تعتبر دور الشباب مراكز قرب عمومية تربوية ثقافية واجتماعية و فضاءات خصبة لممارسة أنشطة مختلفة ومتنوعة هادفة، كالموسيقى، الرقص، السينما، الفنون التشكيلية والرياضة... فهي مراكز قرب بامتياز لكونها تتموقع داخل التجمعات السكانية وخاصة الأحياء الشعبية، ومفتوحة في وجه الأطفال والشباب خاصة من الفئات الهشة. كل هذه الخدمات المعرفية والفنية والرياضية كان شباب بلدية تولال والأطفال على الخصوص يستفيدون منها داخل دار الشباب تولال رغم قلة تجهيزاتها، لكنها كانت تفي بالغرض، لكونها متوفرة على قاعة للمسرح والحفلات الموسيقية وقاعة للندوات وملعب متعدد الاختصاصات، كما كانت مقرا لمجموعة من الجمعيات والأندية التي وجدت نفسها دون مقرات بسبب إغلاقها بقدرة قادر دون إشعار الجمعيات النشيطة بها، وبقرار تعسفي يجهل مصدره، وذلك بغية تحويلها إلى دار للضيافة بالعامية ومركز استقبال بلغة إدارة الشبيبة والرياضة، دون أخذ رأي شباب المنطقة الذين يعون جيدا متطلباتهم وحاجياتهم، وحيث يعتبرون تحويل دار الشباب إلى مركز استقبال ما هو إلى قرار تعسفي يرضي غرور أصحابه ويعبر عن برامج ومخططات ورقية تصاغ داخل المكاتب لا تمت بأي صلة للواقع الشبيبي، وأن هذا القرار غير مستساغ في مناخ ديمقراطي دستوري جديد تأسس على الرغبة في مصالحة الشباب مع المؤسسات، والمصالحة مع المستقبل. من المعلوم أن مراكز الاستقبال هي تلك المؤسسات التابعة لوزارة الشباب و الرياضة المعدة لاستقبال وفود الشباب الوطنية والأجنبية أثناء مزاولتها لمختلف الأنشطة التربوية والثقافية والرياضية... الخ. أي أن هذه الإقامة المزمع إنشاؤها ستسهدف بالدرجة الأولى الوفود الأجنبية، سواء كانت من خارج أرض الوطن أو من خارج بلدية تولال، بمعنى أن هذا المشروع لا يستهدف الساكنة وشبابها الذين يبقون في أمس الحاجة إلى مشاريع تستهدفهم لإخراجهم من المعاناة النفسية جراء البطالة وعوز الأسر وتفشي ظواهر الفساد، و حمايتهم من الآفات المؤدية إلى عالم الانحراف والجنوح والتطرف. إن كانت مراكز الاستقبال هاته تهتم باحتضان المنظمات الوطنية والدولية الشبابية، ومن بين ما توفره من خدمات، الإيواء والإطعام، فما هو نصيب وحجم استفادة شباب المنطقة من هذا المركز المزمع إنشاؤه؟ صحيح أن المركز سيكون في خدمة الشباب بصفة عامة لكن ما هو مؤكد أنهم ليسوا من منطقة تولال، لكونه سيوفر الإيواء للشباب من خارج المنطقة في إطار تظاهرات ثقافية ورياضية أو في إطار تبادل الزيارات، التي تتيح للشباب الوطني والدولي اكتشاف الخصوصيات الطبيعية والثقافية لأي منطقة، كما تتيح الوقوف على مدى تطور البنيات الاجتماعية والاقتصادية. فيا ترى ماذا يوجد في بلدية تولال ما يستهوي الزوار الأجانب لاكتشافه؟ مقارنة مع مدينة مكناس المركز التي تضم من المقومات السياحية ما يمكن اكتشافها وزيارتها، لماذا يتم تهريب الزوار من مركز الاستقبال فندق الحناء بقبة السوق الحي التاريخي والمزار السياحي إلى منطقة تولال؟ إن شباب المنطقة مع هذا النوع من المشاريع، ولكن على أساس أن تكون إضافة وليس إقامتها على أنقاض منشآت مهمة لها دور طلائعي كدار الشباب تولال التي هم في أمس الحاجة لها، والتي يستفيدون منها بشكل مباشر! والأدهى في الأمر أن من شروط ولوج هذه المؤسسة المزمع بناؤها (مركز استقبال) ، وكما هو مسطر في القانون الداخلي لهذه المراكز التي لا يمكن استقرار الوفود بها إلا بعد تقديمها رخصة القبول لمدير المركز مسلمة من طرف وزارة الشباب والرياضة، أي يجب تقديم طلب إلى معالي الوزير، علما بأن جل أنشطة الجمعيات النشيطة بتراب البلدية وحجمها لا تتماشى مع الشرط التعجيزي المقرون بضرورة توفر رخصة من الوزارة(الرباط)، الذي يعتبر معيارا تم إعداده على مقاس الجمعيات المحظوظة، وليس لفائدة باقي الفئات العريضة من الشباب المغربي والتولالي على الخصوص التي تعيش الاقصاء والتهميش. إن الإجهاز على دار الشباب تولال هو ضرب للممارسة الديمقراطية بين الشباب والجمعيات، لأن مؤسسة دار الشباب هي بمثابة مدرسة للتفاعل الاجتماعي والتعود على تحمل المسؤولية والممارسة الديمقراطية من خلال تنظيمها الإداري و طريقة تسييرها الموكولة إلى مجلس دار الشباب الذي ينتخب أعضاءه بطريقة ديمقراطية بين الجمعيات التي تعمل داخل الدار. وتنصل من مبدأ التشارك بعدم إشراك أعضاء المجلس في اتخاذ هذا القرار المضر بالجمعيات التي اشتغلت لسنوات بهذا الفضاء. علما بأن القانون التظيمي لدور الشباب يشير إلى كون مجلس الدار يعتبر جهازا استشاريا وتمثيليا يضم، علاوة على مدير دار الشباب، ممثلين منتخبين عن الجمعيات والأندية التي تنشط بالمؤسسة، إضافة لبعض الفعاليات المهتمة بالعمل التربوي والثقافي والرياضي على الورق طبعا ، فهل تمت استشارة هذا الجهاز الاستشاري والتمثيلي، الذي يضم بين مكوناته ممثلي جمعيات محلية ونشيطة تعي جيدا متطلبات المنطقة وخصوصياتها؟ كيف يأتي هذا في عهد دستور جديد واضح المعالم والذي أنصف الشباب المغربي برمته، حيت أقر بين فصوله مجموعة من الحقوق، أهمها ما تضمنه الفصل 33 الذي نص : على السلطات العمومية اتخاذ التدابير الملائمة لتحقيق وتوسيع وتعميم مشاركة الشباب في التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية للبلاد، ومساعدة الشباب على الاندماج في الحياة، وتقديم المساعدة لأولئك الذين تعترضهم صعوبة في التكيف المدرسي أو الاجتماعي أو المهني، كذلك تيسير ولوج الشباب للثقافة والعلم والتكنولوجية، والفن والرياضة والأنشطة الترفيهية، مع توفير الظروف المواتية لتفتق طاقاتهم الخلاقة والإبداعية في كل هذه المجالات... أين هي الشعارات البراقة من قبيل الديموقراطية التشاركية التي تشنف مسامعنا بترديدها في الخطابات الرسمية، لماذا لا تمارس على أرض الواقع كسلوك حضاري نصبو إلى بلوغه كشكل من أشكال التدبير المشترك للشأن العام المحلي هدفها تقوية مشاركة الشباب في اتخاذ القرار ،و دعوتهم لإبداء رأيهم في مشاريع محلية أو قرارات عمومية تعنيهم بشكل مباشر، و ذلك لإشراكهم في اتخاذ القرارات مع التحمل الجماعي للمسؤوليات المترتبة على ذلك. لماذا لم يتم إشراك الشباب في قرار كهذا؟ وفي خرجة إعلامية عبر أثير الإذاعة الجهوية مكناس تافلالت لأحد المسؤولين بمندوبية الشبيبة والرياضة الذي انبرى دفاعا عن فكرة تحويل دار الشباب إلى مركز استقبال، صرح بأن الإدارة بصدد البحث عن عقار لبناء دار الشباب بديلة بمعايير حديثة وقريبة من الساكنة -حسب قوله -، فأين هذا الوعد إن كانوا صادقين؟ ولماذا لم يتم الحفاظ على دار الشباب وتجهيزها؟ في انتظار أن يجدوا العقار المناسب ليبنوا مشروعهم هذا، بالرغم من أننا على يقين بأنهم لن يجدوه في يومنا هذا ولو حرصوا. كيف يتم الإجهاز على منشأة اقتطعت من مقر قيادة تولال سابقا كانت في ملك الجماعة، فوتها المجلس السابق لوزارة الشبيبة والرياضة من أجل خدمة شباب البلدية، في حين يتحايل أصحاب القرار في التعامل معه كمجرد عقار (جابو الله) يمكن تحويله متى وكما يحلو لهم تحت أنظار مجلس بلدية تولال الحالي الذي لم يحرك ساكنا للدفاع عن هذه المؤسسة، ومن خلالها الدفاع عن شباب المنطقة. هل سيكون مصير هذه الدار كمصير البقعة الأرضية التي كانت مخصصة في تصميم التهيئة للمقبرة و تحولت بقدرة قادر إلى مشروع سكني؟ أسئلة ستظل عالقة تعلق شباب بلدية تولال مع هذا الفضاء التربوي والترفيهي إلى أن يجد المسؤولون أجوبة لها وحلها، بالرغم من أن الحل الأنسب هو إعادة الأمور إلى ما كانت عليه وفتح دار الشباب من جديد في وجه ذوي الحقوق وهم شباب بلدية تولال.