في الوقت الذي لا يزال فيه المغاربة يتساءلون عن السر في «مقاومة» نظامهم التعليمي لكل عمليات الإصلاح، وفي الوقت الذي لا يزال فيه صدى كلمات الخطاب الملكي حول التعليم يتردد في مختلف الأوساط و الآفاق، ومع أن هذا القطاع يستنزف ما يزيد عن ربع ميزانية الدولة، فان بعض المسؤولين ما يزالون يصرون على استمرار الأمور والأحوال على ما هي عليه، وإبقاء دار لقمان على حالها. ومع كامل الأسف، فقد وفقوا كثيرا في مسعاهم، ونجحوا في عرقلة مسيرة أمة بكاملها، واحتفظوا ? مع ذلك ? بكل سلطاتهم التي يستغلونها في إفراغ كل مشاريع الإصلاح من معانيها الحقيقية. وحتى لا أطيل، فإنني أضع بينأيديكم هذه الواقعة التي تعتبر نموذجا لممارسات مألوفة وشائعة في وزارتنا، والتي من شأنها أن تعرقل وتعطل كل مشاريع الإصلاح، وتؤثر سلبا على معنويات العاملين بالوزارة. فمع إحداث المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، أدخلت تعديلات جذرية على نظام تكوين المدرسين، وأعيد بناء هذا النظام بكيفية مختلفة، خاصة في قطاع التعليم الابتدائي الذي أريد له- فظلا عن مهامه الأصلية - أن يستجيب لحاجات الدولة في مجال تكوين الأطر المؤهلة للعمل بالتعليم الأولي. و أدرجت لأول مرة مجزوءة خاصة بالتعليم الأولي. ولأن الأمر يعتبر جديدا بالنسبة لنا كفريق للتكوين، ولأننا نعرف مخاطر المغامرة بنموذج بيداغوجي قد لا يكون مناسبا، فقد سعينا إلى التشاور والاستئناس بآراء كل من يمكنه أن يفيدنا في هذا المجال. وتم الاتصال بمكتب تنمية موارد التعليم الأولي التابع للنيابة الإقليميةبالرشيدية، بغرض الاستفادة مما لديهم من معطيات، وكذا من خبرة متطوعة يابانية وضعتها الوكالة اليابانية للتعاون الدولي رهن إشارة النيابة الإقليميةبالرشيدية. وبالفعل، فقد تم التنسيق والعمل معهم، ومع المتطوعة اليابانية بكيفية جيدة. وتم التعاون طيلة مدة انجاز المجزوءة، واستفاد الطلبة من دروس نظرية وتطبيقية شارك فيها الجميع، فيما استفاد فريق التكوين من زيارات ميدانية مفيدة جدا لمؤسسات تستفيد من خدمات المتطوعة اليابانية. وبعد وقوف الجميع على أهمية هذا التعاون وجدواه، ومع نهاية السنة الدراسية،تم الاتصال بإدارة الفرع الإقليميبالرشيدية، من طرف الوكالة اليابانية للتعاون الدولي، تطلب منها اقتراح أستاذ يشتغل بشكل مباشر على تكوين الطلبة في مجال التعليم الأولي قصد الاستفادة من تكوين في هذا المجال ينظم في اليابان، ويستغرق أسبوعين. ولأن مجزوءة التعليم الأولي تعتبر جديدة في منهاج تكوين المدرسين، ولأننا فعلا في حاجة للاستفادة من أية خبرة من شأنها أن تعود بالنفع على تكوين طلبتنا، فقد ارتأت إدارة الفرع الإقليمي، بعد التشاور مع فريق التكوين، اقتراحي أنا «عبد القادر خرشوف» للاستفادة من هذا التكوين باعتباري منسقا للفريق المكلف بمجزوءة التعليم الأولي. وبنفس الطريقة وفي نفس الوقت تم اقتراح الموظفة الإدارية المكلفة بمكتب تنمية التعليم الأولي بنيابة الرشيدية للإستفادةكذلك من نفس التكوين. وبهذه الصيغة فإن الاستفادة من هذا التكوين ستشمل موظفا إداريا وأستاذا ممارسا. وفعلا، قمت بجميع الإجراءات المطلوبة، وعبأت ملفا كاملا في هذا الصدد أرسلته إلى الوزارة بتاريخ 08 يوليوز2013 تحت رقم767/13/م ت ح م قصد إتمام باقي الإجراءات. وعند اقتراب الآجال المنصوص عليها من طرف الوكالة اليابانية للتعاون الدولي، توصلت الموظفة الإدارية العاملة بالنيابة بالاستدعاء للمشاركة في هذه الدورة ، في الوقت الذي لم أتوصل فيه أنا، الأستاذ الممارس، بأي رد. فاتصلت بالوكالة اليابانية مستفسرا، وأخبرتني أن أحد موظفي المصالح المركزية بالوزارة قد حل محلي للاستفادة من هذا التكوين. هكذا، وبجرة قلم، يشطب على اسم موظف و يقدم آخر، وتنتهي كل القضية. لأن حضرة المسؤول لا يزن الأمور بميزان المصلحة العامة، ويخول لنفسه أن يحول أمورا يراد بها الرفع من فعالية الممارسين الميدانيين في مجال التعليم الأولي إلى امتيازات ينعم بها على من يشاء من المقربين. فيبعد و يقرب من يشاء دون مواربة،وهو مطمئن إلى أن الأمور لن يكون لها ما بعدها.ولتذهب المصلحة العامة إلى الجحيم. ورغم أن الدعوة الواردة من الوكالة اليابانية للتعاون الدولي قد قدمت بعد تجربة كاملة من التنسيق والتعاون معها، ورغم أنها قد حددت ? في مراسلة رسمية - أسماء من تعتبرهم أولى بالاستفادة من هذا التكوين، وطلبت من المسؤولين المغاربة تعاونهم لتسهيل سفر هؤلاء، إلا أن مسؤوليناقررواالتغاضي عن كل هذا، وممارسة سلطاتهم كاملة لاقتراح من يريدون، وللاعتبارات التي يريدون. وهنا تطرح أسئلة عديدة: 1- لماذا تم سحب اسمي وتعويضي بشخص أخر؟ مع العلم أنني أستاذ علوم التربية ومكلف بتدريس مجزوءة التعليم الأولي- موضوع الدورة التكوينية ? وأن استفادتي من خبرات ونماذج التعليم الأولي في اليابان من شأنه أن يفيد الطلبة الأساتذة بكيفية مباشرة. 2- ماهي المصلحة الوطنية التي أملت اختيار هذا الشخص؟ فإذا أخذنا بعين الاعتبار أنه يشغل منصبا إداريا، فان مبررات هذا الاختيار تكاد تكون منعدمة تماما. إذ أن المواضيع التي ستعالجها الدورة التكوينية في اليابان ? كما وردت علينا في البرنامج ? تتطرق إلى الجوانب السيكولوجية والتربوية العامة للتعليم الأولي، أكثر مما تهتم بالجوانب الإدارية بالمعنى الدقيق للكلمة، وبالتالي فهي أقرب إلى انشغالات الممارس الميداني (أستاذ أو مربي) :سيكولوجيا النمو والتنشئة،التعبير اللغوي،مناهج التعليم الأولي.... وحتى إذا سلمنا بضرورة حضور مسؤول إداري، فان الوكالة اليابانية للتعاون الدولي قد اقترحت موظفة إدارية تعمل بنيابة إقليمالرشيدية. وسيكون من الأنسب أن تعتمد الصيغة التي اقترحتها الوكالة (إداري+ أستاذ ممارس) عوض الصيغة الحالية (إداري + إداري). 3- وأخيرا، فقد عملت لما يقارب العشرين سنة في مراكز تكوين المدرسين، وشاركت في مشاريع وبرامج عمل دولية متعددة وكثيرة منذ أواسط التسعينيات من القرن الماضي، ومن ضمنها مشاريع مهمة جدامع الوكالة الأمريكية للتعاون الدولي و كذا مع الاتحاد الأوربي. كما أنني عملت سابقا مع الوكالة اليابانية للتعاون الدولي ومع جمعيات فرنسية مهمة. وللحقيقة والتاريخ فإنني لم أجد من شركائنا الدوليين إلا كل الصدق والإخلاص في مساعدتنا على تجاوز مشاكلنا، و مدنا بالتقنيات والمقاربات المفيدة.ومع ذلك فإنني لم أر أيا من هذه المشاريع يحقق أهدافه، بل إن أيا منها لم يصمد ولو لسنة واحدة بعد رحيل أصحابه.ولا أعتقد أن العيب في أي من شركائنا الدوليين، ولا في طبيعة المشاريع والبرامج التي يقترحونها، إنما العيب كل العيب في أساليب إدارتنا وتدبيرنا لهذه المشاريع ولعلاقاتنا مع شركائنا الدوليين. لأن مسؤولينا لا ينظرون إلى هذه المشاريع من حيث فائدتها لنظامنا التعليمي، وإنما ينظرون إليها من حيث ما فيها من تعويضات وامتيازات حتى ينعموا بها على المقربين. وللعلم، فبمجرد علمي بالأمر، راسلت السيد الوزير، إلا أنني للأسف، لم أتوصل بأي جواب. وهذا وحده يكفي شاهدا علىعلى مدى «احترام ادارتنا لموظفيها، وحرصها على مشاعرهم.» حسبنا الله ونعم الوكيل.