لحظة تاريخية بامتياز ستسجل في صفحات التاريخ السياسي المغربي بصفة عامة والتاريخ الحزبي بالمغرب، تجسدت في لقاء حزب الاستقلال وحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية مساءأول أمس بالمقر المركزي للاتحاد بالرباط من أجل تعاقد جديد شامل للعمل المشترك ما بين الحزبين كحليفين استراتيجيين. إنه اجتماع مشترك لقيادة الحزبين المتمثلة في اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال برئاسة الأمين العام حميد شباط ثم المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي بقيادة الكاتب الأول للحزب ادريس لشكر لتدارس الوضعية السياسية الدقيقة التي تجتازها البلاد، ولرسم آفاق العمل المشترك بين الحزبين اللذين لعبا أدوارا طلائعية في البناء الديمقراطي والدفاع عن العدالة الاجتماعية والحرية والكرامة، ومحاربة الفساد والمفسدين وإقرار دولة الحق والمؤسسات. ويأتي هذا اللقاء في ظرف سياسي خاص بعد أن أعلن حزب الاستقلال انسحابه من الحكومة، وتقديم الوزراء الذين يمثلون الحزب في الحكومة استقالتهم، وبالتالي خروج حزب الميزان من الأغلبية والالتحاق بالمعارضة. فما ميز هذا اللقاء، الكلمة القيمة التي ألقاها إدريس لشكر الكاتب الأول للحزب بالمناسبة، حيث أكد فيها على أن اللقاء يحمل دلالات قوية تستمد أهميتها من ثلاثة اعتبارات أساسية، أولها القرار السياسي الذي اتخذه المجلس الوطني لحزب الاستقلال القاضي بالانسحاب من الحكومة، ودعوة اللجنة التنفيذية للحزب الوزراء الاستقلاليين لتقديم استقالتهم من الحكومة، مضيفا في هذا الصدد أنه إن كانت هذه المبادرة تندرج ضمن قرار سيادي يخص حزب الاستقلال، فإنها يقول لشكر "لابد و أن تستأثر باهتمام الاتحاد الاشتراكي بصفته حزبا أساسيا في المعارضة، ويهمه غاية الأهمية أن يقرر حزب الاستقلال الخروج من الأغلبية نحو المعارضة". واعتبر لشكر أن ما أقدم عليه حزب الاستقلال تمرين سياسي مفيد في تفعيل الدستور، وفي تطوير الممارسة الديمقراطية بالبلاد، مبرزا بنفس المناسبة أن الاتحاد لم يخف في أية لحظة ارتياحه الصريح لهذا القرار السياسي الشجاع والمشروع الذي له الأثر المباشر في تعرية النزعة التسلطية المتأصلة في عقلية الحزب الذي يقود الحكومة، وفي فضح عجزه المزمن في القيادة الرصينة للأغلبية الحكومية. بالنسبة للاعتبار الثاني الذي يضفي أهمية قصوى على هذا اللقاء المشترك، سجل لشكر على أن هذا اللقاء له صبغة مؤسساتية لاستئناف التعاون الثنائي والنضال المشترك من أجل الغايات التي جمعت الحزبين كحليفين استراتيجيين ورافدين رئيسيين للحركة الوطنية المغربية منذ عقود، والتي تتعلق ببناء الديمقراطية وإرساء دولة الحق والمؤسسات. وأشار لشكر الذي لم يخف ارتياحه الكبير لهذه اللحظة التاريخية، إلى أن استئناف العمل المشترك بين حزبي الاستقلال والاتحاد معطى أساس في تفعيل الدستور وتحصين المكتسبات، ولحظة متقدمة في تمنيع البلاد من مغبة الانجرار نحو مغامرة تسلطية جديدة تروم إحكام السيطرة على الدولة، وبسط الوصاية على المجتمع. وبخصوص الاعتبار الثالث أوضح لشكر أنه يتمثل في ما سيسفر عنه هذا اللقاء المشترك من تعاقد مستقبلي جديد، يمكن الحزبين من تعبئة كل مقوماتهما النضالية وكل امتداداتهما الشعبية وكل أجنحتهما النسائية والشبابية، وكل روافدهما الإعلامية والنقابية والبرلمانية والجمعوية وكل كفاءاتهما الفكرية والثقافية والمهنية. ومن جهته شدد حميد شباط الأمين العام لحزب الاستقلال بنفس المناسبة، على أن هذا الاجتماع اجتماع تاريخي بامتياز ليس لأن حزب الاستقلال خرج من الحكومة والأغلبية، ولكن لأن الحزب في حقيقة الأمر قد خرج من المعارضة إلى الأغلبية التي هي بيد الشعب المغربي، معتبرا أن الاجتماع سيكون استئنافا للعمل الحزبي المشترك المسجل في صفحات التاريخ النضالي المشترك المشرق للحزبين. وأشار شباط إلى أن هناك ارتياحا واستعدادا تاما لكل أعضاء اللجنة التنفيذية للحزب للعمل المشترك مع الاتحاد الاشتراكي كحليف استراتيجي ، حيث عبر هؤلاء على ذلك خلال اجتماع اللجنة التنفيذية الذي سبق هذا اللقاء المشترك، منبها في السياق ذاته إلى أن حزب الاستقلال حين كان داخل التحالف الحكومي كان يشتغل بحذر لأنه كان على علم بما يقوم به الحزب الذي يقود الحكومة، والذي ينهج نهجا تسلطيا بكل معنى للكلمة، ناهيك عن اشتغال رئيس الحكومة كرئيس للحزب وليس كرئيس للجهاز التنفيذي الحكومي. وحذر شباط من استمرار حكومة عبد الإله بنكيران لما ه المغرب، سواء للطبقة العاملة أو الطبقة الوسطى ثم القرارات اللا شعبية التي تنوي اتخاذها على جميع المستويات، والتي سكون لها آثارها الوخيمة على أوضاع الشعب المغربي، مذكرا بنفس المناسبة بما قاله من قبل على أن الحزب الذي يقود الحكومة بالفعل يريد "مصرنة" المغرب، وما تصرفات رئيس الحكومة والوزراء المنتمون له إلا حقيقة دامغة على ذلك. وأبرز شباط بالواضح على أن الاجتماع اليوم لا يهدف إلى إسقاط الحكومة أو التخطيط لذلك، إنه اجتماع من أجل إنجاح التجربة السياسية بالمغرب والتي لم تكن وليدة يوم 25 نونبر 2011، مشددا في هذا الصدد على أن هذا الاجتماع من أجل إنقاذ الوطن والشعب المغربي، مسجلا أن أول لقاء له كان بعد انتخابه كأمين عام للحزب هو اللقاء مع الكاتب الأول السابق للحزب عبد الواحد الراضي من أجل العمل المشترك وإحياء الكتلة. وخلال هذا اللقاء صادقت الأجهزة القيادية لكل من حزب الوردة وحزب الميزان على البيان الختامي لهذا اللقاء الذي يرسم خارطة الطريق للتعاقد الجديد للعمل المشترك ما بين الحزبين، والتي تمثلت محاورها الأساسية في تفعيل الدستور، بناء على قراءة ديمقراطية وحداثية ثم تشكيل بديل حقيقي وقوة اقتراحية مبدعة، ذات كفاءة وخبرة وتتميز بحس المسؤولية، بالإضافة إلى صيانة وتعزيز المكتسبات التي حققتها المرأة المغربية، فضلا عن مواجهة التطرف الديني والمنهج التكفيري والمذاهب الرجعية الدخيلة، وتعزيز التعبئة من أجل صيانة الوحدة الترابية للمغرب.