جلالة الملك يتبادل التهاني مع قادة الدول بمناسبة السنة الجديدة    التهراوي يختتم عام 2024 بتقديم رؤية شاملة حول مستجدات المنظومة الصحية    الحسيمة.. استنفار أمني لتأمين احتفالات رأس السنة الميلادية (صور)    النظام الجزائري يعيش أسوأ أيامه والارتباك سيّد الموقف    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الارتفاع    48 ألف مخالفة سير الأسبوع الماضي ضخت 860 مليونا في صندوق الدولة    بتعليمات ملكية.. المفتش العام للقوات المسلحة الملكية يستقبل مستشار أمير دولة قطر لشؤون الدفاع    بايتاس يستعرض بمجلس المستشارين التدابير المتعلقة بتحسين الوضعية المالية والإدارية لموظفي إدارة السجون وإعادة الإدماج    رأس السنة الميلادية.. نارسا تحث السائقين على اتخاذ الاحتياطات    تحويلات مغاربة العالم تتجاوز 108 مليارات .. والاستثمارات الأجنبية ترتفع    ارتفاع أسعار اللحوم .. مستوردون يطالبون برفع القيود عن المجازر    منظمة تثمن مسار مراجعة مدونة الأسرة    سوريا: تعيين مرهف أبو قصرة وزيراً للدفاع.. بعد يومين من ترقيته إلى رتبة لواء    المغرب ‬يفتح ‬أول ‬قنوات ‬التواصل ‬مع ‬النظام ‬الحاكم ‬الجديد ‬في ‬سوريا    أمن الحسيمة يُحقق في وفاة شخص عُثر على جثته داخل منزل    تعيين الفنانة الأمازيغة لطيفة أحرار عضواً بمجلس إدارة وكالة تقييم جودة التعليم العالي    ضبط شحنة ضخمة من المخدرات بالمعبر الحدودي بفضل عملية أمنية نوعية    حجز 7 أطنان من الكوكايين مدفونة في مزرعة بإسبانيا    تنبيه من خطورة عودة انتشار "بوحمرون" بالمغرب ودعوة إلى ضرورة التلقيح للقضاء عليه    أي موعد لأي فن سابع ..    دراسة: هذه المشروبات قد تحد من مخاطر الإصابة بالسرطان    الرجاء البيضاوي يعلن عن "لقاء تواصلي للتنسيق للمرحلة الانتقالية" بعد تدني النتائج    كلُّ عامٍ والدّنيَا بخير..!    تقنية جديدة من شأنها إنقاذ مرضى سرطان القولون    اختتام مهرجان بويا في سمفونية نسائية بسماء الحسيمة    ابن الحسيمة المحامي رضوان الداودي ينال شهادة الدكتوراه في القانون الخاص    مطالب برلمانية بتشكيل مهمة استطلاعية مؤقتة حول سير عمليات إعادة الايواء والإعمار بمناطق الزلزال    الصحة العالمية تطالب الصين بمشاركة البيانات حول أصل كوفيد-19    أول اتصال رسمي بين المغرب وسوريا بعد الإطاحة بنظام الأسد    حجيرة: المشاورات الجهوية لتهييء برنامج عمل التجارة الخارجية (2025-2026) أسفرت عن 524 مقترحا    براد بيت وأنجلينا جولي يوقعان اتفاق طلاق بعد 8 سنوات من المعركة القانونية    المغرب يسجل تحسنا في معدل النمو    لاعبون جدد يطرقون باب المنتخب المغربي بعد تألقهم رفقة نواديهم    استجابة قوية من المغاربة المقيمين بالخارج للاستفادة من برنامج دعم السكن    ارتفاع مرتقب في أسعار الغازوال والبنزين مع بداية السنة الجديدة    أطباء مغاربة ينددون ب"جريمة" إحراق إسرائيل مستشفى كمال عدوان بغزة    الإدارة الجديدة في سوريا تعين مقاتلين إسلاميين أجانب في الجيش بعضهم برتب عليا    بنك المغرب: تزايد نمو القروض البنكية إلى 2,5 في المائة    ألمانيا تتهم إيلون ماسك بمحاولة التأثير على انتخاباتها التشريعية    الدكتور فؤاد بوعلي ضيفا في حلقة اليوم من "مدارات" بالإذاعة الوطنية    فنانون مغاربة غادرونا إلى دار البقاء في سنة 2024    تطورات مثيرة.. هل ينجح برشلونة في تسجيل داني أولمو اليوم … ؟    منخرطو الوداد الرياضي ينتقدون أيت منا ويصفون وضع الفريق ب "الكارثي" بسبب التعاقدات الفاشلة والتسيير العشوائي    توقعات أحوال الطقس ليوم الثلاثاء    الجامعة تعلن عن اجتماع تحضيري استعدادا للجموع العامة للعصب    تسبّب أمراضاً قاتلة..الفئران تحاصر ساكنة مدينة غلاسكو البريطانية    لحسن الهلالي : " نتائج إيجابية حققها الأبطال المغاربة في مختلف البطولات القارية و العالمية "    محكمة استئناف فدرالية تؤيد حكما بإلزام ترامب دفع 5 ملايين دولار في قضية اعتداء جنسي    الصين: صدور أول تقرير عن الأبحاث العلمية في "محطة الفضاء الصينية"    إشبيلية يودع أيقونته نافاس بحفل تكريمي أمام 45 ألف متفرج    تراكم الثلوج يحفز الجهود في ميدلت    باسل خياط يخالف مبادئه ويقع في الحب ضمن الدراما الاجتماعية الرومانسية "الثمن" على "5MBC"    إدارة "غلطة سراي" تفاوض زياش    بنكيران: الملك لم يورط نفسه بأي حكم في مدونة الأسرة ووهبي مستفز وينبغي أن يوكل هذا الموضوع لغيره    الثورة السورية والحكم العطائية..    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من يحاسب حكومة عبد الإله بنكيران عن دماء «الجمعة الحمراء»؟


- 1 -
كان يوم ثاني غشت الجاري بمدينة الرباط، وبالعديد من المدن المغربية الأخرى، يوما استثنائيا بكل المواصفات، حيث تحولت الوقفات الاحتجاجية السليمة، ضد العفو الملكي على الوحش الاسباني دانييل كالفان، التي كان لها أن تكون لوحة حضارية بكل المعاني، تحولت إلى ساحة قمعية سالت فيها الكثير من الدماء الزكية ضدا في إحكام الدستور وقيم الحرية والديمقراطية التي تتشدق بها أصوات حكومة عبد الإله بنكيران داخل البرلمان وخارجه.
أجهزة الأمن، لم تكتف في هذه الوقفات بالتصدي للمحتجين بالتهديد، بل استعملت القوة المفرطة ضد الأمهات والآباء/ ضد الفنانات والمبدعات والصحفيات/ ضد المثقفين والحقوقيين الذين جاؤوا لترجمة مفاهيم الديمقراطية وحقوق الانسان إلى واقع في هذه الوقفات، قبل أن تنطلق، انهالت الهراوات الغليظة على الرؤوس دون تمييز بين رجل وامرأة، بين شاب وشيخ، فسالت دماء غزيرة على مرأى ومسمع من العالم، أمام البرلمان بالعاصمة الرباط، وبجهات عديدة من مغرب الألفية الثالثة.
وعوض أن تتخذ الحكومة اجراءات سريعة لحماية وجه الديمقراطية، تحول هذا الحدث الدامي المخجل إلى جدل داخل أروقة الحكومة، حول الجهة المسؤولة، التي أعطت تعليماتها للأمن من أجل أن يتحول هذا الأخير إلى جلاد، يمنع بعصاه الغليظة المفزعة وقفة احتجاج سليمة، تترجم للرأي العام العالمي، مفاهيمنا الديمقراطية.
عبد الاله بنكيران رئيس الحكومة، ووزير العدل بحكومته أعلنا أنهما لا علم لهما بما حدث، وإنهما لم يعطيا أي تعليمات في هذا الشأن، كذلك الشأن كان بالنسبة لوزير الداخلية.
مصادر مقربة من الحكومة، كشفت ذلك اليوم لوسائل الإعلام، أن كلا من رئيس الحكومة ووزير العدل، استشاطا غضبا بعدما تم إبلاغهما بوقوع عنف كبير ضد المحتجين، سالت خلاله الدماء الغزيرة، وعندما أجريا اتصالات مع وزير الداخلية نفى أن يكون قد أعطى تعليماته لقوات الأمن بممارسة أي عنف ضد المحتجين.
طبعا، يحدث ذلك والحكومة مازالت في موقعها، لم تتزعزع ولم تعتذر ولم تستقيل حتى وإن تزايدت حدة الانتقادات ضدها، فالعديد من الجمعيات الحقوقية والمدنية، أعلنت أنها ستتجه إلى القضاء ضد تصرفاتها/ ضد عنفها الممارس ضد المتظاهرين/ ضد استعمالها للقوة المفرطة، ضد أصحاب الحقوق/ وأخيرا ضد نكرانها المسؤولية.
- 2 -
في واقع الأمر، أن ما حدث يوم ثاني غشت بجهات عديدة من المغرب، لا يختلف لا من حيث الشكل ولا من حيث الموضوع، عن ما يحدث بشارع محمد الخامس بالعاصمة الرباط منذ عدة سنوات.
إن المشهد اليومي المتكرر، بشارع محمد الخامس بالرباط/ أمام البرلمان، وبالعديد من الجهات المغربية، حيث تستعمل الشرطة وفرق التدخل السريع والقوات المساعدة، كل أساليب العنف ضد العاطلين والمعطلين، من خريجي المعاهد والجامعات وضد المطرودين من المعامل والمقاولات التي تعلن إفلاسها تباعا وضد المظلومين والمهمشين والفقراء والمقهورين بالغلاء، إن هذا المشهد، يؤكد للملاحظين والمراقبين والمتتبعين، من إعلاميين وسياسيين، أن «سلطات المغرب» استدعت في غفلة الجميع «الثقافة المخزنية» من رقادها، لإدارة الشأن العام من جديد، في عهد حكومة تقول أنها منتخبة، وجاءت من أجل الإصلاح والديمقراطية، وترسيخ دولة القانون وحقوق الإنسان، ولكنها جاءت في الحقيقة، لتقبض بقوة وعنف، على رقاب المواطنين من جديد، معتمدة كما كان أيام الجنرال أوفقير والضابط الممتاز في إدارة الأمن الوطني إدريس البصري، على القوة الأمنية في تصريف الأمور، والابتعاد مجددا عن «المفهوم الجديد للسلطة» اللائق بدولة الاستقلال، وبقيمها وتطلعاتها وشروطها. من المحزن حقا أن ثقافة العنف الأمني، ورغم اصطدامها المستمر، بأشكال من النضال الاجتماعي والسياسي، وباحتداد أشكال المطالبة السياسية التي تقودها القوى الوطنية في مختلف توجهاتها من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان ودولة الحق والقانون، ومن أجل تصحيح مفاهيم السلطة السياسية والقانونية والدستورية، فإن الحكومة ومؤسساتها الأمنية، ماضية في ترسيخ «ثقافة العنف» وتجذيرها على أرض الواقع، ضدا في المنطق والسؤال المحير: إلى أين ستقود هذه الثقافة، المغرب والمغاربة في عهد الحداثة والعولمة؟
إن المشهد اليومي المتكرر، للعصى التي تضرب بقوة وعنف العاطلين والمعطلين والمقهورين والمهمشين، وحتى المعطوبين والمعاقين، ومشاهد التعذيب الذي تستعمله المخافر والمعتقلات، ضدا في القوانين وفي الاتفاقيات الدولية، وضد في العدالة، والتجاوزات التي تحدث ضد القانون داخل السجون... كل ذلك، يعطي الدليل القاطع، أن الثقافة المخزنية، المثقلة بالصراعات والتجاذبات، والمصابة بالترهل والانسداد الفكري والتخلف، عمقت إلى حد بعيد معارضتها للتحديث، وللانتقال الديموقراطي، ورسخت في المجتمع العريض من جديد، حتى بعد رحيل البصري ومن قبله أوفقير، عمقت الإحساس بالخوف والإحباط والتذمر والاحتقان، بعدما جعلت من رجل الأمن/ من الدركي/ من رجل القوات المساعدة/ ومن رجل السلطة، حاكما نيابة عن الحاكم، وهو ما سيؤجل حتما، لسنوات أو لعقود، عملية التغيير المطلوبة... وهو أيضا ما سيصيب دولتنا الشابة، بما يشبه مرض الشيخوخة الذي يحد من قدرتها على الصمود في وجه الحداثة والعولمة.
- 3 -
إن الصور التي أفرزتها احتجاجات يوم ثاني غشت، والتي تفرزها مشاهد العنف المتكررة يوميا بالشوارع والساحات أمام البرلمان والوزارات والعمالات، بالمغرب النافع وغير النافع، تؤكد أن رواسب «الثقافة المخزنية» مؤثرة إلى حد الوجع، في عملية الانتقال إلى «المفهوم الجديد للسلطة» الذي تستدعيه وتشترطه مقتضيات العولمة والعهد الجديد، ذلك لأن الأمر، يتعلق بتغيير «عقلية» صنعتها هذه الثقافة على مدى أجيال متلاحقة لإدارة الشأن العام على الرقعة الترابية بمقاييس ومواصفات وتوجهات أصبحت بعيدة عن هذا العصر ومستحقاته، وهو ما يتطلب باستعجال تفكيك الجهاز الأخطبوطي الذي رعته هذه الثقافة وغذته بمفاهيم العنف وأدواته لعقود طويلة، كما يتعلق الأمر من جانب آخر، بتأسيس علاقة جديدة بين الدولة والمجتمع، قوامها الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان، وهو مالم تستطعه حكومة عبد الاله بنكيران... التي لا تخطيط ولا إرادة ولا تجربة لها.
عندما أطلق الملك الشاب محمد السادس في بداية عهده بالحكم، شعار «المفهوم الجيد للسلطة» كانت هناك جملة من المؤثرات، تدفع في اتجاه الاعتقاد، بأن البناء التقليدي للسلطة السياسية، سيخضع لعملية إعادة هيكلة تحديثية، في مغرب العهد الجديد, خاصة بعدما برزت لغة سياسية حداثية على مستوى الخطاب الملكي الجديد وظهرت مفاهيم للتداول على السلطة، وفصل السلط ودولة الحق والقانون، ودولة المؤسسات، على محاور هذا الخطاب... ولكن ما يحدث يوميا على يد سلطات هذه الحكومة من عنف وتجاوزات وفساد يجعل السؤال حائرا
ما هي علاقة المفهوم الجديد للسلطة بالأحداث اليومية المتكررة، أمام البرلمان؟
هل سيمتد هذا المفهوم، إلى ثوابت سلطة الهاجس الأمني... أم سيبقى خارجه؟ وما هي حدود هذا المفهوم بالهاجس الأمني؟
هل سيستطيع هذا المفهوم ذات يوم، توجيه الهاجس الأمني، نحو الخضوع إلى القانون... كيف... ومتى؟
هل سيستطيع هذا المفهوم، إعادة البناء التنظيمي للإدارة الترابية، وإعادة تركيبها وفق الحدود التي ترسمها دولة المؤسسات/ دولة الحق والقانون
- 4 -
أن ما يحدث على أرض الواقع، بقدرما يبتعد عن روح هذه الأسئلة، بقدر ما يؤكد أن تحديات كثيرة ومتنوعة، ما زالت تواجه المفهوم الجديد للسلطة وأنها تبقى قائمة على أرض الواقع، تنتج الضحايا والمعطوبين وتعمق الإحساس بالخيبة والإحباط وتزيد من قوة الاحتقان والغضب الشعبي في كل حدث... وفي كل مناسبة، بل تزيد من تعميق الهوة بين الأمة وقادتها في الحكومة والأحزاب والمؤسسات المنتخبة، لحظة بعد أخرى... وستبقى تنتظر إنجاز مراجعة فعلية وعميقة للبناء الأساسي الذي أقامته السلطة لنفسها منذ عهد بإحماد والكلاوي... وحتى عهد أوفقير والبصري وهو ما يعني بوضوح وشفافية أن ذلك لا يمكنه أن يتم خارج شروطه الموضوعية، أي مراجعة فعلية لمفاهيم الدولة الديمقراطية في اتجاه إقرار دولة الحق والقانون. دولة المؤسسات القائمة على مبدأ فصل السلطات، وتحديد دور كل واحدة منها في صياغة المغرب الجديد.. المغرب الذي نحلم به، ونتطلع إليه.
- 5 -
إن الواقع المر الذي يعلن نفسه بقوة في الشوارع والساحات العمومية في كل مناسبة، والذي يجعل الجماهير الواسعة تنظر بريبة وشك، إلى مصداقية حكومة عبد الاله بنكيران، التي لم تتحل بشجاعة الاعتراف بمسؤولياتها عن أحداث «الجمعة الحمراء» (ثاني غشت)، ولم تفتح أي تحقيق جدي عن فظاعات القمع الذي سلطته قواتها على رؤوس المحتجين على القرار الملكي القاضي بالعفو على الوحش الاسباني مغتصب أطفال القنيطرة، إن هذا الواقع يجعلنا نطالب هذه الحكومة بمراجعة نفسها وسياساتها... وألوانها السياسية.
إذا كانت هذه الحكومة لا علم لها بما حدث يوم «الجمعة الحمراء» هل من حقها أن تبقى راسية على كراسيها؟ ومن يحاسبها إذا كانت تخفي علمها بالدماء البريئة، التي سالت أمام البرلمان... وبشوارع عديدة بالمغرب ذلك اليوم الأسود؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.