في سابقة فريدة من نوعها في مجال تدبير الشأن المحلي، استغرقت عملية المصادقة على الحساب الإداري لسنة 2013 لعمالة إقليم بنسليمان، 7 دقائق فقط؟! حدث ذلك خلال الدورة العادية للمجلس الإقليمي التي انعقدت صباح يوم الجمعة 31 يناير 2014 بمقر العمالة بحضور عامل الإقليم و ممثلي السلطات الإقليمية و المحلية. فمباشرة بعد افتتاح الجلسة من طرف رئيس المجلس الإقليمي و تلاوة تقرير لجنة المالية من قبل مقرر الميزانية، سارع أعضاء المجلس إلى التصويت بالإجماع بنعم على الحساب الإداري في رمشة عين، دون أن يكلفوا أنفسهم عناء دراسة و مناقشة عناصر الميزانية من مداخيل و مصاريف، و دون التساؤل عن مصير الملايير التي صرفت خلال السنة المالية الماضية و لا معرفة كيف و متى و أين صرفت؟ استغراب الحاضرين و المتتبعين لتسيير الشأن المحلي لم يقتصر فقط على تحطيم الرقم القياسي من الناحية الزمنية التي تم فيها تمرير الحساب الإداري، بل انصب أيضا على المدة الزمنية التي عرفتها أشغال الدورة ككل، حيث لم تستغرق سوى نصف ساعة؟ علما بأنها تضمنت نقطتين أساسيتين و مهمتين في مجال التدبير المحلي و هما : 1 - دراسة الحساب الإداري لسنة 2013 و التصويت عليه. 2 - برمجة الفائض المالي لنفس السنة. التصويت بالسرعة الفائقة على الميزانية بدون مناقشة مداخليها و لا مصاريفها يبين بالملموس تقصير أعضاء المجلس الإقليمي في أداء مهمتهم التي حملوهم إياها المواطنون و كذا استهتارهم بالقضايا و المشاكل العديدة التي يعرفها الإقليم. فهل يمكن أن يقبل العقل أن نصف ساعة كافية لمناقشة المشاكل العميقة التي تتخبط فيها حوالي 200 ألف نسمة من ساكنة الإقليم التي تعيش بالمراكز القروية و الحضرية و في المناطق النائية و الصعبة. و هل من المنطقي أن يتم تمرير حساب إداري بلغت اعتماداته الملايير في ظرف 7 دقائق فقط؟ ألا يعد هذا استهتارا بالمال العام؟ لكن الغريب في الأمر هو سكوت النائب الأول لرئيس المجلس الإقليمي عن المناقشة و هو الذي اعتاد خلال كل دورة إثارة عدة مواضيع حساسة تهم مجال التسيير و التي كادت أن تكلفه فقدان منصبه داخل المجلس، من خلال تطرقه إلى الاختلالات التي عرفها تدبير المجلس . فهل التزامه الصمت هو مقابل عدم إقالته من مهمة نائب رئيس المجلس الإقليمي التي لوح بها المنتخبون و المسؤولون، علما بأن هذه العملية تخضع لمساطر يصعب تطبيقها حسب الميثاق الجماعي؟ أم أنه تغيير تاكتيكي و استراتيجي في محاولة لجس النبض بين الطرفين، خصوصا أنه لم يجد المساندة من طرف باقي أعضاء المجلس حين قام بفضح بعض الخروقات المرتكبة في تدبير شؤون المجلس الإقليمي خلال دورات سابقة، حيث عمد جل الأعضاء إلى محاولة إقالته من المهمة التي يشغلها داخل المجلس بإيعاز من المسؤولين؟ الصيام عن مناقشة الحساب الإداري طال أعضاء المجلس الإقليمي و هو موقف غير مفهوم، خصوصا أن منهم رؤساء جماعات و برلمانيون، المفروض فيهم الدفاع بكل إخلاص عن كل ما يهم ساكنة الإقليم التي أوصلتهم إلى هاته المهام عوض التزام الصمت. علما بأن البعض منهم كانوا يقيمون الدنيا و لا يقعدونها ويستأسدون و يحتكرون المناقشة في أشغال دورات المجالس الجماعية التي هم أعضاء فيها. سكوتهم هذا فسره البعض بكونهم لا يملكون الجرأة و الشجاعة للمناقشة و التكلم أمام المسؤول الأول بالإقليم، في حين رأى البعض الآخر بأن غالبيتهم يجهلون و لا يعرفون تفاصيل الميزانية المالية و أن هذه الأخيرة يتحكم في إعدادها المسؤولون بقسم الميزانية بعمالة الإقليم. و بالعودة إلى الحساب الإداري للمجلس الإقليمي من خلال تقرير لجنة المالية المقدم لأعضاء المجلس، فإن مداخيل ميزانية 2013 بلغت إلى حدود نهاية دجنبر 2013 ما مجموعه 33031389,06 درهم ، في حين بلغت المصاريف 28224168,66 درهما. غير أن ما يثير الاستغراب في هذه العملية هو عدم تقديم إيضاحات و لا تفاصيل حول فصول و أجزاء و أبواب الميزانية خاصة في الجانب المتعلق بمصاريف التسيير و مصاريف التجهيز و كذا الاعتمادات المؤجلة التي قدم بعضها باللغة الفرنسية! و أول ما يلاحظ على الجزء المتعلق بالمصاريف هو تكرار بعض الفصول و كمثال على ذلك الفصل المتعلق بشراء الأغراس و الأشجار ، فقد بلغت المصاريف في الجانب المتعلق بالتسيير 92895 درهما ، نفس الفصل سنجده يتكرر في الجزء المتعلق بمصاريف التجهيز حيث بلغت مصاريفه 76920 . و هو ما يطرح أكثر من علامة استفهام حول اللجوء إلى صرف مبالغ مالية تتعلق بهذا الفصل بكل من الجزء الأول و الثاني من المصاريف؟ كما أن هناك مبالغ تم صرفها، لكن حسب بعض المعنيين لا توجد لها آثار على مستوى الواقع الملموس،كما هو الحال بالنسبة للفصل المتعلق بشراء لوازم رياضية حيث بلغت المصاريف حوالي 100000 درهم مما دفع بالبعض إلى التساؤل عمن استفاد منها؟ و متى تم توزيعها؟ و في ما يخص الفصل المتعلق باقتناء السيارات و الدراجات و الدراجات النارية و الذي وصلت المصاريف فيه إلى 800000 درهم ، فتؤكد هذه العملية أن مسألة ترشيد النفقات لا توجد في مخيلة الأعضاء و المسؤولين بالعمالة. فمن المستفيد من هاته الوسائل؟ نفس الشيء يمكن أن يقال عن الفصل الخاص باقتناء العتاد المعلوماتي و الذي بلغت المصاريف فيه 565664 درهما. و إذا ما رجعنا إلى المصاريف الخاصة بالجزء الأول، أي التسيير، فإننا نجد بعضها جد مبالغ فيه و كمثال على ذلك الفصل المتعلق بشراء الوقود و الزيوت و الذي بلغت مصاريفه 1329999 درهما ، علما بأن هناك اعتمادات ترصد لهذا المجال من الميزانية العامة؟ و كذا الفصل الخاص بشراء قطع الغيار و الإطارات المطاطية و صيانة وإصلاح السيارات و الآليات و الذي بلغت مصاريفه ما مجموعه 169999درهما ، و هو مبلغ يطرح أكثر من علامة استفهام ، خصوصا إذا أضفنا إليه المبلغ الذي تمت الإشارة إليه وهو 800000 درهم الذي تم صرفه لاقتناء السيارات و الدراجات؟ بالإضافة إلى مجموعة من المصاريف التي تدل على غياب الحكامة و انعدام الترشيد لدى أعضاء المجلس الإقليمي. و قد استأثر مشكل الاعتمادات المؤجلة و التي تراكمت و لم تصرف، باهتمام بعض الأعضاء، و هي مبالغ مهمة حيث طالبوا بإعادة برمجتها. و بلغ فائض سنة 2013 حوالي 4807220 درهما ، حيث نالت الكهربة القروية حصة الأسد، فقد خصص أعضاء المجلس لهذه العملية مبلغ 3847220 درهما. و هي عملية محمودة لكن ما يلاحظ هو عدم تحديد الجماعات القروية التي ستستفيد منها، و التي تعاني من خصاص في هذا المجال. مع العلم أن أعضاء المجلس الإقليمي لم يتطرقوا خلال نفس الدورة إلى موقف المكتب الوطني للكهرباء من هذه البرمجة و مدى استعداده للدخول كشريك والالتزام بحصته خصوصا و أن هذا الأخير حسب عامل الإقليم، يعاني من أزمة مالية خانقة أثرت في التزاماته السابقة مع الجماعات الترابية و منها المجلس الإقليمي الذي خصص 200 مليون سنتيم لبعض الدواوير و لم تصرف لحد الآن. مما يطرح تخوفات لدى البعض من كون المبلغ المرصود و الذي تمت المصادقة عليه من أجل الكهربة القروية سيكون مصيره مصير الاعتمادات المؤجلة. و هو ما سيضيع فرصة لبرمجة مشاريع أخرى للجماعات القروية هي في أمس الحاجة إليها كتهيئة و إصلاح و إحداث المسالك لفك العزلة عن المناطق النائية. و يأمل البعض في أن لا تتم عملية الكهربة القروية وفق منطق الانتقاء و الترضيات و تستفيد منها بعض الجماعات دون أخرى بحكم تواجد رؤسائها و بعض ممثليها بالمجلس الإقليمي. المدة الزمنية القصيرة التي استغرقتها أشغال الدورة العادية للمجلس الإقليمي و عملية المصادقة على الحساب الإداري لسنة 2013 في ظرف 7 دقائق فقط الذي صرفت فيه الملايين دون مناقشته، تؤكد بالفعل ما أشار إليه النائب الأول لرئيس المجلس الإقليمي خلال دورة أكتوبر الماضية من وجود اختلالات و سوء التسيير بهذا المجلس، مما يتطلب من الجهات المسؤولة و المعنية إيفاد لجان للتحقيق في الموضوع، علما بأن المجلس الجهوي للحسابات سبق له أن رصد مجموعة من الاختلالات بنفس المرفق العمومي.