الفوضى، وعلى نفس المنوال كان الهدف في سوريا حيث كانت النتيجة الفوضى والصراعات والدمار والتشريد. إن هذا الوضع لن يخدم إلا مصلحة إسرائيل في المنطقة وضد المصالح العربية، وأريد أن أشير في هذا الصدد إلى أن نقطة الضعف الأساسية ربما هي أن بعض الأطراف العربية تدخل على الخط بنفس المنطق، حيث نجد أن هناك من يساند طرفا والأخر يساند طرفا آخر، مما يدفع بهذا الوضع المعقد إلى صب مزيد من الزيت على النار وتعقيد الحلول. ومن جانبي أرى أن الحل الأفضل هو الحل السياسي التوافقي، الذي لا يمكن أن ينبع إلا من داخل الوطن الواحد، دون وصاية أجنبية. وهنا أتساءل معكم، من هو المستفيد من هذه الأوضاع؟ أكيد أن الجواب يعني المستفيدين من البترول وتجارة السلاح، ومن مصلحة هؤلاء، وضع كافة الأطراف المتصارعة في حاجة إلى شراء الأسلحة، وبيع البترول بأبخس ثمن وشراء السلاح بثمن مرتفع…. o مقاطعة، هذا يعني أن هناك مؤامرة وتآمرا؟ n أنا لا أفضل استعمال كلمة المؤامرة .. o للتوضيح أنا أقصد مؤامرة على المنطقة العربية بصفة عامة,,,؟ n لا أفضل ذلك، لأن الأنظمة كانت دائما تستعمل منطق المؤامرات عندما تمر بصعوبات ومشاكل. وأتساءل هنا.من أين تأتي هذه المؤامرة؟ ونحن المسؤولين عن ذلك، فلولا الانقسام الداخلي، و مواطن الضعف الداخلية لما كان المجال مفتوحا للمؤامرات، ولهذا أفضل استعمال مفهوم التدخل الأجنبي… o طيب أنا لدي سؤال في هذا الصدد وأتمنى أن لا أكون قد أخذت من وقتك الكثير السيد الأمين لأني أريد أن يكون هذا الحوار وثيقة للتداول أمام الرأي العام..فأي تجربة يراد قراءتها ينبغي معرفة معطياتها الداخلية والخارجية ، وهذا ما تقدمتم به، لكن السؤال أن هناك فعلا مطالب اجتماعية، وحراك يترجم أحلام شعوبنا في الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية وفي المطلب الديمقراطي الذي خضناه كحداثيين وديمقراطيين لكي نكون صفا إلى جانب الدول الديمقراطية، وهو المطلب الذي ابتغينا أن يكون له دستور كفيل وقوانين مصاحبة كفيلة ببناء الدولة الديمقراطية العادلة لكي نمر إلى مطلب التكافؤ بيننا وبين الآخر. لكن السيد بكوش أنتم تعرفون أن الربيع تحول إلى ما تقدمتم به، في هدم دول وفي شبه تشتيت أخرى في المنطقة العربية، وركب على المشهد نخب تقليدانية مؤججة بآليات إعلامية لضرب النخب الحداثية والنخب الديمقراطية الفعلية، وبالتالي تتفيهها وتقديمها للرأي العام الوطني والدولي على أنها نخب انتهت وينبغي عزلها وهذا هو المنحى الخطير الذي لم ننتبه إليه كديمقراطيين وحداثيين. نسألك السيد الأمين ماهي خارطة الطريق لمواجهة هذا المد وحماية هذه النخب التي تشكل الأطر الصلبة في حماية الدولة الوطنية وحماية استقرارها وسيادتها على ترابها، كيف والشارع عبئ ضد هذه النخب بشكل أو بآخر، وأنا أسائل فيك العقل النقابي والثقافي والسياسي المهني والتدبيري السيد بكوش ؟ n من المعروف تاريخيا أن للنخب تأثيرا على التطورات وما يحدث في المجتمع من تحولات ، ولكن لكي يكون هذا التأثير ملموسا وإيجابيا ينبغي أن يحدث في مناخ من الحريات، ولهذا أريد أن أشير أن ما وقع هو تهميش للنخب في فترات سابقة، وهو تهميش سياسي وحتى فكري بعدم تمكينها من التعبير عن أفكارها، نتيجة عدم تمكينها من الوسائل الكفيلة بإيصال صوتها إلى الجماهير ، وأقصد هنا الاعلام خاصة، حيث كانت وسائل الاعلام الجماهيرية حكرا على السلطة وأنصارها، وكل صوت مختلف وقع تهميشه، وهذا الوضع جعل النخب لا تؤثر التأثير الكافي, لكن مع ذلك يبقى للنخب تأثير بأشكال مختلفة. إن ما حصل في بعض البلدان بظهور النخب المحافظة وحتى الرجعية، راجع إلى عوامل لا تدخل في نطاق البلد الواحد، نتيجة وجود آليات إعلامية داعمة عربيا، على أوسع نطاق وبإمكانيات مالية ضخمة، رأيناها تبث ثقافة رجعية لا تواكب العصر.. o مقاطعة …أو ثقافة تقليدانية n لنقل تقليدية أو تقليدانية. وزيادة على ذلك هذه الثقافة التقليدانية الرجعية تنشر فتاوى خارج منظومة زمننا ولا معنى لها ، لكنها فتاوى تؤثر على عامة الناس، وهي الثقافة التقليدانية التي خلقت جيلا متأثرا بهذا التوجه، في الوقت الذي ظل فيه العقلانيون اللذين يملكون فكرا تنويريا دون إمكانيات تصريف فكرهم. ولهذا أقول أنه لا يمكن تحميل النخب التنويرية المسؤولية كاملة ، فالمسؤولية أوسع وأعمق، وهي منظومة متكاملة ينبغي قراءتها ومعالجتها. هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى فقد رصدنا أن المشهد الدولي لا يشجع النخب التنويرية والتقدمية، وبالمقابل تمادى في تشجيع النخب التقليدانية، وأرى أن هذا التشجيع يأتي من رؤيته المصلحية الذاتية، باعتبار الفكر التقليداني يخدم مصالحهم أكثر في المنطقة. وبناء على هذا الطرح، أريد أن أشير إلى أننا بالفعل نمر بمرحلة صعبة تحتاج إلى ثورة ثقافية لا إلى ثورة ميدانية، لأن الثورات الميدانية هي اليوم ثورات تهدم، لذلك فإني لا أومن بالثورات الهدامة أو ما يسمى الفوضى الخلاقة، لأن الهدم وإعادة البناء صالح مع الحجر لا مع البشر الذي يحتاج إصلاحا وثقافة تفتح الأفاق لتطوير العقليات. ولهذا فبالحجر نبني شيئا جديدا، أما هدم مجتمع فالأمر لا يستقيم، وما يستقيم هو الإصلاح بتغيير العقليات و بمشروع ثقافي متكامل، يشمل الثقافة الدينية والسياسية والحقوقية، مما يتطلب جهودا كبيرة وإمكانيات وإرادة سياسية. o ذهبتم السيد بكوش في جوابكم عن سؤالنا إلى جوهر القضية، وأنتم تعرفون معالي الوزير أننا في هذا الصدد محتاجون كدول في طريق النمو إلى شريك استراتيجي من أجل هذا المشروع الثقافي الحداثي أو التنويري الذي أشرت إليه، ولكي نتحدث عن هذا الشريك، فبالأمس نحن والآخر وقعنا مع بعضنا على مختلف الاتفاقيات لبناء هذا المشروع بمواصفات كونية، ودافعنا كنخب حداثية عن ذلك، بإنخراطنا في هذه الكونية، في مفاهيم حقوق الانسان، في الأنسة، في قضايا النساء وحرية المعتقد، إلى غير ذالك من منظومات مشتركة انخرطنا فيها بكل مسؤولية كنخب وكدول،بدرجات متفاوتة، لكن مقابل انخراطنا ذهب الآخر في الضفة الأخرى ينحو نحو النخب التقليدانية بدعمها ضد كل المشترك الذي اتفقنا حوله بإسم المفاهيم التي أبدعناها في العدالة الاجتماعية والحرية والكرامة، وخلقنا لها دساتير من أجل التجسيد عبر المساطر والقوانين التي تدخلنا مع الأخر في مفهوم كونية المفاهيم المشار إليها، وهذا ما اعتبرناه سياسة الكيل بمكيالين، ولهذا نسائلك السيد الأمين هل نستطيع اليوم بناء مشروعٍ ثقافيٍّ متكاملٍ في الظرفية الحالية، ومن سيكون شريكنا الاستراتيجي في ذلك؟ n أولا نحن لا نحتاج إلى شريك من خارجنا، بل نحتاج إلى شراكة داخلية، وانت تتحدثين عن اتفاقيات مع الأخر، فلنفعل ونطبق ونصادق على الاتفاقيات التي بيننا أولا، على المستوى المغاربي والعربي، فهناك العديد من الاتفاقيات غير مفعلة . ولهذا إن كنا لا نقوم بالفعل نفسه فكيف نطلبه من الآخر. ولهذا لنبدأ بأنفسنا،» فلا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم». أعتقد أن التركيز على البناء، ينبغي أن يكون في المجال الإقليمي، وأقصد هنا البناء المغاربي ، باعتباره بناء حتميا ضروريا لا غنى عنه، على المستوى الاستراتيجي ، كما أني لا أتصور نجاحا في المستوى العربي إن لم ننجح على المستوى المغاربي ، ولا أتصور نجاحا في المستوى الإفريقي إن لم نبدأ بالتكتلات والتجمعات الافريقية، التي أعتبرها المرحلة الأولى للبناء الأشمل والأوسع. أضيف أننا أمام مسؤولية تاريخية،وفي هذا الجانب فعلاقاتنا مع دول الشمال ضرورية، فلا يمكن أن نتطور بمعزل عنهم كما أن العكس صحيح، من أجل تكامل يفرض نفسه، لكن بالمقابل ينبغي أن تكون العلاقة بين الشمال والجنوب علاقة عادلة ومتكافئة ، يكون فيها الجميع «رابحا»أي رابح / رابح، فلا يكون أحدهم رابحا دون الآخر. فإذا نظرنا مثلا إلى التبادل التجاري شمال- جنوب ، نجد غياب العدل بنسبة كبيرة ، أما فيما بيننا كجنوب فتظل نسبة التبادل ضئيلة جدا، إن لم أقل أنها في الحد الأدنى. كما أعتقد أنه لدينا الكثير من المشترك مع شمال المتوسط، نظرا لهويتنا المتوسطية بحكم التاريخ الذي يعود إلى آلاف السنين، سواء منه التاريخ السلمي أو الحربي، لهذا ينبغي أن ننطلق من المشترك في هويتنا المتوسطية، دون تغييب أبعاد هويتنا العربية الإسلامية والإفريقية. … o طيب السيد الأمين، تحدثت عن مفهوم الشراكة بيننا كمغاربيين متوسطيين، وأنا أسألكم من موقعكم المؤسساتي، كيف يمكن أن نحقق هذه الشراكة المغاربية ، في منظومة مغاربية فيها العديد من «القنابل الموقوتة» والعديد من بؤر التوتر، نحددها في علاقات مغربية جزائرية معقدة جدا بخصوص ملف الصحراء المغربية، والتي تتفاقم كلما قلنا أننا سنصل إلى حلول، وأمام وضع، يضرب في عمق التضامن والتشارك الاقتصادي الذي أشرت إليه، وأقصد أحداث «الكركرات « كأحداث تسعى إلى تعطيل مسيرة التنمية على الأقل بيننا وبين موريتانيا، ناهيك عن الوضع الأمني المعقد في الخط الفاصل بين تونس وليبيا والذي يضرب في الحركة الاقتصادية التي شكلت رافعة للتضامن الاقتصادي وهي الحركة التي هي شبه منعدمة اليوم، في ظل هذه الأوضاع الأمنية الخطيرة والمنفتحة في انفلاتها على منطقة الساحل والصحراء. إذا كيف يمكن تحقيق هذه الشراكة بيننا لكي نكون تكتلا مواجها للتحديات الكبرى، يجعل على الأقل حوار 5+5 حوارا تفاوضيا وتكافئيا ، كما يجعل من منظومة شمال إفريقيا منظومة تسعى إلى تنظيم نفسها أمام المنظومات الإفريقية على الأقل وسط الاتحاد الإفريقي الذي نريد اليوم النهوض به كي يكون اتحاد الشعوب باسم التنمية والتضامن والتآزر والتكافل…من أين نبدأ والخارج الذي نريد أن نلغيه من تصورنا لا يريد أن يرفع يده وأنت تعرف أكثر مني السيد الوزير في سياسة التكتلات الأجنبية وتوجهاتها في المنطقة؟ n أنا لا أتحدث عن الخارج من زاوية رفع اليد في العلاقات الدولية ، لأن العلاقات الدولية تجعل الأيادي متشابكة بالضرورة، لكني أتحدث عن مفهوم الهيمنة التي لابد من مواجهتها بما يخدم مفهموم الشراكة، فمصالحنا مشتركة، وهي مصالح ضاربة في عمق التاريخ في الاقتصاد والمجتمع والثقافة، لكن السؤال الذي ينبغي طرحه في هذا الصدد هو :«كيف تكون هذه العلاقة التشاركية وكيف نفعّلها؟» . والجواب أن تفعيلها يقتضي أن نكون أطرافا متساوية، أطرافا تحترم بعضها البعض، وتراعي مصالح شعوبنا بدون أنانية ولا هيمنة، وهذا ما يجب أن نفرضه كتكتل على الأطراف التي تريد محاورتنا بيد عليا ، وهذا الأمر لا يستقيم، لذلك المقصود هو قيام شراكات لابد منها ، لكنها شركات مؤسسة على التكافؤ والعدل والاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، ولكن لكي نستطيع أن نكون كذلك لابد أن نكون أقوياء، ولكي نكون أقوياء ينبغي أن نكون موحدين . فالاتحاد الأوربي الذي يضم 28 دولة ، يتكلم بصوت واحد وله وزيرة خارجية واحدة مسؤولة عن الخارجية والأمن ، بينما نحن نتعامل فرادى، وهذا الوضع ليس عادلا . لهذا فينبغي أن نوحد أنفسنا أولا. فعلا هناك قنابل موقوتة ، ولها مخاطرها ولكن ينبغي تفكيكها « il faut désamorcer» . وبخصوص قضية الصحراء فموضوعها أممي، وليتنا نستطيع حل القضية إقليميا، لكن الأمر لا يدعو إلى التجاهل، و بالإمكان أن تحل القضية إقليميا لكن بإرادة مشتركة، لا بإرادة فردية إذ بذلك لا تستقيم الأمور، وأعتبر أن الأمر ليس بالعصي في الأصل إذا توفرت الإرادة السياسية في ذلك من الجميع، ويجب أن نعمل في هذا الاتجاه، لأن الأمر ضروري، وإن لم نبدأ فسنظل نمشي بصعوبة نحو أهدافنا، وتجاه الأطراف الأخرى.. o نعود إلى مؤسسة اتحاد المغرب العربي ما هي استراتيجيتكم خصوصا وأنكم جئتم في الزمن الصعب، والاستراتيجية التي كانت قبلكم وجهت لها الكثير من الانتقادات، وأشارت هذه الانتقادات إلى أن المؤسسة المذكورة ظلت فوقية الاشتغال وسجينة علائق بدون شعوب، وأن الممرات التي من المفروض أن تكون بين الهرم والقاعدة ظلت مجمدة، ولم تخصص الميزانيات الكفيلة بذلك في الشراكة الفعلية مع المؤسسات الحزبية والمدنية وكافة الشركاء المجتمعين، أي أن الاتحاد لم يكن له مشروع مجتمعي، فظل معيدا لخطابات الدولة الرسمية، ما هي خارطة الطريق بعد ما سمي الربيع العربي الذي هدم منطقة بكاملها؟ n عندما وقع تأسيس الاتحاد في مراكش منذ سنة 1989، الصيغة التي بني بها كانت مناسبة لذلك الوقت وكانت مناسبة للمنطلق، لكن الأوضاع تطورت بشكل يقتضي إدخال تعديلات وأكبر دليل على أن الصيغة لم تعد صالحة ولكن في حاجة إلى تعديل، هو أن مجلس رؤساء الدول صاحب القرار لم يجتمع منذ 1994، وهذا في حد ذاته يدل على انه يجب إدخال تعديلات ، وعلى سبيل المثال فمجلس رؤساء الحكومات منصوص عليه في القانون التنظيمي للاتحاد لكنه لم يفعّل ولو مرة واحدة، ولهذا بإمكاننا تفعيل ذلك في فترة انتقالية كبديل ، كما يمكن بالطبع التفويض لمجلس وزراء الخارجية، وهو المجلس الذي يجتمع بانتظام أكثر مقارنة مع المجالس الأخرى، والدورة التي ستلتئم بالرباط قريبا ستكون الدورة 35 ، مما يدل على أن هذا المجلس التأم بمعدل أكثر من مرة واحدة في السنة وهو شيء هام، لكن هذا الأمر يبقى في مستوى القرار السياسي, ويمكن التركيز في الفترة القادمة على أمرين متعلقين أولا بتوسيع نطاق المجالس القطاعية التي يجب أن تشمل جميع الميادين التنموية – لأن البعض منها لم يجتمع إلا مرة واحدة أو لم يجتمع مطلقا، ولابد من تكثيف الاجتماعات وهذا ما سنحرص عليه وما سنعرضه من جملة الإصلاحات ليقع تفعيل جميع المجالس القطاعية دون استثناء، وبصفة منتظمة، لأن ذلك يمثل القاعدة التي يقوم عليها الهرم. ومن ناحية أخرى لا يجب أن يظل الأمر في مستوى المؤسسات الحكومية فقط بل يجب أن يشمل المجتمع المدني بكل أطيافه، في تنظيماته المهنية والمنظمات الحقوقية والتنموية والنسائية والشبابية، وهذا ما ينقصنا على مستوى العمل المغاربي ، وينبغي التركيز عليه ، واستدراكه. إن الدينامية التي يخلقها المجتمع المدني لها تأثير على القرارات السياسية ولهذا لا بد من تكامل وأن تكون هناك ممرات تواصلية، وأنا أومن شخصيا بهذا المنحى، خاصة أن تجربة الانتقال الديمقراطي في تونس ما كانت لتنجح لولا رعاية المجتمع المدني . لقد حضرت الحوار الوطني ، في ذلك الوقت كأمين عام لحزب في كل مراحله ، وحصلت لي قناعة أن الحوار بين الأحزاب لا يمكنه أن ينجح لأسباب عديدة، واعتبرت أنه لإنجاح الحوار الوطني لابد من إشراك المجتمع المدني بإعتباره شاهدا وضامنا وراعيا، وبذلك نجح الحوار، وهذه تجربة ملموسة عشتها شخصيا, وليس بالضرورة أن يطبق ذلك في كل مكان لأنه ليس في كل دولة توجد حركة نقابية عريقة قامت بدور في التحرر الوطني. ولا بد أن نتبين في كل مجتمع ما هي مراكز القوة التي بإمكانها فعل ذلك، بإمكان هذه القوة أن تكون في مجلس شيوخ القبائل مثلا كبديل عن المجتمع المدني، فلابد من استغلال كل الإمكانيات المجتمعية كي لا تبقى الأمور معلقة فوقيا, o طيب أتمنى أن تجد هذه الإستراتيجية صداها لدى كافة الشركاء، وسأمر بك إلى سؤال دقيق، والمغرب يعود إلى الاتحاد الإفريقي، يكون المشهد التنسيقي في مؤسسة اتحاد المغربي قد استكمل ليكون نواة فاعلة داخل الاتحاد الافريقي ، لكن هناك مؤاخذات على هذا التكتل باعتبار المغرب العربي لا يستطيع وسط التحديات الموجودة أن يكون اتحادا ناجعا وقادرا على النهوض بالمجموعة الشمالية لإفريقيا على الأقل في التنسيق الاستراتيجي مع مجموعات افريقية غربا وشرقا وجنوبا ، كيف ترى هذا المغرب العربي أو شمال إفريقيا داخل منظومة الاتحاد الإفريقي هل يستطيع أن يكون مؤثرا وفاعلا مع المجموعات الاخرى ؟ n ممكن بطبيعة الحال ، أولا لا يوجد تناقض بين المؤسستين، وأقصد الاتحاد الإفريقي واتحاد المغرب العربي، في الانخراط إقليميا، وأعتقد أن التعاون هو ما سيحدث، فهناك تجمعات إفريقية فاعلة، والتجمع الأقرب إلينا هو غرب افريقيا وهو تجمع له آلياته التي يمكن أن نستفيد منها وأن نتفاعل معها، وتوجد بالفعل علاقات بين التجمعين ، كما أن التعاون بإمكانه أن يكون بصفة جماعية أو ثنائية ، أي أن دولة من دول المغرب العربي تستطيع التعامل مع دولة أخرى في تجمع غرب افريقيا، وقد وقع تسرع في نظري من طرف بعض وسائل الإعلام التي ذهبت إلى كون الانخراط الأكبر في المستوى الإفريقي على مستوى الاتحاد وعلى مستوى غرب افريقيا هو خروج عما هو إقليمي,وهذا غير صحيح، فمن الناحية السياسية توجد إرادة في أن نطور إتحاد المغرب العربي، حتى يكون طرفا فاعلا في ما هو أوسع، لكن هذا لا يعني أننا اخترنا شيئا ضد شيء آخر.. o السيد الأمين إذا سمحتم فالأمور لا تؤخذ بالنوايا الحسنة ، فإذا أردنا أن نعطي للمغرب العربي قراءة داخل المجموعات الإفريقية نجده بنية هشة وغير مستقرة نظرا للوضع الناتج عما سمي الربيع العربي ، وزاد الأمر هشاشة الحكومات المتذبذبة ، وهذا واقع، و لا يعني توجيه أي اتهام ضد ساحة معينة، واقع نقرأه بكل مسؤولية وشفافية ، وبكل وضوح أمام الرأي العام، ونعرف أن مشروعكم حالم في المستوى الذي ينبغي أن يكون، فهل نستطيع اليوم أن نشرع في تنفيذ الحلم ، أم أننا سنتوجه به للمستقبل، وانتم لكم لقاء على مستوى وزراء الخارجية في شهر أبريل ، متى ستبدأون؟ n من الآن…»ضاحكا» o كيف «باستغراب؟؟؟ n أولا في اجتماع الدورة الخامسة والثلاثين لوزراء الخارجية سوف نطرح هذه المقترحات لتحريك كافة القطاعات، وسنناقش ذلك، ونتخذ فيه قرارات وبمجرد اتخاذ القرارات ، سنبدأ في تفعيلها ، هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى وفيما يتعلق بالمنظومة، توجد جهود ستبدل وهي بصدد ذلك، لتفعيل المؤسسات الاتحادية ، منها الهيأة القضائية الموجود مقرها في نواكشوط، والمجلس الاستشاري البرلماني الموجود مقره بالجزائر، تم البنك المغاربي للتجارة والتنمية الموجود مقره في تونس، تم أكاديمية العلوم والجامعة الموجود مقرهما في ليبيا والتي يصعب أن تنشط في الوضع الراهن ويجب أن نساعدها على ذلك. إذا فتفعيل المؤسسات الاتحادية الخمس وتفعيل القطاعات الوزارية في مختلف الاختصاصات، وهذا المنحى أساسي، هو الرافعة الحقيقية لمستوى التكامل المغاربي بصفة تدريجية، فأن نكون طموحين شيء إيجابي، ولكن نكون كذلك واقعين في بناء تسلسلي نتقدم فيه خطوة خطوة، والزمن يخدم المنطقة تاريخا، فمهما تعطل البناء فلا بد أن نصل لأن اتحاد المغرب العربي خيار استراتيجي حيوي بالنسبة لمنطقتنا وشعوبنا. o طيب نريد أن ننهي هذا الحوار المفيد معكم في تساؤل حول قضايا بودنا معرفة وجهة نظركم فيها: 1/ عودة المغرب للاتحاد الافريقي؟ n عودة المغرب للاتحاد الافريقي شيء إيجابي بطبيعة الحال، فالمغرب جزء من إفريقيا كما أن كل البلدان المغاربية هي جزء منها، والمغرب هو واجهة في العلاقة مع أوروبا، لهذا فالعودة مباركة. o الوضع في الساحل والصحراء؟ n الوضع مازال دقيقا لأنه يوجد مشكل أمني كبير ويتطلب احكام التنسيق ، وهذا المشكل ناتج عن الاضطرابات الحاصلة، فهي مناخ ملائم لإنتعاش التجارة الموازية الكامنة في تهريب السلاح والبشر وكل المواد المسموح بها وغير المسموح بها، مما يجعل المنطقة مفتوحة على ممارسة الإرهاب من بابه الواسع، نظرا للتنسيق بين كافة التمظهرات في المنطقة من تجارة السلاح إلى تجارة البشر، بتمويلات وحماية متبادلة بينها ،لهذا ينبغي التنسيق بين الدول المغاربية، للحد من ذلك، حتى تكون المنطقة أكثر استقرارا وأن نوفر بنية اقتصادية واجتماعية حتى لا ينخرط الشباب في أعمال إرهابية, o أحداث الكركرات؟ n مؤسفة بطبيعة الحال ولا ينبغي أن يحدث ذلك بين الأشقاء، لهذا ينبغي معالجة الأمر سياسيا وبالتي هي أحسن، وتجنب كل ما من شأنه ان يعقد الأمور في استعمال القوة. o قضية الصحراء والحكم الذاتي؟ n بما أن القضية في يد الأممالمتحدة ويقودها أمين عام جديد يعرف المنطقة أكثر من ممن سبقه قد يساعد على التقدم نحو الحل، وأنا شخصيا أعتقد أن معرفة الرجل بالمنطقة وقربه منها ، قد يكون أكثر فاعلية في هذا الاتجاه. o الوضع في ليبيا؟ n الوضع في ليبيا معقد جدا وما أمله هو أن يتغلب العقل والحوار ، فقد كنت من بين حضور اتفاق الصخيرات وكنت متفائلا، ومع الأسف تبين أنه حوار منقوص ولم يحقق الأهداف المنشودة ، ولهذا لا بد من إدخال التعديلات اللازمة لكي يكون في وضع أفضل، لكن الحل لا يكون عسكريا وبالتدخل الأجنبي وإنما بالتوافق والحوار السياسي بين الفرقاء o شكرا لك السيد الأمين على هذا اللقاء الذي وضح لنا الكثير من الأمور.. n شكرا لكم على الاستضافة..