إبعاد الرجال عن النساء كان النمروذ الجبار يعبد الأصنام. و ذات يوم ، تنبأ الكهنةُ بأنه سيولد في المملكة مولود يَكون هلاك النمروذ على يديه . فلما سمع الجبار ذلك ، أمرَ بذبح جميع الأطفال الذين يولدون في تلك السنة . كما أمر بعزل الرجال عن النساء ، و جعلَ حارسا على كل بيت. و ذات يوم جاءه الكهنة و قالوا له : « إن الطفل الذي أعلمناك به قد حملتْ به أمه هذه الليلة .» كان ذلك الطفل هو إبراهيم الخليل بن تارخ بن ناخور. و كانت أمه إذا مرت بين الناس لا يدركون أنها حامل. فلما حانت الولادة ، خرجت هاربة لأنها كانت خائفة على مولودها من الذبح. و حين جاءها المخاض ، دخلتْ إحدى المغارات و وضعتْ مولودها هناك. اللهُ خالقُ الشمس و القمر حين وضعَت الأم مولودها إبراهيم في المغارة ، كما تقدم، وجدتْه من أحسن الخلق وجهاً و رأت النورَ يلمع من جبينه . و في الليلة التي وُلد فيها إبراهيم الخليل عليه السلام ، سقطَت الأصنامُ أرضاً و طارت تيجانُها ، و انهارت شرفاتُ قصر النمروذ. ثم إن الأم أغلقت على مولودها بابَ المغارة و انصرفتْ إلى بيتها . و بعد سبعة أيام ، عادت لرؤيته ، فوجدته يشرب من إبهامه اللبنَ و يمتص من أصابعه الأخرى العسلَ و الزبد، فتركته و مضت. و هكذا بقيت تتردد عليه سنة كاملة . و كان يكبر في الشهر الواحد بمقدار ما يكبر الأطفال في سنة. فلما خرجَ من المغارة ، كان يبدو كأنه قد بلغَ الثانية عشرة من العمر. و لما جنّ عليه الليل، رأى كوكبا فقال هذا ربي ، فلما رآه آفلاً رجعَ عن اعتقاده. ثم رأى القمر بازغا ، فقال هذا ربي فلما أفل انصرفَ عنه . و عندما رأى الشمسَ ساطعة ، قال هذا ربي فلما غربَتْ أدرك أن ذلك كله من خلق الله سبحانه ، فشرع يقول بأعلى صوته : « لا إله إلا الله ، لا شريك له « فسمعَت الخلائقُ كلها صوتَه ، و ذُعر النمروذُ من ذلك. الأب يُبَلّغُ عن الابن عندما خرج إبراهيم يريد أباه و أمه ، جاءه جبريل و حمله إليهما . فلما رآه أبوه و رأى حسنه و جماله و النورَ المنبعث من جبينه وثبَ إليه و عانقه . ثم إن إبراهيم دعا أباه و أمه إلى عبادة الله الواحد ، فشرعتْ أمه في البكاء و خافت عليه من بطش النمروذ . أما والد إبراهيم ، فإنه خاف خوفاً شديداً لما سمعَ ذلك الكلامَ ، فمضى إلى النمروذ و قال له :» أيها الملك، إن الولد الذي كنتَ تَحْذَرهُ هو ولدي. و قد وُلد في غير داري ، و لم أكن أعلم بوجوده حتى جاءني اليوم . و ها أنا قد أخبرتك بخبره ، فافعلْ به ما تريد و لا تلمني في شيء.» فلما سمعَ النمروذ كلامه قال له : « عليَّ به.» المثول أمام الطاغية لما جيءَ بإبراهيم عليه السلام إلى الطاغية النمروذ ، نظرَ إليه و ميزه ثم قال :» احبسوه إلى الغد.» فلما كان الغد، زيّنَ النمروذُ مجلسَه و صفَّ جنوده ، ثم أمرَ بإحضار إبراهيم فأحضروه إليه، فخاطبَه النمروذ قائلاً :» ادخل في ديني ، فأنا الذي خلقتُك و رزقتُك . « فأجابه إبراهيم : « كذبتَ يا نمروذ ، فالله هو الذي خلقَني و هو الذي يطعمني و يسقيني .» فعند ذلك، التفتَ النمروذ إلى والد إبراهيم و قال له :» يا آزَر ، إن ابنك هذا صغير السن ، لا يدري ما يقول، فليس ينبغي لمن كان مثلي في علو القدر و عزة المُلك أن يعجل بمثله ، فخذه و أحسن إليه و حَذّرْهُ من بطشي ، عسى أن يرجع عما هو فيه .» قرار بالإجماع لما مضى على إبراهيم من العمر سبع عشرة سنة و خالطَ الناسَ ، صاروا يقولون له :» تعال معنا لعبادة آلهتنا .» و كان للأصنام بيت مبني بالرخام الأبيض و الأخضر، و فيه ثلاثة و سبعون صنما مستوية على كراسي الذهب ، و كان على رأس الصنم الأكبر تاج مرصع بالجواهر و كانت عيناه من الياقوت الأحمر. و حدث أن خرج القوم للصحراء، في يوم عيد، إلا إبراهيم فإنه لم يخرج معهم و قال لهم :» إني سقيم « فتركوه و قالوا لعل الطاعون قد أصابه . فلما تخلف إبراهيم عن القوم ، أخذ فأسا و انهال على تلك الأصنام فكسرها إلا الصنم الكبير ، فقد أبقى عليه و علق الفأسَ في رقبته . و حين رجع القومُ قالوا :» من فعلَ هذا بآلهتنا ؟» ثم أمرَ النمروذُ بإحضار إبراهيم و قال له : « أ أنتَ الذي فعلتَ هذا بآلهتنا ؟» فأجابه إبراهيم : « بل فعله كبيرهم هذا، فاسألوه !» و عندئذ أجْمعَ النمروذ و وزراؤه على إحراق إبراهيم .