من أجل الوصول الى مأسسة الحوار الاجتماعي والمفاوضة الجماعية بين الأطراف الثلاثة ببلادنا تطلب سنوات طويلة ، وبعد نضالات وتضحيات كبيرة، ومنها إضرابات أبريل 1979 و 20 يونيو 1981 و 14 ديسمبر 1990 تم خلق شروط تعديل موازين القوى وهو ماعكسته المسيرات الحاشدة التي تم تنظيمها خلال فترة التسعينيات من القرن الماضي، وبفضل تظافر جهود الحركة النقابية والقوى الوطنية الديمقراطية والتقدمية تم تحقيق توافق سياسي من جهة، توج بمجيء حكومة التناوب التوافقي برئاسة الاستاذ المجاهد عبد الرحمان اليوسفي، ومن جهة ثانية بتحقيق توافق اجتماعي توج بإبرام أول اتفاق اجتماعي بالمغرب سمي بالتصريح المشترك لفاتح غشت 1996 حيث استمرت المفاوضات بشأنه لمدة شهرين من 3 يونيو إلى فاتح غشت إذ استغرقت ما يناهز 71 ساعة من جلسات الحوار والمناقشة ، وقد تضمن هذا الاتفاق القضايا الأساسية التي تشغل بال الطبقة العاملة والتي تمت صياغتها في ستة محاور على الشكل الآتي : 1 آلية الحوار والتفاوض الاجتماعي حيث تم الاتفاق على مبدأ دورية اللقاءات مرة واحدة على الأقل كل ستة اشهر . اللقاء الأول في شهر شتنبر قبل افتتاح البرلمان حتى يكون للطبقة العاملة رأي فيما سيتم اعتماده في القانون المالي للسنة الموالية. اللقاء الثاني في شهر أبريل قبل احتفال الطبقة العاملة بعيد الشغل (فاتح ماي). تشكيل لجنة ثلاثية دائمة على الصعيد الوطني لتنفيذ كل القرارات والالتزامات المتخذة. اعتماد الحوار القطاعي بكل قطاع على حدة وعلى مستوى الأقاليم والعمالات. الاتفاق على إعداد جدول أعمال محدد قبل بداية كل لقاء توثق أشغاله في محضر وفي بلاغ مشترك إن اقتضى الحال. الاتفاق على تمكين النقابات والمشغلين باستعمال الإعلام السمعي والبصري العمومي. أولويات الاهتمام المشترك وتتكون من خمسة محاور تتضمن القضايا التالية : ممارسة الحريات النقابية. الحماية الاجتماعية والتغطية الصحية. السكن الاجتماعي. تحسين الأجور والمداخيل بصفة عامة. التشغيل. وأهم ما جاء بهذا التصريح هو: الاتفاق على آلية الحوار . الاتفاق على إشراك الفاعلين الاجتماعيين في كل السياسات التي تهم المجال الاجتماعي. ايجاد حل لمشكلة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الذي كان يعرف أوضاعا جد معقدة استمرت سنوات طويلة حيث تم تكوين مجلسه الإداري الثلاثي الأطراف. اتفاق 19 محرم 1421 أو 23 أبريل 2000 الذي تضمن أربعة محاور: المحور الأول يتضمن القضايا التالية : احترام الحريات والحقوق النقابية. معالجة النزاعات الاجتماعية. معالجة أزمة التشغيل والبطالة. الزيادة في الحد الأدنى للأجر ومعالجة ملف الترقية الداخلية. ترسيم المؤقتين بقطاع الوظيفة العمومية. مراجعة النظام الضريبي المطبق على الأجور. التراضي والتوافق على مدونة الشغل. إصلاح ودمقرطة المؤسسات الاجتماعية. توفير وتعميم التغطية الصحية للجميع وتوفير السكن للأجراء. إصلاح نظام التقاعد في القطاع الخاص. توفير التكوين والتكوين المستمر. تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة لفائدة العمال. 2- التزامات الاتحاد العام لمقاولات المغرب ويتضمن: المشاركة في أشغال كافة اللجن المختصة في تدبير النزاعات الجماعية. تأطير المنخرطين للعمل على نشر ثقافة الحوار. الحرص على الحفاظ على رصيد الشغل بالمقاولات. التحسيس بأهمية إبرام اتفاقية الشغل الجماعية. دعم الاعمال الاجتماعية داخل المقاولات. 3- التزامات المركزيات النقابية وتتضمن عدة نقط أهمها: حث العمال على الانخراط في برامج التكوين واستكمال التكوين. حث منخرطيها على مضاعفة مجهوداتهم للرفع من الإنتاج وجودته. المشاركة النشيطة لتحسين العلاقات المهنية داخل المقاولة. 4- إحداث لجنة ثلاثية للسهر على تنفيذ محتويات هذا الاتفاق: وأهم إنجاز جاء به هذا الاتفاق هو: إخراج قانون 65.00 حول التغطية الصحية. حذف السلالم من 1 إلى 4 . اتفاق 30 أبريل 2003 الذي يتضمن أربعة محاور: وقد تضمن المحور الاول موضوع التشريع والحريات النقابية والعلاقات المهنية عدة نقط اهمها التوافق على مدونة الشغل وتتكون هذه النقط من : ضبط العلاقات المهنية والجماعية. الحريات النقابية. ملاءمة التشريعات الوطنية ذات الصلة بالحقوق والحريات النقابية مع الاتفاقيات الدولية. الاتفاقية الدولية رقم 87 حول الحرية النقابية . الاتفاقية الدولية رقم 135 حول حماية ممثلي الاجراء. المصادقة على الاتفاقية الدولية رقم 151 حول حماية حق التنظيم وشروط الاستخدام في القطاع العام. الممارسة النقابية الدعم النقابي. تسوية وضعية الموقوفين والمطرودين. دعم جهاز تفتيش الشغل. النهوض بالاتفاقيات الجماعية. القضاء الاجتماعي. القانون المتعلق بالتعويض عن فقدان الشغل. ثانيا : التغطية الصحية والتعاضديات ويتضمن عدة نقط منها: تفعيل القانون 65.00 . السكن الاجتماعي التقاعد. ثالثا : الأجور والتعويضات والاتفاقيات الجماعية. الإصلاح الشمولي لأنظمة الأجور والترقي. رابعا : النزاعات الجماعية وأهم إنجاز تم في هذا الاتفاق هو التوافق على مدونة الشغل محضر 28 يناير2004 حول حصيلة الحوار الاجتماعي والذي كان الهدف منه هو إشراك الفدرالية الديمقراطية للشغل والاتحاد الوطني للشغل لتلتحق بالمركزيات الثلاث الموقعة على اتفاق 30 أبريل 2003 وتفعيل ما تضمنه الاتفاق. ويتضمن هذا المحضر ثمانية محاور وهي: 1) نظام التعويضات الخاص بالموظفين المرتبين بالسلالم من 1 الى 9. 2) وضعية التقنيين. 3) تسوية وضعية الإعلاميين. 4) مهندسو المؤسسات العمومية. 5) الترقية الداخلية. 6) النظام الأساسي الخاص بموظفي وزارة التربية الوطنية. 7) وضعية المتصرفين والأطر المماثلة. 8) إضافة قطاع الجماعات المحلية للاستفادة من الزيادات التي تضمنها اتفاق 30 أبريل 2003 وهو ما كان محل نزاع استمر سنوات طويلة والمعروف بالمشكل 300 درهم. اتفاق 26 أبريل 2011 وقد تضمن هذا الاتفاق بعد تدارس الملفات المطلبية للمركزيات النقابية النقط التالية: 1) تحسين الدخل 2) توسيع وتعزيز الحماية الاجتماعية 3) النهوض بالعلاقات المهنية والمفاوضات الجماعية 4) تحسين ظروف العمل والصحة والسلامة المهنية 5) تعزيز تشريع الشغل والحريات النقابية وخلال سنوات 2012 و 2013 وما مر من شهور من السنة الحالية قامت المركزيات النقابية بالعديد من المبادرات من أجل تنفيذ ما تبقى من هذا الاتفاق، إلا أنه لحد الآن لم يتم ذلك وهو ما تمت المطالبة به من الحكومة خلال اللقاء الأخير كجزء من الملف المطلبي المقدم إليها ويتعلق الأمر بالنقط التالية: التصديق على الاتفاقية الدولية رقم 87 المتعلقة بالحرية النقابية إلغاء الفصل 288 من القانون الجنائي توحيد الحد الأدنى القانوني للأجر بالقطاعين الصناعي والفلاحي إضافة درجة جديدة للموظفين التعويض عن المناطق النائية مصير صندوق التعويض عن فقدان الشغل تفعيل بنود مدونة الشغل ومن خلال ما أشرنا إليه يتبين أن الاتفاقات الأربع تم من خلالها تحقيق عدة تراكمات ومنها : - أن لا يتم أي عمل منفرد في كل القضايا الاجتماعية دون الاتفاق عليها تماشيا مع طبيعة القانون الاجتماعي ما جاء به الفصل 13 من الدستور حول التشاور مع الفاعلين الاجتماعيين في إعداد السياسات العمومية. - اعتماد آليات الحوار والمفاوضة الجماعية على كل المستويات وطنيا وقطاعيا وجهويا وإقليميا. - إصلاح الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. - خروج القانون 65.00 حول التغطية الصحية. - التوافق حول مدونة الشغل. وبعد مجيء دستور فاتح يوليوز 2011 والذي تضمن عدة مقتضيات لصالح الطبقة العاملة ومنها الفصل 8 حول المفاوضة الجماعية وإبرام اتفاقيات الشغل الجماعية، كان على الحكومة الحالية أن تستمر التراكمات التي تحققت وأن تحترم دورية الحوار مرتين في السنة في شهر أبريل وشتنبر، حيث كان بإمكان خلال هذه المدة أن يتم التوصل إلى التوافق حول باقي القضايا المطروحة مع مراعات مبدأ التوازن بين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، ومنها : - صناديق التقاعد. - مراجعة شبكات الأجور. - مراجعة القانون الأساسي للوظيفة العمومية. - المصادقة على الاتفاقية الدولية رقم 87 المتعلقة بالحريات النقابية - إلغاء الفصل 288 من القانون الجنائي. - تفعيل بنود مدونة الشغل. - تفعيل آلية الحوار والتشاور الثلاثية الأطراف. وكان بإمكان لو تم العمل بما أشرنا إليه لكانت الأوضاع غير ما هي عليه، حيث أن الحكومة لم تحترم مبدأ التوافق حيث قامت ب : - تعديل قانون حوادث الشغل بشكل منفرد. - ونفس الشيء بالنسبة لمدونة التعاضد. ونشير إلى أن تصريحات بعض أعضاء الحكومة على الحركات الاحتجاجية التي تقوم بها المركزيات النقابية ، كون هذه الحركات الاحتجاجية موجهة ضد توجهاتها الشيء الذي يزيد من توتر الأجواء والدخول في سجالات ومشاحنات لا فائدة منها أمام التحديات التي تنتظر بلادنا.