نادية أبرام خصصت دار النشر الألمانية »رامبو« مؤخرا قسما للكتاب الألمان الذين يكتبون عن المغرب في مبادرة هي الأولى من نوعها على الإطلاق لمؤسسة في حجم »رامبو« لجعله نافذة يطل من خلالها القراء على ثقافة المملكة وخصوصياتها بعيدا عن الأحكام الجاهزة. وأكد مدير ومؤسس دار النشر »رامبو« بيرنهارد ألباس في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء ببرلين أن المبادرة تروم بالأساس نقل ما يسجله الكتاب الألمان في زياراتهم للمغرب من مشاهدات وانطباعات للقارئ الألماني لكن في قوالب أدبية إبداعية.وأبرز أن المؤلفات التي أبدعها كتاب ألمان حول المغرب بعدما ترددوا عليه لسنوات ونسجوا حكايات من خلال تجارب وحقائق ومشاهدة حية لقيت إقبالا كبيرا لدى القراء في ألمانيا .ويعد هذا السبب يضيف ألباس ضمن أخرى دفعته للتفكير في تخصيص هذا القسم وقال »عندما قرأت كتابا عن مدينة مراكش للكاتب إلياس كانيتي لمست عن قرب كيف يمكن للكتاب الألمان أن يقدموا المغرب » أي على أساس معرفي فيه إحساس بعيدا عن النمطية وأسلوب السائح العادي. وأشار ألباس إلى أن منجز كانيتي كان له وقع مهم في المشهد الثقافي »فتواصلت معه عبر العديد من الرسائل ضمنتها فيما بعد في كتاب نشرته منذ فترة غير بعيدة«. وكانيتي (1905 - 1994) الحائز على جائزة نوبل للآداب (1981) روائي وكاتب مسرحي وباحث ألماني حاصل على دكتوراه في الفيزياء في 1954 زار مراكش فكان أول من كتب عنها عبر مؤلفه »أصوات مراكش« سنة 1968 فصنف ضمن أدب الرحلة وأصبح مرجعا تاريخيا هاما.وقال ألباس في رده حول الدور الذي يمكن أن تلعبه مؤسسته في إثراء التبادل الثقافي بين المغرب وألمانيا » إن هذا الأمر سيستقيم أكثر عندما يقدم الكتاب الألمان ما يثبت معرفتهم العميقة بالمغرب«.وفي رده حول ما إذا كانت هذه المبادرة تسعى لاستعادة الاهتمام الذي حظي به المغرب في القرن ال 19 من قبل باحثين ورحالة ألمان كغيرهارد رولفس الذي أقام فيه ( 1861 و1864 ) فعشق واحاته ومدنه وخلف كتبا ك »إقامتي الأولى في المغرب« وأوتو آرت باور سيزار الذي نقل هو الآخر ما سجله في رحلاته للمغرب وحظيت أعمال الاثنين بتقدير كبير قال ألباس إن الاهتمام حاضر دائما من خلال مثل هذه الكتب المصاغة بأسلوب أدبي متميز وحققت نجاحا.وذكر في السياق ذاته باحتفاء صحيفة »فرانكفورته أليغماين« منذ سنوات بنجاح كتاب »مراكش جامع الفنا« للشاعر والكاتب الألماني كريستوف لايستن و«أتوقع أن يحظى كتاب لراينهارد كيفه حول يومياته بالمغرب الذي سيصدر قريبا بنجاح مماثل« وسيكون عملا غير مسبوق يعكس قراءة عميقة عن المغرب ويؤرخ لتجربة إنسانية امتدت ل 30 سنة. وأضاف ألباس أن الكاتبين ترددا على المغرب لثلاثة عقود بشكل متواصل ومنفصل ولم يتأت لهما الالتقاء والتعرف على بعضهما البعض إلا منذ 12 سنة. والشاعر والكاتب لايتسن من المثقفين الألمان العاشقين للمغرب ولثراء مدنه وتعدديته الثقافية التي قال عنها في أحد حواراته إنها »قريبة منه« وكتابه عن مراكش كان ثمرة 20 سنة من الاستكشاف لروح المدينة وصدرت نسخته العربية عن »دار المسار« ببرلين ترجمها الباحث والكاتب محمد خلوق المقيم في ألمانيا وقدمها الشاعر والكاتب حسن نجمي.أما رانهارد كيفه الباحث والشاعر وعالم الأديان فألف كتاب »مقهى موكا.. تأملات في أكادير« ترجمها إلى العربية كذلك الكاتب خلوق أضاء من خلاله جوانب ثقافية ومشاهد من المعيش اليومي للأكاديريين بأسلوب شعري. وحول ما إذا كانت دار النشر تنوي ترجمة أعمال أدباء مغاربة إلى الألمانية قال ألباس »هذا ليس من أولويات الدار وإنما الهدف الأساسي يكمن في تشجيع الكتاب الألمان الذين بوسعهم نقل تجاربهم بالمغرب إلى القراء ».وهذا أيضا كما قال الناشر- ينطبق على كتاب من أصول أجنبية يكتبون عن ألمانيا كما فعل الكاتب خلوق في كتابه الذي لامس فيه كل مظاهر الحياة الثقافية والاجتماعية وكل عوالم ماربورغ .وحول سر اختيار اسم الشاعر الفرنسي أرتور رامبو للدار التي تأسست سنة 1981 وتخصصت بالدرجة الأولى في الإنتاج الشعري قال ألباس »لأنه صوت قوي ترك بصمة واضحة على الأدب الألماني على العموم وتمكن من الانتقال بشعر القرن 18 إلى عصر الحداثة« .وفي كتابه »رامبو حي » حاول ألباس رصد التطور الذي أحدثه هذا الشاعر وكيف أثر في الأدب الألماني وإبراز الأصوات الشعرية التي حاولت إعادة تجربته.وفي رده حول التيارات الشعرية التي تفضلها الدار قال ألباس »لكل شاعر تجربته الخاصة المتراوحة ما بين نثر وشعر ونصوص روائية بنكهة شعرية والدار تمنح مساحة واسعة للكاتب في الاختيار«.جدير بالإشارة إلى أن القسم الخاص بالمغرب في دار »رامبو« سيشرف عليه الباحث خلوق الذي نشرت له الدار عددا من مؤلفاته تقديرا لجهوده في الكتابة والترجمة من الألمانية إلى العربية ولمكانته الاعتبارية في المشهد الثقافي الألماني. كيف يتسنى لنا إذن وضع هاتين المقاربتين موضع درس وتحليل فقط ، وأقول فقط ، كي نتلمس جوانب القوة والضعف في آراء كلا الفئتين لاستحالة تلمس الحقيقة أولا ، ثم بناء على المرتكزات السابقة والتي قد تعصف أحيانا بجانب الموضوعية والتجرد في تناول هكذا قضايا اجتماعية وثقافية تمس فئات وشرائح هامة من المجتمع المغربي ؟؟. تشير آخر الإحصائيات في الموضوع، إلى أن ما بين مائة وخمسين إلى مائتي مهرجان تنظم سنويا بالمغرب ، وهي دون شك أرقام ضئيلة ببلد يقارب عدد ساكنته الأربعين مليونا ، نظرا لكون هذا الفعل الإشعاعي أضحى يمثل رهانا حقيقيا من رهانات التنمية إن هو استغل في سياقه ، من حيث كونه رسالة نبيلة ذات بعد قيمي وحضاري قصد خدمة هذا التوجه ، وإذا ألقينا نظرة سريعة على حجم ما يرصد من أغلفة مالية على إخراجها (المهرجانات) إعدادا وتنظيما ، نقف عند أرقام تثير التأمل وتشد كثيرا من الانتباه ، حوالي 15 مليون درهم لدعم حوالي 20 مهرجانا سينمائيا ، و 60 مليون درهم على المهرجان الدولي للفيلم بمراكش ، و 6 ملايين درهم للمهرجان الوطني للفنون الشعبية بنفس المدينة ، ثم 12 مليون درهم لمهرجان اكناوة - موسيقى العالم - بالصويرة ، و 14 مليون درهم لمهرجان تيميتار بأكادير ، و 10 ملايين درهم للمهرجان الدولي جوهرة بالجديدة ، مرورا بالأغلفة المالية الهامة المرصودة لباقي مهرجانات فاس ووجدة والحسيمة وتطوان وباقي المدن التي لا تقل دعما عن سابقاتها ، وهي مهرجانات - وهذه إشارة لابد من التذكير بها في هذا السياق - يلعب القطاع الخاص في غالبيتها العظمى دور المورد والداعم الرئيسي من خلال خلق مؤسسات محلية قادرة - تقول - على التوفيق ما بين التنشيط المحلي و»تنمية» المناطق نفسها ، وهي حقيقة تدفع إلى الجزم بأهمية الانفتاح على هذا القطاع وكذا على قوة الشراكات التي تعقد بهذا الخصوص ، الأمر الذي يدفع المتتبع بقوة لطرح سؤال الاحتراف والمهنية مع الإشادة به طبعا لدى الفئات المنظمة تبعا للجهود المبذولة بهذا الشأن (الحديث هنا عن أجرأة الأفكار والمشاريع الفنية والثقافية ، إعدادا ، تنظيما وتنفيذا ) ، بما يتبع ذلك من جودة في الإخراج الفني وانتقاء الفقرات وتصريفها كمواد قابلة للاستهلاك و التفاعل من قبل شرائح واسعة من المواطنين ، حيث يجرنا سؤال المهنية هنا savoir faire إلى التفريق ما بين هذه المهرجانات باعتبارها محطات سنوية توضع لها الخطط والبرامج ، مع توفير عناصر النجاح لها من خلال اتباع جل مراحل المشروع الكفيلة بتحقيق المبتغى ماليا وأدبيا ، وبين بعض « المهرجانات « الاقليمية أو «المواسم» الثقافية التي تشرف على إنجازها قلة من المؤسسات الحكومية وما بقي من شتات جمعيات محلية و «وطنية»، وكذا بعض الجماعات المحلية المستفيدة من ميزانية الدعم الثقافي الذي ينص عليها الميثاق الجماعي ، والتي لا تتجاوز في غالبيتها 300 ألف درهم توزع على مدار السنة قصد إقامة أنشطة رياضية واجتماعية ،علاوة على بعض السهرات المناسباتية ( الاحتفال بالربيع أو بالصيف مثلا) ،الأمر الذي يدفع إلى ضرورة تكثيف الجهود ما بين القطاعات الحكومية مرورا بالدور الجوهري الذي يمكن لوزارة الثقافة باعتبارها الجهاز الوصي على الشأن الثقافي ببلادنا أن تلعبه من خلال الرفع من قدرات الفاعلين الثقافيين بباقي القطاعات الحكومية ، وتأهيل الموارد البشرية للانخراط في هذا الورش الوطني مع إعداد صيغ قانونية لدعم المهرجانات وما إلى ذلك ، لكن ، ? - والاستدراك هنا ضروري- السؤال الذي يطرح نفسه وبإلحاح ، هو هل تبقى سياسة المهرجانات مقابل كل ما سبق الاستثناء المغربي بامتياز عملا بمبدأ مهرجان لكل مواطن ؟؟ في الوقت نفسه الذي نقف فيه على خصاص فظيع في باقي المجالات الحيوية من صحة وتعليم وشغل وما إلى ذلك ؟؟ ثم هل أعددنا لهذه المحطات الفكرية والثقافية الهامة (الحديث هنا يستثني مهرجانات تقام هنا وهناك وتصرف عليها مبالغ مهمة من المالية العامة دون أن تترك لها أثرا يذكر) ما يليق بها من بنى تحتية ومن إمكانيات التوظيف السليم لها ، علما أن هذه المهرجانات ساهمت وتساهم - شئنا أم أبينا - في خلق إشعاع دولي لبلادنا ، وروجت له بما لا يدع مجالا للشك على المستوى السياحي والتعريف به تاريخيا وحضاريا ؟؟ ثم ألا يمكن اعتبار كل معارض لهذا التوجه في حدوده الثقافية وتوجهاته القيمية إنما هو يعارض ويختلف أصلا مع كل ما من شأنه أن يساهم في التطور والتنمية والانفتاح الكفيل بخلق مناعة كافية ضد تيارات الغلو والتطرف والإرهاب ؟؟ إنه ، وباعتمادنا لسلك أسلوب الاتجاه المعاكس في الحجاج هنا، من خلال وضع المقاربات وطرح أسئلة مقارنة ، مع رصد هذا الجدل القائم والشبيه بحق يراد به باطل نتساءل ، ألا يلقى هذا الجدل الكبير الصادر عن فعاليات مدنية وحقوقية من خلال اتهاماتها غير المتوقفة لهذه المهرجانات بالتبذير للمال العام وبالبذخ الزائد عن اللزوم، ( ألا يلقى) صداه ومشروعيته في الوقت الذي تحتاج المناطق والمدن التي تقام بها إلى بنيات تحتية وإلى مصحات ومدارس، مع ما يصاحب هذا النقص من تفريخ لحالات فقر وعوز وهشاشة اجتماعية ؟؟ ، هل الأمر يتعلق - هنا والآن - ، بمزايدات وبأحكام قيمة لا تقيم للفن وزنا، ولا تستشرف أفقا سليما لهذا الوطن بغية تحقيق أحلام أبنائه بإجاباته المستمرة عن كل انتظاراتهم الآنية منها والبعيدة ؟ ثم هل استشعر القائمون على الشأن الثقافي عموما ، والمهرجانات الثقافية بوجه خاص ضرورة الجمع بين الغايات والوسائل حتى يتسنى لهم الجمع بين جانبي التثقيف والتنمية لبلوغ الأهداف والغايات المرجوة ؟ ألا يمكن اعتبار شعارات المهرجانات المرفوعة من قبل منظميها من قبيل التنمية والتطوير، ردودا استباقية في وجه كل الذين سيخرجون شاهرين ملفات الفقر وانعدام الحاجيات الأساسية للمطالبة بإلغائها كما حدث مع بعض تنسيقيات مدينتي كلميم ووجدة وغيرهما للمطالبة بأولوية السكان في الاستفادة من أموال الدعم المرصودة لمهرجان مدنهم ؟ . هذه أسئلة سريعة تضاف إلى سابقاتها ، نستخلص منها كون الثقافة عموما وتنظيم المهرجانات الوطنية بوجه خاص، تبقى واحدة من الركائز بل ومن أساسيات بناء المجتمعات والأنظمة ، إذ لا يستقيم حال الأمم إلا بنزوعها إلى الجوانب الفكرية والروحية شريطة التدبير الجيد لهذا الجانب الحيوي الهام من خلال ربطه بكل ما هو تنموي، وذلك بتسريع وتيرة الاستثمار في الثقافة ، وخلق فرص شغل للشباب وتأهيل البنى التحتية من فضاءات سياحية ومركبات ثقافية ومراكز استقبال ، هي دون شك خطوات إجرائية يبقى الهدف من خلالها رسم خارطة طريق ثقافية تكون قادرة على امتصاص حدة الآراء المختلفة والأفكار المتباينة في حدود المتاح والمتوافق عليه بين كافة الفاعلين والمتدخلين .