فجأة، في بداية هذا الشهر، دعا آرثر سالزبيرغر، صاحب صحيفة «نيويورك تايمز» وناشرها، إلى اجتماع عاجل للصحافيين. وأعلن، ليس فقط سبقا صحافيا عليهم كلهم، ولكن، أيضا، كان الخبر هو عزل، رئيسة التحرير التنفيذية. وتعيين دين ماغيت، رئيس التحرير الإداري، مكانها. (حسب التقسيمات الصحافية الأمريكية، «إكسيكيوتيف»، تنفيذي، أعلى من «ماندجينغ»، إداري). وهكذا، تحولت قيادة الصحيفة من أول امرأة إلى أول أسود. بعد الاجتماع، قال كثير من الصحافيين إنهم فوجئوا بالخبر. لكن، قال آخرون إنهم أحسوا، منذ سنوات، بتوتر في العلاقة بين ابرامصون وماغيت في جانب، وبين ابرامصون والناشر، في الجانب الآخر. لكن، سريعا، لم يعد فصل ابرامصون موضوعا داخل الصحيفة، أو حتى وسط الصحافيين. صار موضوع نقاش حول العلاقة بين الرجل والمرأة، وحول المنافسة بينهما، ليس فقط داخل المنزل، ولكن، أيضا، خارجه. وكالعادة، هبت منظمات نسائية للدفاع عن ابرامصون. ليس فقط لأنها صحافية ممتازة، ولكن لأنها امرأة، فصلها رجل، ووضع محلها رجلا. في الحقيقة، لا يمكن تقليل أهمية ابرامصون: أولا: كانت أول امرأة ترأس صحيفة «نيويورك تايمز». ثانيا: اختارتها مجلة «فوربس» واحدة من أهم عشر نساء أمريكيات. ثالثا: اختارتها مجلة «فورين بوليسي» واحدة من أهم مائة امرأة في العالم. في البداية، تطوع ألكس جونز، كاتب عمود في مجلة «تايم»، وقال إن فصل ابرامصون ليس عن المواجهة بين النساء والرجال. ولكن عن المواجهة بين أصحاب الصحف والعاملين فيها. وقال: «في شركة نيويورك تايمز، يعمل كبار المسؤولين في القسمين: التحريري، والإداري، تحت رحمة أفراد العائلة. والويل لمن لا يعرف ذلك». وأضاف: «خاصة إذا لم يكن المسؤولون الكبار من العائلة». وأشار إلى بعض الأمثلة: في عام 1963، فصل بانش سلزبيرغر، الجد الناشر، أموري برادفورد، المدير التنفيذي (ليس من العائلة). فصله في أول يوم تولى فيه منصب الناشر، وذلك لأن برادفورد كان يحتقره (ويحتقر العائلة) في الخفاء. في عام 1997، في آخر يوم قبل أن يترك بانش سلزبيرغر منصب الناشر، فصل لانس بريميس، المدير التنفيذي. وذلك لأنه كان اقترح أن يبتعد أفراد العائلة عن العمل الصحافي اليومي، و«يجلسوا في مكاتبهم يحسبون الربح كل يوم». في عام 2003، فصل آرثر سلزبيرغر، الناشر الجديد، هاول رينز، رئيس التحرير التنفيذي. وحمله مسؤولية التقارير الصحافية المزورة التي كتبها صحافي أسود شاب، جاسون بلير، عن حياة الزنوج في حي هارلم في نيويورك. في عام 2011، فصل آرثر مديرة الشركة، جانيت روبنسون، «من دون أي سبب». في بداية الشهر الحالي، فصل آرثر رئيسة التحرير التنفيذية جيل ابرامصون. «من دون سبب علني، لكن يوجد تفسير عن توتر علاقتها مع رئيسها. وهو من العائلة، وهي من خارجها»، كما كتب معلق مجلة «تايم». لم يقل المعلق إن توتر العلاقة له صلة بحقيقة أنه رجل، وهي امرأة. لكن، هذا ما ركزت عليه منظمات حقوق المرأة التي هبت للدفاع عنها. كان، ويزال، دفاع هذه المنظمات النسائية عاطفيا في بعض الحالات. لكنه يعتمد على حقائق، منها: أولا: الخلفية التاريخية لسيطرة الرجل على المرأة. ثانيا: الاختلافات الطبيعية، التي يستغلها كل جانب. ثالثا: خروج المرأة من المنزل إلى مكان العمل. ومنافستها للرجل، وخوف الرجل على وظيفته، وعلى مكانته. لهذا، دافع عن ابرامصون نوعان: عاطفيون، وخبراء في العلاقة بين الرجل والمرأة. من بين الخبراء: أنتوني كارنيفيل، ونيكول سميث، الأستاذان في قسم دراسات مكان العمل، في جامعة جورجتاون (واشنطن العاصمة). كانا أجريا بحثا مشتركا عن «ظلم» المرأة العاملة. وجاء فيه: «بصورة عامة، يساوى راتب المرأة ثلاثة أرباع راتب الرجل. نعم، تدفع الوظائف النسائية، أو شبه النسائية، أقل مما تدفع الوظائف الرجالية، أو شبه الرجالية. لكن، حتى بعد أن وضعنا اعتبارات لاختلافات هذه الوظائف، وجدنا أن راتب المرأة يساوي نصف راتب الرجل». طبعا، هذا دفاع غير مباشر عن ابرامصون، بالقول إنها ضحية «ظلم الرجل للمرأة». هل يشمل هذا «ظلم الصحافي للصحافية»؟ قالت ذلك باربرا هندرسنتش، في صحيفة «فلادلفيا انكاوايارر». وأشارت إلى كتاب عن هذا الموضوع. هذا هو كتاب: «نيوز، جندر، باور» (الأخبار، الجنس، القوة). جاء في مقدمة الكتاب الآتي: «في عام 1936، أصدرت إيميلي هوكز، صحافية بريطانية، كتابا عن زيادة اهتمام الصحافيين بأخبار النساء. وتحدثت عن ظاهرة بدأت مع بداية القرن العشرين، وهي تخصيص صفحة للمرأة في الصحف والمجلات الرئيسة. وكانت تشرف عليها صحافيات لا عمل لهن سوى تغطية أخبار النساء. وكانت توجد أقسام للصفحات النسائية، منها: الموضة، الجمال، الأزياء، و(الإشاعات)». طبعا، خلال مائة سنة، تغير الوضع. وصارت جيل ابرامصون رئيسة تحرير «نيويورك تايمز». لهذا، كتبت الصحافية إزابيل غراسي تحت عنوان: «فقدنا قائدتنا». كتبت: ينقسم الذين يدافعون عن فصل ابرامصون (أغلبيتهم رجال) إلى قسمين: أولا: الذين قالوا إنها كانت صحافية «مناكفة» و«متعالية» و«صعبة» و«غير منطقية». طبعا، يمكن أن يصدر هذا الاتهام ضد صحافيين أيضا. لكن، قالت هذه الصحافية المدافعة عن ابرامصون، إن صحافيين يتعمدون إلصاق هذه الصفات بصحافيات وكأنهن يجب ألا يكن مثل الرجال «حتى في السوء». ثانيا: الذين قالوا إنها لم تفصل لأنها كانت «مناكفة»، أو بقية الأوصاف السيئة، ولكن، فقط، لأنها «وومان ويث باور» (امرأة لها قوة). لم يقولوا «باورفول وومان» (امرأة قوية)، وكأن القوة ليست من طبيعة النساء، وفقط من طبيعة الرجال.