انتقد إدريس لشكر الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، التدبير الحكومي الحالي الذي يزيد في تأزيم الأوضاع الاقتصادية للبلاد، وذلك بتأخير الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بالرغم من أن الحكومة قد مرت عليها سنتين وبصدد إعداد القانون المالي الثالث في ولايتها. وحذر لشكر الذي كان يتحدث في افتتاح ندوة حول «صندوق المقاصة الإصلاحات والآفاق» نظمتها اللجنة الاقتصادية المتفرعة عن اللجنة الإدارية الوطنية يوم السبت الماضي بالمقر المركزي للحزب بالرباط، حذر من الوضع الاقتصادي المتأزم الذي تعرفه البلاد، وعجز الحكومة على القيام بالإصلاحات الكبرى والإقدام على مبادرات سياسية واقتصادية فيها إبداع وابتكار وليس اللجوء إلى البديهيات والحلول السهلة التي تكون لها لا محالة انعكاسات سلبية على المستوى الاجتماعي. وساق الكاتب الأول مثالا صارخا في هذا السياق، يتمثل في نظام المقايسة الذي طبقته الحكومة على المنتجات البترولية مؤخرا، معتبرا أن هذا الملف هو الآخر يظهر منذ الشهور الأولى على تطبيقه، سوء التدبير الذي يكتنفه، حيث خصصت 500 مليون درهم له، لكن ما هي التكلفة المادية إذا أردنا الاستمرار في هذه المقايسة، فهذا دليل على أن هذه الحكومة تقبل على قرارات وإجراءات دون أن يكون لها تمحيص وبعد استراتيجي يقول لشكر. وتساءل لشكر بنفس المناسبة هل الحكومة قادرة على إيجاد حلول للأموال المهربة للخارج من أجل إرجاع هذه الملايير مع العلم أن القانون المغربي يجرم تهريب الأموال إلى الخارج، فهل قامت الحكومة بأي مبادرة في هذا الاتجاه، كأن تكون العقوبات والغرامات على أصحاب الأموال المهربة لتستفيد منها الدولة لمواجهة هذه الأزمة الاقتصادية. وشدد الكاتب الأول في ذات السياق على أن الاتحاد الاشتراكي ليس ضد الإصلاحات الكبرى خاصة الملفات الكبرى المستعجلة التي تهم إصلاح أنظمة التقاعد، ونظام المقاصة، والإصلاح الضريبي...مشيرا في نفس الوقت أن هذه الإصلاحات كانت دائما مطروحة في أجندة الحزب وبرنامجه سواء أكان في موقع المعارضة أو المشاركة في الحكم، حين كان يقود حكومة التناوب، حيث شكل إصلاح نظام المقاصة بعدا تدبيريا استراتيجيا لحزب القوات الشعبية واضعا نصب عينيه التوازن ما بين الإصلاح وعدم المس بالقدرة الشرائية للمواطنين، فضلا عن الحرص على استتباب الأمن والاستقرار بالبلاد. وعدد لشكر في هذا اللقاء عدد من التعديلات التي جاءت بها المعارضة الاتحادية على قانون المالية 2014، وعلى رأسها الضريبة على القيمة المضافة في المواد الأساسية التي تراجعت عنها الحكومة بعد ضغط المعارضة، ثم على مستوى محاربة الريع والفساد عارض الاتحاد الاشتراكي ذلك البند المالي الذي يمنح تعويضات مالية لأصحاب مأدونيات النقل (الكريمات) وصوتت المعارضة ضده. وفي هذا الإطار أعلن لشكر على أن المعركة ستكون حامية الوطيس بين المعارضة والحكومة حول التعديلات التي تقترحها المعارضة بمجلس المستشارين، وستكون لها كلمتها الحاسمة بعيدا عن أي مزايدات. وأجمع أكاديميون وفاعلون اجتماعيون وسياسيون شاركوا في هذه الندوة بمداخلات أكاديمية وعلمية، حول صندوق المقاصة والإصلاحات المرتقبة عليه، على أن الوضع الحالي لنظام المقاصة يتطلب إصلاحا مستعجلا لكن برؤية شمولية ومتكاملة وفق منهجية تشاركية، لكي يؤدي هذا النظام الأهداف التي رسمت له في بداية إخراجه للوجود. وقدم الدكتور طارق المالكي في الاقتصاد، مداخلة حول صندوق المقاصة منذ إقرار العمل بهذا النظام منذ 1941 ومرورا بإعادة هيكلته سنة 1977 تم المراحل الأساسية التي عرفها تطور وتوسع المواد المدعمة من قبل صندوق المقاصة، مبرزا في مداخلته الأهداف الأساسية التي يسعى إليها الصندوق المتمثلة أساسا في دعم بعض المواد الأساسية لحماية القدرة الشرائية، ثم تعزيز القدرة التنافسية لدى المقاولات. وأوضح المالكي على أن إصلاح نظام المقاصة قد عرفته عدة دول منها البرازيل والشيلي ثم جنوب إفريقيا من أجل دعم القدرة الشرائية للأسر، منبها في السياق ذاته على أن الولاياتالمتحدةالأمريكية تخصص غلاف مالي يصل إلى 500 مليار دولار، والصين الشعبية تبلغ تكلفة الدعم 280 مليار دولار في حين روسيا يتحدد المبلغ المالي في 120دولار. وأبرز المالكي على أن نظام المقاصة الحالي نظام غير عادل ومنصف والحصة الكبيرة من الدعم يستفيد منها الصناعيين، كما أن تكلفة المقاصة أصبحت ثقيلة جدا ومقلقة ولا يمكن تحملها في ميزانية الدولة. ومن جانبه استعرض الخبير الاقتصادي أسامة التلفاني تجارب دولية وكيف تعاملت مع نظام المقاصة والإصلاحات التي أخلتها على هذا النظام بهدف الاستفادة منها وخبرتها في هذا المجال، حيث ذكر على أن 12 إصلاح استطاعت دولا في ضمان نجاح هذا الإصلاح بينما 11 بلد نجحت في الإصلاح جزئيا، في حين خفقت 5 بلدان في إصلاح نظام المقاصة. وأسهب التلفاني في شرح التجربة البرازيلية في إصلاح نظام المقاصة التي اعتمدت على نظام بوليسا فاملياPolica Familya الذي هو عبارة عن برنامج دعم تكلفت به أكثر من 5000 بلدية من أجل توزيعه، ثم التجربة دولة إيران التي انتقلت في إصلاحها من دعم المواد إلى دعم الأسر، ودولة اندونيسيا التي قامت بمحاولات للاصلاح لهذا النظام. ومن جهته تساءل عبد الحميد فاتحي عضو المكتب السياسي للحزب ونائب الكاتب العام للفدرالية الديمقراطية للشغل في نفس الندوة التي أدار أشغالها الهرك رئيس اللجنة الاقتصادية، هل إصلاح نظام المقاصة نابع من إرادة سياسية للاصلاح أم نابع من إرادة لتدبير عجز توازنات مالية؟ وفي السياق ذاته، أشار فاتحي أن إقرار نظام المقايصة مجرد أجراء جزئي وليس إصلاحا، كان الهاجس الكبير الذي يطغى عليه هو التخفيف من ثقل المقاصة على ميزانية الدولة، ما يعني أن المر يدخل في إطار الحفاظ على توازنات مالية، جعلها لا تأخذ بعين الاعتبار الطابع الاجتماعي، وبالتالي ضرب القدرة الشرائية لمواطنين مع الإشارة في هذا الصدد أن الدعم لصندوق المقاصة أصبح يستعمل في مجالات غير مخصص لها. وشدد فاتحي المستشار في الغرفة الثانية على أن المستفيد الأكبر من هذا الدعم هي الشركات وتساهم في النفقات بشكل اقل، لذلك يقول فاتحي الإصلاح مجهود وطني يجب أن يساهم فيه الجميع، وهذه هي الخلفية والمرجعية التي يجب أن تحكم هذا الإصلاح الذي لابد أن يكون برؤية شمولية وواضحة ومتكاملة. كما تدخل في هذه الندوة إدريس الفينة أستاذ المعهد العالي للإحصاء الذي سجل على ان ظاهرة اصلاح نظام المقاصة، زاهرة اقتصادية وليست ظاهرة اعلامية، مبرزا في هذا الصدد على أن شح في المعلومات والمعطيات وبالرجوع لخطاب الحكومة في هذا الموضوع لا نجد سوى تصريحات اعلامية لوزراء الحكومة دون العثور على مشروع دراسة علمية متكاملة حول الإصلاح يلجأ اليها الجميع كمرجع. واستغرب الفينة كيف لصندوق يذبر 50 مليار ببنية إدارية بسيطة وهيكلة وموارد بشرية لا تتناسب مع هذا الحجم المالي الكبير، لذلك يقترح الفينة يجب إعادة النظر في تدبير الصندوق مع تحديد الهداف، والتوفر على رؤية إستراتيجية للاصلاح، وانتقد الفينة كذلك النظام المعلوماتي للمقاصة مستشهدا بالتقرير الذي قدمه صندوق المقاصة للبرلمان والذي لا يتجاوز 16 ورقة حول تدبير 50 مليار. أووضح الفينة من خلال دراسة قام بها تتعلق بإصلاح نظام المقاصة، أن النسبة التي يستفيذ منها النسيج المقاولاتي من دعم المقاصة تصل إلى 66 في المائة، بينما الأسر لا تستفيد إلا بنسبة 34 في المائة، وأقر الخبير في الإحصائيات على أن هذه الأرقام جديدة ولا تتوفر عليها حتى الحكومة نفسها وتم الوصول إليها بطريقة علمية بحثة وجد دقيقة. وأعقب هذه المداخلات عدد من التدخلات للمناضلين والمناضلات الذين حضروا لهذه الندوة بكثافة نظرا لأهمية الموضوع، أغنت النقاش بشكل جدي ومسؤول وشرحت وضع التجربة المغربية وتطورها عبر مراحل فيما يتعلق لنظام المقاصة مع مقارنته بالتجارب الدولية التي عرفت اصلاحا.