محاربة الفساد لن تتم بحسن النوايا وبالخطابات الرسمية، ولكنها تتم باستصدار ميثاق وطني للنزاهة ومكافحة الفساد، وتصحيح البعد الاستراتيجي لسياسة مكافحة الفساد، والشروع في استكمال الآليات الزجرية، وتدعيم الآليات المؤسساتية المعنية وإحكام التنسيق في ما بينها. فالشعب يريد إسقاط الفساد بكل تجلياته وتلويناته، يريد أن يحس بالإطمئنان إلى العدالة وهو يقف أمام القضاء للفصل في النزاعات.. الشعب يريد محاربة سماسرة المحاكم وإعادة الثقة إلى القضاء بألوانه الخضراء والبيضاء. الشعب يريد رد الاعتبار إلى التعليم العمومي ومحاربة المتاجرين بمستقبل أبنائنا، ليس فقط من خلال إقرار المناهج، بل من خلال المتابعة والضرب بقوة على أيدي كل الغشاشين والمتهاونين في القيام بمهامهم ، ومن خلال تجهيز مؤسساتنا التعليمية والتي أصبح أغلبها مجرد «زنازن» مفتوحة من دون تجهيزات يتم حشر التلاميذ داخلها للتحصيل. الشعب يريد الحق في العلاج وفي الإستشفاء، يريد الدواء بأسعار معقولة، لايريد أن ينظر إليه عند باب المستشفى كمصدر لدخل إضافي فقط، فهو يريد أن يعامل كإنسان وليس كرقم في معادلة أجرية. الشعب يريد أن يضمن مصدرا للرزق وأن يوازي الأجر العمل الذي يقوم به، وألا يُستغل من قبل الباطرونا تحت مسميات عديدة، هو يريد أن يحس بكرامته في مقر عمله وفي المسكن. الشعب يريد سكنا لائقا وأن لايترك وحيدا في مواجهة بارونات التعمير، والذين تخصصوا في تشييد «الزنازن الاجتماعية» و راكموا الملايير من ورائها من دون حسيب ولارقيب ولسان حالهم يقول لكل واحد أجره. المهم أن الشعب يريد وأصحاب الامتيازات والمصالح يريدون، والأكيد أنهم لن يذخروا جهدا ليكون لهم مايريدون ولو على حساب إرادة الشعب، فمناهضو التغيير كُثُر من أصحاب المصالح الشخصية ولابد أنهم أحسوا بأنهم فشلوا في تدبير المرحلة وفي تسيير الشأن العام لافتقادهم للتجربة والكفاءات، وبالتالي فإنهم سيواجهون إرادة التغيير بالألطاف الإلاهية والنيات الحسنة والدعاء الصالح وسياسة عفا الله عما سلف والكيل بمكيالين، لم لا وهم شهود على معاناة المواطنين والساعون لاستغلالها انتخابيا استجداء لأصوات انتخابية في هذه الدائرة أو تلك. أستغرب لمن يلبس لبوس المدافع عن الحق والقانون شاهرا سيف محاربة الفساد، يطلق لسانه ويذرف دموع التماسيح على عدالة مغتالة وفساد مستشرٍ وأموال منهوبة، ويعطي وصفات سريعة لمحاربته على شاكلة كيف تتعلم الانجليزية في اربعين يوما، متناسيا أن محاربة الفساد لن تتم في «اربعين يوما» ، لأنه عشعش في البلاد لعقود طويلة وفرّخ لنا مفسدين صغارا وحواريين وفيالق جند من الطابور الخامس. محاربة الفساد تحتاج إلى وقت ليس بالقليل، وإلى صبر و إرادة حقيقية ونفَس جديد للإصلاح، فللفساد حسابات أخرى وعلاقات، فهو مرتبط بظواهر ثقافية مُحافظة تساعده على المقاومة والاستمرار لدرجة أن دموع التماسيح التي يذرفها البعض ممن ينادون به «أشخاصا ومؤسسات» لاتخفى على أحد، فهم أول من يتصدوا للدفاع عنه سواء كانوا هم موضوع هذا الإصلاح أم لا. فما أكثر مايريده الشعب، وما أكثر الخطب الرنانة التي أطربنا بها القائمون على الشأن العام خلال الاستحقاقات البرلمانية الأخيرة والتي اكتشف الشعب زيفها.