هيئة المعلومات المالية تحقق في شبهات تبييض أموال بعقارات شمال المغرب    المغرب يخطط لإطلاق منتجات غذائية مبتكرة تحتوي على مستخلصات القنب الهندي: الشوكولاتة والدقيق والقهوة قريبًا في الأسواق    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    مقتل تسعة أشخاص في حادث تحطّم طائرة جنوب البرازيل    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ما موضوعية تصريح الوزير الخلفي بخصوص حصيلة العمل الحكومي ؟
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 31 - 03 - 2014

فضل مؤخرا الوزير الخلفي وزير الاتصال والناطق الرسمي باسم الحكومة التوجه نحو وكالة المغرب العربي بهدف تقديم ما أسماه بحصيلة العمل الحكومي الذي يقوده حزبه العدالة والتنمية. ولم يكن اختيار تمرير عرضه هذا من خلال هذه المؤسسة عبثيا بل له دلالته لا داعي لتوضيح حيثياتها. ليس هذا هو المهم بل الأهم أن البعض كان ربما ينتظر تتبع عرض متميز بنوع من الموضوعية والواقعية، يعكس أولا المتاهات التي بات المشهد السياسي المغربي يخوض فيها والتي تشهد بشبه بداية انهيار بعض الفعاليات السياسية بالموازاة مع شيوع خطاب سياسي اصطلح عليه ب»الشعبوي» وما هو بذلك لكونه خطاب أقل ما يمكن أن يوصف به هو الانحطاط في أسلوب التواصل؛ وثانيا الركود الذي يتجه نحوه الاقتصاد المغربي في غياب تام لسياسة اقتصادية واجتماعية تستجيب لتحديات المرحلة والاكتفاء بتبني شعارات وإجراءات ارتجالية ومتسرعة، وثالثا الوضعية الاجتماعية المقلقة لشريحة عريضة من المجتمع المغربي.
1- إلى من يتوجه الوزير الخلفي بخطابه؟
لم يكن ليوصف بالمفاجئ ولا بالغريب بأن ينعت الخلفي، وهو من أهلها، حصيلة حكومة يقودها حزبه بالايجابية. ما عساه أن يقول غير ذلك؟ ألم يكن بالأمس القريب من بين المواطنين المغاربة الذين استأنسوا إلى درجة الملل لسماعهم مقولة « قولوا العام زين» والتي هي في سياق عرض الخلفي تجدها مرادفا لمصطلح «إيجابية» الحصيلة؟ هراء في هراء إذا ما احتكمنا إلى الواقع المعيش والذي هو أبلغ من الأرقام والمؤشرات والخطابات والعروض وأكثر يقينية من حيث التلقي لدى المواطن المغربي. وبكل حياد، فالمواطن المغربي عايش واقعا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ميزته تطورات يمكن إبراز ملامحها على النحو التالي:
* على الصعيد السياسي: شهد المواطن المغربي منذ انتداب حزب العدالة والتنمية لقيادة حكومة تنزيل مقتضيات الدستور تناوب حكومتين متناقضتي المكونات والركائز الإيديولوجية، وكذا الأهداف بالموازاة مع تبني الحكومة في نسختيها لخطاب نعت ب»الشعبوي» وما هو كذلك لكونه خطاب جد منحط بينه وبين أدبيات وأخلاقيات الخطاب السياسي المتزن والملتزم والهادف مسافة شاسعة. كما أن المواطن المغربي عاين مشهدا سياسيا طغت عليه بشكل متأجج وغير مسبوق الصراعات الحزبية الداخلية والبين حزبية والتي أربكت وعطلت في محطات متعددة التدبير الحكومي للشأن العام وخصوصا العمل التشريعي وبالتالي التنزيل المنتظر لمقتضيات دستور الكرامة والمساواة والعدالة والربط الفعلي للمسؤولية بالمحاسبة.
* أما على الصعيد الاقتصادي وانطلاقا من المؤشرات المبعثرة التي أدلى بها الوزير الخلفي وبالنظر إلى توافر عدة مصادر تعلل وجهة نضرها بمعطيات مغايرة ومتناقضة لما صرح به ذات الوزير، فقد يصعب على محلل اقتصادي محايد وموضوعي تبني هذه المؤشرات أو تلك خصوصا وأن الحق في الحصول على المعلومة الاقتصادية الحقيقية والفعلية ما زال لم يعد تقليدا معمولا به. وبالتالي فلا زال الاقتصاد المغربي متميزا بإفراز مؤشرات ومعطيات مكسوة بنكهة سياسية معينة. وإذا كان واقع الحال على ما هو عليه فما يهم بالدرجة الأولى ليست المؤشرات في حد ذاتها بل تحليل مدى واقعيتها مقارنة مع الواقع المعاش. وما كان على الوزير الخلفي التحدث بلغة اعتمد فيها مصطلح الاقتصاد الوطني بل كان عليه التحدث بمصطلح المواطن المغربي. ذلك أنه لكل مصطلح معنى ومغزى وخصوصا آذان قد تصغي وقد لا تبالي. فواقع الحال يؤكد أن الاقتصادي لا يزال يزركش مؤشراته وفق رغبات وطموحات السياسي.
* وبخصوص الواقع الاجتماعي المعيش، فمصطلح الايجابية قد لا يكون صائبا في ظل استمرارية الاحتجاجات شبه اليومية التي يشهدها ليس فقط الشارع المغربي الحضري، بل نجده قد امتد إلى البادية والمناطق النائية. فإيجابية الحصيلة الاقتصادية التي زعمها الوزير الخلفي وجب وبكل موضوعية أن تنعكس على الواقع الاجتماعي، ذلك أن الاقتصادي يضمن الاجتماعي والاجتماعي يضمن الاقتصادي، وهذا أمر لا جدال بخصوصه. ورجوعا للواقع الاجتماعي المعاش فما يميزه هو أننا بتنا نعايش ظاهرة غير مسبوقة من الاحتجاجات إذ أن فعالياتها هي من مختلف شرائح المجتمع المغربي إذ علاوة على حاملي الشواهد العليا فقد انخرط في مسار الاحتجاجات تلاميذ ومحامون وأساتذة وأطباء وقدماء محاربين وذوي الاحتياجات الخاصة وممرضين وموظفون وغير هم (...) وبالتالي نسائل الوزير الخلفي عن دواعي استمرارية هذه الاحتجاجات إذا كان نعته لحصيلة الحكومة بالايجابي ومن أية زاوية يقيمها بالايجابية.
2- اعتزاز واستشهاد الخلفي بتقدير المؤسسات المالية الدولية!
صرح الوزير الخلفي أثناء عرضه لحصيلة الحكومة بمقر وكالة الأنباء العربي بكون «الحكومة قد استطاعت أن تتحكم في التوازنات الماكرو اقتصادية وهذا ما جعل المؤسسات المالية الدولية على غرار البنك الدولي و صندوق النقد الدولي تعبر عن تقديرها لهذا الأمر» معززا مضمون عرضه بما أسماه وارتضاه من مؤشرات قصد إبراز مظاهر تحكم الحكومة في التوازنات الماكر اقتصادية. من خلال هذا التصريح، بودنا أن نتساءل: هل الوزير الخلفي يجعلنا نستوعب بكون الحكومة التي يقودها حزبه تسعى إلى الحصول على تقدير المؤسسات المالية الدولية أم أنها انتدبت لتسعى وراء الحصول على تقدير ورضا المواطن المغربي؟ كما أنه، وبغية تحقيق نوع من الانسجام بين خطاب الخلفي وتجلياته، أعتقد وبكل موضوعية أن فقرة من عرضه وجبت إعادة صياغتها على نحو» أن الحكومة قد استطاعت أن تستجيب لتوصيات وتوجيهات المؤسسات المالية الدولية قصد الحفاظ على التوازنات الماكرو اقتصادية «. ويمكن تعليل هذا السبيل بكون «الخطاب الاقتصادي» لحزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة لم يكن متضمنا في بداية ولايته لهذه المصطلحات، بل أبلغ من ذلك لم يكن متضمنا لسياسة اقتصادية جلية الأهداف والوسائل والمدة الزمنية، بل كان مقتصرا على شعارات اقتنصها من حركية الشارع المغربي، وسرعان ما نبذها وراءه لكونها وبكل واقعية كانت غريبة ومجانبة لأهدافه الأصلية. وإذا ما تمت إعادة صياغة الفقرة المشار إليها أعلاه ضمن تصريح الخلفي على النحو الذي أكدته، سيكون آنذاك من الهين إبراز مظاهر التكيف مع توجيهات المؤسسات المالية الدولية المتمثلة أساسا في مبدأ إخضاع توازنات الاقتصاد المغربي لآليات السوق أو ما يصطلح عليه بتحرير آليات توازن الاقتصاد الوطني من خلال الشروع في إقصاء صندوق المقاصة وإخضاع أسعار المحروقات إلى نظام المقايسة موازاة مع تراجع الدور الاجتماعي والدور الاقتصادي التصحيحي المرحلي للحكومة.
3- الوزير الخلفي
مغالطته للواقع المعاش
ما كان على الوزير الخلفي، خلال عرضه لحصيلة عمل الحكومة أن يتجاهل المؤشرات الماكرو اقتصادية المتبناة من طرف جل الاقتصاديين في مختلف دول العالم ويركز فقط على معدل النمو وتطور عجز الميزانية مزركشا عرضه ببعض التدابير والتي تبقى لعاميتها فاقدة للموضوعية. لا أحبذ الدخول في جدل حول الأرقام التي أدلى بها الخلفي، ولكن أتساءل عن ما الفائدة من الاعتماد والاقتصار على مؤشر معدل النمو، والذي برهنت الدراسات محدوديته بالنسبة للاقتصاديات التي تعاني من اتساع رقعة القطاع غير المهيكل، علاوة على محدوديته من زاوية تغييب المعطيات على الصعيد الجهوي وعلى صعيد الطبقات الاجتماعية. ما عسا المواطن المغربي أن يستوعبه من تطور مؤشر من نسبة إلى أخرى دون أن يلمس انعكاسات هذا التطور على واقعه المعاش؟ وفي نفس السياق، كان على الوزير الخلفي على غرار اقتصاديي العالم أن يعزز مؤشر النمو بمؤشرات أكثر دلالة كمؤشر التنمية البشرية والذي يعطي مثلا نظرة حول نسبة الولوج المدرسي ومؤشر الفقر والذي يمكن من التوفر على معطيات تهم بالخصوص نسبة الأمية ونسبة الاستفادة من الماء الصالح للشرب (...) إلى غيرها من المعطيات التي تهم الواقع المعاش للمواطن المغربي عوض إعادة ترويج «أسطوانة» حبلى بمصطلحات سئم سماعها المواطن المغربي كعجز الميزانية والأزمة والضائقة المالية والظروف الدقيقة (...). علاوة على هذا، وحتى يكون عرض حصيلة الحكومة قابل للتحليل الاقتصادي، كنا نأمل أن يتضمن هذا العرض المؤشرات الأخرى المكونة لل»مربع السحري « carré magique أي نسبة النمو أو الناتج الداخلي الخام croissance، نسبة التشغيل لعناصر الإنتاج plein emploi des facteurs de production، نسبة التضخم أو نسبة استقرار الأسعار stabilité des prix والتوازن الخارجي للميزان التجاري.équilibre extérieur de la balance commerciale . فعادة هذه هي المؤشرات المبدئية المعترف بها دوليا التي يتم اعتمادها لتقييم ظرفي لحصيلة سياسة اقتصادية واجتماعية لحكومة معينة وبالتالي فعدم تضمن عرض الوزير الخلفي لها يجعل ما قدمه فاقدا للصبغة العلمية الموضوعية ومتسما عكس ذلك بعرض «للاستهلاك» لا أقل ولا أكثر.
وإذا ما زعم الوزير الخلفي أنه بفضل «الإصلاحات الكبيرة» التي أقدمت عليها الحكومة الناطق باسمها من جلب الاستثمار الأجنبي وكذا الرفع من معدل النمو، فكيف له أن يفسر ما يحدث حاليا من تراجع في حجم هذه الاستثمارات بنسبة 60,1 في المائة (ناقص 6,172 ملايير درهم)، إذ بلغت 4,106 ملايير درهم، مقابل 10,278 ملايير درهم نهاية فبراير 2013 وفق تقرير مكتب الصرف ؟ وهذا يعني أن ما زعمه الوزير الخلفي بخصوص العلاقة القائمة بين «الاصلاحات الكبيرة» وارتفاع مستوى الاستثمارات الخارجية كان مجرد مزايدة وغير تابت. وما قد يكون موضوعيا من الزاوية الاقتصادية بخصوص نزوح الاستثمارات الأجنبية نحو المغرب هو ظرفية الأزمة الاقتصادية التي عايشتها اقتصاديات الدول الغربية وضرورة بحثها عن منافذ خارجية تمكنها من تحقيق قيم مضافة تساعدها على تجاوز أزمتها الداخلية. وهذا النحو هو صلب النظرية الاقتصادية الليبرالية وجوهر اشتغال نمط الإنتاج الرأسمالي. وهل يزن الوزير الخلفي حق وزنه معدل المديونية الذي حصره في 62 في المائة؟ فبكل بساطة فهذا المعدل المتجاوز لنصف الناتج الداخلي الخام يعني أنه على الاقتصاد الوطني خلال السنوات المقبلة أن يزيح جزءا من الثروات المنتجة وتخصيصها لسداد أقساط المديونية عوض تخصيصها لتمويل الاستثمارات أو تمويل القطاعات الاجتماعية التي تزيد حدة تأزمها. كيف للناطق باسم الحكومة أن يدعي بكون التغطية الصحية قد بلغت 77 في المائة ؟ إذا كان يقصد أنه تم توزيع 6 ملايين ونصف من بطاقات الرميد فهذا لا يعني التغطية الصحية الفعلية والحقيقية لا من زاوية المؤشرات الدولية المعتمدة في هذا المجال ولا من زاوية شهادة العديد من المواطنين المغاربة بالتلاعبات التي شابت توزيع هذه البطاقات والارتفاع لا مبرر لأسعار الأدوية دون الحديث عن الخصاص في المستوصفات والمستشفيات والأطقم الصحية والتجهيزات الطبية في العديد من المدن النائية والبوادي. وما مصير هذه المبادرة في ظل الأنباء عن تراجع الاتحاد الأوروبي عن الاستمرارية في دعمها لها. ما لا نأمله هو أن يبق المواطن المغربي ذو القدرة الشرائية الدنيا حاملا لبطاقة قد لا تؤمن له أية خدمة لا الخدمة الصحية الأصلية التي أعدت من أجلها ولا غيرها. أما زيادة 600 درهم كزيادة في الأجور فهذا لغو في الحديث لكون الوزير الخلفي يريد إثارتها فقط لتبيان أن الحكومة الفارطة قد تركت للحالية إرثا انعكس سلبا على ميزانية الدولة أما ما كان عليه إثارته هي 3000 درهم التي وعد بها رئيس الحكومة الناطق باسمها وهذا ما ينتظره المواطن المغربي أما 600 درهم فقد قيل عنها الكثير وقد اندثرت قدرتها الشرائية بفعل الزيادات غير المضبوطة لجل المواد الاستهلاكية إثر الإسقاط اللا مدروس لصندوق المقاصة وإرساء نظام المقايسة لسعر المحروقات في غير نسيجه الاقتصادي. لقد انتقى الوزير الخلفي الأرقام التي تتناغم ومضمون عرضه إلا أنه قد تناسى أو تجاهل ما وعد به رئيس حكومته بخصوص «1000 درهم» التي كانت ستصرف للطبقات الفقيرة إثر إسقاط صندوق المقاصة.
4- تدابير الحكومة تتجه بالاقتصاد الوطني نحو الركود واتساع رقعة الاحتقان الاجتماعي
أعتقد أنه ما تحدث عنه الوزير الخلفي بخصوص الإجراءات التي اتخذتها الحكومة من اجل تقليص عجز الميزانية من قبيل وقف تنفيذ 15 مليار درهم من الاستثمارات و اعتماد نظام المقايسة في أسعار المحروقات وغيرها يؤكد ما سبق ذكره بخصوص التوجه نحو إخضاع توازنات الاقتصاد المغربي وفق آليات السوق وتراجع دور الدولة قصد الحد من نفقاتها لتخفيف العبء عن الميزانية، إلا أن المشكلة ليست في نفقات الدولة بل في تخليق تدبيرها أما دور الدولة فلا يزال ضروريا خصوصا في شقه الاجتماعي. على أية حال لا يمكن للوزير الخلفي أن يجزم بإيجابية هذه التدابير على الاقتصاد الوطني وليثه صاغ عرضه باستبدال مصطلح الاقتصاد الوطني بمصطلح المواطن المغربي، لكن هذه الإجراءات إذا ما تم التمادي فيها وعدم تصحيحها فإنها ستتجه بالاقتصاد الوطني نحو حالة الركود الاقتصادي واستفحال رقعة الاحتقان والتدمر الاجتماعي حيث أن الخلفي إذا كان يفتخر بالتمكن من خفض عجز الميزانية فلا يجب عليه أن يتجاهل أن معدل البطالة قد راوح 14 في المائة. ولا أستوعب كيف أن ارتفاع معدل النمو الذي يصرح به الخلفي لم ينعكس إيجابيا على حجم ومعدل البطالة. كما أنه من الصعب استيعاب قيام حكومة بنكيران بسحب 15 مليار درهم التي كانت متوفرة لديها ومخصصة لإنعاش وتنمية الاستثمارات وتفضيل استبدالها باللجوء إلى الاقتراض والذي يقيد ويرهن مستقبل الاقتصاد الوطني. كيف يمكن استيعاب إيجابية تدابير الحكومة وحصيلتها إذا كانت هذه التدابير تجهز ليس فقط على القدرة الشرائية للمواطن المغربي بل حتى على القدرة الإنتاجية والتنافسية للمقاولة المغربية الصغيرة والمتوسطة من خلال التوجه نحو الاقصاء النهائي لصندوق المقاصة وإرساء نظام المقايسة بخصوص أسعار المحروقات وعدم إرساء آليات لضبط جدي لتحديد الأسعار إن على مستوى سوق السلع الاستهلاكية أو على مستوى سوق العمل أما سوق المال فلا تعليق حوله لكونه يشهد احتكارا بامتياز . أي سياسة اقتصادية واجتماعية هذه التي «تخنق» العرض والطلب في نفس الوقت وبالتالي على أية أسس يمكن التفاؤل بارتفاع معدل النمو ؟ ألم يكن من الجدي أن يغني الوزير الخلفي عرضه، على الأقل، بالأشواط التي ربما قد قطعتها الحكومة في عدة أوراش كالقضاء والتعليم وتوسيع قاعدة الطبقة المتوسطة ومنظومة الأجور ومنظومة الوظيفة العمومية (...) ؟ أما ما قد يمكن أن يوصف بالايجابي في المرحلة الحالية قد يكمن في تمكن حزب كان بالأمس مهددا بالاندثار ليصبح اليوم ذو مكانة بين الفعاليات السياسية سواء كان في الحكومة أو في المعارضة. أقول في المرحلة الحالية لكوننا نجهل ما قد تفرز عنه غدا جدليات المشهد السياسي في المغرب.
* باحث في العلوم الاقتصادية والاجتماعية
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.