نشرت جريدة «الأسبوع الصحفي»، في عددها 778، بتاريخ 27 فبراير 2014، مقالا في صفحة «الحقيقة الضائعة» بعنوان «هل تدخلت القوة الخفية لإنقاذ المظلومين من القضاء»، ويتعلق الأمر بالحكم في ملف ما سمي بالسطو على أملاك يهود مغاربة، الذي أصدرت فيه حكماً استئنافية الدارالبيضاء. وما يثير الانتباه في المقال بصفة خاصة، هو العبارة التالية: « ... طبعا لا تتولى القوات الخفية فقط، إرسال القنابل السرية إلى الأقطاب السياسية، وها هي نفس القوة تعمل لإرسال التعليمات السرية إلى القاضي، في محكمة عصابة المستولين على الأملاك.» ... «وكان كل ذلك من جهتنا بدافع الغيرة على القضاء، ورغبة في عدم ترك مجموعة من أقطاب العصابات العالمية الكبرى تفرض أسلوبها، حتى خرج القاضي المكلف بالملف في أول جلسات الاستئناف وقال « لا نخاف إلا الله» ... «. ولابد ككل حقوقي، له غيرة على استقلال السلطة القضائية، أن ينزعج، ويندهش من أن تكون هناك «قوة تعمل لإرسال التعليمات السرية إلى القاضي في محاكمة عصابة المستولين على الأملاك ... «، والانزعاج ليس من طبيعة الحكم، هل كان عادلا أم لا ؟ فهذا ليس غاية هذه الكلمة، بل مصدره هو التدخل في إصداره، بناء على تعليمات سرية من «القوة الخفية». وكون هذا الإعلان، لم يقابل بأي تكذيب أو توضيح، أو بيان حقيقة، من أطراف القضية، أو كل ممن له صلة، باستقلال القضاء، وفي مقدمة هؤلاء، وزارة العدل والحريات، والجمعيات المختلفة للقضاة، ذلك أنه مرت على نشر خبر التدخل الخطير في القضاء، قرابة عشرة أيام، دون صدور أي رد فعل، مما يشكل قرينة قانونية على أن «التعليمات السرية أرسلت للقاضي» فعلاً، مع أن الدستور في الفصل 107 «يمنع كل تدخل في القضايا المعروضة على القضاء، ولا يتلقى القاضي بشأن مهمته القضائية، أي أوامر أو تعليمات، ولا يخضع لأي ضغط. يجب على القاضي، كلما اعتبر أن استقلاله مهدد، أن يحيل الأمر، إلى المجلس الأعلى للسلطة القضائية ... «. وكاتب الخبر ليس ممن ينطق عن الهوى، أو يطلق الكلام على عواهنه. فكيف يسكت نائب رئيس المجلس الأعلى للقضاء، السيد وزير العدل والحريات عما حدث، ولا يحرك ساكناً، رغم خطورة الموضوع وحساسيته، لأنه يمس بمصداقية القضاء، وقيمة أحكامه، إذا كانت فعلاً، تصدر بناء على تعليمات ومن «القوة الخفية»، كما أعلن المقال، ولم يقع تكذيبه لحد الآن. ومن جهة ثانية، فإن التساؤل يفرض نفسه بقوة في هذه النازلة، على موقف الجمعيات المهنية للقضاة، مما حدث، التي من المفروض، أن من أهم دواعي وأسباب تأسيسها، هو الحرص الجدي والفعلي، على حماية استقلال السلطة القضائية، أم أنها تعتبر أن مجرد توقيف قاض، أو عزله، متلبساً بالرشوة جريمة لا تغتفر، «وإرسال القوات الخفية التعليمات السرية إلى القاضي ... « قضية فيها نظر !. إن الغيرة على استقلال القضاة في عملهم، واضطلاع السلطة القضائية بالقيام برسالتها، وواجبها الوطني، هي قناعة موضوعية لا تتجزأ، وتتجافى مع ممارسة الكيل بمكيالين، أو الخضوع للمزاج، في تفعيل هذه القناعة، والانتصار لها، بعيداً عن توظيف البلاغات والوقفات ... في ميزان الانتخابات القضائية المرتقبة. إن مصداقية أي جهة تؤكدها المواقف العملية، في مواجهة هذه التدخلات الخطيرة، التي تشكل مساً فاشياً، باستقلال السلطة القضائية، والسكوت عنها، ممن يعنيه الأمر مباشرة، والمطوق أخلاقياً، وقانونياً، بمسؤولية حماية هذا الاستقلال، واستمرار السكوت عنها، هو مشاركة في مؤامرة الصمت، التي نربأ بمن يمثل قضاءنا رسمياً وجمعوياً، أن يكون طرفاً في مؤامرة الصمت هذه، إزاء قضية من هذا المستوى من الخطورة، لا ينحصر أثرها السلبي في المستوى الوطني، ولكن امتداداتها تتعدى ذلك، لتنعكس كحجج تتبناها التقارير الدولية المسخرة، التي تتربص بمثل هذه الفرص، لتنفث سمومها التشكيكية، في مصداقية المؤسسات الوطنية كلها، وما تقرير منظمة «مشروع العدالة الدولية» - التي تتخذ من الولاياتالمتحدة مقراً لها- الصادر حديثاً عنا ببعيد، الذي من جملة ما ورد فيه « ... استحالة تصرف، قضاة المغرب ضد المسؤولين الحكوميين النافذين في الدولة، وانعدام استقلالية السلطة القضائية عن السلطة السياسية في البلد ... «. فواجب السلطات القضائية والحكومية، والجمعيات المهنية للقضاة، وكل الحقوقيين، هو التصدي بصفة جدية ومسؤولة، لمثل تدخلات «القوة الخفية» التي وجهت تعليمات إلى القضاء لإصدار حكم، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.