ولد هاياو ميازاكي في 5 يناير 1941، هو فنان ومؤلف ومخرج سينمائي ومنتج أفلام ياباني، أحد أشهر مخرجي ورسامي الرسوم المتحركة اليابانية، لاقت أعماله أصداء عالمية خاصة بعد تعاونه مع شركة «والت ديزني» في أعماله الأخيرة. في عام 1944 انتقلت عائلته إلى مدينة كانوما الريفية، عاش طفولته أثناء الحرب التي خاضتها اليابان مع الولاياتالمتحدة، مما ترك أثرا بالغا في أعماله التي تميزت بنبذ الحروب، ومما أثر في أعماله، أيضا، أن أباه وعمه كانا يعملان في تصميم الطائرات، وقد جرب ذلك بنفسه، وجاءت أعماله مليئة بتصاميم الطائرات المقاتلة. التحق مايازاكي بعد المدرسة بجامعة «غاكوشاين»اليابانية ليتخرج عام 1963 بعد أن نال بكالوريوس في العلوم السياسية والاقتصادية، إلا أنه كان خلال المرحلة الجامعية عضوا في نادي «أدب الأطفال» مما جعله، بالإضافة لكونه رساما، يلتحق بالمجال الفني من خلال عدة شركات قدمت عددا من أشهر المسلسلات الرسومية. بدأ هاياو ميازاكي العمل عام1961 في إستوديو «توي دوقا»، ثم انتقل إلى عدة استوديوهات أخرى إلى أن بدأ مزاولة الإخراج في أول مسلسل كرتوني له «عدنان ولينا». انشأ عام 1978 عمل شركة خاصة به اسمها إستديو غيبلي، وحاز على شهرته في الغرب بعد فيلمة «الأميرة مونونوكي» ثم في عام 2001 زادت شهرته بعد عمله «المخطوفة» الذي حاز على أوسكار أفضل فيلم رسوم متحركة والذي يعتبر أفضل أعماله. تمتاز أعمال ميازاكي ببساطتها وتركيزها على الإنسان ودمج الطبيعة بالتكنولوجيا. } في الفاتح من شتنبر، بمناسبة تقديم فيلم «الريح تعصف» بمهرجان البندقية السينمائي أعلن رئيس استوديو غيبلي، كوجي هوشينو أن هذا الفيلم سوف يكون آخر إبداعاتك. بعد خمسة أيام من ذلك، أكدتم الأمر ذاته خلال ندوة صحفية عقدت في طوكيو. إذن الأمر نهائي. سوف تتقاعدون؟ نعم، بالفعل. إنها الحقيقة ببساطة: سأتقاعد. سوف أبلغ قريبا من العمر 73 سنة. وفيلم من قبيل «الريح تعصف» بدءا من تصوره إلى إخراجه النهائي يمثل مسارا طويلا جدا: فقد تطلب مني ذلك خمس سنوات. ولست متأكدا بأن لدي من الوقت ما يجعلني أن انخرط مرة أخرى في هذا النوع من المغامرة. } بكل تأكيد سبق لكم وسمعتم عن مانويل دي أوليفيرا، الذي يحتفل بعيد ميلاده ال105، والذي يواصل تصوير الأفلام... وإذا ما اعتبرنا أن خمس سنوات تكفيكم لانجاز كل مشروع، فهذا سوف يمكنكم من ترك خمسة أو ستة أفلام... (يضحك من أعماقه) أوه ! لابد أن السيد أوليفيرا يتمتع بذلك. !أنا، لا يمكنني أبدا أن أقاوم إلى هذا السن. ربما سوف تفهمني بشكل أفضل عندما ستعمل إلى أن يبلغ سنك 73 عاما. على أية حال تأكد أن قراري هو نتيجة لاختيار هادئ ومدروس. وأنا مقتنع بأن هذا هو الذي كان علي اتخاذه. ومع ذلك، لا أعرف ما إذا كنت على حق حين جعلت منها إعلانا رسميا في سياق إعلان احتفالي. إن استوديو غيبلي سيواصل أنشطته، وسوف ينتج العديد والجديد من الأعمال. وأنا لا أريد أن يكون هناك خلط في الامر: فأنا، وأنا لوحدي الذي قرر التوقف عن العمل. لقد عقدت هذه الندوة من أجل الأشخاص الذين أشتغل رفقتهم، لأقول لهم هذا بشكل علني، فقد شعرت أنني مدين لهم بعد كل هذه السنوات. كي أقول لهم أيضا أن هذا الرحيل لم يكن بكارثة وأن عملهم سيستمر، وأنه على أية حال، اليوم إنتاج فيلم تعتمد على الميزانية أكثر منه على اسم مخرجه... } هل تعتبر نفسك كمخرج؟ وكيف تموقع نفسك بالنسبة للسينما اليابانية وتاريخها؟ في الحقيقة، أنا لم أدرس كثيرا السينما. ولأقول لكم الحقيقة، حتى عندما أعجب الأفلام أنا لا أتذكر بشكل جيد نهائيا من فعل ماذا. إنني أتذكر بشكل جيد المشاهد ولكن قليلا جدا ما أتذكر العناوين والمخرجين. بالطبع، عندما أرى كوروساوا مكتوب بالبنط العريض، أدون ذلك. ولكن بشكل عام، فأنا لا أحتفظ إلا بالصور. بالنسبة إلى فيلم «الريح تعصف» استرجع عددا لا يحصى من المشاهد أحادية اللون. أتذكر أفلام أوزو وناروسي، التي كانت دائما بين المفضلة لدي، والتي تظهر الظروف القاسية التي تطور في ظلها المجتمع الياباني قبل الحرب. الأقل شهرة منهم، تومي أوشيدا، الذي أثر في كثيرا هو الآخر. لكن وحتى بالنسبة للأفلام التي أحبها أكثر، فيحدث أن أخلط قليلا وبشكل دائم في ذهني بين من أخرج ماذا. لم أقل يوما إنني مخرج أو سينمائي. ثمة الآلاف والآلاف من أفلام الرسوم المتحركة في اليابان، وأفلامنا هي قطرة ماء في هذا المحيط. لاأعرف رأي الناس إزائي ولا كيف يموقعونني في ظل كل هذا. } كانت بصمة شخصية أوسامو تيزوكا، خاصة مبتكر المانغا استرو بوي، أساسية في مسارك. كنت آمل في أن أصبح مبدع المانغا بعدما قرأت ألبومات تيزوكا. فأنا مازلت أشعر اليوم بحالات الغثيان التي أحسسها وأن أقيس نفسي بهذا الجبل الذي اختفي عند سفحه... فأنا، في شبابي، كنت أطمح في أن أصبح مبدع المانغا (مانغاغا)، وهذا كل شيء في الأمر. في البداية، إذن، كانت السينما مجالا بعيدا وغريبا بالنسبة لي. بالإضافة إلى ذلك، لم أعش في الواقع أيا من الحركات الكبرى في ذلك الحقبة من الزمن، تقوقعي كرسام جعلي اتخلى عن كل لأمور الأخرى. لقد فوتت تماما استمتاعي بفرقة «البيتلز»، الذين هم بالرغم من ذلك بعد جيلي! أحيانا أتساءل ما كنت أفعله... (يضحك) في الواقع، كنت أعمل بالفعل الكثير. أن تصبح حرا، وأن تتمتع بحياة حرة، كان الحلم الذي يتملكني في مرحلة شبابي، غير أن أصبح مبدع رسوم المانغا فكان نوعا من الارتقاء، فمع اكتشاف الرسوم المتحركة تحررت من هذا الهوس. هذا ما أريد أن أفعله. أخيرا، لم أعد بحاجة إلى أن أكون مبدع رسوم المانغا. } لا تحددون أنفسكم كسينمائي، غير أن أفلامكم تشهد، بالرغم من ذلك، أنكم تتساءلون عن الاخراج... تماما. فأنا لا أتوقف عن طرح أسئلة بيني وبين نفسي متعلقة بالإخراج، لكن حتى، في هذه الحالة، فإن الأمر يبقى مسارا جماعيا: إنها الأسئلة ذاتها التي أوجهها على الفور لفريق عملي، ابسط أمامهم المشاكل ونعمل على محاولة ايجاد حلول لها. يحدث لي أن أطلب أحيانا أن أطلب من فريق عملي «الكذب» فنيا، اعتمادا على مؤثرات فنية سينمائية بحتة. أنا لا أعرف كيف تتم الأشياء في الإطار السينمائي العادي بخصوص تصوير الحقيقي، لكن نحن نقرر كل شيء معا. كل شيء تتم تسوية ويخطط مسبقا. بالنسبة لفيلم «الريح تعصف» ثمة صعوبة تمثلت في إعادة خلق أساليب وعادات المجتمع الياباني سنوات العشرينات والثلاثينات، والتي في طريقها للاندثار بسرعة كبيرة... وقد تسارع هذا في السنوات الأخيرة. لايمكنكم أن تتخيلوا مدى صعوبة العثور، في الأيام الحالية على سيدة تتقن حقا كيفية طي كيمونو وفقا لعادات تلك الحقبة من الزمن. لقد طلبنا من سيدة ماتزال تحتفظ بهذه الثقافة العمل معنا، على وجه التحديد، وتلقننا كيفية الطي التقليدية للكيمونو، وحفظه وخزنه، والمشي به. فأنا مازلت أتذكر زمن الطفولة رفقة والدتي، ولكن بالنسبة للأجيال القادمة، فقد أصبح الأمر بعيدا جدا. فغالبا ما يفترض الغربيون أن اليابان حافظت بشكل أفضل على التقاليد الثقافية الأخرى، هذا صحيح بلا شك، لكن هنا أيضا الأمور تتغير بسرعة كبيرة ... } في فيلكم «الريح تعصف»، وكما بشكل جلي أكثر في بعض أفلامكم السابقة، يلاحظ أنكم تضاعفون الإشارة إلى الثقافة الأوروبية. هذا مرتبط بسياق تاريخي: كان المثقفون اليابانيون يحبون في مجتمع ذلك الوقت، هذه الثقافة الأوروبية، التي اكتشفوها. إن حقيقة الحياة الفكرية في تلك الفترة، وبالتالي انعكس ذلك في الفيلم. ولكن صحيح بكوني كثيرا ما تطورت نكهة وطعم الثقافة الأوروبية، كما في بوركو روسو، خصوصا مع أغنية «زمن الكرز». } هذه الأغنية هي إشارة إلى بلدية باريس ولكن أيضا إلى مرحلة شبابكم المثالية، وتشبعكم بالماركسية، وكذا قربكم من المثالية الشيوعية ... الآن أيضا، فأنا مازلت مشبعا بهذه الطريقة في التفكير التي تجذرت عميقا في نفسي. وعلاوة على ذلك، فإنه من المثير للاهتمام أن نلاحظ أن هذه الهوية اليسارية ظلت قوية بما فيه الكفاية في جيلي، بما في ذلك غيبلي، حيث أننا قلة في هذه الوضع. أطمح دائما من عميق قلبي إلى مجتمع أكثر عدلا، وسأظل متأثرا بالمثالية الشيوعية التي صاغها ماركس، على الرغم من أنني متأكد من أنه ليس لي أي ميول إلى التجارب الاشتراكية في الواقع التي عاشتها الاتحاد السوفياتي السابق أو في مكان آخر. } فيلم «الريح تعصف» هو ربما الفيلم الأقل طفولية ضمن أفلامكم... هذا صحيح ، ولكن بوسعنا أن نعرضه على الأطفال. حتى في حالة فيلم تراجيدي مثل فيلم «قبر اليراعات» [زميله ايساو تاكاهاتا، المؤسس المشارك لغيبلي] فأعتقد أنه يجب أن يشاهده الأطفال. ما تعلمته، والذي هو العمق الأهم، هو أنه ينبغي أن نظهر للأطفال أنه شيء جميل أن يكونوا جزءا من هذا العالم، وأن يكونوا بيننا. لايجب أبدا أن نقحم بينهم أدنى فكرة تحمل حمولة اليأس. حتى في حالة فيلم تراجيدي مثل «قبر اليراعات»: نعم، فالشخصيات الثانوية في الفيلم سوف تموت، ولكنهم قاموا بكل ما بوسعهم، وهذا مايهم. } ما رأيكم في الرسوم المتحركة الرقمية، وخاصة تلك المتعلقة بيكسار على سبيل المثال؟ أنا أحب الرسم في قلم الرصاص. أحب الورق. أنا أحب الرسم والفرشاة. ماذا تريدون... عندما أفكر أنه، في غضون سنتين، ستوقف كوداك بشكل نهائي انتاج شريط صناعة الافلام، اقول مع نفسي مرحلة كاملة من التاريخ سوف تنتهي. إن جون لاسيتر صديق مخلص وانه دائما من الصعب جدا التعليق على عمل أحد الأصدقاء، وخاصة عندما يبذل جهدا كبيرا لانجازه... ثم نيك بارك بالنسبة لاستوديو أردمن بريستولفهو ايضا يبذل قصارى جهده... } هل يمكن أن نثير معكم كارثة فوكوشيما؟ بطبيعة الحال! هذا أمر مأساوي، وهذا مهم جدا. (ميازاكي يشعل سيجارته الثالثة) إن الدم يواصل التدفق والوضع يزداد سوءا كل يوم. أعتقد أننا خسرنا قطعة كاملة من أرضنا في هذه المنطقة. وأن الحكومة لا تريد قول هذا... أنا بلغت ن العمر عتيا، لكنني يمكن أن أكون مفيدا، وإذا ما سمحت لي الظروف أود أن أذهب واستقر في منطقة فوكوشيما والعيش فيها. أن العيش هنا في طوكيو، يشعرني بالعجز والجبن. ذهبت قبل أيام إلى منطقة فوكوشيما راكبا سيارة، وشعرت بالحاجة للمشاركة واقتسام مصير هؤلاء الناس الذين يعيشون في المناطق المشعة. الحقول والمنازل دمرت، ولكن طبيعة استأنفت بالفعل حقوقها وجددت قواها. العشب والنباتات تنمو مرة أخرى، كان المنظر جميلا. عند يغيب الاشخاص عنها، تصبح الطبيعة رائعة بشكل سريع جدا. أعتقد أن اليابان يجب أن يركز كل جهوده، كل موارده،على فوكوشيما بدلا من التركيز على تنظيم دورة الالعاب الاولمبية 2020! } ملاحظاتكم حول المجتمع الياباني تبدوقاسية. بلغنا لحظة من التاريخ أصبحنا فيها في حاجة ماسة إلى إعادة تعريف معنى الحضارة. والمجتمع الياباني لا يأخذ المسار. أصبح قوميا من جديد. أنا متشكك جدا حول ما يعرف ب«أبينوميكس» [كلمة صيغت من لقب رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي، مما يعني أن السياسة الاقتصادية لحكومته تتأسس على الحوافز النقدية]، وخصوصا أنني أشعر أن الحكومة تطبع الكثير من الاوراق المالية وتثير النقاش حول أشياء سخيفة ليست اليابان اليوم بحاجة إليها، والتي تلهينا عن القضايا المستعجلة. كل يوم، أتساءل ماذا يمكن أن أفعله، وأفكر في الطرق التي تجعل مني مفيدا. البيت الذي أسكن فيه لا يتوفر على مكيف للهواء... أنا استهلك كل يوم 1.8 لتر البنزين كي آتي إلى الاستوديو على متن سيارتي.. وأود أن استهلك كوبا صغير فقط... غير أنني مسن للغاية كي أركب دراجة هوائية. لقد أصبح من الصعب جدا أن تعيش دون استهلاك في المجتمع الحديث. أنا أيضا أضع لاصقا على الجزء الخلفي من سيارتي للاحتجاج ضد الطاقة النووية. أسافر بسيارتي، وأتجول كثيرا في البلاد. ليس لدي نظام تحديد المواقع «جي بي إس». يحدث أن أتيه وأضيع الطريق من وقت لآخر... انا من النوع المحافظ، نعم ، ربما محافظ منذ الولادة. أو بالأحرى، أنا تقليدي. عن «ليبيراسيون» الفرنسية