أريد فعلا قراءة آثار موت آرييل شارون في نفوس العرب، وخصوصا منهم الفلسطينيون و أهل صبرا وشاتيلا. مات شارون قبل سبع سنوات أو ما يفوقها قليلا، على سرير في مستشفى. لا شك أنه رأى كوابيس كثيرة العدد، طويلة المدة، مختلفة ومتعددة الأشباح. سبع سنوات على سرير الموت والشلل التام والانقطاع عن نفسه وعن العالم. لم يكن شارون على سرير في مستشفى، بل في صالة سينما متخصصة في الرعب. فتلك النفس السوداء لا يمكن أن تكون قد غابت في رحلة غيبوبة بيضاء، داخل قطن العدم. تلك النفس رأت ما رأت من العذاب، تلك النفس ندمت وانهارت تحت أثقال الخطايا والجرائم. علينا أن نصدّق أن أمورا كثيرة تحدث داخل أجسادنا ونحن نيام، كيف ونحن داخل جسد أثقلته الخطايا. رأيت شارون كثيرا على شاشات التلفزيون وهو يزهو أمام الكاميرات خارجا من قاعة مؤتمر أو مفاوضة. كانت له مشية خاصة، بين السير والجري. رجله اليمنى كانت تسبق اليسرى في حركة شبيهة بالركلة. تلك الرجل ستقوم بنفس الحركة وهي تطأ عتبة الجحيم. قال إدوارد سعيد إن شارون لا يمشي بل يتدحرج. إذن هو كرة. وهو فعلا رجل قصير يكاد يكون مدوّرا، له شعر خفيف على جمجمة قضت أيامها في التفكير بمناهج الشر. جمجمة نبت عليه شعر خفيف باهت، يمشطه إلى جانب واحد. وقد رأيت ذات مرة وهو يتدحرج خارجا من نصر في إحدى المفاوضات، رأيت ما يشبه خاتم زواج. إذن له زوجة وأبناء. إذن هو إنسان. بل شيخ بقي إلى آخر أيامه يلبس ثياب المجرمين بلا اعترافات ولا بوح ولا ندم. وكلنا نعرف أنه هزم القائد ياسر عرفات، وقد كانا متقاربين في السن. شيخان يتصارعان ويتعاركان. واحد يريد أرضه وحقه وإنسانيته، وآخر ضعيف وهش ولقيط وجاهل بالتاريخ ودروسه، لكنه شرير وقوي بغيره، ومستند على الدوام على قوى أخرى. شارون كرة تتدحرج. وآخر دحرجة قام بها كانت من السرير إلى القبر، منه إلى أعماق الجحيم. لكن هل هي كرة ثلج، أم كرة شحم، أم كرة حديد؟ كرة الشحم، لا. فالكاتب الفرانسي «غي دي موباسان» له مجموعة قصصية تحمل عنوان «كرة الشحم»، رامزا بذلك إلى الجسد المدور المثقل بالشحوم، البطيء الحركة. كرة الحديد، لا. فهذه الكرة تبقى في حجمها، لكنها إذا سقطت على القدم كسرت أصابعها. كرة الثلج، نعم. لكنها ليست بيضاء، لأن بياض الثلج لون مخادع. شارون كرة ثلج سوداء كلما تدحرجت كلما كبر حجمها، كلما كبرت من الأعلى و الأسفل، ومن الجانبين. وهو كرة تدحرجت في فلسطين وتوسعت واستوطنت. وتدحرجت في صبرا وشاتيلا، وقتلت وبترت أعضاء، ويتّمت ورمّلت. وهي اليوم ستتدحرج نحو الأسفل في الجحيم. هناك ستذوب عند اقترابها من سعير النار. والنار بدوها ستبحث عنه ببطنه البشعة داخل الكرة. ستجده مثل نواة طيبة المذاق. كيف سيدافع وهو لا يملك الكلمات؟