يتهمه خصومه بالرغبة في ممارسة السلطة مكان أخيه عبد العزيز، سعيد بوتفليقة متهم بتزعم عصابة مافيا سياسية مالية أحكمت قبضتها على بلد تغمره أموال البترول... رجل الظل، المدافع عن العائلة في وقت يترشح الرئيس بوتفليقة لولاية رئاسية رابعة... ليس قصير القامة ولا ضعيف البنية، قد تحسبه حارساً شخصياً. هو دائماً موجود في السيارة التي ترافقه في أروقة المستشفى، يدفع الكرسي المتحرك في الظلام، مملكته المفضلة. سعيد بوتفليقة الشقيق الأصغر لرئيس الدولة رجل متكتم. ها هو في دجنبر 2012، واقفاً ويداه وراء ظهره على أرضية مطار تلمسان، معقل عائلة بوتفليقة، يتابع وداع الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند في أعقاب زيارته الرسمية, يراقب كل شيء من بعيد. هذا التكتم الذي أصبح سمة بارزة قد يوفر لسعيد بوتفليقة بعض الاطمئنان، لكنه في الحقيقة يغذي طاحونة الشائعات. يكفي ذكر اسمه لترى وجوه قادة المخابرات والمصالح الأمنية تنقبض، المصالح التي لا تحبه وتنطوي نظرات أعضاء المحيط الرئاسي... فالمستشار الخاص لقصر المرادية على مرتفعات العاصمة يجمع حوله كل الانتقادات. فهو متهم باستغلال مرض الرئيس لممارسة السلطة مكانه, وأنه هو من يحرك الخيوط من أجل دفع شقيقه المريض للترشح لولاية رابعة وهو متهم كذلك بالفساد، ويلقبه الخصوم »ب»اليد العمولة« «والبعض يضيفون إليه لقب رجل العمولة برقمين، لكن دون أدلة، إلا أن الشائعات تتناسل وتكبر. سعيد بوتفليقة وفي لعادته، الصمت، يرفض الرد على استفسارات الجرائد، كما يرفض جميع طلبات الصحف لاستجوابه، فهو مستشار غير معلن لأخيه الرئيس (تم تعيينه بمرسوم لم ينشر رسمياً)، ربما عين في هذا المنصب منذ وصول بوتفليقة إلى الرئاسة سنة 1999، وينسب إليه نفوذ لا حدود له إلى درجة أن عبد العزيز بوتفليقة، الذي قاد حملته الانتخابية سنة 2009، كان قد فكر في إمكانية خلافته لولا أن الثورات العربية وإصابة الرئيس بأزمة قلبية في أبريل 2013 غيرت كل المعطيات. سعيد بوتفليقة ولد سنة 1975 بمدينة وجدة المغربية على الحدود مع الجزائر، وهو يصغر شقيقه عبد العزيز بحوالي 20 سنة، هذا الأخير الذي التحق بصفوف جيش التحرير الوطني رفقة هواري بومدين الذي سيصبح فيما بعد رئيساً للدولة. وبعد الاستقلال، أصبح الأخ الأكبر وزيراً للرياضة وعمره 25 سنة ,ثم عين وزيراً للشؤون الخارجية لمدة طويلة. وفي العاصمة الجزائر، كان سعيد يتابع دراسته في مدارس «الرهبان البيض «مثل كل أبناء الحاكمين الجدد، وخلال سنوات التمرد الاسلامي السوداء، كان أستاذاً للفيزياء بكلية العلوم والتكنولوجيا بالعاصمة. ويتذكر مسؤول بإحدى كبريات الصحف الجزائرية أنه »كان يرافق وفوداً نقابية لجامعيين يساريين كانوا يأتون لتقديم مطالبهم، كان يظل بعيداً...«. وفوز بوتفليقة بالرئاسة سنة 1999 حمله بسرعة إلى قمة هرم الدولة، حيث صنع طريقه. عبد العزيز الذي اختير رئيساً من طرف دائرة ضيقة من «أصحاب القرار» العسكري بعد استقالة ليامين زروال، كان يعرف أنه سيبقى في قيادة بلاده حتى وفاته، اللهم إذا حدث حادث. فالحرب الأهلية بين الجيش والاسلاميين انتهت، واللحظة هي لحظة المصالحة الوطنية. وإعادة بناء البلاد كلياً. وتحولت الجزائر إلى ورش كبير، حيث انطلقت أوراش بناء المساكن الاجتماعية والطرق السيارة، وتطور الفساد بشكل غير مسبوق منذ الاستقلال، وبفضل مبيعات الغاز والبترول، لم تتوفر خزينة الدولة على مثل هذه الكمية من الموارد المالية، بل إن الجزائر وفرت قرضاً بمبلغ 5 مليار دولار لصندوق النقد الدولي في عز الأزمة المالية لدول جنوب أوربا. عبد العزيز بوتفليقة المعروف بدهائه التاكتيكي، كان يحتاط ولا يثق بالجنرالات الذين أبعدهم واحداً واحداً بهدوء، باستثناء الجنرال محمد مدين رئيس المخابرات، وأحاط الرئيس به حاشيته العائلية التي يحتل فيها سعيد مكانة خاصة، وكانت هذه الحاشية ملاذ رئيس أعزب وبدون أولاد. والدته السيدة منصورية التي كان يقدسها، توفيت سنة 2009، وشقيقه مصطفى ظل حتى وفاته سنة 2010 طبيبه الخاص. ومازال حتى اليوم ثلاثة إخوة للرئيس بوتفليقة: عبد الغني المحامي وناصر الكاتب العام لوزارة الإعلام وسعيد. كما له أخت تدعى زهور الموَلِّدة، وكذلك ثلاث إخوات غير شقيقات. وظل سعيد يتسلق مدارج السلطة، كلما كانت صحة عبد العزيز تتدهور، جراء آثار قرحة مزمنة في المعدة. سمعة شقيق الرئيس التي كانت تروج في صالونات العاصمة سرعان ما نزلت إلى الشارع. في سنة 2010، ألقت الرسائل الإلكترونية لويكليكس التي نشرتها صحيفة البايس الإسبانية، أول حجر في هذه البركة. وحسب إحدى البرقيات الدبلوماسية الأمريكية، فإن السفير الفرنسي في الجزائر برنار باجولي يعتبر أن »الفساد بلغ قمة هرم الدولة في الجزائر ووصل حتى إخوة الرئيس«، قال ذلك للسفير الأمريكي روبير فورد, »الفساد بلغ مستويات جديدة غير مسبوقة في هرمية السلطة«، يضيف السفير الفرنسي، بل ويصف الدبلوماسيون سعيد وعبد الغني بالفاسدين حتى النخاع، لكنهم يعتقدون أن الرئيس ليس »بالضرورة فاسدا«, هذه الانطباعات تحتاج إلى تدقيق، في الحقيقة دور عبد الغني محدود جدا بالمقارنة مع الأخ الأصغر في العائلة، وكل الشهادات تشير بالخصوص إلى هذا الأخير بأنه هو محور كل العلاقات مع أوساط الأعمال , فهو قريب جدا من رجل الأعمال النافذ في مجال البناء والأشغال العمومية علي حداد, والذي يعتبر كذلك الممول الرئيسي لحملة عبد العزيز بوتفليقة وكذلك الآمر في العديد من الصفقات العمومية. سعيد ليس الوحيد الذي تشير إليه الأصابع, في رسالة دبلوماسية أخرى تشير إلى إسم قايد صالح, رئيس أركان الجيش، وتصفه بأنه «»ربما الموظف الأكثر فسادا في الجيش»« ويحكي السفير الأمريكي الأسبق في الجزائر، روبيرفورد أيضا عن لقاء مع المعارض سعيد السعدي والجنرال مدين الملقب «»توفيق»« رئيس جهاز مديرية الاستعلامات والأمن حول موضوع الفساد، الجنرال توفيق الذي يعترف بحجم الظاهرة، سكت لحظة قبل أن يرفع عينيه إلى صورة الرئيس بوتفليقة ويرد بأن المشكل بلغ أوجه. بعد ذلك تلقف المحللون الموضوع وكان محمد بن شيكو مدير الجريدة الالكترونية «لوماتان» أول من كتب منتقدا. وكشف سنة 2010 في كتابه» »صديقنا بوتفليقة« «أن عبد العزيز بوتفليقة يقف وراء تمويل «منتزه» «شبح»، حيث تم تخصيص حوالي 10 مليون أورو، عبر أبناك جزائرية لفائدة شركة اميرية (ELLCC) من أجل بناء منتزه بالجزائر العاصمة، مشروع حدائق عمومية ضخمة لم ير النور في النهاية. في بداية السنة, ارتفعت حدة اللهجة، أثار هشام عبود الضابط السابق في المخابرات ضجة كبيرة عندما وجه رسالة إلى سعيد بوتفليقة يتهمه فيها بالحصول على أكثر من 50 % من أرباح صفقات أشغال بناء الطرق السيارة التي تنفذها شركة ETRHB (لصاحبها علي حداد) وأنه بنى ثروته بفضل» »أموال البترول في السوق السوداء الدولية وتجارة المخدرات« «وأنه «وضع يده على تجارة المخدرات»« عبر «»منح تسهيلات لكبار التجار لإدخال بضاعتهم من المغرب»« سعيد نفى هذه التهم، هشام عبود الذي تحول إلى الصحافة, يعمل على كشف الجانب المظلم »»للعائلة الحاكمة»« وبعد أن دخل في صراع مع شقيق الرئيس الأصغر، هل يكشف عن هذه القضايا انتقاما, أم أنه يكشف عن قضايا حقيقية؟ وكان آخر من أدانه علانية هو الكولونيل السابق في جيش التحرير الوطني والرئيس السابق للدرك الوطني أحمد بن شريف اتهم في مارس الماضي سعيد بوتفليقة بأنه »على رأس مافيا سياسية / مالية استحوذت على السلطة في الجزائر منذ مرض الرئيس عبد العزيز بوتفليقة« واتهمه بأنه تلقى أجرا بقيمة 5000 أورو من بنك خليفة, »البنك الذي يرأسه المليادير السابق المعتقل بالعاصمة بعد فترة هروب قضاها في لندن. ورغم توالي الفضائح التي تطال محيط الرئيس منذ 4 سنوات وخاصة وزير الطاقة السابق والرئيس المدير العام لشركة سوناطراك، شكيب خليل الهارب حاليا، لم يتم وقوف أي من أفراد العائلة أمام القضاء. ويؤكد مصدر قضائي مقرب من ملف فضيحة سوناطراك أن «»مديرية المخابرات والأمن نالت منه, لكن شكيب خليل ليس سوى الدائرة الثانية.. فهو لا يفعل شيئا دون موافقة آل بوتفليقة« «كيف يمكن مواصلة تفادي الموجات والتحصن من العدالة؟ الولاية المقبلة ستمكن من رؤية أفضل للأمور مبدئيا على الأقل. ويشرح أحد أطر المخابرات الجزائرية الموضوع بقوله «»كل الأزمات بين الرئاسة والعسكر لا تغذيها سوى مصلحة واحدة: ضمان حصانة دائرة المقربين وتفادي وصول شخصية إلى الرئاسة قد تمكن الرئاسة من الوصول إلى الإخوة«. ورغم ضعف الرئيس عبد العزيز بوتفليقة فإنه استطاع الاعتماد على كبار رجال الأعمال لتمويل حملته الانتخابية, قدموا له دعمهم المالي عن اقتناع أو مصلحة أو خوفا من الانتقام, وبإمكانه أيضا أن يعتمد على سعيد »فهو الذي يضطلع بمهمة الحفاظ على الحاشية«. يؤكد أحد المقربين من الرئاسة. وبالتالي من المفروض أن تستمر الأموال في التدفق بقوة في غياب حواجز، ولونها تلطخ بالأوساخ من مدة وحتى قبل آخر فصول حكم الرئيس.