في مستهل برنامجه الثقافي للموسم الحالي نظم فرع اتحاد كتاب المغرب بالجديدة بتعاون مع مكتبة مؤسسة عبد الواحد القادري جلسة حوار في موضوع «واقع التعليم في المغرب» وذلك يوم الجمعة 25 أكتوبر 2013 بمقر المؤسسة المذكورة. جاء في الورقة التمهيدية التي كانت بمثابة أرضية للقاء بأن قطاع التعليم يعاني في المغرب ومنذ سنوات عدة أزمة هيكلية ما فتئت تتزايد وتتفاقم، فشلت في معالجتها كافة البرامج الإصلاحية. وتتجلى الأزمة الراهنة التي تتخبط فيها منظومة التربية والتكوين في غياب الدور التأطيري والتربوي للمدرسة وعدم الحسم في لغة التواصل والتلقين واضمحلال دور رجل التعليم داخل المنظومة والتخبط في رسم سياسة واضحة للإصلاح. في بداية هذا اللقاء الذي شارك فيه كتاب ومهنيون من قطاع التعليم ومجموعة من الطلبة، أشار الأستاذ عبد المجيد نوسي، كاتب عام فرع الجديدة لاتحاد كتاب المغرب، إلى ما عرفه قطاع التعليم من تطورات وتراجعات منذ فجر الاستقلال إلى اليوم، بل إن أكبر مفارقة تدل على فشل القطاع هي أنه بالرغم من المجهودات المالية المرصودة له كأجور للعاملين وكبينة تحتية وكبرامج إلا أن النتيجة كانت دائما سلبية مما يستوجب أن يكون معه أي تفكير في الإصلاح تشاركيا. وقدم الباحث المصطفى اجماهري شهادة قصيرة أبرز فيها بأن مسألة لغة التدريس حق أريد به باطل فليست هي المطب. واستدل على ذلك بأن جيله درس باللغتين العربية والفرنسية في التعليم العمومي فكان يجيد اللغتين معا بلا أدنى مشكل. أما اليوم، يقول الباحث، فالتلميذ الحاصل على الباكلوريا لا يجيد لا عربية ولا فرنسية مما يجعل سبب التردي في رأيه، يعود إلى ضعف تكوين هيئة التدريس. وفي نفس الاتجاه نحا الأستاذ أبو القاسم الشبري، مدير مركز التراث المغربي البرتغالي الذي اعتبر أن الضمير المهني لرجال التعليم لم يعد كما كان عليه في سبعينات القرن الماضي وما قبلها. حيث تغير الواقع اليوم إلى ممارسات تجارية تتمثل في فرض الساعات الإضافية على التلاميذ مما يشكل في رأيه متاجرة بالمقررات الرسمية. الأستاذ أحمد بنهيمة، المفتش المتقاعد، قال إن وضعية التعليم في المغرب اليوم كارثية بكل المقاييس وأن ما كان تحقق مباشرة بعد الاستقلال قد عرف تراجعا سواء على مستوى المضمون أو على مستوى تدبير القطاع. كما أشار إلى أن المدرسة أصبحت فضاء خطيرا بعدما كانت له حرمته في الماضي. ونبه إلى أن التلميذ اليوم عاجز عن التواصل سواء بالعربية أو بالفرنسية وإذن فإلصاق التهمة بلغة ما ليس في محله. وتناول الكلمة الباحث التربوي علي آيت سعيد حيث وقف عند اختيارات وطرائق التدريس مشيرا إلى عدة مطبات تقف عائقا أمام تعليم جيد منها عدم تحيين المقررات المدرسية وضعف تكوين رجال التعليم وعدم استغلال وسائل الاتصال الحديثة وتحويل فضاءات المؤسسات التعليمية إلى مرائب للسيارات. أما الأستاذ كريم سفير فقد نبه إلى أن ما أتى عليه المتدخلون في هذه الجلسة هو مجرد أعراض للمرض، أما لب المشكل، في رأيه، فيكمن في الجواب على السؤال : أي مدرسة نريد للمغرب، هل مدرسة وفية للماضي أم للحداثة ؟ وقال المتدخل إن هذا السؤال طرح على شعوب مثل اليابان وألمانيا واختارت الحداثة وهي اليوم تقود اقتصاديات العالم. وأضاف المتدخل إن من يزعم الحفاظ على الهوية المغربية هو من يضيعها بهذا الارتباك المستمر في الزمان والذي لم ينته بعد. وفي معرض تدخله، قال الخبير علي العطاوي، الأستاذ بالكلية المتعددة التخصصات بالجديدة، إن هناك نية مبيتة في التخبط الحاصل في مجال التعليم العمومي، ويبقى الضحية هو تلميذ اليوم رجل الغد، فضلا عما يعرفه الرأسمال البشري في قطاع التعليم من إهمال وارتجال على مستوى التكوين. وأشار الأستاذ مبروك بنعزيز إلى أن محور السؤال يجب أن يتوجه إلى نموذج المدرسة التي نريد هل هي مدرسة التقليد أم مدرسة المستقبل؟ مشيرا إلى الارتباك الحاصل في التوجهات الرسمية. وأعطيت الكلمة لمجموعة من الطلبة فأوضحوا بأن الفضاء الجامعي تحول إلى فضاء صراعات بين قوى تحمل أفكارا متناقضة ومتصارعة بينها ولم يعد فضاء له حرمته ومؤهل للممارسة العلمية. وفي ختام اللقاء نوه الأستاذ عبد المجيد نوسي بحصيلة هذه الجلسة التي خصصت للحوار في موضوع يهم جميع المغاربة مشيرا إلى نية فرع اتحاد كتاب المغرب عقد جلسة ثانية في الموضوع من أجل مدارسة النقط الثلاث التي تبدت من النقاش وهي : مسألة لغة التلقين، وضعف تكوين الموارد البشرية والتضارب بين التوجه التقليدي والحداثي.