من الأكيد أننا نشترك مع الأستاذ عبد الإله بن كيران رئيس الحكومة، في العشق السرمدي لهذا الوطن ولرجالاته ونسائه وعظمائه وشهدائه، ولكننا نختلف معه إن لم نقل في كل ولكن في جل مواقفه التدبيرية للشأن العام بغض النظر عن اندفاعيته وحماسته اللامحدودة أثناء خطبه الطويلةالتي يلقيها أمام وسائل الإعلام يعتز من خلالها بمنجزات فريقه الحكومي وإن كان يعمل جادا على إلباسها فقط لباس حزبه وهذه إحدى نقط ضعفه البارزة ما دام لم يقدر مكانته كرئيس حكومة لكل المغاربة الذين ظلوا ولا زالوا يعتزون بالتحولات الايجابية الهادئة التي تمت عبر عدة مستويات بفعل تأثير المحيطين الدولي والإقليمي وخاصة العربي منه بعد إسقاط نظام بنعلي بتونس وحركية الشارع المغربي بفعل حركة 20 فبراير وانخراط الشباب المغربي فيها وفي مقدمتها مختلف قوى اليسار المغربي بكل أطيافه. صحيح إن مطالب المغاربة وقواهم الحية في إصلاحات سياسية ودستورية تكون أعمق وعلى رأسها الملكية البرلمانية، لم يستجاب لها بعد بشكل كلي، ومع ذلك فقد فتح باب الأمل أمامهم في تحول سياسي سلس يمكن أن يصنف ضمن الاستثناء المغربي وخاصة بعد اتساع باب حرية التعبير والتفكير مقارنة مع الماضي، إلا أن هناك مظاهر سلبية أصبحت تطفو بشكل روتيني فوق سطح الحياة الاجتماعية للمغاربة وبخصوصيات تكون في الغالب شاذة تحاول الركوب على نتائج الحراك الاجتماعي والسياسي لإضعاف دور الدولة والمجتمع بمختلف مكوناته: فالديمقراطية قد تصبح فوضى عارمة إذا لم تتم حمايتها بنص وروح القانون دون أن يعني ذلك السماح للسلطات بتبرير استعمال أسلوب القمع والزرواطة وخاصة إذا تعلق الأمر بأطر عليا معطلة بشهد لها محضر قانوني موقع مع الحكومة المغربية في حقها بالعيش الكريم الذي يضمنه الشغل الكريم، مظاهر أصبحت تستفزنا في حياتنا اليومية وقد يفضي تفاقمها إلى استحالة ضبطها وتنظيمها مستقبلا وتوحي بان الوضع العام في بلادنا يطرح علامات استفهام مع استثناء المبادرات التنموية الملكية: *ارتفاع مؤشرات الجريمة وبزوغ ظاهرة التشرميل: منذ مدة تفاقمت ببلادنا مختلف ظواهر الجريمة العشوائية والمنظمة، إذ أصبح المغرب واجهة عبور بامتياز للمخدرات الصلبة من هيروين وكوكايين بين ارويا وأمريكا الجنوبية أو بين ارويا وأفغانستان وإيران وهو ما فسح المجال أيضا لاتساع رقعة استهلاكها بين السباب المغربي من سكان الأحياء الراقية بالمدن الكبرى. وساهمت صعوبة التحكم في الحدود الشرقية والجنوبية الشرقية في تدفق ملايين أقراص الهلوسة والتي ترتب عن استهلاكها على نطاق واسع نظرا لرخصها وقوة مفعولها، ميلاد ظاهرة التشرميل وما يرتبط معها من استعمال مفرط للأسلحة البيضاء واختطاف وهجوم على المارة واقتحام للوكالات البنكية وهو ما خلق جوا من اللأمن ببلادنا اغضب ملك البلاد والذي دخل على الخط مباشرة للحد من هذه الظاهرة الإجرامية التي تهدد تماسك المجتمع المغربي. * فقدان الدولة لسيطرتها على المحطات الطرقية : هل يتوفر المغرب فعلا على محطات طرقية بالحد الأدنى من المعايير الدولية؟ وهل يمكن لهذه المحطات كما هي الآن أن تشكل عامل استقطاب لعشرة ملايين سائح؟ وهل يشعر المسافرون وخاصة المسافرات المغاربة بالأمان وسط وأمام هذه المحطات؟ لا نعتقد ذلك بالمرة، فقد أصبحت معظم محطاتنا الطرقية خارج الزمن التنظيمي للحكومة وفي وزارة برأسين، جحافل من الكورتية واغلبهم يمارس النصب خارجها بينما الشبابيك المعدة لذلك في راحة تامة، تحرش في تحرش للنساء العازيات والمتزوجات وبدون تمييز من طرف الكورتية والمتسكعين وسطها ، أمننا الوطني يتفرج أو متغيب عنها في غياب نصوص تشريعية تقنن عمل الكورتي وتحد من الفوضى العارمة في السلوكيات وفي المضاربة بالأسعار تحت غطاء كثيف من الألفاظ النابية. محطات أبواب مكاتب مديريها موصدة باستمرار أمام شكايات المواطنين..فأما أن تتحرك الحكومة في هذا الاتجاه بسرعة أو لتغلق كل المحطات الطرقية قبل فوات الأوان: ؟ وتكفي زيارة قصيرة لإحدى هذه المحطات من طرف مسؤولين حكوميين للتأكد من ذلك في محطات أولاد زيان فاس والقامرة بالرباط ومراكش ... *احتلال الملك العمومي : صراخ في صراخ وازدحام في ازدحام وحافلات للنقل الحضري أصبحت تغير ملزمة مسارها المسائي إلى شوارع أخرى اقل ازدحاما وصراخا من جراء تفاقم ظاهرة الفراشة أو ما يسمون بتجار الأرض: بديهيا أن نتضامن مع هؤلاء في الرزق، إلا أن وضعهم الحالي يثير الانتباه، ويتطلب خطة حكومية مستعجلة لوضع استرتجية تنظيمية لحرفة التاجر الفراش وخاصة بعد احتلال شوارع وأزقة بأكملها ومنع حتى وسائل النقل من المرور فيها بالحي المحمدي بالبيضاء وبيعقوب المنصور بالرباط مثلا ونفس المثال ينطبق على جل مدن المملكة كبيرها وصغيرها بل وإغلاق أبواب المنازل والدور والشقق دون أن يستطيع احد من الساكنة الاحتجاج لأنه يعرف مصيره مسبقا.. رغم انف السلطات.. فوزارة الداخلية ملزمة بالتنسيق مع الجماعات المنتخبة، بسن قانون يحدد مهنة التاجر ووضعيته اتجاه إدارة الضرائب. والأخطر من ذلك أن بعض الباعة الجائلين وخاصة الفراشة منهم يتحايلون كل مساء على سرقة الكهرباء من الإنارة العمومية رغم تواجد عناصر القوات المساعدة.. *مواقف للسيارات رغم انفنا جميعا : من مظاهر الفوضى الأخرى التي تجتاح يومياتنا وتخرق صمت سكوننا وأحيانا تصبح عامل إزعاج لصمتنا ، احتلال من نوع أخر للفضاء العمومي: إذ يكفي أن تقتني صدرية فستقية ب 20 درهما تخول لك امتلاك ناصية طريق أو شارع وما على الراغب في الوقوف أو التوقف أو ركن سيارة.. أداء رسم توقف إذا أردت النجاة بحياتك.. وهي ظاهرة تتمدد يوميا ويشكل فطري سيصبح من المستحيل مستقبلا على الدولة تحريرها شوارعها وأزقتها واسترجاع الهدوء بها إذا استمر الصمت الحكومي المريب اتجاها. *العنف الجامعي بين السياسة والتسيس: إن تاريخ الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، ظل تاريخ النقاش وتبادل الأفكار، والإيديولوجيات ، بالرغم من اختلاف المناهج وأساليب التفكير وأنماط التحليل المعرفي والابستمولوجي، إلا انه ومن الأخطاء السياسية القاتلة لبعض المسؤولين الذين انزاحوا بها انزياحا وميولا نحو العنف والعنف المضاد، وقد حان الوقت أمام الحكومة وكل الفرقاء والمهتمين بمنظومتنا التعليمية الجامعية وبحرية النقاش المسؤول.. التدخل لتجاوز تراجيديا مقتل الطالبين ايت الجيد بن عيسى والحسناوي ، وان ادراف دموع المأتم وتكفير الآخر قد تحول جامعاتنا إلى وكر للفكر البزنطي القروسطوي الذي يميل أحيانا إلى الإقناع بالعنف التراجيدي.. على الحكومة أن تكون واضحة في هذا الباب فالجامعة جامعة والسياسة لها مقراتها كما للعبادة دورها ومساجدها.. إن مفهوم الفوضى هنا لا يمكن تقييده بالنزعة الميكيافلية فقط بل له امتدادات بنيوية عميقة يتم نسجها في أماكن بعيدا عن الشارع العام من خلال قرارات تجسد أحيانا نظرة اليتيم لما حوله حتى وان كان متهما بأدلة مادية بكل بساطة لأننا نعيش الفوضى عبر مستويات متعددة ، ونلج أحيانا ساحة معارك هامشية الكل فيها خاسر، وأحيانا أخرى نتوهم أننا كل الحقيقة والأخر متطرف نعم الحقيقة الدون كيشوطية التي نفاخر بها الآخر فوق حصان ضامر البنية في رقصات بهلوانية قصد كسب مزيد من أصوات الهيئة الناخبة لنتوهم ونوهم الآخر وبصوت الفنان عبد الهادي بلخياط: أنا وحدي نضوي لبلاد وهو ما قد يجعل البعض ينظر إلينا والى مشاكلنا الحياتية بمنظار ارجواني لا يعكس حقيقة امرنا وواقعنا المر. حقائق تتطلب المواجهة السياسية المسؤولة امتدادها حب الوطن ومرجعيتها الحقوق الكونية للإنسان ومن الخطأ أن نستغل مواقف وأخطاء من يخالفوننا الرأي لنلبسهم ثوب المؤامرة وهو موقف لن يجر على بلادنا سوى مزيدا من الاحتقان الاجتماعي والسياسي قد نحاسب عليه جميعا كل من موقعه.