يتزايد عدد الإسبانيين المتجهين إلى سوريا بغرض الجهاد. إنها حقيقة تقض مضجع السلطات التي بعثت رجال استعلامات إلى دمشق لتجميع معلومات حول مواطنيها هناك. يبدو أن أعداد الأوربيين الذين يلتحقون بسوريا لإعلان الجهاد في صفوف المعارضة الأكثر تطرفا لنظام بشار الأسد في تزايد مسترسل. وقد تداولت وسائل الإعلام بشكل مستفيض، خلال الأسابيع الأخيرة، حالات العديد من الفرنسيين، ويبدو أن إسبانيا بدورها تدق اليوم ناقوس الخطر بخصوص الأعداد المتزايدة لمواطنيها الراغبين في الجهاد بسوريا. كشف الصحافي جورج مالبرينو، في مقال نشره يوم 18 يناير الأخير، أن رجال استخبارات إسبان وصلوا إلى سوريا، مطالبين النظام السوري بمعلومات تخص المواطنين الإسبانيين. «إن الأسبانيين قلقون جدا، كما هو شأن البلدان الأوروبية الأخرى، بخصوص أعداد مواطنيهم الذين رحلوا للجهاد بسوريا»، يوضح الصحافي. «فقبل أسبوع، زار مسؤولون من الاستخبارات الإسبانية دمشق حيث التقوا الجنيرال علي مملوك، أحد القادة الرئيسيين للمصالح المحلية». كما هو الشأن بالنسبة للعديد من البلدان الأخرى، فانطلاقا من أوروبا يتم استقطاب الجهاديين الإسبانيين المستقبليين. هناك شبكات للاستقطاب في إسبانيا، كما يؤكد الصحافي: « أوقفت المصالح مؤخرا عضوا من جبهة النصرة، المرتبطة بالقاعدة، كان مكلفا بشبكة لاستقطاب الشبان الراغبين في القتال بسوريا». إن العديد من البلدان الأوروبية، ومنها إسبانيا، منشغلة بتكاثر هذه الشبكات فوق أراضيها. فسواء تعلق الأمر بفرنسا، ألمانيا أو إيطاليا، فإن مصالح الاستخبارات نشيطة في الحصول على معلومات حول مواطنيها. حسب متخصص في مكافحة الإرهاب في فرنسا، فإن «مصالح الاستعلامات الفرنسية تتحدث عن وجود مئات الفرنسيين بسوريا. كما تعرفت المصالح عن مئات أخرى من الفرنسيين الذين عبروا عن رغبتهم في الذهاب إلى سوريا للمشاركة في الجهاد». بلجيكا بدورها أصبحت أرضا لاستقطاب الجهاديين. وتتحدث المصادر عن رحيل ما بين 80 و 300 بلجيكي للالتحاق بالإسلاميين في سوريا. وتقف وراء هذا المد المتواصل، جماعة شريعة 4 البلجيكية المعروفة بتأثيرها الواسع في الميدان، والخاضعة لمراقبة السلطات. يرى جورج مالبرينو أن أمواج الأوروبيين المتجهين إلى سوريا تقدم للنظام خدمة كبيرة، لأنه سيحولها إلى قضية مشتركة مع الأوروبيين لمواجهة الجهاديين. «إن سوريا تعتزم لعب الورقة الجهادية لإقناع البلدان الأوروبية لإعادة ربط علاقاتها السياسية مع بشار الأسد في إطار حربهما المشتركة ضد الإرهاب»، كما يوضح الصحافي، مضيفا «إلا أن هذا التوجه يظل مستبعدا، حتى الآن، سواء بالنسبة لمدريد، برلين، لندن أو باريس بالطبع». عودة الجهاديين الأوروبيين إلى ديارهم رحل المئات من شباب أوروبا إلى سوريا رغبة في الجهاد. ومعظمهم يعودون من هناك. يعودون بعدما تحولوا إلى متطرفين، راغبين في الانتقام، أو غير مبالين. وقد أصبحوا، في جميع الأحوال، العدو اللدود لمصالح الاستخبارات. لقد أصبح الصراع السوري بمثابة الأرض المخصبة أكثر لنزعة الجهاد التي تكتسي بعدا عالميا. فبينما يدخل الصراع سنته الرابعة، أصبحت الحرب الأهلية السورية مشتلا للمتطرفين، من شباب الشيعة والسنة الوافدين للقتال إلى جانب مختلف الفرق المتواجدة بالبلاد. ومن بين الوافدين، أعداد متزايدة من الشباب الأوروبي. هل يقوي هؤلاء الجهاديون الغربيون تهديد الخطر الإرهابي على بلدانهم؟ في الوقت الحالي، عملت الحرب في سوريا، بوجه خاص، على تغذية التهديد الإرهابي على المستوى الجهوي: تم تفكيك خلية تخطط لارتكاب عمليات إرهابية في الأردن، نفذت عمليات في كل من تركيا ولبنان. وينبغي التذكير، مع ذلك، أنه لا وجود لفرع تابع للقاعدة في أوروبا. لأن التنظيم الإرهابي يتجنب خلق منافسين له في القارة العجوز، وكذلك لعدم وجود جماعة تتوفر فيها معايير الانخراط «الاستقلالية اللوجيستيكية والمالية ، روابط مع هرم تراتبية الحركة» التي ترسمها النواة الأصل. علاوة على ذلك، فإنه إذا ما تم التعرف رسميا على فرع أوروبي، فإن رد مصالح الاستخبارات والأمن لا يمكن أن يتأخر. إلا أن قلق المسؤولين الأوروبيين له ما يبرره، فقد تبين تاريخيا أن عددا من الإرهابيين كانوا في البداية مقاتلين جهاديين. وسيكون على الأوروبيين، على المدى المتوسط، أن يهتموا بمواطنيهم الشباب العائدين من الجبهة السورية، بعدما اكتسبوا التجربة، التدريب وتعرفوا على القنوات التي يمكن اتباعها لغايات إرهابية فوق تراب بلدانهم. والعناصر المقلقة أكثر هي التي توجهها تنظيمات جهادية، كما توضح ذلك حالة محمد صديق خان وشيزاد تنوير، الثنائي الذي كان في قلب اعتداءات لندن خلال شهر يوليوز سنة 2005 . فخان، العقل المدبر، قام برحلات كثيرة إلى باكستانوأفغانستان حيث تدرب في مرحلة أولى مع جماعات جهادية في كاشمير، ثم مع الأفغان في مرحلة ثانية. و كان من المفترض أن يكون سفره الثالث إلى أفغانستان آخر أسفاره لأنه كان يرغب في الموت هناك، كما أشار إلى ذلك في فيديو وجهه إلى ابنته ، إلى أن التقى عناصر من القاعدة أقنعته بأهمية القيام بعملية فوق تراب بلاده. سار آخرون على الدرب نفسه، إلا أنهم لم يتمكنوا من بلوغ غاياتهم، كفيصل شاه زاد ونجيب الله زازي اللذين فكر كل واحد منهما من القيام بعمل إرهابي في نيويورك بعد أسفار كثيرة إلى كل من أفغانستانوباكستان. قبل التوجه إلى الجهاد، يغذي هؤلاء حقدا كبيرا على الغرب، ويرون في التوفر على جواز سفر غربي فرصة تسهل مأموريتهم في القيام باعتداءات. فهل هذا الإحساس هو نفسه الذي يحرك أولئك الذين يوجدون اليوم في سوريا؟ قد يدفع ارتباطهم بالقاعدة ومبايعتهم لها، إلى الاعتقاد بأنهم يتقاسمون معها قناعاتها، إلا أن أوليتهم، في الوقت الراهن، هي إسقاط نظام بشار الأسد وليس مهاجمة الغرب. الطريقة الثانية التي عبٌر بها التهديد عن نفسه في الماضي، كانت من خلال أشخاص ذهبوا إلى ساحات القتال الجهادية حيث خلقوا شبكات وتدربوا، ثم عادوا وخططوا لعمليات من تلقاء أنفسهم. ونذكر، مثلا، بلال عبود الله، الطبيب العراقي - الأمريكي الذي حاول، بدعم من صديقه كافل أحمد، تفجير سيارتين مفخختين في قلب لندن، ونجح في إدخال سيارة ممتلئة بالمتفجرات إلى مطار كلاسكو الدولي سنة 2007 . سافر عبود الله، قبل ذلك، إلى بغداد وتدرب مع جماعة من المتمردين، إلا أنه ليس مؤكدا أنهم طلبوا منهم ارتكاب عمليات في المملكة المتحدة. نذكر، في السياق نفسه، محمد محيي الدين جيل، الشاب الدانماركي - الصومالي الذي تدرب مع مجموعة من « الشباب »، و المتهم رفقة آخرين بالإعداد لتنفيذ عملية ضد هيلاري كلينتون. تم اكتشاف المؤامرة وطُرد جيل إلى الدانمارك. واصل هناك حياته العادية حتى يوم هاجم بيت فنان الكاريكاتير كورت ويستغارد، مسلحا بفأس وسيوف. إلا أنه رغم إقرار «الشباب» بمعرفتهم له، فلا شيء يؤكد أنهم طلبوا منه القيام بمحاولة القتل. هذا هو النوع الذي نجده اليوم في سوريا. إن أعدادا كبيرة تعلن استعدادها للجهاد في الخارج، والمؤكد أن واحدا منهم على الأقل سيعود إلى بلاده حيا، مدربا، عازما على الفعل باسمه الخاص. فهل هذا ما يفسر ضعف الدعم الذي تخصصه البلدان الغربية للمتمردين في سوريا؟ في جميع الأحول، هذا النوع من الأشخاص هم الذين ينبغي أن يكونوا مصدر قلق لديبلوماسييهم وحكامهم. نجد، في الأخير، أولئك الذين يرحلون للجهاد، يعودون مفعمين بالغضب، إلا أنه لا يكون كافيا لجعلهم يُقدِمون على عمليات اعتداء. إنهم يفضلون مساعدة الجهاديين الآخرين في الحصول على المال ويصبحون بذلك وجوها ممثلة للتطرف، على غرار الداعية المصري - الانجليزي أبو حمزة المصري، المعروف بإرشاداته الملتهبة في مسجد فينسبوري بارك بلندن. وأبو حمزة، الملقب مصطفى كمال، شاب فار من التجنيد في مصر، قاتل السوفيات في أفغانستان. التقى هناك عبد الله عزام، الوجه المعروف في الجهاد المناهض للسوفياتيين، قبل أن يعود مصابا وأبتر، وذلك ما ساهم في شهرته. بعد عودته إلى المملكة المتحدة، أصبح داعية، ثم أخذ يبرز تدريجيا باعتباره وجها لا محيد عنه في حركية التطرف البريطانية. ورغم كونه لم يتورط أبدا في أية عملية إرهابية بشكل شخصي ، إلا أنه أثر في جيل بكامله من الشباب وحولهم إلى متطرفين، قبل أن يقنعهم بالتوجه إلى الجهاد في الخارج، أن يتدربوا في أفق تنظيم عمليات في الغرب. وعلى درجة تأثير أقل، نجد أمثلة أخرى كأبو حمزة، ومعظمهم لم يثيروا الانتباه إليهم أبدا. لقد ظلوا بعيدين عن المراقبة ، إما لالتحاقهم بجماعة لا تعرفها المصالح بعد، أو لشدة احتياطاتهم، أو بكل بساطة لعدم تفكيرهم في ارتكاب أية عملية إرهابية. بسبب هؤلاء، لا نجد فقط أن أعداد الراغبين في الرحيل للقتال في سوريا تزداد باستمرار، بل إن إيديولوجيا الجهاد تنتشر في أوروبا، لأن تجربتهم الشخصية قابلة للتغير في الحكاية الأكثر شمولية للجهاد. لذلك، فإن مشكل الإرهاب الإسلامي الذي يبدو أنه يتراجع، سينتشر ويتسع في أوروبا. حتى لو كان يتعذر علينا أن نعرف بالتحديد أعداد الشباب الغربيين الذين رحلوا - أو الراغبين - للقتال في سوريا - بالمئات حسب مصالح الاستخبارات، إلا أن عددهم أكثر من ذلك بالتأكيد -، فالتجربة تثبت أنه كلما التحق غربيون بساحات القتال الجهادية، كلما ازداد التهديد الإرهابي بشكل عام. يبقى على مصالح الاستخبارات أن تحدد متى وكيف سيتم تجسيد ذلك. فسوريا ستلازم أوروبا لسنين طويلة. عن «ألترناتيف أنترناسيونال»