توفي نهاية الأسبوع المنصرم، في الرابعة والثمانين من عمره أستاذ الأجيال الباحث والناقد محمد دكروب. عرفنا دكروب في المغرب كناقد موسوعي يمتح أدواته مخلصا من التراث الماركسي الذي حاول تليينه ليتحول إلى منهج نقدي وتحليلي ملائم وبعيد عن العلاقة الميكانيكية التي قام بها البعض في كل من لبنان ومصر وحتى هنا في المغرب. في بداياته، كتب دكروب القصة ، ثم تحوّل إلى كتابة المقالة، والدراسة الأدبية، وبحث في ثقافة النهضة، كما في تاريخ الحركات النضاليّة التحرّرية اللبنانية زمن الانتداب والكفاح ضدّه. كتب في النقد المسرحي والسينما. وفي الفترة الأخيرة كان يركّز اهتمامه على تحرير مجلة »الطريق« وعلى كتاباته النقدية في مجال الرواية العربية والقصة. لم يكن محمد دكروب يوماً ناقداً أكاديمياً في المفهوم المغلق للنقد الأكاديمي، بل سعى إلى النقد العلمي الأدبي المدّعم بالمراجع والمصادر، والقائم على قراءة الأثر انطلاقاً من خصائصه الجمالية ودلالاته الاجتماعية واللغوية. فجمع بين الوعي النقدي الرصين والجاد وبين النص الذي لا يخلو من نزعة أدبية واضحة، ولعل هذا ما ميز تجربته عموماً. ولد محمد دكروب سنة 1929 في مدينة صور. تلقى تعليمه الابتدائي في المدرسة الجعفرية في صور لمدّة أربع سنوات فقط، وترك المدرسة قبل نيل الشهادة الابتدائية بسنتين، بسبب الأحوال الماديّة الصعبة. التحق بدكّان والده الذي كان يبيع الفول في »مطعم« صغير جداً. وبعدها عمل في »مهن« عدّة منها: بائع ترمس، بائع ياسمين، بائع خبز وفلافل، عامل بناء، سقّاء للعمال الزراعيين... ثم عمل سنوات في دكان أخيه السمكري فأتقن الصنعة جيّداً. وخلال فترة عمله تلك، كان يقرأ كثيراً: من مغامرات أرسين لوبين وشرلوك هولمز حتى ترجمات المنفلوطي الرومانسية ونظراته، فأدمن القراءة وانطلق يقرأ كل شيء. نزح إلى بيروت حيث عمل كاتباً للحسابات عند تاجر ورق، ومن طريق حسين مروة تعرّف إلى الشيوعيين في أوائل الخمسينات. التحق بالحزب، والتزم بمبادئه: »لو انتهت الشيوعيّة في العالم كلّه، يبقى شيوعي واحد اسمه محمد دكروب، لأن عقلي ماركسي ومن غير الممكن أن يكون غير ذلك«. انتقل إلى العمل في تحرير مجلة »الثقافة الوطنية« منذ عام 1952، وحتى احتجابها عام 1959. عمل في تحرير جريدة »الأخبار« الأسبوعيّة، و »النداء« اليوميّة، ثم تولّى التحرير في مجلة »الطريق« منذ أواسط الستينات، وصار رئيساً لتحريرها، مع حسين مروة، حتى عام 1989. وتولّى رئاسة تحريرها حتى آخر يوم في حياته، حيث كان يعدّ ملفاً خاصاً عن جريدة »السفير« في عيدها الأربعين. من أبرز مؤلفاته: »جذور السنديانة الحمراء« 1974، »الأدب الجديد والثورة« (كتابات نقديّة) 1980، »شخصيات وأدوار/ في الثقافة العربية الحديثة« 1987، »النظريّة والممارسة في فكر مهدي عامل«، (بالاشتراك مع آخرين) 1989، »حوار مع فكر حسين مروة« (بالاشتراك مع آخرين) 1990، »خمسة رواد يحاورون العصر« (دراسات) 1992. ولا تزال كتب عدّة تحتاج إلى بعض الإضافات والتعديلات، لكنّ عينَي محمد دكروب لم تسعفاه، على تحقيق ما كان يأمل أن يحققه وينجزه من هذه الكتب، أبرزها: »على هامش سيرة طه حسين«، »نحو تأصيل معاصر للرواية العربية / رؤى وتجارب... وآفاق«، »تساؤلات أمام »الحداثة« / في النقد الأدبي العربي الحديث«، »قراءات في ثقافة النهضة«... وهي عبارة عن ملفات مكدّسة فوق ملفات أخرى، على مكتب محمد دكروب، تحتاج إلى طباعة.