في هذا الحوار مع صاحب «أبّوستروف»، الذي حلّ ضيْفا على مدينة طنجة، يقول برنار بيفو، الكاتب والإعلامي ومقدم البرامج الأدبية الأكثر شهرة في فرنسا، منذ برنامج »ابوستروف« وبعده »بويون دو كولتور« بأنّ إن الصحافة مهنة رائعة وقد أسدت لي الكثير على المستوى الشخصي.كما يتحدث عن علاقتة بالقراءة والكتابة ووصوله إلى الشهرة العالمية التي جعلته واحدا من أبرز مقدمي البرامج الثقافية في العالم. } هناك منْ يصنفك كإعلاميّ وصحفي أكثر مما يعتبرك كاتبا على الرغم من عدد وحجم المقالات والمؤلفات التي نشرتها. هذا صحيح إلى حد كبير، ولعلّ ذلك مرتبط ببداياتي الأولى وبمساري كإعلامي من خلال تقديم البرامج الثقافية، أو من خلال مقالاتي في مجلة «ليرْ» وغيرها. ثم إن هناك عاملا ذاتيا، فأنا شخصيا أعاني، إذا صحّ التعبير، من مرض يُسمى «الصحافة»، فحتى وأنا أسعى إلى الكتابة الأدبية، أجد نفسي أكتب بعين ولغة الصحافي، أسأل وأعيد السؤال. إن الصحافة مهنة رائعة وقد أسدت لي الكثير على المستوى الشخصي. } هل لهذا السبب تكتب نصوصا أدبية ولكن من داخل عملك، كما هو الحال في روايتك الأخيرة التي من السهولة إيجاد علاقة الشبه بينك وبين الشخصية الرئيسية؟ في كتابي هذا، البطل يشبهني إلى حد كبير هذا صحيح وهو يمارس المهنة التي شغلتني كل سنوات عمري الماضية لكنني أردت ان أصوّر هذه العبثية المتعلقة بالموضوع الرئيسي بأسلوب ساخر وهزلي. } هل تتفق مع الصفة التي يطلقونه عليك، وهي أنّكَ تمارس القراءة باعتبارها حرفة؟ ربما من الصعب أن نحترف القراءة إلا إذا سبقتها مرحلة أهم وهي ان نكون هواة قراءة. انطلاقاً من هذه النقطة يبدأ هذا الشغف الذي لا يرضى به صاحبه ناقصاً أو منقوصاً. فحين تأخذنا القراءة إلى حبائلها السرية نكون قد وصلنا إلى الشغف الذي لا يعرف الحدود. كنت أعرف كل أسبوع بأنني مساء الجمعة سأطل على المشاهدين في حلقة جديدة مثلاً من »ابوستروف« أو من »بويون دو كولتور« كان من الضروري ان أكون قد قرأت ما يجب قراءته. هنا يدخل التنظيم في العمل والإلحاح في إنهاء الكتب المطلوبة. } هل يتطلب الأمر مهارة وتقنية عالية في القيام بقراءة سريعة لأكبر عدد من الكتب؟ هذا غير صحيح، وقد سمعته مرارا، فأنا شخصياً لا أتقن القراءة السريعة. } وهل صحيح أنك كنتَ تعمل بطاقم للقراءة؟ لا، هذا ليس صحيحا وقدْ سمعته مرارا، فمن الصعب أن يقرأ لك شخص آخر وتتمكن في الوقت ذاته من تتبّع خيط الكتاب بمرونة وانسجام. } عشقك للسؤال يوازيه عشقك للكلمة وسحرها، الكلمة التي خصصت لها كتاب سير ذاتي آخر هو «كلمات حياتي» الصادر سنة 2011، ما قصة هذا الكتاب؟ أظنّ أن هناك دائماً كلمات لكل شخص تمثل حياته أو مراحل معينة أو مواقف معينة منها وهنا تصبح الكلمة من لحم ودم كما تحمل أفكارنا وأحاسيسنا وقد تكون كلمات من مهنتنا أو من طفولتنا أو كلمات تتعلق بالمطبخ أو بالحب أو بأي تفصيل آخر. وقد نشعر أحياناً بأننا أجساد أو اشخاص من كلمات محبوكة فينا حبكاً ولا يمكننا الانفصال عنها. الكلمات كالذرة، هي في الهواء، في الأمكنة، في رؤوسنا، في قلوبنا، في تفاصيل الحب والحياة والموت... وليست فقط في الذاكرة كما جرت العادة ان نقول هذا هو السبب الذي دفعني إلى تأليف هذا الكتاب الذي تحدثتُ فيه عن كلمات فرنسية أعشقها وتحدث في نفسي وقْعا خاصا منذ الطفولة. } في كتابك الأخير «نعمْ، لكن ما هو السؤال؟ يلاحظ القارئ أنه يجمع ما بين جنس الرواية والسيرة الذاتية، فهل يتعلّق الأمْر بمحكيّ ذاتي، حسب المصطلح النقدي السائد اليوم؟ كما قلت في هذا الكتاب، فإنّ عنوانه مأخوذ من جملة «وودي ألانْ» المعروفة: «الجواب هو نعم، لكن ماذا كان السؤال المطروح؟». سبق أن أشرت إلى الجانب الصحافي في كتاباتي، هل أنا محظوظ أم لا؟ مهما يكن من أمر، فإنّ الناس والمثقفين لا يعرفون عنّي سوى جانب السؤال، وكما قلت، فقد امتدّ هذا الداء، داء السؤال، إلى حياتي الخاصة. من هنا الجانب السير ذاتي الذي أشرتَ إليه. وفي هذا الكتاب أعترف بأنني أعاني من مرض اسمه «السؤال»، دائما أسأل، حتى الأسئلة التي لا معنى لها عادة ولا تتطلب إجابة محددة، إلى درجة أنني أحسست، في حالات ووضعيات كثيرة، بأنني أزعج الناس، حتى الأصدقاء والمقربين منهم، بأسئلتي، أليس هذا مرضا؟ } يبدو أنك قصدْتَ كتابة رواية تعتمد أساسا على التخييل الذاتي لتقول من خلالها كل شيء عن مسألة السؤال، ربّما من هنا اختيارك المقصود للشخصية الرئيسية آدم؟ بمعنى ما نعم، لأن آدم هو اسم أوّل رجل في الكوْن يطرح على نفسه عدداً من الأسئلة أكثر من أي ?نسان آخر، وقد الذي مات وهو يتساءل ماذا كان يفعل على هذه الأرض؟. على أبواب الستين من عمره، لا يزال آدم يشعر بفوْرة الشباب داخله، وهو الأمر الذي جعله يستعيد شريط حياته بسخرية ونفاذ بصيرة. وقد طرح هو أيضا على نفسه العديد من الأسئلة باستمرار. } هلْ يمكن القول بأنك بعد الانتهاء من تقديم أهمّ برامج ثقافية بفرنسا، Apostrophe، و Bouillon de Culture، قد تفرّغت للكتابة. للأسف لا، ما زالت أيامي محكومة بضغط المقالات التي ما زلت أكتبها لصحيفة Journal du Dimanche والتزاماتي تجاه أكاديمية »غونكور«، والقراءة والكتابة... لا أملك ما يكفي من الوقت فعلاً. كنت آمل أن أتمكن من السفر، وهو أمرٌ لا أستطيع لسوء الحظ أن أفعله كثيراً.