«إنها تجاربُ إنسانية لاتُصدّق» كريستينا لومباردي اتخذت كريستينا لومباردي من الإبحار بالقوارب الشراعية هواية لها. واليوم، تستعين بقاربها وبالمهارات التي اكتسبتها من ركوب الأمواج العاتية ومغالبتها في المساعدة على إقالة الشباب من عثراتهم وتذليل العقبات التي تقف في طريقهم. أما هي فقد أبحرت سفينة الحياة بها إلى بَرّ الأمان رغم احتياجها في بعض الأحيان إلى تغيير المسار، وبالنسبة لها، فإن الصعوبات تحفّزها ولا تُوهنها، وبابتسامة خجولة تعلو شفتيها، تقول: «والحق، أنني في بعض الأحيان، أذهب إليها طواعية وأبحث عنها بنفسي». استقبلتنا في منزلها الكائن في مدينة لوغانو (جنوبسويسرا) وهالنا كيف أن سيدة مثلها في الخامسة والخمسين من عمرها تتحدى مخاطر البحار والمحيطات، لا ترغب في التحدث عن نفسها ولا عن إنجازاتها، كما أنها لا تحب الأضواء، وإذا ما طرحنا عليها سؤالا يخصّها، تتملّص من إبداء مآثرها، فيما تسلط الأضواء على الأشخاص المحيطين بها. لكنها، وأمام كيل الأسئلة من جانبنا، بدأت تكشف لنا ما تُخفيه من قوة في الشخصية، وأفصحت لنا عن السر الذي استطاعت بفضله تحطيم حاجز الخوف في داخلها، وهو - بكل بساطة - رفعها لشعار: «ما دام الآخرون قادرون على فعله، فلست بأقل منهم بَحّارة ومهندسة معمارية ومُصمّمة مواقع هذا الشعار التصق بمسيرة حياتها منذ نعومة أظافرها، حين كانت في المدرسة في سن الحادية عشرة: «لقد كانت ثلاث سنوات صعبة، كنت خلالها مُشفقة من الإخفاق، لأن النظام المدرسي أيامها كان قديما، ومستبدا للغاية، فكان لابد من ترويض نفسي بهذه القناعة»، وكانت هذه دوما وسيلتها الناجحة. رغم أنها ناهزت الخمسين، تُراود كريستينا لومباردي الرغبة مجددا في تغيير المسار، إنها تشعر بأن البحر يُناديها، فبينها وبينه عشق يصل إلى حد الإدمان، وترغب اليوم في تكريس كامل وقتها للإبحار لكنها تستدرك موضحة «ليست حياة القوارب الشراعية الفاخرة، وإنما حياة الإبحار بإمكانيات بسيطة ومتواضعة، يكفيها أن تتوفر على الإحتياجات الأساسية التي تمكنها من مواجهة تحديات البحر وخوض غماره». لقد شغفها البحر والملاحة حبا منذ ريعان شبابها، وعمرها يومئذ 17 عاما، قامت برحلة مدرسية رفقة معلمها وزملائها بمناسبة نهاية المرحلة الثانوية، وكانت هذه الرحلة بقارب تجديف من لوكارنو (في سويسرا) إلى البندقية (في إيطاليا): «كانت أول رحلة لها دون أن تكون برفقة والديها، لقد كانت مغامرة مليئة بالنشوة والحماس لدرجة أنها تركت فيّ حب هذا النوع من العيش والحياة». وبعد ذلك بعامين، بدأت تتردد بقارب شراعي على جزيرتي كابريرا وسردينيا، وصار من عادتها الإبحار إلى هناك لتمضية العطل السنوية. وجوهٌ من سويسرا سعيا منها لتقديم لمحة جديدة عن المجتمع السويسري وما يكتنفه من تنوع وتعدّد وطرافة، تنشر swissinfo.ch في كل يوم أحد تباعا مجموعة جديدة من البورتريهات تستعرض من خلالها قصص رجال ونساء «عاديين» من جميع الأعمار والمناطق والفئات. تمخُر عباب الأطلسي بمفردها في مايو 2006 ، شهدت مغامرة كان لها تأثير هام وحاسم على مستقبلها بصورة عامة، فأثناء رحلة بين شواطئ جزر الأزور والشواطئ البريطانية، وجدت نفسها في مواجهة عاصفة هيجاء، وانتابها الخوف على حياتها وحياة من معها، وكانت تخشى ألا تخرج منها سالمة، ولكنها «تمكنت في نهاية المطاف من العودة بأمان ودونما مكروه، هي وكل من كان برفقتها، رغم تحطّم نصف السفينة». عند ذلك، قررت عبور المحيط الأطلسي بمفردها، الحلم الذي لطالما راودها طويلا، ولكن الأمر بات هذه المرّة يقينا لا شك فيه، وأصبح هذا التحدي دليلا على مدى قدرتها على المغامرة. وبالمناسبة أرتنا، من بين القطع والذكريات التي تجمعها في منزلها، سِنّا لحوت عنبر من جزر الأزور، نُقِش عليه شعار مركبها الشراعي «زينزيرو». ركوب البحر وسيلة تعليمية ومدرسة تربوية لا شك بأن عبور المحيط الأطلسي منفردة، تمثل تجربة رائعة في حياة كريستينا لومباردي، إلا أنها ترى أنها غير مفيدة للآخرين، لذلك، ترغب في القيام بالشيء الذي كان يُساورها منذ أن عادت إلى انجلترا بعد نجاتها من العاصفة، حين التقت في المرفأ بمجموعة من أصدقائها المشاركين في مشروع ملاحي قائم على تدريس فنون المغامرة، وتقول: «على الرغم من يقيني بأن المركب الشراعي هو مدرسة من أنجب مدارس الحياة، إلا أنّي لم أفكر يوما بالقيام بنشاط تعليمي، ولما رأيت ذلك المشروع خطرت الفكرة على بالي». تفاعلت الفكرة مع المبدأ الذي اعتمدته شعارا لمسيرتها في الحياة والذي أثبت جدواه على مدى 30 عاما، وهي تبدو الآن مُصمّمة على تحقيق نسخة من المشروع في كانتون تيتشينو. فمن خلال وجودها في مدينة لوغانو تعرّفت على مجموعة من الأشخاص أسّست معهم في عام 2009 جمعية «إلسورجيتوري Il Sorgitore»، التي تقوم بتنظيم دورات لمدة ثلاثة أشهر في تعليم الملاحة والإبحار في أعالي البحار، باعتبارها «وسيلة تربوية لوقاية وعلاج المراهقين من الإضطرابات والضغوط النفسية والإجتماعية».