في اللقاء الذي نظمه المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية حول السياسة اللغوية بالمغرب، أثيرت العديد من القضايا ذات الصلة بوضعية اللغات الوطنية والأجنبية، كما حاول المشاركون في اللقاء الإسهام في توضيح الأسباب التي تحول دون بناء استراتيجية شمولية متناغمة ومتكاملة لتدبير اللغات في بلادنا. ومن بين الأمور التي تعرض لها النقاش، إشكالية اللغة الأمازيغية بين المركزي والجهوي، وما يرتبط بها من قضايا أكاديمية علمية وسيوسيوثقافية كموضوع اللغة المعيار وعلاقتها ب «اللهجات»، وكيفية تدبير الوضعية الجديدة للغة الأمازيغية بين القرارات المركزية المتعلقة ببناء اللغة ومعيرتها وتقعيدها، وبين تصريف هذه اللغة جهويا من خلال تنوعاتها اللهجية ذات الصلة بديناميتها الاجتماعية اليومية. والملاحظ أن ثمة أمورا غالبا ما بتم إغفالها من قبل من يخوضون في هذا النقاش نوردها في ما يلي: تغييب المعطيات الدقيقة المتعلقة بطبيعة «اللهجات» ونسبة المشترك في ما بينها ونسبة المختلف ونسبة ما تبقى منها بعد عقود من التعريب والفرنسة، وكذا المعطيات المتعلقة بمنهجية التوحيد وطريقة الاشتغال على المعجم والجانب المورفولوجي، وهي كلها أمور هامة جدا لا يمكن بدونها إرساء نقاش سليم ودقيق وذي مردودية في هذه القضية، مما يعني ضرورة العمل على النصوص والمراجع واستحضار الأخصائيين الأقربين إلى هذا الورش ومنهم اللسانيون والبيداغوجيون والمدرّسون الممارسون يوميا لعملية تدريس اللغة الأمازيغية، حتى تتضح الرؤية ويصبح النقاش أكثر معقولية. أن في كل لغة من لغات العالم يوجد ما يتمّ تدبيره مركزيا وما يتم تدبيره على المستوى الجهوي، ولا يمكن بحال من الأحوال اختزال الإشكالية الصعبة لمشروع بناء لغة ما في مجرد الصراع بين المركز والهامش. فرغم أن الخطاب الأمازيغي كان في جوهره خطابا ضد الدّولة المركزية، وضد التمركز المفرط الذي خلق هوامش مقصاة أنتجت أصواتا احتجاجية، إلا أن ذك لا يعني أن الفاعلين الأمازيغيين يجهلون أن التمكين للغة ما في المؤسسات رهين قبل كل شيء بإرساء دعاماتها داخل قوانين الدولة ومؤسساتها، وهذا لا يمكن أن يتم إلا على المستوى المركزي، كما أنّ معيرة اللغة وتقعيدها لا يمكن أن يكون شأن كل واحد من الناطقين بهذه اللغة أو شأن هذه الجهة أو تلك، بل هو قرار يعود قبل كل شيء إلى مؤسسة خاصة بمعيرة هذه اللغة. ويتم ذلك بالاشتغال على مستوى الجهات باعتبارها حقلا للبحث والدراسة، كما يتم على مستوى المركز بتجميع المعطيات وتصنيفها وترتيبها واستثمارها علميا في وضع المعاجم وتدقيق القواعد، كما حدث بالنسبة لكل اللغات، ومن هنا وجود قواعد يلتزم بها الجميع، إذ لو كان التقعيد يتم بشكل مزاجي وفي فضاءات متعددة ومختلفة ومن طرف أشخاص تتفرق بهم السبل، لحال الصراع والجدل والتقديرات الشخصية والنعرات المحلية دون بناء أية لغة من اللغات. في إطار الجهوية الموسعة، يمكن تدريس اللغة الأمازيغية كما تدرس اللغة العربية، وإفساح المجال للهجات المحلية في مجال الدينامية الاجتماعية.... أن اللغة الأمازيغية في التعليم أصبحت لغة المدرسة، أي أنها بجانب التداول اليومي أصبحت أيضا لغة تنظير وصار لها معجم واصف للغةmétalangage ولم تعد شأن اللهجات المحلية، فكما حدث بالنسبة لجميع اللغات المعيارية، أصبحت الأمازيغية تتوفر على معجم ونسق لسني تم الاشتغال عليهما وتهيئتهما خلافا للهجات التي تتواجد فقط من خلال التداول الشفهي التلقائي. وإذا كان الكثير من الناس لا يتقبلون هذا فلأنهم لم يتلقوا اللغة الأمازيغية عن طريق المدرسة بل فقط عبر التقليد اللسني. بينما تجدهم يتقبلون العربية المعيار والفرنسية المعيار والانجليزية المعيار إما لأنهم تعلموها في المدرسة، أو كما هو الشأن بالنسبة للأميين يحترمونها من باب تواجدها في المدرسة واعتبارها «لغات عالمة». أن إدراج اللهجات المحلية نفسها في المدرسة يُحولها بشكل ميكانيكي إلى لغة معيارية بالتدريج طال الزمان أو قصر، حيث لا يمكن تدريسها كما هي منطوقة وبدون تهيئة علمية، بل لا بد أن تخضع لعمليات تحويل في نسقها، كما يتم إغناء معجمها بالمصطلحات الجديدة N?ologisme . وبذلك ستتحول بدورها إلى لغات لا يفهمها الجميع إلا الذين تلقوها عبر المدرسة. وحتى يكون كل واحد على بينة مما نقول، فليس عليه إلا أن يحاول تدريس لهجته المحلية في مدرسة، حيث سيجد نفسه ملزما بالقيام بما يسمى «التهيئة اللغوية» L?am?nagement linguistique لهذه اللهجة، وتتمثل في عمليات ضبط وتحويل وتقعيد وإبداع معجمي، حتى يستطيع تعويض المعجم الضخم الذي سيعمل على استبعاده بسبب انتمائه إلى لغات متعددة، وهكذا سيجد نفسه أمام لغة معيارية ليست هي بالتحديد اللهجة التي يتكلمها أبناء منطقته.