ما يزال شبح الانتظار يطارد معطلي محضر 20 يوليوز الذين أضحت عيونهم وآذانهم مشرئبة لالتقاط أي نبأ عن موعد انعقاد جلسة محكمة الإستئناف الإدارية التي تخص ملفهم. وفي خضم هذا الوضع الانتظاري، أصبح معطلو المحضر لا يتوانون في الإعراب، في كل مناسبة، عن غضبهم وامتعاضهم من السيد بنكيران الذي يعتبرون سياسته الإلتفافية التي يعتمدها حيال ملفهم هي التي أوصلتهم إلى هذا الوضع المزري الذي يزداد تأزما مع دوران عجلة الزمان . فحتى الآن يكون معطلو المحضر قد صرفوا قرابة ثلاث سنوات في جحيم الانتظار السيزيفي، وهي المدة التي ذاقوا خلالها مختلف أصناف المعاناة بسبب تبعات المقاربة التجاهلية والأمنية التي انتهجها السيد بنكيران في التعاطي مع قضيتهم. وإذا كان السيد بنكيران قد نجح حتى الآن في استثمار عامل الزمن لصالحه من خلال إطالة أمد هذه القضية عبر إثارة، بل اختلاق، إشكالية عدم قانونية محضر 20 يوليوز، وهي الإشكالية التي لجأ المعطلون المحضريون إلى القضاء الإداري لحلها، فإن العديد من المتتبعين يرون أن الإشكالية ليست في قانونية محضر 20 يوليوز من عدمها، فقانونية المحضر صارت من المسلمات التي لا تحتاج إلى دليل، خاصة بعد أن أكدتها المحكمة الإدارية بالرباط من خلال سيل من الأحكام التي أصدرتها خلال الأشهر القليلة الماضية من لدن هيئات قضائية مختلفة، وإنما الإشكالية تكمن في رأي أولائك المتتبعين، في موقف السيد بنكيران الذي يحاول عبثا أن يلبس قضية محضر 20 يوليوز رداء التوظيف المباشر، في حين أن هذه القضية لا تتعلق بالتوظيف المباشر بقدر ما تخص التزام دولة ينبغي تنفيذه احتراما لمبدأ استمرارية المرفق العمومي . ولا شك أن السيد بنكيران يعتبر أن القطع مع التوظيف المباشر للأطر العليا المعطلة يعتبر إنجازا عظيما يحسب لحكومته، وهو الإنجاز الذي ما فتئ قادة حزب المصباح يتباهون ويتغنون به خلال مختلف خرجاتهم الإعلامية . ومن هذا المنطلق، فإن الأمين العام لحزب العدالة والتنمية يعتقد أن توظيف معطلي «المحضر» ولو عبر حكم قضائي، من شأنه من جهة أن يسقط من لائحة حصيلة حكومة بنكيران مكسب القضاء على التوظيف المباشر كما أن من شأنه من جهة أخرى، أن يفوت على السيد رئيس الحكومة وعلى أعضاء حزبه فرصة التغني و التباهي بذلك المكسب العظيم الذي سيخلده التاريخ . ولأجل هذا الغرض، فإننا نزعم أن السيد بنكيران سوف يبذل قصارى جهده من أجل قطع الطريق على توظيف المحضريين بالرغم من توفرهم على حكم قضائي يخول لهم ذلك الحق . وقد يقول قائل إنه إذا ما أصدرت محكمة الإستئناف الإدارية حكما لصالح المحضريين، فإن ذلك الحكم سيضيق هامش المناورة على السيد بنكيران الذي لن يستطيع بعد ذلك التمادي أكثر في الالتفاف والمماطلة و التملص من تنفيذ مقتضيات محضر 20 يوليوز، لأن ذلك التمادي من شأنه أن يكشف أمام الرأي العام، عن نية مبيتة لديه في التعنت والعناد والتنكر لحقوق ذوي المحضر . لكنه في المقابل من المرجح أن يعمد إلى رفع القضية إلى محكمة النقض والإبرام بهدف ربح المزيد من الوقت، لاسيما وأنه يدرك أن تلك الخطوة ستسغرق فترة زمنية قد تزيد في إشاعة أجواء الملل والسآمة والإحباط في صفوف معطلي «المحضر» . ولعل مما يزكي هذا التوقع هو التصريح الذي صدر أكثر من مرة على لسان السيد بنكيران، والذي أعرب من خلاله أنه سينفذ الحكم النهائي للمحكمة الإدارية إذا كان لصالح معطلي محضر 20 يوليوز . ولا ريب أنه يقصد بالحكم النهائي حكم محكمة النقض والإبرام، الذي لا أحد قد يتكهن بموعد صدوره. وبناء على هذا التوجه المفترض للسيد بنكيران ، فإن نيته في التملص من تنفيذ منطوق المحضر تبدو واضحة جلية على الأقل في عهد الحكومة الحالية. ولعل مما يعزز هذا الافتراض هو التصريح الذي أطلقه في إحدى المناسبات، حيث قال إنه إذا لم يتم تنفيذ محضر 20 يوليوز في عهد حكومته، فإن رئيس الحكومة المقبل سينفذه . وهذا التصريح قد ينم عن أن لدى السيد بنكيران نية مضمرة لتصدير هذا الملف إلى رئيس الحكومة المقبل حتى في حال تعزيز المحكمة الإدارية بالرباط لحكمها النهائي لصالح المعطلين المحضريين، حيث أنه قد يعمد لاحقا إلى اختلاق مبرر آخر يستند إليه للتملص من إحقاق حق أطر «المحضر» أو على الأقل لكسب المزيد من الوقت وللحيلولة دون تنفيذ منطوق المحضر في عهد ولايته . وقد يكون ذلك المبرر الذي من المفترض أن يختلقه متعلقا بلوائح المعطلين المزمع استفادتهم من عملية توظيف الدفعة الثانية أو بعددهم أو بآليات التنفيذ ،حيث يرجح أن يثير إشكالية في هذا الإطار قد تستغرق فترة زمنية من السجال والنقاش لا أحد بمستطاعه أن يتكهن بنهايتها. ولا مراء في أن معطلي المحضر قد استشعروا خطورة الالتفاف المفترض الذي قد يتبناه السيد بنكيران في التعاطي مع ملفهم ، ولأجل ذلك فلا غرابة إن كانوا قد أطلقوا خلال الفترة الأخيرة العديد من الصيحات المحذرة من تبعات ذلك التوجه الذي قد يفضي إلى ترحيل ملفهم إلى رئيس الحكومة المقبل . ولا نعدو الحقيقة إن قلنا إن توظيف الأطر المحضرية في عهد حكومة بنكيران هو أمر قد يكون مستبعدا في ظل استقراء مواقف وتصريحات السيد بنكيران بخصوص هذا الملف ، لأن هذا الأخير لا نية له فيما يبدو في التنازل عن «المكسب العظيم «الذي حققته حكومته بخصوص مسألة التوظيف المباشر ، حتى ولو كان ذلك المكسب على حساب تهديد مستقبل قرابة ثلاثة آلاف من المعطلين المحضريين الذين عقد العديد منهم التزامات مصيرية بعد توقيع محضر 20 يوليوز، اعتقادا منهم أن تنفيذ مقتضياته أمر لا مناص منه ما دام موقعا من طرف ممثلي الحكومة وممهورا بأختامها . وغير خاف أن ما يزيد من تشبث السيد بنكيران بموقفه المناهض لتوظيف معطلي «المحضر» هو اعتقاده أنه في حال توظيفهم، ولو بناء على حكم قضائي ، فإن جحافل من الأطر العليا المعطلة الأخرى ستحج إلى الرباط للمطالبة بالتوظيف المباشر إسوة بذوي المحضر. وهذا ما يخشاه السيد بنكيران الذي طالما تباهى بانخفاض منسوب احتجاجات الأطر العليا في عهد حكومته. إن إصرار السيد بنكيران على عدم تنفيذ محضر 20 يوليوز راجع، كما سلف الذكر، إلى موقفه الشخصي المناهض لمسألة التوظيف المباشر، فهو يسعى عبر تنصله من تنفيذ مقتضيات المحضر إلى وضع حد للتوظيف المباشر الذي اعتمدته الحكومات السابقة. ويمكن القول إنه يحاول أن يتخذ من المعطلين المحضريين قرابين أو أكباش فداء لتحقيق ذلك المبتغى. لكن من ناحية أخرى لا ينبغي إغفال عامل آخر ساهم بدوره في تعزيز تعنت السيد بنكيران حيال تنفيذ منطوق المحضر المذكور. يتعلق الأمر بالصراع الدائر بينه وبين غريمه الأمين العام لحزب الاستقلال الذي ما فتئ يطالب بإحقاق حق الأطر المحضرية سواء حينما كان حزب الميزان مشاركا في التشكيلة الأولى للحكومة أو حينما انضم إلى صفوف المعارضة. ولا شك أن السيد بنكيران يعتقد أن توظيف أطر» المحضر» قد يشكل انتصارا للسيد شباط، بل ولحزب الاستقلال الذي تم توقيع المحضر في عهد ولايته. ولأجل ذلك فمن المتوقع أنه لن يذخر جهدا من أجل الحيلولة دون توظيف الأطر المحضرية ،وذلك خشية أن يستثمر السيد شباط ذلك التوظيف فيقيم الدنيا عليه ولا يقعدها تهليلا وتكبيرا وترحيبا . ونزعم استنادا إلى ما سبق بسطه، أن السيد بنكيران عازم على عدم تنفيذ منطوق محضر 20 يوليوز في عهد حكومته حتى في حال صدور حكم نهائي لصالح المحضريين، وسيظل بحسب العديد من التكهنات يماطل ويناور ويختلق مبررا تلو آخر من أجل تصدير هذا الملف إلى رئيس الحكومة المقبل. واضح إذن أن حسابات سياسوية واعتبارات شخصيىة هي التي حولت ملف محضر 20 يوليوز إلى هذا الأفق شبه المسدود الذي هو فيه اليوم وهي التي كانت وراء الزج به داخل ردهات المحكمة الإدارية حتى يظل عالقا لفترة قد تطول وتطول وقد تشهد مستجدات وتغيرات يأمل السيد بنكيران أن تقلب المعادلة في ظلها لصالحه. و أما الضحايا المحضريون فقد أصبحوا في خضم هذا الوضع يرزحون تحت نير معاناة رهيبة مافتئت تتفاقم تبعاتها يوما بعد يوم ، لكنهم رغم حجم تلك المعاناة، فإن ما يخفف عنهم هو إيمانهم بعدالة قضيتهم وبحملات الدعم والتعاطف والمؤازرة التي ما فتئ مختلف الفاعلين السياسيين والحقوقيين وهيئات المجتمع المدني يحشدونها لصالحهم ، وهو الأمر الذي يعزز إيمانهم بأن الحيف الذي لحقهم في عهد حكومة بنكيران سيرفع لا محالة عنهم .