«لقد تحوّل الهوس بقطر ( القطرمانيا ) من الأكشاك إلى المكتبات .. وبعد أن أقلق هدا الهوسُ الصحافة التي خصّصت لدولة قطر عددا كبيرا من صفحاتها الأولى، استطاعت هذه «الدُّويْلة» أن تستهويَ الناشرين .».. ففي بداية الربيع المنصرم ( مارس 2013 ) شهِد النورَ ما لا يقلّ عن خمسة مُؤلَّفات، كلها تتخذ هذه الإمارة الصغيرة موضوعا لها؛ ولقد حظِيَت ثلاثة منها بمقال تقديمي نشرته يومية «لوموندْ» مؤخرا.. ويتعلق الأمر بكتاب « قطر.. أسرار الخزانة الحديدية «الصادر عن منشورات «ميشيل لافون» لمُؤلفيْه «جورج مالبرونو» و « كريستيان شيسنو «وكتاب « قطر اليوم.. مسار فريد لإمارة ثرية» عن دار «ميشالون» بقلم «مهدي لازار»؛ ثم كتاب «اللغز القطري»لمُؤلفه « نبيل النصري،»عن منشورات «أرمان كولان/إيريس» .. تروي كلٌ من هذه المُؤلفات كيفيّة تحوّل إمارة صغيرة قابعة في رقْعة محصورة من الخليج الفارسي إلى نقطة التقاء للتجارة والأعمال وللدبلوماسية الدولية.. «فمن الخيام المنصوبة وسط الصحراء، إلى الفنادق ذات الخمس نجوم ? كما لخّص ذلك مؤلفا كتاب «قطر، أسرار الخزانة الحديدية»- ومن الجِمال إلى أغلى وأرقى السيارات، يبرز إلى الوجود بحث ميداني يعج بالنوادر والحكايات» .. بهذا الصدد، يقول كاتب المقال ( بينجمان بارث)، أضحت 2011، سنة الثورات العربية، سنة ً حاسمة، دبلوماسيا، بالنسبة لدولة قطر التي دخلت بلاط الكبار بسبب دعمها وتمويلها للثوار في ليبيا وسوريا، واستثماريا لأنها استفادتْ من الأزمة المالية لعام 2008 .. وكما أنّ انهيار البورصات الغربية قد شجّع قطر على بلوغ رأسمال الماركات التجارية الأكثر بذخا في العالم ( بورش، لاكارديير، بيركلي، فيوليا ... )؛ فإن الانتفاضات التي شهِدها الشارع في ليبيا ثم سوريا هي التي قد دفعتها إلى الخروج من دبلوماسية وراء الستار،محصورة على الوساطة في الأزمات الإقليمية ( اليمن، دارفور، لبنان ...) .. لقد تحوّلت الإمارة، في ظرف بضعة شهور، وبتحريكٍ من وزير خارجيتها آنذاك (حمد بن جاسم) من «التأثير إلى القوة»، كما كتب ذلك عالم الجغرافيا «مهدي لازار»في كتابه «قطر اليوم ...» .. والحدث الذي يرمز إلى هذا التحول هو محاولة الدوحة، في ماي 2011 ، الدفع بأحد دبلوماسييها إلى منصب الأمين العام للجامعة العربية، وهو منصب يؤول عادة إلى مصري؛ لكن، رغم فوز المصري ( نبيل العربي ) في نهاية المطاف بالمنصب، فإن هذه الجولة من إعادة اختيار أمين عام الجامعة العربية قد تركت أثرها في الأذهان، كما يُذكِّر بذلك الباحث «نبيل النصري»في كتابه «اللغز القطري...»؛ هذا الكتاب الذي يقدّم، على غرار الكتابين الآخريْن، تركيباً متماسكا يتشبث بتخفيف الانْفعال وتهدئة الحماسة إزاء الموضوع الذي يتناوله؛ كما أنه يحسب حساب الاستبهام والواقع فيما يخص صعود هذه الدويلة .. (...) .. يلتقي «نبيل ألنصري» مع «مهدي لأزار»حينما يُذكِّران بشبكة الصداقات التي عقدتها الدوحة مع الأوساط الإسلامية قبل الثورات وكذلك حينما يُحللان ( كلّ في كتابه ) افتتان قطر ب»الإخوان» وذلك على حافة التباعد «السني/الشيعي» الذي انتعش أواسط سنة 2000 مع انهيار العراق البعثي وتأكّد طموحات طهران النووية .. أطروحةُ تُفسِّر الحيوية الفجائية التي أبانت عنها أسرة آل ثاني السُُّنيَّة من أجل إخراج طائفة الأسد العلوية الشيعية من المدار الإيراني؛ كما تفسر الحذر الذي تبديه الأسرة الحاكمة في الدوحة إزاء حركات الاحتجاج التي عرفتها الجارة البحرين ما بين فبراير ومارس 2011 والتي يهيمن عليها الطابع الشيعي.. يرفض كلٌّ من «جورج مالبرونو» و «كريستيان شيسنو»(مؤلفيْ «قطر..أسرار الخزانة الحديدية») الانقياد لشبكة التحليل الجيوبوليتيكية هذه ويؤكدان على براغماتية حمد بن جابر ( وزير الخارجية القطري السابق ) والشيخ حمد (أمير قطر آنذاك )... « فالعمل والحركية عند القطريين ? حسب برقية دبلوماسية فرنسية استشهد بها المُؤلفان في كتابهما المشترك ? يقومان، من منظور الدوحة، على قرارات تُتخذ اعتماداً على الحدس من طرف حفنة من المسؤولين، إن لم تكن تُتخذ من طرف الأمير وحده.. ويبدو أن لا وجود لتخطيط على المدى البعيد؛ بل يتم التصرف في قلب الأحداث، مما يُشكل ضعفا..».. ولقد أبرز المؤلفان الآثار السلبية لسياسية التدخل القطرية التي ساهمت في انتشار الأسلحة في ليبيا وتشرذم التمرد المسلح في سوريا، مما قد يكون سببا ? في نظرهما ? في عواقب وخيمة على الإمارة، فضلاً عن أن ذلك يزعزع صورة «الجزيرة»؛ اللهم إلاّ إذا اختارت قطر العودة إلى دبلوماسية أقل تورّطاً ، وهذه إحدى الفرضيات التي يلتقي فيها «مهدي لازار» مع الثنائي «مالبرونو» و «شيسنو» اللذان يثيران الانتباه إلى أن الأمير» تميم»( ولي العهد آنذاك ) يُبدي موقفا أقل استعدادا وميلاً للحرب من حمد بن جابر الذي يعتبرانه «تاليران» (*) القطري..? (*)Talleyrand عن جريدة «لوموند» ( 19 أبريل 2013 )