يوم 14 يناير 2011، رحل بن علي إلى جدة، بالعربية السعودية، ولم يكن يعتقد لحظتها أنه سيقضي ثلاث سنوات التالية في منفى من ضجر وليس من ذهب. فباريس رفضت استقباله، كما لم يقبل به أي بلد عربي. وحده العملاق السعودي، بماله وشرعيته الدينية، سمح لنفسه باستقبال الفار الجديد. وحدها العربية السعودية كانت تُدرك مدى تهديد ما يحدث بتونس لها. خلال ثلاث سنوات أنفق النظام السعودي، من غير حساب، لوقف موجة الثورات العربية أو جعلها في خدمة طموحاته الجهوية. في مصر، أطلقت الملكية العنان للعساكر بفضل البيترودولار لخنق الإخوان والثورات في نفس الآن. في سوريا، تدعم المتمردين للوقوف في وجه إيران. جريدة » لوموند « نشرت جردا لثلاث سنوات من الاضطرابات. زمن الشعوب يوم 17 دجنبر 2010، بعد حرق الشاب محمد بوعزيزي لنفسه، انطلقت الثورة من سيدي بوزيد ولم تصل تونس، العاصمة، إلا يوم 11 يناير 2011. في كل مكان، حُرقت مراكز الشرطة ومقرات الحزب الحاكم، ونُزعت صور الحاكمين. رافقت كل ذلك صرخات » ارحل! «. في الصفوف الأمامية، دخل الشباب في مواجهات مع قوات الأمن رغم إطلاق الأخيرة للرصاص الحي. بمرور الأيام، سيلتحق المحامون، رجال التعليم، العاطلون، المقاولون، وكانت قناة » الجزيرة « القطرية تبث باستمرار صور تلك الاحتجاجات الشعبية وشعارها: » العدالة، الكرامة والحرية! «. من الجزائر إلى القاهرة، كان ملايين المشاهدين يتتبعون، وهم في حالة ذهول، سقوط أول ديكتاتور عربي، خلال أقل من ثلاثة أسابيع. في مصر، انطلقت المظاهرات الأولى يوم 25 يناير بالقاهرة، الإسكندرية أو السويس. ثم ساحة التحرير، في قلب العاصمة المصرية، مسرح الاشتباكات الدامية مع قوات الأمن، التي تحولت إلى رمز لاحتجاج مفعم بالعزم شاركت فيه النساء، الرجال، الشباب، الشيوخ من كل الأطياف السياسية. » أترك عربتك والتحق بشجعان ساحة جيش التحرير! «، يقول شيخ ميكانيكي لجندي. كانت التخوفات كبيرة، ما جعل حسني مبارك يطلب تدخل الجيش. هنا أيضا، كانت الحشود تصرخ: » الشعب يريد إسقاط النظام «. » بالإضافة إلى أنها كانت شعبية، كانت تلك الحركات عفوية، تتبع منطقا تمرديا ولم يقدها، بالتالي، زعيم، إيديولوجيا أو تنظيم سياسي «، حسب ميكائيل بشير عياري وفانسون غييسر في كتابهما » النهضات العربية «، الصادر عن منشورات لاتوليي سنة 2011. يوم 11 فبراير، وبعدما تخلى عنه الجيش، أُجبر » الريس « على تقديم استقالته. أُصيب العالم العربي بالهلع، بدءا بالحكام السعوديين، الذين آخذوا على واشنطن كونها نفثت على جمر الاحتجاج بتخليها عن واحد من أكبر حلفائها المخلصين. قريبا جدا من المملكة، اليمن، الذي يملك 1800 كلم من الحدود المشتركة مع العربية السعودية، اهتاج بدوره. يوم 27 يناير، اجتمع آلاف المتظاهرين بصنعاء مطالبين برحيل الرئيس علي عبد الله صالح. بعد ثلاثة وثلاثين سنة على رأس الدولة، فكر الأخير في إجراء تعديل على الدستور، ليُرشح نفسه لانتخابات 2013. اتسعت دائرة التمرد لتمتد إلى عدن، لا سيما بين صفوف الطلبة، لتصل إلى أقصى وديان حضرموت. إنه حدث غير مسبوق. فعلي عبد الله صالح، الذي نجا من محاولة اغتيال وتلقى العلاج في العربية السعودية، سيجد نفسه ملزما، خلال فصل الخريف، على أن يوقع، في الرياض، اتفاقية انتقالية فرضت عليه الرحيل. اندلع حريق آخر في مملكة البحرين الصغيرة، يوم 14 فبراير. اعتصم الشباب المتظاهرون، ومعظمهم من الشيعة، بساحة الجوهرة في المنامة، احتجاجا على هيمنة النظام السني لآل خليفة. إلا أن العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة سترسلان، يوم 2 مارس، جيوشا لإنقاذ جارتهما: أزيد من 1000 جندي للدفاع عن المنشآت والبنيات التحتية الاستراتيجية. لجأت مدافع قوات الأمن إلى العنف لإجلاء المحتجين المتهمين بكونهم مسخرين من طرف القوة الشيعية العظمى، إيران. 18 مارس، تم تدمير نُصب ساحة المنامة. وسجلت الثورة البحرينية المجهضة أول تدخل للرياض، بطلة المصالح السنية في الشرق الأوسط، في عمليات « الربيع العربي «. وبما أن الرياض أصبحت ترى أن النار تشتعل في مجموع مجال تأثيرها، فإنها ستتدخل للمرة الثانية مقترحة على المغرب، الذي كان يعيش بدوره مظاهرات حركة 20 فبراير، والأردن للالتحاق بالنادي المغلق لمجلس تعاون بلدان الخليج، الذي ظل حتى ذلك الوقت حصرا على ملَكيات البترول. إنه تحالف مناهض للثورة، إلا أن أمواج الأخيرة لم تتوقف. فليبيا وسوريا ستدخلان بدورهما دائرة المظاهرات - القمع. إلا أن ذلك تم بطريقة مختلفة عما حدث في البلدان الأخرى، لأن الاحتجاج في البلدين سينزع باتجاه الحرب. فالنزاع الليبي، الذي انطلق بمظاهرات في مدينة بنغازي يوم 17 فبراير، لم ينته إلا يوم 20 أكتوبر في مدينة سرت بالإطاحة بالعقيد معمر القدافي, أقدم الحكام العرب، بعد اثنتين وأربعين سنة من الحكم. وتطلب وقف النزاع تدخل الحلف الأطلسي، وأداء كلفة آلاف القتلى. أما التراجيديا السورية، فإنها ستنطلق يوم 15 مارس 2011، بمظاهرة في مدينة درعة، على الحدود مع الأردن، لتحرير مراهقين رسموا خربشات مناهضة للأنظمة على الجدران. اعتقلوا وعذبوا بوحشية، ولم يُردوا إلى أسرهم إلا بعد أسبوع. إلا أن الأوان فات. فالثورة على النظام المستبد لبشار الأسد، الذي خلف والده حافظ سنة 2000، اشتعلت في مدن أخرى. رغم الخوف، كانت حشود المتظاهرين تتزايد يوما عن يوم. في كل مكان، كانت الجدران تغطيها الشعارات والرسومات الكاريكاتيرية. تحرر التعبير. أصبح الشارع مسرحا للخطابة، للصراخ وللمطالبة. والإسلاميون، الذين طالما أجبروا على السرية، عادوا من المنافي وشكلوا أحزابا، تمتد من الأكثر اعتدالا إلى الأكثر تطرفا. فعلى « يمين « الإخوان المسلمين، سيظهر السلفيون. وبما أن العربية السعودية كانت شديدة الحذر من جماعة الإخوان المسلمين، المعروفة بميولاتها السياسية، فإنها ستمول السلفيين لكي تتمكن من مراقبتهم أكثر. كما ظهرت في تونس، في مصر، في اليمن وفي ليبيا جماعات متطرفة، أنصار الشريعة. في غضون ذلك، كانت بعض البلدان قد شرعت في تنظيم أول انتخابات حرة. وكانت تونس، التي ستقلدها مصر بسرعة، هي من دشن هذه الحلقة الجديدة يوم 23 أكتوبر 2011. زمن الإخوان المسلمين وقطر لم يلعب الإسلاميون الدور الأول في انتفاضات مطلع السنة. إلا أن انضباطهم، الذي تميز على سوء تنظيم الثوار، وصيتهم الذي تحقق لهم باعتبارهم المعارضين الأوائل للأنظمة التي أخذت في الانهيار، ساعداهما على تدارك تأخرهم في الظهور. فحزب النهضة، أحد فروع جماعة الإخوان المسلمين ويرأسه را الغنوشي، سيفوز ب 89، من بين 217، مقعدا في الجمعية التونسية التأسيسية. وستعيش مصر سيناريوها مماثلا أواخر السنة، حيث كانت الانتخابات التشريعية لصالح الإخوان الذين حصلوا على نصف مقاعد مجلس الشعب. كانت قطر مرتبكة. فإمارة الغاز الصغيرة هي حامي الجماعة منذ تخلي السعودية عليها مطلع التسعينيات من القرن الماضي، نتيجة دعمها لاجتياح الكويت من طرف صدام حسين. لقد أدرك عاهل قطر، الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، أن النزعة الإسلامية المحافظة للإخوان المسلمين تلائم التطلعات العميقة للشعوب العربية. بذلك وجدت العديد من وجوه الإسلام السياسي ملاذا لها في الدوحة، من بينها الوجه التلفزيوني، المصري يوسف القرضاوي. بهبوب رياح « الربيع العربي « التي حملت محمييها إلى السلطة، اُتيحت لقطر فرصة احتلال مقدمة المشهد الجهوي وقطع الطريق في وجه الجار السعودي، الذي كان منشغلا بحسابات الخلافة. كان الشيخ حمد مهووسا بفكرة التعريف ببلده الصغير وإشعاعه: جعل مداخيل الغاز وقناة الجزيرة في خدمة الثوار. وقد انطلقت هذه النزعة التوسعية، التي مثلت قطيعة مع وضعية الوسيط، التي ظلت الدوحة تؤيدها حتى الآن، مع انطلاق القضية الليبية. وباعتباره مناورا فذا، فإن الوزير الأول حمد بن جاسم آل ثاني، يعتبر من العرابين الرئيسيين لقرار مجلس الأمن رقم 1973، القاضي بانتشار طيران الحلف الأطلسي في الأجواء الليبية. كما ساهم دعم بلدان الخليج في إقناع روسيا بعدم اللجوء إلى الفيتو. بما أن سقوط بنعلي ومبارك أصابها بالرعب، فقد خضعت العربية السعودية لضغط الدوحة. كما أنه كان للملك عبد الله حساب قديم ينبغي تصفيته مع معمر القدافي، المتهم بالتورط في مشروع لاغتياله سنة 2003، وكان وقتها لا يزال وليا للعهد. خلال شهر مارس 2009، في الدوحة، وصفه القدافي بكونه « دمية « البريطانيين والأمريكيين، بحضور نظرائه العرب، ما جعله يغادر القاعة مغتاظا. كانت أطقم الجزيرة أول من حل ببنغازي، باعتبارها مدخل الانتفاضة الليبية. لم تفارق القناة الثوار للحظة واحدة. ورغم منعها في تونس، فقد غطت الثورة المضادة لبنعلي معتمدة على القنوات الاجتماعية في الحصول على فيديوهات صورها المتظاهرون. مباشرة بعد رحيل مبارك، يوم 11 فبراير، التزم » صوت من لا صوت لهم « الصمت طيلة خمسة عشر دقيقة، ركزت خلالها الصورة على بركان ساحة التحرير. أما في الرمال الليبية، فقد بلغ أسلوب الجزيرة، الخليط المثير بين المعلومة والإثارة، درجة الإتقان. « إني أطأطئ رأسي أمام كل واحد من الثوار. إنني أنحني أمامه «، صرح أحد شيوخ الدين مباشرة من بلاتوهات الدوحة. أرسلت قطر ست طائرات من نوع « ميراج 2000 « - نصف طائراتها المطاردة - إلى جانب « رافال « الفرنسية. في غضون ذلك، كانت القوات القطرية الخاصة تكون وتقود المتمردين في باب العزيزية، مركز القيادة العليا المحصن للقدافي، أواخر غشت 2011. تحولت أنظار قطر عندها إلى سوريا. وبطلبها عودة سفيرها في دمشق، شهر يوليوز 2011، أربعة أشهر بعد انطلاق الانتفاضة، تكون قد أعلنت رسميا قطع علاقاتها بنظام الأسد، التي كانت تجامله أواخر 2000، كما فعل نيكولا ساركوزي، أكبر أصدقاء الأمير حمد بن خليفة آل ثاني. بما أنها قررت أن تكون في الجانب الصحيح للتاريخ، اصطفت الملكية الصغيرة إلى جانب الشارع. أصبحت قناة الجزيرة تبث الفيديوهات الدموية الملتقطة في سوريا. وفي برنامجه الرئيس، « الشريعة والحياة «، كان الشيخ القرضاوي يوجه طلقاته إلى جماعة الأسد وحلفائه الإيرانيين واللبنانيين من حزب الله، بنبرة تزداد حدتها يوما عن يوم. وكما حدث في ليبيا، حيث دعم قطر إلى أبعد حد المجلس الوطني الانتقالي، الواجهة السياسية للمتمردين، وجهت السلطات القطرية المجلس الوطني السوري، الذي يشكل الإخوان المسلمون أغلبيته، وبسبب حنقه بفعل الفيتو المتكرر لكل من روسيا والصين - » الترخيص بالقتل حسب الوزير الأول القطري حمد بن جاسم -، عمل قطر على تسليح الانتفاضة. أنشأ خلية لتسليم الأسلحة بعين المكان، عبر تركيا. انطلقت الحمولات الأولى من الدوحة خلال شهر يناير 2012، وازدادت أعدادها وسرعتها بعد دخول المتمردين إلى ألب، خلال شهر يوليوز. كان استراتيجيو الدوحة يعتقدون أن ألب ستكون هي بنغازي الليبية، جسرا يؤدي إلى النصر النهائي. كان أمراء قطر متفائلين بنجاح مخططاتهم. يوم 6 فبراير 2012، ترأسوا توقيع اتفاقية صلح بين حماس وفتح. ونزولا عند رغبتهم، فإن زعيم الحركة الإسلامية الفلسطينية، خالد مشعل، سيقطع علاقاته ببشار الأسد، صاحب الفضل عليه في السابق، ليجعل نفسه تحت وصاية الدوحة. في مصر، أواخر يونيو 2012، كانت الانتخابات الرئاسية في صالح خادم الدوحة، محمد مرسي، المنحدر من الإخوان المسلمين. ومباشرة بعد مرور خمسة عشر يوما على إعلان النتائج، ستلتقي كاتبة الدولة الأمريكية، هيلاري كلينتون، المنتخب الجديد. زمن العربية السعودية تلا ذلك قمع عنيف بتشجيع من الرياض وتنفيذ من القومية العسكرية. اعتُقل أبرز أطر الإخوان المسلمين، وآلاف المناضلين. رُفع ملف محمد مرسي إلى العدالة، بينما استفاد حسني مبارك من البراءة. أواخر دجنبر 2013، تم اعتبار الجماعة » تنظيما إرهابيا « من طرف السلطات المصرية. لا أهمية لتمرد سيناء أو للاعتداءات، هناك نظام استبدادي جديد يستقر على ضفتي النيل «. يوم الأربعاء 14 يناير 2014، تم عرض دستور جديد للتصويت. يسعى الجنرال السيسي، الذي لم يعد يخفي طموحاته الرئاسية، إلى أن يجعل منه تزكية له. في تونس كذلك، تنازل حزب النهضة، التابع للإخوان المسلمين، عن السلطة، لكن بهدوء ونتيجة لأزمة سياسية خانقة، أصابت البلاد بالشلل من غشت 2013 حتى حدود يناير 2014. وقبل ذلك، أجبر اغتيال شكري بلعيد الوزير الأول الإسلامي حمادي جبلي على تقديم استقالته. يوم 25 يوليوز، عملية اغتيال جديدة راح ضحيتها محمد براهمي، نسبت هي الأخرى للحركة السلفية المتطرفة. وقد تحملت المسؤولية بعد حزب النهضة مجموعة من التيقنوقراط مهمتهم تنظيم انتخابات في أقرب الآجال. إلا أنه رغم كل ذلك، تظل تونس البلد الوحيد من بين بلدان الربيع العربي الذي يواصل انتقاله الديمقراطي. أما البلدان الأخرى، فهي غارقة في الفوضى الأمنية أو العقائدية -سوريا، ليبيا، اليمن - أو في تدهور استبدادي - مصر، البحرين . لقد غير » الربيع العربي « طبيعته: أصبح مسرحا لتجاذبات استراتيجية وعقائدية بين » الهلال الشيعي «، الذي تسيره إيران ويضم العراق، سوريا وحزب الله في لبنان، و » المحور السني «، تحت رعاية العربية السعودية. أواخر غشت 2013، اعتقدت الأخيرة أن ساعتها حانت، حين قام نظام بشار الأسد بإغراق ثلاثة أحياء، ضواحي دمشق، تحت الغازات القاتلة. مهاجمة غوتا يوم 21 عشت، التي خلفت 1500 قتيل، اغتصاب » الخط الأحمر«. الرياض تحتج. اقتنع القادة السعوديون: ستقوم واشنطن، لندن وباريس بتفجير النظام وتلقي رصاصة الرحمة على بشار الأسد، الأمر الذي سيوقف التوسع الفارسي. لم يحدث شيء من كل ما كان مؤمولا. صوت النواب البريطانيون ضد الحرب، تردد باراك أوباما، وحده فرانسوا هولاند كان عازما على توجيه الضربة. قدم فلاديمير بوتين للولايات المتحدة الأمريكية مخرجا لم تكن تحلم به باقتراحه نزع السلاح الكيمياوي السوري، ليبقي بالمناسبة بشار الأسد حيث هو. إن القادة السعوديين لا يغفرون أبدا هذه » الخيانة « الأمريكية. علما بأنها ليست الوحيدة. ابتداء من مارس 2013، كانت هناك اتصالات سرية في سلطنة عمان بين مبعوثين أمريكيين وإيرانيين. وقد حظيت المبادرة بمباركة الزعيم الروحي الإيراني، علي خمنائي. فرغم بلاغته المناهضة لأمريكا، فهو استراتيجي فذ. يعرف جيدا مدى إفادة التصالح مع » الشيطان الأكبر « لبلاده، التي خنقتها العقوبات، ويعرف بوجه خاص ما يمكن أن تقدمه إيران، واحة الاستقرار في شرق أوسط كله دم ونار، من البحر الأبيض المتوسط إلى باكستان، للولايات المتحدة، التي تتهيأ لمغادرة أفغانستان مثلما غادرت العراق. ويعرف أيضا ما سيبثه هذا التقارب الأمريكي - الإيراني من عدم استقرار لخصميه الجهويين: إسرائيل والعربية السعودية. ثلاثة أشهر بعد ذلك، قدم الناخبون الإيرانيون للزعيم الروحي ما كان يحتاجه لجعل إيران تعود إلى المشهد الدولي: رئيس مقبول. فحسن روحاني المنتخب خلال الدور الأول يوم 14 يونيو، هو المفاوض الذي وقع، سنة 2003، تجميدا مؤقتا للبرنامج النووي الإيراني. وقد الحق به على الفور وزيرا للشؤون الخارجية قضى من الوقت في الولاياتالمتحدة الأمريكية أكثر مما قضاه في إيران، محمد جافاد زريف، وله من العلاقات السرية بالبيت الأبيض ما يكفي لجعل المفاوضات النووية تنطلق من جديد. الزمن الإيراني أواخر شتنبر 2013، زار حسن روحاني نيويورك بمناسبة الجمعية العامة للأمم المتحدة. وفي الكواليس، وضع الإيرانيون والأمريكيون الصيغة النهائية للنص. وخلال اليوم الأخير، أجرى حسن روحاني مكالمة هاتفية مع باراك أوباما استغرقت خمس عشرة دقيقة. زرعت تلك المكالمة الهاتفية الرعب في الرياض وفي تل أبيب، حيث أصبحوا يشعرون بأن التوازن الجيوسياسي في الشرق الأوسط بصدد التأرجح. وسط هذا الزخم، احتضنت جنيف ثلاث دورات مكثفة من المفاوضات النووية. كان لا بد من ترك بعض البنود لفرنسا، التي تشكك في مدى صدق إيران، ونظرا لعدم معرفة كيف سيرد الوزير الأول الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، الذي رأى في ذلك فخا محتما، للتمكن من التوقيع يوم 24 نونبر على اتفاقية حول النووي الإيراني، مؤقتة إلا أنها تاريخية، يتم تطبيقها ابتداء من 20 يناير 2014. لم تتأخر ردود الفعل كثيرا. بل إنها استبقت الاتفاقية. يوم 19 نونبر، عملية انتحارية مزدوجة تبنتها جماعة مرتبطة بالقاعدة، استهدفت سفارة إيران في بيروت، مخلفة 25 قتيلا. ثم الهجمات على مقرات حزب الله، حليف إيران، التي تكثفت في العاصمة اللبنانية. يوم 27 دجنبر، صدمت سيارة مفخخة مستشارا للوزير الأول السابق سعد الحريري، محمد شطاح، المعادي لحزب الله ولنظام بشار الأسد في سوريا الجارة. خلال ثلاث سنوات، خضعت إرادة الشعوب العربية لمقتضيات لعبة جيوسياسية كبيرة. خصمان يتنافسان دائما حول التأثير الجهوي والصداقة الأمريكية: إيران الشيعية، المنطلقة بقوة، والمملكة السنية التي تسعى لاسترجاع قوتها السابقة. لقد حان وقت الفرار إلى الأمام. ففي العراق، حيث تمكنت الميليشيات السنية، المرتبطة بالقاعدة، من استرجاع مدينة الفلوجة أمام اندهاش الجميع، في حين كان الحديث يدور حول مقاومة » الاحتلال الإيراني «. الرياض تمنح 3 مليارات من الدولار للجيش اللبناني لاقتناء أسلحة فرنسية، ضمن أمور أخرى، ما أوله البعض باعتباره » طلاقا تاكتيكيا « مع واشنطن.