بعد طول انتظار دام زهاء خمسة عقود من الزمن، بالتمام والكمال، كي تظهر الحقيقة عن واحدة من أكبر جرائم الاغتيال السياسي، والتي راح ضحيتها الشهيد المهدي بنبركة، وعوض أن تعرف عائلته الصغيرة ومناضلو حزبه وجماهير شعبه المكان الذي ووري فيه حتى يتسنى للجميع الترحم على قبره، وهو أضعف الإيمان، فإذا بالجميع يستيقظ على وقع خبر مضاد لرغبة الجميع في إظهار الحقيقة. ذلك أن أحد المجرمين المساهمين في عملية اختطاف الشهيد المهدي والذراع اليمنى لأوفقير والدليمي، المدعو ميلود التونزي، والذي اتخذ له اسماً مستعاراً: »الشتوكي« باعترافه هو نفسه أمام هيئة الإنصاف والمصالحة، عندما استمعت إليه في إطار بحثها عن الحقيقة في اغتيال الشهيد، وهو نفس الاستنتاج الذي أكدته الخبرة التي أجريت على خط ميلود التونزي والشتوكي التي أمر بها قاضي التحقيق الفرنسي في ملف متفرع عن القضية. لقد قام هذا العميل برفع دعوى قضائية ضد المحامي الأستاذ موريس بوتان عن طريق محامي »شهير« يدعى عبد الحميد الأندلسي من هيئة الدارالبيضاء، حيث اعتبر أن المحامي الأستاذ موريس بوتان، والذي نذر نفسه لمتابعة ملف قضية الشهيد المهدي بنبركة طيلة عقود، اعتبره هذا العميل قد عمل على إفشاء سر يتعلق بقضية رائجة أمام المحكمة، نافياً أن يكون هو الشتوكي المتهم في قضية الشهيد المهدي. وعلى الرغم من التباكي الذي قام به محاميه عبد الحميد الأندلسي في مرافعته أمام هيئة المحكمة التي انعقدت يوم الثلاثاء بمدينة ليل الفرنسية، فإن ذلك لم يمنع المدعي العام الفرنسي من التأكيد على أن ما يؤاخذ على الأستاذ موريس بوتان لا علاقة له بأسرار الملف ومجريات التحقيق. والسؤال المحير الذي يطرح نفسه اليوم هو: كيف تأتى لهذا العميل ميلود التونزي صاحب الاسم المستعار »الشتوكي«، أن يقوم اليوم بتقديم هذه الدعوى المفاجئة، وهو يعلم أن هذه القضية ظلت ضمن الأسرار التي تتكتم عليها كل من فرنسا والمغرب وتمتنعان عن كشفها؟ هل ما قام به هذا العميل، قام به من تلقاء نفسه صحبة محاميه، أم قام باستشارة الأجهزة التي عمل في صفوفها طيلة عقود حتى لا نقول الدولة. إننا لسنا أمام يقظة وعي شقي لعميل تحت عذاب الضمير، بقدر ما نحن أمام ملف قضية بحجم الجبل، لن ندخر أي جهد في الإبقاء عليه مفتوحاً حتى تظهر الحقيقة كاملة غير منقوصة. أما الشطحات التي يراد من ورائها اختبار نوايانا للتخلي عن البحث عن الحقيقة في ملف عريس الشهداء المهدي بنبركة، فلا يسعنا إلا أن نردد ما كان يردده الراحل ياسر عرفات: يا جبل ما يهزك ريح.