يبدو من خلال الوقفة الاحتجاجية التي دعا إليها التحالف المدني الفصل 19، أمام مقر البرلمان مساء أمس بالرباط، أن النساء المشاركات في هذه الوقفة ليس فقط أنهن قد أحسسن بمرارة الذل والاهانة وخدش للكرامة وبشكل عميق، بل شعرن أيضا بالخوف والقلق على المستقبل، وعدم الاطمئنان لما قد يأتي مع رئيس للحكومة لم يستطع بعد أن يفرق ما بين مسؤوليته الحزبية كأمين عام للحزب ومسؤوليته الدستورية كرئيس للحكومة. قبل الموعد المحدد للوقفة، الساعة الخامسة مساء للوقفة الاحتجاجية، تم ترديد بعض الإشاعات داخل الأوساط الجمعوية والنسائية، والاعلاميين أن الوقفة قد تغير توقيتها، وسيتم تنظيمها على الساعة الثالثة بعد الزوال، وفيما بعد ستأتي إشاعات كاذبة أخرى عن منع هذه الوقفة من طرف السلطات، ليتبين في الأخير أن هناك أيادي خفية تصطاد في الماء العكر تسعى إلى أن يكون الحضور هزيلا، أو تطمح بالأساس لهضم حق النساء في الاحتجاج عن طريق بث البلبلة ونشر الإشاعات الكاذبة. لم تصل الساعة الخامسة مساء حتى بدأت تتقاطر وفود النساء والفعاليات الحقوقية، والإعلامية، والأمازيغية، والبرلمانيات، والناشطات الجمعوية ثم الوجوه البارزة في الحركة النسائية المغربية ثم رئيسات بعض المقاولات، كل حناجر هذه الفعاليات النسائية كانت صوتا واحد يصدح بكلمات «لا لإهانة المرأة المغربية من طرف رئيس الحكومة»، والتي كانت تحت شعار "بنكيران حدك تم". لقد رددت المشاركات في هذه التظاهرة، التي واكبتها وسائل إعلام مكثفة، عددا من الشعارات الرمزية الدالة التي ترفض هذا الأسلوب من رئيس حكومة مفروض فيه تفعيل وتطبيق الدستور 2011 واحترام مقتضياته. فبالنسبة لفاطمة بلمودن، عضوة المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، اعتبرت أن هذه الوقفة الاحتجاجية كانت ضرورية، وكان يجب أن تكون داخل البرلمان من طرف المستشارين، لأن بتصريحات رئيس الحكومة تلك ألغى فيها كل قوانين البلاد ودستورها، ورئيس الحكومة مؤتمن على تطبيق الدستور ومؤتمن على حماية القانون، والقانون، كذلك، ينص على حرية المرأة وعلى مساواتها في جميع الحقوق والواجبات، تضيف بلمودن، فكان عليه ألا يتصدق بذلك الكلام، وكان على أن المستشارين أن يضعوا له نقطة نظام في الحين، وألا ينصتوا إلى كلامه، فبنكيران لم يقل هذا الكلام في سمر أو جلسة خاصة، بل قاله في مؤسسة دستورية، ولم يحترم بذلك الدستور، ولهذا لن يستحق أن يكون مؤتمنا على الدستور وتطبيقه. ومن جهتها أكدت السعدية بسهلي، عضوة المكتب السياسي، أن الاتحاد الاشتراكي بنسائه ورجاله وشبيبته يشارك في هذه الوقفة الرمزية ليعلنها صرخة عالية أنه ضد كل ابتزاز وتسويف، وضد كل ابتزاز وتسويف للمرأة ومساومتها في مكتسباتها، ونعتبر أن ما قاله رئيس الحكومة خارج منطق التطور ومنطق التاريخ، لأن المرأة خرجت إلى العمل بفعل الحاجة إلى هذا العمل، وبفعل أيضا حاجة الأسر إلى هذا العمل. وأضافت بنسهلى، على رئيس الحكومة أن يعرف أن هناك أسرا مغربية عديدة تعولها نساء، ولا يجب أن يصدر الأزمة بسبب سياسته الهجينة اللا شعبية على حساب النساء، فالأزمة قائمة وعليه تحمل مسؤوليته السياسية كاملة في حل هذه الأزمة وتفعيل الدستور وفي إحقاق الحقوق وعدم المس بالمكتسبات التي ناضلت الحركة النسائية والقوى الديمقراطية من أجلها. أما بالنسبة لخدوج السلاسي، رئيسة المنظمة الاشتراكية للنساء الاتحاديات، فقد قالت "نقف اليوم أمام البرلمان المجال الرمزي للتشريع، نقف كنساء حداثيات وتقدميات الى جانب كل الحداثيين والحداثيات لنعلنها بقوة أننا حريصات وحريصون على حماية المكتسبات ورفع السقف المطلبي، ولن نسمح مطلقا أن تكون الديمقراطية في خطر والتراجع عن المكتسبات التي قدمنا من أجل أثمنة غالية وتضحيات جسام، وأقدم تحية عالية لكل نساء المغرب لكل ربات البيوت لكل الحداثيات والديمقراطيات. وشددت لطيفة الجبابدي، الوجه البارز في تاريخ الحركة النسائية المغربية، على أن الحركة النسائية والقوى الديمقراطية لن تسمح بتمرير كذا خطاب في المؤسسة التشريعية من طرف رئيس للحكومة، وأن يمر هذا الكلام مرور الكرام، لأن هذا يدق ناقوس الخطر بالنسبة لنا، وباعتبار كذلك أن هذا الخطاب ينم عن رؤية و مشروع مجتمعي محافظ نكوصي، رجعي، يريد العودة بنا إلى زمن قهر النساء والحجر عليهن.. وسنتعبأ ونتصدي لكل محاولات المس بحقوقنا وبكرامتنا وبمكتسباتنا. واعتبرت نزهة العلوي، رئيسة شبكة نساء من أجل النساء، أن هذه الوقفة التي جمعت كل تلاوين الحركة النسائية وفعاليات المجتمع المدني والحقوقي والأحزاب السياسية المختلفة ، كلها جاءت من أجل ترجمة هذا الشعار، إلى شعار واحد "بنكيران حدك تم' لأن تصريحات رئيس الحكومة محاولة للرجوع بالمغرب إلى ما بعد وقبل دستور 2011، وإلى محاولة إعادة رسم الأدوار التقليدية للرجال والنساء، وإلى محاولة حل الأزمة للحكومة على حساب النساء، محاولة تفسير أزمة التشغيل وغيرها من الأزمات، وأن النساء هن السبب فيها. أما مديرة الأخبار في القناة الثانية سميرة سيطايل، أكدت أن مشاركتها في الوقفة تأتي لأنها "تخاف كجميع نساء البلاد من وجود تراجعات في الحقوق المكتسبة، ولست ضد أو مع أحد، "أنا مع راسي"، ومن حقي كمواطنة حرة أن أحضر في هذه المظاهرة كصحافية وكمواطنة تخاف على ابنتها وعلى مستقبلها في المملكة،" مضيفة أن رسالتها من مشاركتها في الوقفة أن "أمير المؤمنين هو الذي يمتلك الحق في الحديث عن الدين في هذه البلاد ". يذكر أن المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي قد أصدر بيانا عقب اجتماعه يوم الاثنين الماضي يدعمه فيه هذه الوقفة الاحتجاجية التي دعا لها التحالف المدني الفصل 19، واعتبر ذات البيان أن ما عبر عنه رئيس الحكومة، مناقض تماما للمبادئ الواردة في الدستور، والتي تنص على المساواة والمناصفة واحترام المواثيق والمعاهدات الدولية في مجال حقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين، بالإضافة إلى كل الالتزامات التي صادق عليها المغرب، في هذا المجال.