من منا لايتذكر ما نظمه أمير الشعراء أحمد شوقي قائلا « قم للمعلم وفّه التبجيلا .. كاد المعلّم أن يكون رسولا / أعلمت أشرف أو أجل من الذي .. يبني وينشئ أنفسا وعقولا»، أو لم يطلع ولو على شطر من هذه القصيدة التي زينت ببعض أبياتها جدران مؤسسات تعليمية من المستوى الأول فما فوق، وكانت بمثابة الشعار الذي لازم أجيالا وهي تلج أبواب المدارس للتربية والتعليم، تربية على مستوى السلوك من أجل التهذيب والتقويم، وتعليم معرفي يؤهل صاحبه لرقي أعلى درجات سلم التحصيل الدراسي. وليس أمير الشعراء لوحده من خصّ نساء ورجال التعليم بشعره، فكذلك الأمر بالنسبة للإمام الشافعي الذي قال في آداب التعلم «اصبر على مر الجفا من معلم ... فإن رسوب العلم في نفراته / ومن لم يذق مر التعلم ساعة ... تجرع ذل الجهل طول حياته»، وذلك للتأكيد على أهمية العلم والتعلم، وهو ما لايتأتى في غياب المعلم، وكذلك الأمر بالنسبة للأديب جبران خليل جبران الذي قال « تقوم الأوطان على كاهل ثلاثة : فلاّح يغذيه ، جندي يحميه ومعلم يربيه». أما الاسكندر المقدوني فقد قال عن المعلم «أنا مدين لوالدي لأنه أمّن لي الحياة ومدين لمعلمي لأنه أمّن لي الحياة الجديدة»، وعلى نفس المنوال سار ايفر غاريسون الذي قال «المعلم هو وسيلة تحرك في التلاميذ أقطاب حب الاستطلاع ، والمعرفة ، والحكمة». علماء، كتاب، أدباء وفنانون ... وغيرهم لو استفاقوا اليوم على أحوال نساء ورجال التعليم لجنّوا لهول الصدمة ولضربوا الأخماس في الأسداس، وهم يرون كيف أضحى المعلم/الأستاذ «يحرك» النزعات الإنحرافية والإجرامية في أنفس بعض التلاميذ أو أقربائهم، وحتى الأغراب الذين تطاولوا على حرمات المؤسسات التعليمية، والتي يترجمونها إلى اعتداءات دموية، ينقل على إثرها نساء ورجال التعليم الضحايا من القسم والمؤسسة/مسرح الجريمة إلى أقسام المستعجلات طلبا للعلاج، ثم إلى ردهات المقرات الأمنية لتسجيل شكاياتهم!؟ كيف لا وقد أضحى من نظمت في حقهم الأشعار، ومن أبدعت في حقهم الحكم والأمثال، نظير خدماتهم التربوية والتعليمية، عرضة للتنكيل والتعذيب، وفريسة سهلة المنال لأشخاص تحولوا إلى وحوش، يفرغون مكبوتاتهم ويصرفون أحقادهم الضيقة على أجساد هاته الفئة التي تعتبر لبنة أساسية في هرم كل مجتمع. ففي الدارالبيضاء لوحدها وفي مدة لاتتجاوز 15 يوما، سجلت 3 اعتداءات تفاوتت تفاصيلها، الأولى ارتكبها تلميذ يبلغ من العمر 19 سنة يدرس بشعبة الكهرباء بمؤسسة للتكوين المهني توجد بتراب منطقة مولاي رشيد، حيث اعتدى بالضرب والجرح باستعمال عصا خشبية على الأستاذ للانتقام منه على خلفية طرده له من الصف الدراسي!؟ بينما الاعتداء الثاني ارتكبه تلميذ آخر بإحدى المؤسسات الثانوية بمنطقة ليساسفة والذي استهدف رأس الحارس العام بمؤسسته بمزهرية مهشما إياها على رأسه، لكون الضحية علٌّق على طريقة حلاقة شعر رأس التلميذ المعتدي؟ وآخر الاعتداءات لحدّ الساعة هو الذي طال المعلمة «استور إلهام» يومان قبل عيد الأضحى، وهي التي تدرس مستوى الصف الثاني ابتدائي بمدرسة بشار بن برد التابعة لنيابة عين الشق، حيث تفاجئت حوالي الساعة التاسعة والنصف صباحا وأثناء مزاولتها لمهنتها بسيدة لاتعرفها ولاعلاقة لها بها، تقف أمام باب الفصل تسأل عن حارس الأمن الخاص، فردت عليها بالقول بأن حارس الأمن مكانه هو باب المدرسة متسائلة عن كيفية تواجدها أمام باب الفصل، وهو الجواب/التساؤل الذي لم يرق للمعنية بالأمر التي عملت مباشرة على الاعتداء على المعلمة موجهة إليها سلسلة ضربات، قبل أن تقرر الاعتداء عليها بحبل حديدي/»كابل» ( محجوز لدى المصالح الأمنية )، مما تسبب للضحية في آلام بدنية بسائر أنحاء جسمها، وأخرى نفسية لم تكن تخال يوما أنها ستكون عرضة لها في الشارع العام فبالأحرى داخل مقر عملها الذي ليس سوى مؤسسة تعليمية؟ الحادث استنفر رؤساء مصالح تربوية بنيابة عين الشق وزملاء المعلمة في المهنة الذين استنكروا تعرضها للاعتداء، وكذلك عناصر الأمن الذين عاينوا مسرح الجريمة الذي غادرته المعتدية مباشرة بعد غزوتها، في حين نقلت الضحية للمستعجلات لتلقي الإسعافات وسلمت لها شهادة طبية على إثر ذلك تحدد مدة العجز في 20 يوما، حيث عملت على تحرير شكاية بمقر الدائرة الأمنية 18. هي مشاهدة يومية تؤكد وبالملموس بأن خللا كبيرا تعانيه المنظومة الأخلاقية/التربوية، والتي تقدم صورة تقريبية عن طبيعة البيئة التي شبّ وسطها البعض، والتي تسمح وبكل بساطة وبدون مركب نقص، بأن يتوجه قريب لأحد التلاميذ إلى أي مؤسسة تعليمية للاعتداء على أستاذ أو أستاذة بالضرب والجرح، أو يدفع أحد التلاميذ للإقدام على اقتراف جريمة نكراء مماثلة، والتي تتداخل فيها عوامل نفسية، اجتماعية وقبل ذلك تربوية، مما يستدعي فضلا عن تعزيز الإحساس بالأمن داخل أسوار المؤسسات التعليمية وبجنباتها ومعاقبة المعتدين بتعدد المقاربات وبصرامة، فتح نقاش وطني حول ظاهرة العنف ضد نساء ورجال التعليم والتي هي انعكاس لمسلكيات تنهل مما يقع خارج هذه الأسوار. وفي انتظار ذلك نلتمس العزاء في بعض أبيات الشاعر حافظ إبراهيم التي كتبها في فضل المعلم، والتي قد تكون عنوانا للزمن الجميل غير الزمن الحالي « ذَاكَ الْمُعَلِّمُ عَيْنُهُ بَرَّاقَةٌ .. فِي صَفْحَةِ التَّحْضِيرِ وَالْأَوْرَاقِ يَقْضِي اللَّيَالِي بَرْدَهَا وَلَهِيبَهَا .. بَحْثًا عَنْ الْفَضْلِ الْعَمِيمِ الْبَاقِي وَيَرَى طَوَالَ نَهَارِهِ مُتَحَرِّفًا .. لِقِتَالِ جَيْشِ الْجَهْلِ وَالْأَعْوَاقِ تَلْقَاهُ لَوْ عَبَّرْتَ عَنْهُ مَشَاعِرًا .. يَشْكُو مِنَ الْإِرْهَاقِ وَالْإِمْلَاقِ نَبْنِي الْمَدَارِسَ وَالْبِنَاءُ أَسَاسُهُ .. فَضْلُ الْمُعَلِّمِ مَنْ لَهُ بِفَوَاقِ إِنِّي أَرَى فِي صَفِّنَا جَمْعًا لَهُمْ .. فِيمَا أَرَادُوا صِبْغَةٌ بِنِفَاقِ نَقَصُوا الْمُعَلِّمَ حَقَّهُ بَلْ فَضْلَهُ .. وَهُمُ أَيَادِيِه مِنَ الْأَعْمَاقِ وَمِنَ الْبَلِيَّةِ هَضْمُ شَهْمٍ نَابِهٍ .. عَلَمٍ مِنَ الْأَعْلَامِ وَالْحُذَّاقِ». [email protected]