لطالما كانت كلمة الدعاية أو «البروباغندا» بجانبها السياسي كلمة ذات وقع سيئ ارتبطت بعصر الشموليات والحزب الواحد، وأفردت لها الأنظمة الفاشية مؤسسات قصد التحكم في الرأي العام وتوجيهه، كوزارة الدعاية في العهد النازي ووزيرها جوزيف غوبلز. ويقدم معرض فني نظم بالمكتبة الوطنية بلندن عن موضوع «دعاية السلطة والإقناع»، مقاربة تاريخية لمسألة الدعاية. وفي سياق المتغيرات العديدة التي طرأت على هذا المفهوم مع الانتشار الإعلامي وعصر التكنولوجيا والإنترنت وتغير أساليب التحكم في الأفكار والآراء وتراجع القدرة على الهيمنة والتحكم في المعلومات وضخها يعود المعرض إلى عصر كان في فيه الفرد عرضة لدعايات الأنظمة والأحزاب والشركات، لكنه يبرز أيضا الدعاية في بعض الجوانب الصحية والاجتماعية. وضم المعرض200 من الأعمال والملصقات والأفلام والرسوم التي صممت لتستهدف مشاعر الجمهور قصد تغيير اتجاهاتهم، وتبرز طرقا عديدة انتهجتها الدول والحكومات والمنظمات في كل أنحاء العالم، في القرنين ال20 وال21، وخاصة الدعاية الحكومية الإيجابية منها والسلبية لتحقيق ما يسمى خطف العقول والقلوب. ويظهر المعرض أن الدعاية هي في كل مكان حولنا وتستخدم لمكافحة الحروب ومقاومة الأمراض، وبناء وحدة البلدان وخلق الانقسامات أيضا وشق الصفوف، وشيطنة الدول والفئات والأفراد وبث الشائعات وخلق صور مغلوطة عن الواقع والتعبئة الحماسية، وزرع حب الأفراد (القادة السياسيين) بل تقديسهم أحيانا. وتظهر النماذج المعروضة أن الدعاية قد تكون صادقة أحيانا وتعتمد أسلوب الإلحاح في تمرير الأفكار أو بناء على معلومات مزيفة ومدسوسة، كما أنها تستخدم روح الدعابة أحيانا وسيلة للإقناع، وقد تكون بوسائل وطرق مبتكرة يصعب تحديدها والتعرف عليها لكنها تحدث آثارا نفسية بشكل تدريجي. وتستعرض مجموعة من الأعمال وسائل الدعاية البريطانية في الحرب العالمية الأولى، كما يظهر ملصق يعود لعصر الاتحاد السوفياتي طبع عام 1960 حول حروب الشرق الأوسط، ويظهر ضمن المعروضات ملصق طبي يحث الناس على السعال في منديل، ومنشورات علاج الجراثيم في نفس الطريقة، كما شملت الملصقات تشويه صورة الألمان. وتبرز الأعمال المعروضة صورة العلاقة بين الدعاية ووسائل الإعلام والأحزاب السياسية في المجهود الكبير للفت انتباه الجمهور وكسب الأصوات، وصراع المعلومات حتى تكون أداة مقنعة، ثم يضاعف المعرض من تاريخ وسائل الإعلام، ويخلص إلى أننا ندخل في حقبة جديدة في وسائل الإعلام الاجتماعية والتكنولوجيا، وأن تقديم الدعاية والسيطرة عليها قد عفا عليهما الزمن. وقال الأمين العام للعلوم الاجتماعية للمعرض إيان كوك، للجزيرة نت إن هذا المعرض يعد الأول من نوعه وهو يقدم نماذج من أشكال الدعاية وأساليبها وأدواتها على مدى السنوات المائة الماضية وخاصة الدعاية الحكومية في مختلف أنحاء العالم ويعتمد على أرشيف المكتبة البريطانية ومصادر أخرى. وأوضح كوك أن المعرض يبحث كيفية استخدام الدعاية من قبل الدول في جميع أنحاء العالم للتأثير على أفكار ومشاعر الجمهور في أوقات السلم والحرب، ويبرز أيضا كيف أن الدعاية ليست دائما أمرا سيئا وكيف استعملت في حملات لمقاومة الأوبئة والأمراض وغيرها من المخاطر المحدقة بالأفراد والمجتمعات.