بعد سنوات عجاف عمق أزمتها تزامن موسم الاصطياف مع حلول شهر رمضان، إضافة إلى عزوف الزبناء التقليديين للمدينة عن زيارتها بسبب المشاكل الكثيرة التي كانت تتخبط فيها خصوصا على مستوى بنيات الاستقبال والنيات التحتية، عاد قطاع السياحة الداخلية ليستعيد حيويته بمدينة الصويرة التي عرفت إقبالا قياسيا مع نهاية شهر رمضان وبتزامن مع موجة الحرارة المرتفعة التي طبعت مختلف مناطق المملكة. من مختلف مناطق المغرب، توافد زوار المدينة وعشاقها باحثين بالدرجة الأولى عن رياحها الباردة التي استحالت إلى جو صيفي معتدل عمر، وعلى غير العادة، منذ أيام العيد. وقد كان من الطبيعي أن يلهب هذا الإقبال المنقطع النظير أسعار الإيواء خصوصا الشقق المفروشة التي وصلت أثمنتها إلى مستويات غير معهودة. «لقد قمت قبل ثلاثة أيام بكراء شقة بزنقة بين لعراصي لإحدى العائلات مقابل 750 درهما لليلة الواحدة. المفروض أن يغادر الزبناء الشقة اليوم، إلا أنهم فضلوا تمديد إقامتهم رغم ارتفاع الثمن علما أن إحدى العائلات كانت تنتظر خروجها لتكتري الشقة بنفس الثمن»... صرح لجريدة الاتحاد الاشتراكي وكيل عقارات تفرغ خلال فصل الصيف لكراء الشقق المفروشة التي باتت المنتوج الوحيد موضوع الطلب. عند مداخل المدينة، يتلقفك حملة المفاتيح، أطفال وشباب يلوحون بمفاتيح دلالة على امتلاكهم لشقق مفروشة معدة للكراء. وهم في إلحاحهم على استمالة زوار المدينة يمنون أنفسهم ب»تسمسيرة» سمينة، حيث تصل نسبة عمولتهم إلى 25من الثمن الإجمالي للكراء. وهم في وضعيتهم يشبهون الطير تغدو خماصا وتروح بطانا يقضون يومهم على باب الله في انتظار زبون أو أكثر. «احنا على باب الله» منذ صباح اليوم، هنالك إقبال كبير على المدينة، السيارات لا تنقطع، ولا بد أن أظفر بزبون أو اثنين «نصور معه طرف ديال الخبز». هذه هي «الوجيبة» ما دام موسم السياحة الداخلية في أوجه و»البراني موجود»... صرح للجريدة شاب من حملة المفاتيح يلاحق رزقه وسيارات الزوار عند مدخل المدينة في اتجاه مدينة مراكش. الظاهرة لها أسباب اجتماعية واقتصادية، إلا أنها تأخذ في بعض الحالات منحى مزعجا ومسيئا للمدينة خصوصا مع وجود شباب أو أطفال لا يملكون أي شقة، ويرهقون الزوار في رحلة بحث دون جدوى. «لقد قضيت زهاء أكثر من ساعة مع هذا الشاب الذي تلقفني عند مدخل المدينة مدعيا امتلاك مفاتيح شقة للبيع. والحال أنه يحاول دون جدوى إقناع سمسار آخر بتقاسم «الهمزة» معه، وبقيت أنا وأسرتي في الوسط رهائن سلوك غير مقبول ويجب زجره لأن فيه تحرشا بالسياح واستغلالا غير مقبول لعدم معرفتهم بمنتوج المدينة في ظل غياب أي تأطير من طرف المصالح المختصة» صرح للجريدة رب أسرة بكثير من الأسف والغضب. غير بعيد التقينا زائرا من الجديدة، أربكه لهيب أسعار الشقق وفوضاها في ظل غياب أي معيار أو قوانين منظمة «غير الفم و ما كال»: «لقد طلب مني مبلغ يتراوح مابين 300 و500 درهم لليلة الواحدة مقابل شقق من نفس الجودة وداخل نفس الحي السكني. لحسن الحظ، أعرف جيدا أثمان الشقق بالمدينة لولا ذلك لكنت دفعت الثمن المطلوب خصوصا في ظل ضغط الإقبال والحالة السيئة لأفراد أسرتي المتعبين بعد سفر طويل. هنالك غياب مؤسف للمعايير والمراقبة. والأثمنة تحددها الإشاعة ويتحكم فيها سماسرة لا يتوفرون على أية رخصة ولا يخسرون أي شيء في نهاية المطاف، لأن المدينة هي التي تخسر من سمعتها وعشاقها» احتج زائر من القنيطرة على فوضى الأثمان. والحال أن السماسرة هم المستفيد الأكبر من موسم السياحة الداخلية، فهم يتكفلون باصطياد الزبون والتوسط بينه وبين صاحب الشقة الذي يكون مطالبا بإعداد شقة مفروشة ومجهزة بالكامل. وإثر التوصل إلى اتفاق بين الطرفين، يتسلم السمسار ٪25 من ثمن العملية. ورغم ذلك فخدمات هذه الفئة مطلوبة نظرا لحرفيتها وقدرتها على استقطاب الزبناء، ناهيك عن تجنيبهم مالكي الشقق الكثير من العناء والإحراج، خصوصا وأن من بينهم موظفون من درجات متفاوتة وتجار وحرفيون، وحتى مالكو وحدات فندقية. «بحوزتي مفاتيح أكثر من عشرين شقة، لموظفين من مختلف القطاعات والدرجات، وتجار وحرفيين، وحتى أصحاب فنادق. بعض أصحاب الشقق حملوا أمتعتهم وارتحلوا إلى بيوت أقاربهم أو إلى غرفة مستغلين موسم السياحة الداخلية لتحسين مدخولهم. مهمتي هي تسهيل الاتصال والمفاوضات بين الزبون وصاحب الشقة، مقابل «الهمزة» التي تكون مرضية في أغلب الأحيان، خصوصا وأن السمسار يتلقى عمولة نسبتها ٪25 من صاحب الشقة إضافة إلى «حلاوة» من الزبون» صرح للجريدة وسيط ذو تجربة طويلة في المجال. إلا أن هذه الحيوية التي يعرفها قطاع الشقق المفروشة تشكل مصدر إزعاج لأرباب الفنادق الذين يشتكي بعضهم من تضييق الظاهرة على نشاطهم:» هنالك تساهل من الجهات المسؤولة مع الظاهرة التي نبهنا لها منذ أكثر من عشر سنوات. ولكن دون جدوى. هنالك تسيب في الأثمنة، وغياب للجودة وافتقاد للشروط الأمنية. ناهيك عن المنافسة غير الشريفة لقطاع فندقي مهيكل»... صرح صاحب فندق بكثير من الغيظ. دفوعات رفضها بالمطلق زائر أعاد الكرة إلى أصحاب الفنادق واتهمهم بالجشع لعدم تجاوبهم مع برنامج كنوز بلادي الذي يروم تحفيز السياحة الداخلية: «لقد جربت خدمات الفنادق محاولا الاستفادة من برنامج كنوز بلادي للسياحة الداخلية، لكنني فوجئت لعدم تفاعلهم مع البرنامج ورفضهم لمعاييره، بل واحتقارهم للزائر المغربي. لا يمكن لنا أن نكون رهائن في يد جشع أرباب الفنادق، وأنا مع تنوع المنتوج شريطة المصاحبة والتأطير والتقنين» صرح للجريدة سائح مغربي من مدينة الدارالبيضاء. خلال موسم السياحة الداخلية، يجد أغلب الفاعلين ضالتهم وتنتعش تجارتهم وأنشطتهم، بما في ذلك سائقو سيارات الأجرة وحراس مواقف السيارات. المقاهي مملوءة عن آخرها والمطاعم ومحلات الوجبات السريعة تعرف إقبالا منقطع النظير، إضافة إلى المواد الأساسية والخضر والفواكه التي وصلت أثمانا غير مقبولة. شاطئ الصويرة الساحر يتلقف زواره بدفء كبير، فالجو معتدل على غير العادة على عكس اللهب الذي يلفح جلود ساكنة باقي مناطق المملكة. سكان الصويرة مبتهجون بالطقس الحالي، فالعادة أن فصل الصيف لا يحل بالصويرة إلا في شهر شتنبر.