في عرضين ألقاهما العربي الحبشي عضو المكتب المركزي للفيدرالية لديمقراطية للشغل وعضو الفريق الفيدرالي بغرفة المستشارين، بمدينة أكَادير حول إصلاح أنظمة التقاعد من خلال لقاءين الأول نظمه المكتب الجهوي للنقابة الديمقراطية للتجهيزوالنقل بجهة سوس ماسة درعة،يوم الجمعة 28 فبراير2014، والثاني نظمه فرع حزب اليسار الموحد يوم الأحد 2 مارس 2014، تطرق فيهما إلى الإختلالات الكبرى التي تعرفها الصناديق الأربعة المتعلق بالتقاعد في القطاعين العام والخاص وإلى المقاربة الترقيعية التي تروم حكومة بنكيران تطبيقها على مقاسها في إصلاح أنظمة هذه الصناديق. هذا، وقبل شروعه في مباشرة الموضوع، استهل الحبشي مداخلته القيمة بمسوغات طرح إصلاح أنظمة التقاعد في ظل حوار اجتماعي جامد، بالسياقات المختلفة الدولية والعربية والوطنية التي تجري فيها النقاشات الحادة حول إصلاح أنظمة التقاعد بين الحكومة الحالية والنقابات المركزية الثلاث"الفيدرالية الديمقراطية للشغل والكونفدرالية الديمقراطية للشغل والإتحاد المغربي للشغل"، حيث اعتبر ما تقوم به حكومة بنكيران هجمة شرسة على حقوق الأجراء في القطاعين معا. وانتقد بعمق وتفصيل الإختلالات المالية التي تعرفها الصناديق الأربعة، حيث أوضح أنها لها أنظمة مختلفة وليس لها سلطة موحدة لوجستيكيا وماليا، وليس لها نظام مراقبة صارمة على التدبير المالي والإداري والبشري بل كل صندوق له نظامه الخاص، زيادة على ما يعتري كل صندوق من فساد قبل 1998، لعدم تأدية الدولة ما بذمتها ماليا لفائدة هذه الصناديق، فضلا عن استشراء اقتصاد الريع ونهب الأموال وصرفها في أمور لا علاقة لها من قريب أو بعيد بشؤون المنخرطين، ومنح تقاعد مريح لبعض الموظفين المحظوظين خارج الضوابط لقانونية. وأكد في مداخلته أن الدولة كانت لا تحترم التزاماتها في المعاشات المدنية خلافا للمعاشات العسكرية التي تعتمد على نظام خاص بالتقاعد معزول عن أنظمة تقاعد الموظفين والمأجورين المدنيين، كما بين بالتفاصيل كيف عاشت هذه الصناديق جرائم مالية فظيعة، وكيف أن العديد من الشركات إلى حد الآن تتلاعب في التصريح بالعمال فبعضها، لا يصرح بهم والبعض الآخر لا يصرح إلا جزئيا إما ببعض العمال فقط أو بالسنوات الأخيرة التي قضاها داخل الشركة، وغيرها من الجرائم التي ترتكب في حق اليد العاملة في غياب أية مراقبة حقيقية من قبل الدولة. كما اعترى الفساد مؤسسة صندوق الإيداع والتدبير الذي انزاحت عن أهدافها الحقيقية التي من أجلها أسست في عهد حكومة عبد الله إبراهيم ووزير الأقتصاد عبدالرحيم بوعبيد، حيث كانت في عهدهما تعتبر صندوقا لودائع للموظفين والعمال، وكان من المفروض أن تصرف أمواله في مشاريع اقتصادية واجتماعية تعود بالفائدة على الطبقة العاملة، لكن أموال الصندوق تم تحويلها مع الحكومات اللاحقة إلى إنجاز مشاريع سياحية ضخمة في الوقت الذي تعاني فيه الطبقة العاملة من خصاص في السكن والصحة والتعليم... وأضاف أن إصلاح أنظمة التقاعد إشكالية مجتمعية ذات أبعاد متعددة تتطلب قرارات سياسية جريئة، لا قرارات مالية وتقنية تغيب البعد الإجتماعي والتي تحاول الحكومة الحالية فرضها حين عزمت على اتخاذ إجراءات مقياسية لرفع سن التقاعد على مرحلتين 62 سنة ثم 65 سنة، والرفع من نسبة المساهمة من 14 في المائة إلى 20 في المائة ثم إلى 30 في المائة. وهذا ما سيساهم في الزيادة في تفقير الطبقة الصغرى والمتوسطة، والتأثير سلبيا على سوق الشغل، وعلى ارتفاع الطلب على حساب العرض لدى المقاولات، وانسداد الأفق في وجه الطاقة الشابة سواء في الشغل والتوظيف حين يتم اعتماد الرفع من سن التقاعد. وقال الحبشي:إن حكومة بنكيران تحاول فرض إملاءات صندوق النقد الدولي على حساب هشاشة المجتمع المغربي وفقره، لأن هذه الإجراءات التي تريد الحكومة تطبيقها ستكون لها تداعيات سلبية على القدرة الشرائية للمأجورين وعلى سوق الشغل، في الوقت الذي يعاني فيه المغرب من خصاص كبير في الموظفين حيث هو في حاجة اليوم إلى حوالي 7000 ممرض و10 آلاف طبيب و15 ألف رجل تعليم وإلى قضاة ومفتشين ماليين وإداريين، لأنه كلما توسع الإستثمارفي القطاعين العام والخاص كلما توسعت معه الحاجة إلى الشغل والتوظيف، لكن الحكومة الحالية ترى الإصلاح بمقاربة ترقيعية ذات بعد زمني وتقني وهذا ما سيجعل البلاد في خطر... واستدل على ذلك بكون المغرب سيعرف تقاعدا كبيرا في عدد المأجورين، حيث إنه في سنة 2014، سيتقاعد 20 ألف موظف في جميع القطاعات والحكومة لم تبرمج من المناصب المالية للتوظيف المقبل لهذه السنة إلا 18 ألف منصب، بمعنى أن سوف تنتقص من الرقم 2000 منصب شغل، زيادة على الخصاص المهول في جميع القطاعات الحيوية بالبلاد، لذلك لابد من أن يستمر التشغيل والتوظيف ليواكب الإستثمار في القطاعين العام والخاص. وعوض أن تنكب حكومة بنكيران، يقول الحبشي، على علاج الإختلالات ومباشرة الإصلاحات الحقيقية للقضاء على الرشوة والتهريب والفساد واقتصاد الريع كآفات خطيرة تسببت في ضعف الناتج الإجمالي الداخلي، صارت تتذرع بمبررات واهية في إصلاح أنظمة التقاعد بتكرارها للكلام بكون كتلة الأجور مرتفعة بالمغرب، وهذا نقاش مغلوط ترفضه النقابات المركزية وتدعو بنكيران إلى التملك بالشجاعة لمحاسبة من تسبب في إفلاس صناديق التقاعد، وإجباره على استرداد الأموال التي نهبها واختلسها. وختم عرضه بأن أية محاولة لرفع سن التقاعد والرفع من نسبة مساهمة المنخرطين هو تخفيض حقيقي للأجور، ومحاولة واضحة لتفقير الطبقة المتوسطة وإضعاف للقدرة الشرائية للمأجورين وبالتالي إضعاف للسوق الداخلية والتأثير سلبيا على المقاولة الوطنية التي ستجد نفسها في الأخير أمام كثرة العرض وقلة الطلب وبالتالي ستنتهي إلى الإفلاس ثم الإغلاق وتسريح العمال ومراكمة المزيد من البطالة في صفوف العمال والعاملات ناهيك عن المعطلين،لهذه الأسباب كلها نرفض كنقابات كل تعديل يجهز في النهاية على حقوق ومكتسبات الطبقة العاملة.