التطاحن على أشده بين قيادة أركان الجيش ومصالح المخابرات والأمن على بعد شهرين من انتخابات الرئاسة? ماذا يجري داخل الجيش الجزائري؟ مع اقتراب الانتخابات الرئاسية المقررة يوم 17 أبريل، تعيش المؤسسة العسكرية التي تؤطر الحياة السياسية منذ استقلال البلاد، تعيش على إيقاع صراعات داخلية وصلت لأول مرة في تاريخها إلى الساحة العمومية عبر الصحافة. ومنذ عدة أيام، المعركة على أشدها بين هيئة أركان الجيش في شخص قائدها الجنرال أحمد قايد صالح، والذي يشغل في نفس الوقت، منصب نائب وزير الدفاع، وبين جهاز الاستخبارات والأمن «الأمن العسكري سابقاً» الذي يقوده منذ 1990 الجنرال محمد لامين مدين المعروف باسم» الجنرال توفيق» الاتهامات والإحالات على التقاعد وتصفية الحسابات أصبحت عناوين يومية في الجزائر تغذي قلقاً متزايداً في صفوف المواطنين المذهولين، إلى حد أن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة اضطر إلى الخروج من صمته، مساء الثلاثاء الماضي، بمناسبة التعزية التي وجهها لعائلات ضحايا تحطم الطائرة العسكرية، والتي جاء فيها أنه ليس من حق أحد، مهما كانت مسؤولياته أن يهاجم الجيش الوطني الشعبي أو المؤسسات الدستورية الأخرى في البلاد.. صحيح، تعودنا على حدوث تجاوزات تصدر عن بعض الأوساط مع اقتراب كل استحقاق «انتخابي»، ولكن هذه المرة، اتخذ هذا الهجوم حجماً لم تشهده بلادنا منذ الاستقلال... الهجوم الأول الذي ظهر على السطح، حصل يوم 3 فبراير من خلال عمار سعداني الأمين العام لجبهة التحرير الوطني، الحزب الوحيد السابق وأحد أركان الحياة السياسية في الجزائر منذ الاستقلال، في استجواب مع موقع »كل شيء عن الجزائر« الإلكتروني، واتهم علانية وبالإسم، الجنرال مدين، الذي لم يكن يذكر اسمه إلا بتحفظ شديد، وجهاز الاستخبارات والأمن »بالتدخل« في كل دواليب المؤسسات الجزائرية، وأكد سعداني قائلا» » في بلادي الولاة ورؤساء المقاولات مراقبون من طرف الكولونيلات، لا أفهم لماذا توضع هواتف المسؤولين تحت المراقبة، بينما القاضي وحده هو من له الحق في الأمر بذلك«« قبل أن يطلق اتهامات ثقيلة» هذا الجهاز قصَّر في ضمان أمن الرئيس محمد بوضياف «الذي اغتيل سنة 1992 ، ولم يستطع حماية عبد الحق بنحمودة الأمين العام للمركزية النقابية « - الاتحاد العام للعمال الجزائريين - الذي قتل سنة 1997، ولا رهبان دير تيبحيرين - تم اختطافهم وقتلهم سنة 1996- ولا قواعد إنتاج البترول في الجنوب ولا موظفي الأممالمتحدة في الجزائر ،الذين استهدفتهم عملية تفجير سنة 2007 ،خلفت العديد من الضحايا من بينهم 17 موظفاً أممياً، ولا قصر الحكومة الذي استهدفته عملية سنة 2003«.» ويضيف »كان على توفيق أن يستقيل بعد هذه الهزائم«. اتهامات سعداني كانت قوية وعنيفة وغير مسبوقة في الجزائر. الهجوم الثاني جاء بعد بضعة أيام من الخروج الإعلامي لسعداني من خلال الاعتقال الصارم للجنرال حسن المسؤول عن دائرة مكافحة الإهاب والتجسس المضاد في جهاز المخابرات والأمن، الذي قدم للمحاكمة أمام المحكمة العسكرية بالبليدة يوم 5 فبراير، و الذي يبدو أنه يواجه اتهامات خطيرة. وإحالة هذا الجنرال على التقاعد والذي يعتبر من المقربين من الجنرال توفيق، ليست هي الأولى. ففي شتنبر 2013 جرت حركة إعفاءات وإعادة هيكلة مهمة خاصة من خلال تفكيك جزء من اختصاصات جهاز المخابرات والأمن - المعلومات والأمن العسكري وبعض السلطات القضائية...- وتعويض العديد من مسؤولي هذا الجهاز بأطر عليا اختارتها هيئة الأركان، وبذلك اختلطت الأوراق، فالرجل الثاني في جهاز المخابرات والأمن الجنرال عثمان ترتاغ المعروف بإسم »البشير«، الرجل المحوري في مكافحة الجماعات الاسلامية المسلحة خلال الحرب الأهلية في سنوات 1990 والذي عاد إلى الواجهة بقوة سنة ،2011 التحق بصف أحمد قايد صالح رئيس أركان الجيش، والذي يصفه أحد العارفين بخبايا الجيش الجزائري بالعسكري الذي لا يعرف الرجوع إلى الوراء«. الجنرال أحمد قايد صالح الذي عين نائبا لوزير الدفاع في شتنبر 2013 - منصب قائد الجيوش يعود إلى رئيس الجمهورية- وهو واحد من المقربين من الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي يوجد اليوم في قلب نقاش حاد حول احتمال ترشحه لولاية رئاسية جديدة. بوتفليقة يرأس الجزائر منذ 15 سنة، لكنه أصبح غائبا عن الساحة العمومية الجزائرية منذ ظهور متاعبه الصحية حيث تعرض لأزمة دماغية سنة 2013 ولم يعلن لحد الآن إن كان سيتقدم لولاية رئاسية جديدة، لكن أنصاره يعلنون عن ترشيحه أكثر فأكثر . وقد اتخذ حوالي ستة وعشرين حزبا سياسيا، بدءا بحزب جبهة التحرير الوطني موقفا يسير في هذا الاتجاه، فيما دعت أحزاب أخرى مثل حزب حركة مجتمع السلم أهم حزب إسلامي منبثق عن جماعة الإخوان المسلمين، دعت إلى مقاطعة الاقتراع الرئاسي. ومن المتوقع أن تسير جبهة القوى الاشتراكية في نفس الاتجاه حيث أكد أمينها العام أحمد بطاطس »نحن ننتظر تطور الوضعية، ولكن خلال مجلسنا الوطني الأخير اعتبرنا أنه لن تكون الانتخابات حرة ونزية««. ويبدو أن المواجهات المفتوحة بين هيئة أركان الجيش وجهاز المخابرات والأمن، وهما من أركان المؤسسة العسكرية والأمنية في الجزائر، قد تجاوزت إطار الانتخابات الرئاسية والترشح المحتمل لعبد العزيز بوتفليقة الذي لم يعترض عليه في العمق أي شخص في قمة هرم الدولة. ويؤكد أحد العارفين بخبايا الساحة السياسية في الجزائر أن »الجميع يريد الاحتفاظ ببوتفليقة«. لكن نظام التحكيم التقليدي الذي كان معمولا به لم يعد قائما أو لم يعد يشغل كما في السابق. والتوازن الداخلي التقليدي داخل الجيش اختل. والفرصة أتيحت من خلال رجع الصدي الذي تسببت فيه عملية احتجاز الرهائن الدامية في موقع تيغنتورين لإنتاج الغاز، في جنوب شرق البلاد، الذي تعرض لهجوم في يناير 2013 من طرف كومندو جهادي يضم 29 فردا، والعملية خطط لها مختار بلمختار الزعيم السابق لتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي وانتهت بمقتل 40 مستخدما في المركب الغازي من بينهم 39 أجنبيا من 10 جنسيات مختلفة، وهي العملية التي اعتبرت فشلا بالنسبة لمصالح المخابرات. المجموعة المسلحة تحركت عبر الحدود الليبيبة وتمكنت من دخول واحد من أهم المواقع الاستراتيجية المؤمنة دون أن يرصدها أحد. ويرى العديد من المحللين السياسيين أن »هذا الفشل وهذه الإهانة الدولية فتحت باب الغضب واستغلها الجنرال قايد صالح لتفكيك جهاز المخابرات والأمن،ويضيف ولكن الأمر يسير أبعد من ذلك.. هناك رغبة في إقصاء الجنرال »توفيق«، رغبة في القيام بعملية تطهير والاستحواذ على السلطة لما بعد بوتفيليقة. وهذا يكشف أيضا تآكلا للنظام، فهذا الصراع هو كشف لعورة مسلسل التفكيك«« تآكل النظام يعني لا محالة كذلك نهاية حكم بحضور فاعلين من نفس الجيل: فالجنرال قايد صالح يبلغ من العمر 74 سنة والجنرال توفيق من مواليد 1939 وواحد من آخر كبار أطر الجيش المسؤولين عن وقف المسلسل الانتخابي لسنة 1991 الذي مازال يشغل منصبا رسميا. وجهاز المخابرات والأمن DRS الذي أحدث سنة 1990 خلفا لجهاز الامن العسكري الذي انشئ خلال حرب التحرير، أخذ شيئا فشيئا يأخذ استقلالية الى أن أصبح دولة داخل الدولة، جهاز يهابه الجميع، فهو الذي كان حتى وقت قريب، يراقب ويشرف على التعيينات العسكرية، وهو الجهاز الذي قاد عمليات قضائية مدوية في مكافحة الفساد والتي همت بعضها مقربين من بوتفليقة امثال شكيب خليل وزير الطاقة السابق المتابع قضائيا. واليوم يبدو أن الميزان يميل في الاتجاه المعاكس. ويبدو أن جزءا من الجيش يريد استعادة المواقع التي خسرها. وأمام هذه الحرب غير المسبوقة، بين الجنرالات والتي تدور رحاها في الوقت الذي تشهد بلدة غرداية على بعد 600 كلم جنوب العاصمة توترات ومواجهات خطيرة، خرج بعض المسؤولين والشخصيات الجزائرية عن صمتهم وعبروا عن موقفهم مما يجري. وهكذا أصدرت ثلاث شخصيات وازنة هم أحمد طالب الابراهيمي وزير الخارجية الأسبق ورشيد بن يلس جنرال متقاعد ووزير سابق والسيد علي يحيى عبد النور الرئيس الشرفي للرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الانسان، أصدروا رسالة مفتوحة يوم الاثنين الماضي اعتبروا من خلالها تصريحات سعداني لا مسؤولة ودعوا كل القوى في البلاد الى التعبير عن رفضها بكل الوسائل السلمية ولاية رابعة لبوتفليقة. بدوره انخرط جزء من الصحافة الجزائرية في هذا النقاش. لكن الكثير من المواطنين الجزائريين يشعرون بالقلق ويرفضون الخوض في هذا النقاش، وقد كتب عبد الله بن عبودة وهو ناشر وكاتب عمود على حسابه في الفيسبوك «لم تهتموا بنا أبدا، منذ البداية تم استبعادنا من مشاريعكم اتركونا لحالنا خوضوا معارككم في مكان آخر. انتخبوا من تريدون، سبوا بعضهم البعض، اقتتلوا فيما بينكم إنكم تخيفوننا«.»