دراسة قطرة ماء غريبة الخصائص تسمح للعلماء بفهم أوسع لبنيات و مكونات هذا السائل الضروري للحياة لم يسبق لأي شخص أن غمس أصبعه في مثل هذا الماء. فحرارته تصل إلى 15 درجة تحت الصفر مع قوة ضغط سلبية تبلغ 1200 بار... أي بمعنى آخر ينبغي أن يتجمد هذا الماء فورا أو يتبخر. و مع ذلك لم يحصل أي شيء من هذا، بل ظل الماء ماء أمام أعين باحثي معهد النور و المادة بجامعة "ليون" و جامعة "كومبلوتنسي" بمدريد، الذين قدموا تقريرهم إلى أكاديمية العلوم الأمريكية في التاسع عشر من ماي الجاري. هذه الظاهرة تفتح الآمال للتعرف أكثر على فيزياء السحب و خصائص تراجع البروتينات البيولوجية، و هي أنظمة يوجد بها الماء في أوضاع غير مستقرة و شاذة شبيهة بهاته الحالة. و هي خطوة مهمة لفهم هذا السائل البسيط و الملغز المكون من ذرتي هيدروجين و ذرة أوكسجين واحدة. يقول "سيباستيان باليبار" و هو خبير في مختبر الفيزياء الثابتة و لم يشارك في هذه التجربة : "من المثير للاستغراب القول أننا و نحن في العام 2014 لا زلنا لا نفهم تركيبة الماء". و يؤكد "خوسي تيخيرا" و هو باحث في مفوضية الطاقة النووية و الطاقات البديلة : "الماء ليس سائلا كالسوائل الأخرى". فهو حين يتجمد يتحول إلى ثلج يطفو فوق الماء ،في حين أنه كمادة صلبة ينبغي أن يكون أكثر كثافة من الحالة السائلة و لذلك كان ينبغي أن يغوص.و علاوة على ذلك فإن الماء حين تفوق درجته درجة الصفر، و عوض أن يتمدد بفعل الحرارة فهو على العكس يتقلص ثم يبدأ في التمدد ابتداء من الدرجة 4 مئوية. و الواقع أنه تم تسجيل عشرات الحالات الشاذة و الملغزة للماء. أحد هذه الألغاز يتعلق بحيز حراري يسميه العلماء "نو مانس لاند" (المنطقة المعزولة أو الخلاء). و هو حيز يقع بين درجتي 20 و 40 تحت الصفر، مع ضغط عادي. فالجميع يراهن على أن الماء في هذه الحالة سيكون صلبا و متجمدا، غير أن الواقع أمر آخر، فقد أظهرت العديد من التجارب أن الماء الذي يتم تبريده يمكن أن يظل سائلا إلى حدود 40 درجة تحت الصفر. و في المقابل فإن الماء حين تنزل درجة حرارته عن 120 درجة تحت الصفر لا يكون بالضرورة في حالة صلبة بل في حالة مغايرة زجاجية، فهو لا يغوص مثل مادة صلبة، و لكن ذراته تتحرك كما لو كانت في حالة السيولة حسب ما يتراءى من خلال المجهر. و إذا ما حاولنا تسخين و تذويب هذه المادة الصلبة تتحول إلى جليد و ليس إلى ماء سائل. و زيادة في التعقيد هناك نوعان من هذه المادة الزجاجية بكثافتين مختلفتين: أحدهما أثقل و الثاني أخف من الماء السائل. هذا "النومانس لاند" يبدو عسير الضبط بسبب تبلوره. لكن كيف يبدو شكلا؟ هل هناك سائلان مختلفان في هذه المنطقة العجيبة؟ على هذه الأسئلة يحاول فريق "فريدريك كوبان" الإجابة بولوج منطقة "نومانس لاند" هاته عبر طريق مختلف، لم يسبق لأحد أن تنكبها. يقول "خوسي تيخيرا" " منذ بضع سنوات، ترك الباحثون التجريبيون الساحة لفائدة خبراء المحاكاة الرقمية. و لذلك فإن عودة فريدريك إلى التجريب في هذا الموضوع يشكل إنجازا". و لهذه الغاية، درس الباحثون عينتين من الماء إحداهما مصطنعة و الثانية طبيعية مستقدمة من جبل "مونبلان". و خفض الباحثون بحرص شديد الحرارة في هاتين العينتين المغلقتين، و واصلوا عملية التبريد تحت درجة ضغط واحدة إلى أن تحول الماء إلى جليد ثم إلى ماء من جديد في درجات تحت الصفر. و في النهاية حصل الباحثون على ماء مزدوج الهشاشة، لأنه مهدد بالتحول إلى بلورات جليدية أو التحول إلى بخار. و بدراسة خصائص هذا الماء، عن طريق ليزر يخترق العينات من أجل حساب سرعة الصوت في الماء لاستخلاص كثافته، إذ كلما كانت المادة كثيفة كلما انتشر الصوت ببطء. و المفاجأة أن الكثافة وصلت إلى درجة قصوى في حين أن بعض النماذج تقتضي أن ترتفع بدون توقف مع انخفاض الحرارة. و يختم "فريدريك كوبان" بقوله : "ليست هذه نهاية التاريخ لكننا نملك الآن الأمل في التعرف أكثر على هذه المنطقة". و سيقوم بالمزيد من التجارب و ذلك بإضافة شيء من الملح إلى الماء قصد تغيير النظام كما سيدرس أسباب هذه التغيرات في الماء، فقصص الماء لم تنته بعدُ. عن "لوموند" 21 ماي 2014