في وقت كان فيه اسم المخرج حسن الإمام ملء السمع والبصر ظهر ابنه الشاب حسين الإمام في دور أقرب إلى كومبارس منه إلى الممثل في فيلم «التوت والنبوت» كأحد رجال الفتوة حمدي غيث، ولم تشفع له مكانة أبيه وشعبيته صانع الأفلام الذي لقب دون غيره بمخرج الروائع. تدرج الفنان حسين الإمام في الأدوار تدرجا طبيعيا وصعد السلم ببطء إلى أن شغل حيزا لا بأس به في الساحة الفنية كممثل تسند إليه أدوار أقل من البطولة وأكبر من الأدوار الثانوية، وهذه هي المنطقة الأصعب لإثبات الموهبة والقدرة على الإبداع، ولكن برغم ضيق الفرص الحقيقية استطاع «ابن الوز» أن يقتنص أقل القليل منها ويقدم نفسه كممثل حقيقي وليس ممثلا بالوراثة ويتجاوز عقدة الأب المخرج الكبير الذي ظل شبحا يطارده فأخذ منه بدلا من أن يضيف إليه بغير نية أو قصد وإنما لطبيعة الربط بين حسن الإمام والابن المدلل وفق رؤية الجمهور وبعض النقاد ومحرري الصحافة الفنية. لم يقف الفنان إزاء هذا الأمر مكتوف الأيدي بل كافح وثابر واجتهد ليصنع لنفسه حاضرا ومستقبلا بعيدا عن شهرة أبيه الطاغية فقدم دوره المتميز في فيلم «حكايات الغريب» مع المخرجة «إنعام محمد علي، الرجل المستغل والتاجر الانتهازي الجشع الذي يتاجر في قوت الشعب في أيام الحرب العصيبة دون أن يأبه باحتياجات الناس ومعاناتهم ووقف الإمام ندا قويا أمام محمود الجندي وشريف منير يباريهم في الأداء الاحترافي بكل جدارة ومهارة. كانت هذه أولى المحطات الكبرى في مشواره الفني الذي لم يطل كثيرا وانتهى برحيل مفاجئ عن عمر تجاوز الستين بقليل. مرت سنوات فاصلة ما بين تجربته مع المخرجة الكبيرة والفرصة الثانية مع المخرج خيري بشارة في فيلم «كابوريا»، حيث كان التحدي أصعب فهو يدخل في مقارنة مع عتاولة التمثيل وأمينة رزق ويشكل دويتو مع نجمة كبيرة في حجم رغدة وهي مسؤولية كبرى عليه أن يرتقي لمستواها، وبالفعل شحذ حسين الإمام كل طاقته وأدى أداء مدهشا فأبهرنا ببساطته وعفويته في تقمص شخصية الشرير المغامر المقامر الغريم وعود الفضل في ذلك بالطبع لخبرات خيري بشارة في توظيف قدراته والاستفادة منها على النحو الدائم للدور والشخصية الدرامية. خرج الفنان الراحل من هذا الفيلم بطلا مكتمل المواصفات لا يقل تأثيرا في الجمهور الذي يحبه عن أحمد زكي فقد قلده الشباب في طريقة لبسه وحركاته وإيماءاته وخفة دمه ونوازع الشر المصطنعة في شخصيته ومن «كابوريا» إلى «احكي يا شهرزاد» فيلم وحيد حامد ويسري نصر الله كانت المحطة الثالثة الكبرى، فالأداء مختلف هو نوع من مزج مستساغ بين الكوميديا والمسحة الإنسانية، حيث قدم في ثلاث أو أربع مشاهد فقط مع الفنانة سوسن بدر خليطا متجانسا بطعم السخرية والفكاهة وهو أمر من الصعوبة بمكان لأنه يتطلب إعطاء انطباعات متباينة في زمن قياسي محدود وقد نجح الممثل الذي صار قديرا بالتمرس في إقناعنا باللحظة الدرامية العابرة بكل تنويعاتها. أدوار أخرى كثيرة قدمها حسين حسن الإمام منها ما وقر في الذاكرة كالذي استشهدنا به ومنها ما مر مرور الكرام، لكنه ظل حاضرا بقوة في الدراما التليفزيونية والبرامج الفكاهية، ففي السنوات الأخيرة قدم برامج مسابقات وبرامج مقالب ومن أهمها نقده لظاهرة الغناء الهابط ووهم الثراء والشهرة الذي دفع بالكثير من الشباب للتعلق بحلم النجومية واتخاذ الغناء وسيلة سهلة لتحقيق أحلامهم أو أوهامهم. كما قدم الراحل أيضا برنامجا عن مهارة الطهي وأشهى المأكولات في بادرة منه للتعبير عن هوايته القديمة التي كثيرا ما مارسها مع أصدقائه القدامى في بيته بالريف الأوروبي في أطراف القاهرة للاحتفال والمرح والسمر واستدعاء الذكريات الجميلة. هكذا كان الفنان ابن الفنان مقبلا على الحياة محبا لها لكنه ودعها وداعه المبكر مخلفا وراءه رصيدا ليس بالقليل من الأعمال وحبا وفيرا وذكرى جميلة ومودة.