انعقدت يوم الأحد المنصرم ندوة حول التنوع اللغوي بالمغرب بقاعة »محمد الصباغ« ضمن البرنامج الثقافي للدورة العشرين للمعرض الدولي للنشر والكتاب المنظمة من 13 إلى 23 فبراير الجاري،. تميزت الندوة بجلستين متتاليتين امتازتا بمشاركة ثلة من الأساتذة الأكاديميين واللغويين ليفتح نقاش أكاديمي ومجتمعي يؤسس لتدبير عقلاني و متوازن للتعدد اللغوي والثقافي. في الجلسة الأولى،توقف كل من الأستاذ عبد القادر الفاسي الفهري و الأستاذ عميد المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية أحمد بوكوس والأستاذة الباحثة في الفكر والحضارة والمهتمة بالحركة النسائية بالمغرب جميلة المصلي عند نقطة »التنوع اللغوي بالمملكة،كواقع ثقافي مثير، يستدعي التعاطي معه برؤية متوازنة وموضوعية تمنح اللغة داخل المجتمع حقا عادلا يتعين تدبيره على مستوى السياسة اللغوية بطريقة واضحة ومتجانسة. من جهته، سلط الأستاذ »أحمد بوكوس« الضوء على صياغة سياسة في المجال التربوي تحدد مكانة اللغة العربية بالدرجة الأولى وكذا اللغة الأمازيغية لتوضيح الوضع القانوني لهاتين اللغتين وتحديد وظائف كل منهما على حدة،كما استعرض مقتضيات بنود الفصل الخامس من الدستور المتعلق بترسيم اللغتين العربية والأمازيغية لتأسيس سياسة لغوية تربوية عبر التنصيص على إحداث المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية. ونوه العميد بأن نظام الإزدواجية اللغوية »مستمر«، إذ يجعل الميزان، بين هاتين اللغتين الرسميتين، باعتبار البادرة ستمكن من العيش في السلم الإجتماعي واللغوي والثقافي. أما الأستاذ عبد القادر الفاسي الفهري، فرأى أن تقوية الديمقراطية في المجتمع وبثها على نطاق واسع، متوقفة على تفعيل سياسة لغوية ديمقراطية منسجمة، تجعل المشكل التقني غيرظاهر،رغم أنه يعيق في السياسة اللغوية، كما تناول مسألة التنوع الثقافي اللغوي، مشددا على أن المغرب في تاريخه لم يعرف إكراها لغويا كما حدث في أوربا، عندما فرضت لهجات قسرا وأقصيت أخرى .فالمغرب عرف-على مساره التاريخي- تعايشا لغويا وقع فيه إقبال على اللغة العربية والنهل من العلم والدين، دون أن يتم إقصاء ألسن الهوية المتداولة،كما عرف بالموازاة تنوعا ثقافيا مطبوعا بالتفاعل مع الآخر والانفتاح والتسامح والتعايش. وأفاد الأستاذ محمد المدلاوي أن مسألة التنوع اللغوي لها عدة جوانب يمكن مناقشتها. ومسألة التنوع ليست غاية في ميدان اللغة إلا في مستوى الغنى والعدالة إذا ما نظرنا للغة كوجه للنوع الثقافي الذي تحرص عليه هيئات ومنظمات عالمية وحتى اللسانيين الذين يسوءهم أن تختفي لغة من اللغات، بالنسبة إليهم مرجع من المرجعيات التجربية، هذا المستوى من التنوعات مطروح بالمغرب ليس بهذا التصور البيئي.إن مسألة التنوع بالمغرب مطروحة من حيث الوظائفية والتنوع في حد ذاته كمعطى من المعطيات ليس جديدا. أماالجلسة الثانية، فتضمنت مشاركة كل من الأساتذة العالية ماء العينين ومحمد يتيم وفؤاد بوعلي الذين أغنوا النقاش وأضافوا إضافات هامة خل،خالصين إلى أن مقاربة هذا الموضوع بحاجة إلى دعوة لتنظيم حوار وطني على جميع المستويات وفق مقاربة تشاركية للوصول الى توافق وطني بعيد عن كل الحساسيات. ولم يفت الأستاذة العالية ماء العينين أنه يتعين اللجوء إلى تدبير التنوع اللغوي،إذ أن هذا التنوع اللغوي له ارتباط مع الحدث أو الضجة، وهذا فقط الجزء الظاهر، وحقيقة الأمر في المغرب أن الباحثين والنقاد والأساتذة يشتغلون طوال السنة على هذا الموضوع. وتساءلت المشاركة المطر:كيف كان المغرب يدبر تنوعه اللغوي والثقافي قبل الاستعمار وقبل الاستقلال؟ إن المغرب يعني الدولة والفاعل السياسي، وبهذا هل كانت هناك دولة؟ كان المغرب منقسما ومضطربا بين الاستعمار الفرنسي والإسباني وكان وضعه اقتصادي صعبا. ومع ذلك كان التنوع قائما بمعنى التدبير،فالمغرب له تراث علمي أدبي ضخم يدل على التوصل العميق والهام جدا. أما الأستاذ محمد يتيم، فقد ذكر أن التنوع اللغوي في المغرب كان أمرا متعايشا ويعتز به المغاربة بحيث يجعلونه عنصر قوة. إن التنوع اللغوي هو عامل اخصاب وعامل قوة، و لم يكن عاملا مدمرا وممزقا للهوية أو مؤثر عليها إطلاقا. القضية اللغوية، هي قضية حية تأبى أي تأويل وأي تناول إديولوجي سياسي، بفضل التوافق الذي تم حول الدستور وحول المعطيات المشتركة التي سيبنى عليها الحوار المجتمعي والحوار الثقافي. وفي الختم، أكد منشط الندوة السيد مصطفى القباج أن هذا النقاش أفرز عدة قناعات بخصوص وجود حاجة ملحة لصياغة سياسة واستراتيجية لغوية تهتم بكل الجوانب الإجرائية والتدبيرية المتعلقة بمسألة التنوع اللغوي في البلاد، وذلك بهدف إيجاد إطار يمكن له أن يوفق بين كل العناصر المشكلة للثقافة المغربية، علاوة على تحديد طرق معقولة لتحقيق تنمية شاملة ومتوازنة بكل تمظهراتها المرتبطة بالأمن اللغوي وأمن الأفراد وترسيخ الثقافة الحقوقية والتدبير الحكيم للشأن العام.