شكل الحل الدستوري في المغرب جوابا سياسيا واقعيا وعقلانيا متميزا ضمن مسارات الحراك العربي المطالب بالديمقراطية والحرية والكرامة.فقد كانت لحظة الإعلان الملكي عن المرتكزات السبعة للإصلاح الدستوري يوم 9 مارس 2011 مدخلا لمرحلة سياسية جديدة ونوعية,تحصلت بفعل ذاك التفاعل بين الشارع المغربي المنتفض بقيادة حركة 20 فبراير, وبين إرادتي المؤسسة الملكية والقوى الوطنية الديمقراطية اليسارية التي وضعت في صدارة برنامجها السياسي طيلة سنوات مطلب الإصلاحات السياسية والدستورية والمؤسساتية.ومنذ ذاك التاريخ انطلقت دينامية سياسية جديدة , مازالت البلاد تعيش على إيقاعها وإفرازاتها , منها على الخصوص فوز حزب العدالة والتنمية ذي المرجعية الإسلامية بأول انتخابات تشريعية تجري وفق مقتضيات الدستور الجديد وقيادته , بالتالي للائتلاف الحكومي . إن هذا التحول الدستوري ليس حدثا عرضيا أملته فقط معطيات ومسارات ما يسمى ب «الربيع العربي», وإنما هو , كما أفترض هنا نتاج سيرورة طويلة من الصراع السياسي يشكل خطاب 9مارس تتويجا نوعيا لها : فللمسألة الدستورية في المغرب _كمسألة خلافية جوهرية , اتخذت في كثير من المحطات طابعا صداميا وعنيفا , تاريخ , يقف وراءه وعي دستوري مبكر لدى النخب الوطنية من جهة , وتجربة سياسية مريرة في مناهضة الحكم المطلق من جهة أخرى. وبناء عليه يمكن اعتبار دستور 2011 ? على الرغم من كل التحفظات التي أ بداها بخصوصه بعض الفاعلين السياسيين _ بداية عهد دستوري وسياسي ومؤسساتي جديد, فتح الطريق نحو إقرار نظام الملكية البرلمانية, الذي يشكل هدفا استراتيجيا لنضال القوى الديمقراطية التقدمية المغربية منذ السنوات الأولى للاستقلال. فهل يكفي المتن الدستوري الجديد بهندسته , ولغته الملتبسة أحيانا كثيرة , وبياضاته , لبلوغ أفق الملكية البرلمانية ؟ أم أن الأمر يقتضي تحقيق تراكمات تفضي إلى تحولات مجتمعية نوعية : ثقافية وسياسية وقيمية ؟ أليس تحديث المؤسسة الملكية مقدمة مطلوبة ,ومدخلا رئيسا لإرساء ملكية برلمانية على قاعدة مقومات فكر الحداثة السياسية ومبادئها الكونية ؟ إنها بعض من أسئلة «معركة» التأويل والتفعيل لدستور 2011 الحابل بإمكانات التغيير لنمط الحكم وطبيعة الدولة . قبل تناول هذا الأفق الذي فتحه دستور 2011، ولأجل إبراز ما جاء به من تغييرات وما ميزه من جدة وقيمة مضافة لتاريخ الدساتير المغربية، لابد من ربط ماضي المسألة الدستورية يراهنها ,كإجراء منهجي يتيح الوقوف عند عناصر التغيير والتقدم ,وعند عناصر الاستمرارية داخل متنه وذلك كي لا يبقى الجدل عقيما و شعاريا بين من يعتبر هذا الدستور الجديد امتدادا لسابقيه وتكريسا لنمط الحكم السائد منذ الستينيات , وبين من يعتبر أنه وضع لبنات جديدة و نوعية للانتقال الديمقراطي المحجوز منذ عقود . في تاريخية المسألة الدستورية بالمغرب ليس الدستور مجرد منتوج قانوني ينظم السلط وعلاقة الدولة بالمجتمع، إنه ,أيضا ,وبالدرجة الأولى تعبير عن رؤية سياسية ,ومشروع مجتمعي ,وتصور لطبيعة الدولة ,التي تقع على عاتقها مسؤولية ترجمة تلك الرؤية وذاك المشروع إلى سياسات عمومية ومؤسسات محددة الصلاحيات والوظائف ,التشريعية منها والتنفيذية والقضائية ,وغيرها من المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ... وبناء على هذه المسلمة ، فإن الاختلاف حول الدستور في المغرب ظل يعكس اختلافات حول الأسس والمرتكزات المطلوبة لبناء دولة وطنية حديثة يتصدر فيها الدستور مرتبة القانون الأسمى الذي يحدد ويضبط العلاقات بين مختلف السلط وبين المجتمع , وبصيغة أوضح فإن الاختلاف , الذي عمر طويلا في التجربة المغربية, هو بين من يريد دولة بسلطة حكم مطلق غير مقيد ، وبين من يريد دولة مؤسسات تقوم على التعاقد وتنظيم التعايش السياسي والاجتماعي ضمن «المشترك الوطني التاريخي» المؤسس للكيان والهوية. من هذا المنظور يمكن قراءة وتحليل المشاريع الدستورية المغربية خاصة مشروع دستور 1908 الذي بلور تصورا لطبيعة الدولة وشكلها , الذي يِؤهلها للحفاظ على هويتها الإسلامية ,متمثلا ومستلهما مفاهيم النموذج الدستوري الاوروبي ,خاصة ما تعلق بمسألة الحقوق والحريات والتعاقد حيث ربط مشروع 1908 شرعية السلطان ببيعة تعاقدية مشروطة ,تحدد صلاحياته بما يجعل تلك الشرعية تعبيرا عن الارادة الحرة للناس.وفي مختلف المحطات التاريخية ,التي تميزت بوعي دستوري مبكر ومتقدم لدى النخب المغربية ,من علماء وزعماء سياسيين (محمد بن عبد الكبير الكتاني,علي زنبير، علال الفاسي،محمد بلحسن الوزاني..) شكلت سلطة السلطان / الملك أساس التصورات الإصلاحية للحركة الوطنية والمطلب المركزي في مطالبها الدستورية : فالنظام السياسي للدولة الذي ظلت تتطلع اليه و تطالب به هو نظام الملكية الدستورية , أي المقيدة بالدستور,وذلك ضد أي توجه نحو إقرار حكم سطوي فردي ومطلق . لقد شهد المغرب فصولا ساخنة من الصراع بين هتين الرؤيتين لبناء الدولة الوطنية لعل أطولها أمدا ,وأشرسها قمعا ودموية هو ما يعرف بسنوات الجمر والرصاص ,التي انطلقت آلتها الساحقة بعد الاستيقاظ من نشوة الاستقلال ,يقول الزعيم الفقيد عبد الرحيم بوعبيد في هذا الصدد : « غير أنه وبعد الأيام المجنونة والأمل المفرط تأتي الأوقات العصيبة لحصيلة سنوات من الكفاح المرير : لقد تم احترام ميثاق العهد الوطني الذي عقده الملك والحركة الوطنية , فاستعادت البلاد كرامتها بتكسيرها لأغلال التبعية الاستعمارية ,غير أن الجانب الآخر المتعلق بدمقرطة المؤسسات كان لا يزال ينتظر التحقيق ,وفقدت الاندفاعة من أجل بناء مغرب جديد في عالم جديد، فكان أن أفسدت السياسة الروحانيات وغطت عليها (...) الغد لا يفي دوما بالوعود إلى قدمها الأمس...»1 لقد أصبح التوجه نحو إقرار نظام حكم ينزع نحو السلطوية باسم الشرعية الدينية تارة , والتاريخية تارة أخرى ,سياسة رسمية بمقتضى أول دستور هو دستور 1962 ,»فقد اضطر الحكم الإقطاعي بعد ست سنوات من الاستقلال إلى وضع حل للمشكل الدستوري لكن هذا الحل يستهدف في حقيقته تركيز الحكم الإقطاعي المطلق...» هكذا حلل وعلق المرحوم عبد الرحيم بوعبيد على دستور 62 الممنوح أمام اللجنة الإدارية للإتحاد الوطني للقوات الشعبية يوم 9 نونبر 62 19 2 كان رفض دستور 1962 من طرف الاتحاد الوطني للقوات الشعبية نابعا من كونه جاء بعيدا عن روح الملكية الدستورية، فهو _ يقول عنه عبد الرحيم بوعبيد: «دستور الحكم المطلق,لأن الملك أعطى لنفسه سلطات مطلقة في تعيين رئيس الحكومة والوزراء ومنحه قوة أكثر في البرلمان وسلطات المجالس العليا ,فصار الملك بذلك يلعب دورا مباشرا وشخصيا في شؤون الحكومة وإعداد المخططات وتعيين القضاة...» ,إلى غير ها من المجالات الثلاثة والعشرين التي حددها الاتحاد الوطني للقوات الشعبية أكثر المجالات حصرية للملك 3. ومنذ دستور 1962 ظلت القوى السياسية الوطنية الديمقراطية _وفي مقدمتها الاتحاد الوطني للقوات الشعبية (الاتحاد الاشتراكي منذ 1975)_ تؤكد في طرحها للمسألة الدستورية على نفس المطالب والشروط لوضع دستور ديمقراطي «يصنعه الشعب بنفسه» ويحقق فصلا للسلط، ويضمن الحريات، ويؤسس لقضاء مستقل. وهكذا , فقد كان جوهر الصراع هو الاختلاف حول التصور لطبيعة الدولة كما يريدها الحكم : دولة بنظام سياسي فردي ومطلق ومؤسس أولا وقبل كل شيء علي البيعة، التي تعطي للملك وحده حق احتكار السلطة التأسيسية للدستور , يقول الملك الراحل الحسن الثاني مخاطبا الشعب بصدد وضع دستور 1962 «لقد أنجزت شخصيا مشروع دستور المملكة والذي سأعرضه عليك ليحظى بتصويتك (...) هذا الدستور الذي أنجزته بيدي هو قبل كل شيء تجديد للبيعة المقدسة التي جمعت دائما بين الشعب والملك «4، وفي هذا القول الكثير من الدلالات التي تفصح عن عمق الهوة بين رؤيتين لبناء الدولة : رؤية تنطلق من التماس المشروعية من «صفة القداسة» لأجل احتكار السلطة التأسيسية للدستور وتوظيفها في جل ما يتعلق بمقتضياته المرتبطة بشكل خاص بتوزيع السلط داخل المتن الدستوري , وهو التوزيع الذي بات الفصل 19 في كل الدساتير السابقة على دستور 2011 يعتبر لوحده دستورا في حد ذاته، أو دستورا داخل الدستور , وبين الرؤية المستندة إلى مرجعية سياسية ليبرالية عصرية وحداثية تعتبر الدستور وثيقة تعاقد بين الدولة والمجتمع ,مع ما يترتب عن ذلك من ضرورة وضعه من طرف الشعب عبر منتخبيه وممثليه من مختلف قوى المجتمع السياسية,وجعل مبدأفصل السلط,كروح الديمقراطية وضامن لاستقرارها عموده الفقري ,ذلك ما ظل مطلبا للقوى السياسية الديمقراطية منذ السنوات الأولى للاستقلال , يقول الراحل عبد الرحيم بوعبيد في سياق النقاش السياسيي حول المؤسسة الملكية وصلاحيتها الذي سبق تشكيل حكومة بلافريج :» نحن لا نطلب المستحيل ولكن على الأقل نطلب تنظيم العلاقات بين الملك والحكومة منها مثلا اختصاصات وزير الدفاع ومسألة الأنباء (الإعلام) , هل هي تابعة للحكومة أو القصر؟ ومسألة الشرطة هل هي تابعة للداخلية أو لا ؟ كذلك الديوان الملكي والعلاقة بينه وبين الحكومة، والعلاقات بين القصر والحكومة يجب أن تنظم « , تلك هي المطالب الجوهرية لإقامة ملكية دستورية مضافا إليها عناصر برنامجية تتعلق بالإصلاح الإداري وإقرار الحريات الديمقراطية , الفردية منها والجماعية... ولا شك في أن ما عرفته البلاد من صراعات بين القصر والنخب السياسية الوطنية الديمقراطية (تأسيس جبهة الدفاع عن المِؤسسات (الفديك) _محاكمات 1964 _انتفاضة 1965 و اغتيال الزعيم المهدي بنبركة ..) كان مصدرها تباين الرؤية بشكل جذري للمسألة الدستورية : فالقصر يريد دستورا على المقاس , يعطي الشرعية لملكية تنفيذية بلا تقييد ,ولحكم فردي يعلي من المقدس: فالبيعة تظل في منظوره هي العقد الأسمى بين الملك والشعب , وتبعا لذلك يعطي الملك لنفسه الحق في وضع ومنح الدستور . وهذا ما يفسر رفض القصر لمطلب انتخاب مجلس تأسيسي (بيان المجلس الوطني للاتحاد الوطني للقوات الشعبية ل 13 أبريل 1960)، ووضع دساتير (62 و 70 و 72 و 1996) خارج أية آلية إشراك ديمقراطية حقيقية ما كرس المضمون الهيمني الفردي لسلطة الملك على ما عداها في هندسة تلك الدساتير ومتونها من جهة , وساهم في تجذير الموقف من الحكم المطلق داخل الصف الوطني الديمقراطي ,من جهة أخرى. إن كل ذلك , هو ما يفسر أيضا استمرار الحضور القوي والدائم لمطلب الإصلاح الدستوري طيلة المسار السياسي للبلاد الممتد من ستينيات القرن الماضي إلى دستور 2011 : ففي المؤتمر الاستثنائي للاتحاد الاشتراكي سنة 1975 أعاد البيان السياسي التشديد على مطلب «إقامة نظام أساسه الديمقراطية الحقة وسيادة الشعب الذي ينبثق عنه الحكم والسلطة» كما طالب «بإلغاء كل الظهائر 1962 و 1973 وإقرار مبدأ فصل السلط « وفي إطار إستراتيجية النضال الديمقراطي التي أقرها المؤتمر الاستثنائي لسنة 1975, وبعد التزوير الفاضح الذي عرفته انتخابات 1977، شكل المؤتمر الثالث للاتحاد الاشتراكي سنة 1978 محطة نوعية في تحديد طبيعة وأفق الإصلاح الدستوري المطلوب وذلك باعتباره إصلاحا شموليا وليس مراجعة جزئية أو تقنية ، وطالب بيان المؤتمر ب»مراجعة تستهدف تحويل نظام الحكم من ملكية رئاسية مخزنية إلى ملكية برلمانية دستورية وديمقراطية تتحمل فيها الحكومة وكافة أجهزة التسيير والتنفيذ مسؤوليتها كاملة أمام ممثلي الشعب الحقيقيين ويتولى فيها الملك رئاسة الدولة كحكم فوق الأحزاب و الطبقات...» إن التذكير بهذه الفقرة القوية من بيان مؤتمر الاتحاد الاشتراكي لسنة 1978 يبرز بأن البنية الدستورية ظلت منذ الستينيات بعيدة عن روح استراتيجة الاختيار الديمقراطي ,و لم تزحزحها لا مذكرات الكتلة الديمقراطية,ولا تعديلات 1992 و 1996 والتي ظلت _على أهميتها _جزئية،ودون مطلب إقامة توازن بين السلط في افق ملكية برلمانية بفعل ميزان القوى السياسي القائم آنذاك من جهة، وتشبث المؤسسة الملكية بالحفاظ على النواة الصلبة للبنية الدستورية كما صيغت منذ دستور 1962 من جهة ثانية , إذ على الرغم من تحسين مكانة الوزير الأول في دستوري 1992 و 1996 المعدلين، فقد ظلت سلطة التعيين في المناصب السامية بيد الملك، وظل المجلس الوزاري هو الإطار الذي يتم فيه البث في القوانين ما يؤثر سلبا على وتيرة أشغال المجلس الحكومي وعلى فعالية السلطة التنفيذية للحكومة وقد كان لهذا العامل دور حاسم في المأزق الذي دخله الانتقال الديمقراطي للبلاد وفي فشل تحول التناوب التوافقي إلى تناوب ديمقراطي مكتمل(محاضرة الأخ عبد الرحمان اليوسفي ببروكسيل ) إن الغاية من هذه العودة السريعة إلى الماضي الدستوري ليست التأريخ للتجربة الدستورية المغربية، وإنما تأطير العهد الدستوري الجديد داخل سيرورة تلك التجربة بما يمكن من التعاطي معه باعتباره ثمرة نضال طويل كانت كلفته غالية على التقدم الديمقراطي والتنموي للبلاد , فأي تقييم موضوعي للحاضر الدستوري ,الذي يعيش الحقل السياسي الوطني على إيقاعه اليوم لن يستقيم دون العودة إلى التاريخ وتراكماته , فوحده التاريخ يمنح الذات الوعي بتغيرات الحاضر من حولها ,وبآفاق المستقبل الممكن والمفتوح أفقه أمامها... عن «العهد الدستوري» الجديد مع إقرار دستور 2011 دخل المغرب مرحلة سياسية جديدة ونوعية في تجربته الدستورية التاريخية ,مقدما بذلك جوابا سياسيا على رسالة الحراك المغربي , ومجترحا مخرجا مؤسسيا من الوضعية المأزقية للانتقال الديمقراطي الذي توقفت عجلته عن الدوران منذ خرق «المنهجية الديمقراطية « عقب فوز الاتحاد الاشتراكي بانتخابات 2002 ,وتشكيل حكومة بوزير أول تكنقراطي .ودون الإسهاب في رصد الآثار السلبية لإجهاض تجربة «التناوب التوافقي» التي فتحت للبلاد أفقا أوسع للانتقال إلى الديمقراطية، أكتفي هنا بالإشارة إلى أربع نتائج أفرزتها عملية إجهاض تلك التجربة هي : - احتكار المشهد السياسي من طرف المؤسسة الملكية، إذا أصبحت الملكية التنفيذية الفاعل الرئيسي في جميع مجالات المشهد السياسي والاقتصادي والاجتماعي. - هيمنة التدبير التكنقراطي على العمل الحكومي ,الذي فقد ,بفعل ذلك مضمونه السياسي. - تراجع دور الأحزاب السياسية كنتيجة لما تمت الإشارة اليه أعلاه ، وانخفاض رصيد مصداقيتها وجاذبية صورتها لدى الشعب والرأي العام. - حدوث فراغ سياسي كبير ,جرت محاولة ملئه باقتباس تجربة «الفديك» في الستينيات وإعادة الحياة لها ضدا على متغيرات السياق الجديد وعلى مطلب الإصلاحات الدستورية والسياسية والمِؤسسية التي يتوقف عليها الانتقال إلى ألديمقراطية ما أدى إلى مزيد من التأزيم للوضع السياسي والتمييع للحقل الحزبي. تلك بتكثيف شديد سمات الوضع السياسي قبل خطاب 9 مارس الذي اجترح حلا دستوريا للخروج من هذا الوضع المأزوم ,في تفاعل مع حركة 20 فبراير المطالبة بإسقاط الاستبداد والفساد , وبملكية برلمانية. ومنذ خطاب 9 مارس 2011 دخلت البلاد في حوار واسع ونقاش عمومي سياسي ودستوري حول المرتكزات السبعة المعلنة في الخطاب الملكي لصياغة الدستور وحول الآلية المرفقة بها ( اللجنة الاستشارية لإعداد مشروع الدستور) ماخلق دينامية سياسية جديدة, شاركت فيها جل النخب الوطنية المتعددة التخصصات والفاعلين السياسيين ,وقد تم تتويج هذا النقاش العمومي بتسلم اللجنة الاستشارية لإعداد مشروع الدستور 24 مذكرة حزبية، و 100 مذكرة للجمعيات الحقوقية والثقافية والمنظمات النقابية .. وبذلك يكون دستور 2011 أول دستور يحظى باستشارة واسعة في وضعه، وبمشاركة المجتمع المدني بمقترحاته ومطالبه بعدما ظلت كل الدساتير السابقة محصورة في ثنائية قصر _أحزاب سياسية , وعليه فمن المبالغة نعث هذا الدستور «بالممنوح» على غرار سابقيه ولو أنه لم ينبثق عن مجلس تأسيسي منتخب. إن طبيعة تشكيلة اللجنة الاستشارية لإعداد دستور 2011 ، والمنهجية التي اشتغلت بها قد ساهمتا إلى حد كبير في إضفاء طابع ديمقراطي وتوافقي على وضعه بما قد لا يحققه مجلس تأسيسي منتخب خاصة في ظل ميزان قوى سياسي واجتماعي وثقافي لغير صالح القوى الديمقراطية التقدمية التي ظلت على مدى عقود في طليعة المطالبين بإصلاح دستوري يتجه نحو إرساء أسس نظام الملكية البرلمانية. وجملة القول , إن دستور 2011 هو أول دستور توافقي قام على صياغة تركيبية لما تقدمت به الأحزاب السياسية وجمعيات وهيئات ومنظمات المجتمع المدني من تصورات ومقترحات ومطالب ,ما جعل منطق التوازن والتوفيق يهيمن على حساب الإرادية المطلوبة والجرأة السياسية الحاسمة في بعض القضايا الحساسة التي لا تقبل المنطق التوفيقي الذي يتبنى كل شيء ولا شيء في نفس الوقت,وهذا ما كان جليا بشكل خاص في مسألة الهوية الوطنية والتعدد اللغوي.. وكما تمت الإشارة إليه ,فإن التوازنات القائمة مجتمعيا ,كانت هي المحدد لطبيعته التوافقية تلك (والتوفيقية أحيانا)، وأيضا لمضامينه الانتقالية من الملكية التنفيذية كما كرستها الدساتير السابقة إلى الملكية البرلمانية التي أضحت أفقا منظورا وممكنا إذا ما تم إنضاج الشروط السياسية والثقافية المطلوبة لمراجعة دستورية أكثر جذرية تملأ بياضات الدستور الجديد وتحسم تردداته في قضايا كثيرة بقيت رهينة «معركة التأويل» التي سيتحكم ميزان القوى السياسي والثقافي والإيديولوجي في المجتمع في تحديد وجهتها وحسم رهاناتها المتناقضة , لقد توقف الباحثون المتخصصون والفاعلون السياسيون بالتحليل والمقارنة عند مبادئ وأحكام ومقتضيات دستور 2011 ، حيث تم تسجيل شبه إجماع بينهم على التغييرات النوعية التي أتى بها شكلا ومضمونا. ولعله من المفيد هنا حصر بعض مظاهر هذه الجدة والتغييرات ولو بهذا الإيجاز : * الإقرار بالديمقراطية كثابت من ثوابت ألأمة ,وكخيار لا رجعة فيه بحكم الدستور فلم يعد الخيار الديمقراطي خيارا حزبيا أو شعارا للتوظيف في الصراع والمزايدات، وإنما نمط حكم «مدستر», وأساس العلاقة بين الدولة والمجتمع في كافة المستويات. * إضفاء الطابع البرلماني لأول مرة في توصيف نظام الحكم :»ملكية دستورية ديمقراطية برلمانية اجتماعية» , وعلى الرغم من تعدد التوصيفات الذي يبرز غلبة منطق التوفيق والتوازن في صياغة الدستور , فإن إضافة توصيف «برلمانية» يبقى في حد ذاته ذو دلالة قوية ونوعية في إطار المسار التاريخي للنظام الدستوري المغربي. * تحديد وظائف المؤسسة الملكية (الفصل 41 بدل 19) عن طريق الفصل بين إمارة المؤمنين ورئاسة الدولة ، حيث لم يعد للملك منفذ للتشريع المباشر , وظهائره قابلة للطعن وفق أحكام الدستور , ولم يعد ممثلا أسمى للأمة بل للدولة ،ولم يعد الملك» «شخصا مقدسا» بل مواطنا يحظى بموجب الدستور بالاحترام الواجب لشخصه ولمكانته في هرم الدولة , وللملك إضافة إلى صلاحياته الدينية , صلاحيات سيادية (الجيش والدفاع الوطني) وصلاحيات مشتركة مع الحكومة (التعيينات). * حصر السلطة التنفيذية بين أيدي الحكومة المسؤولة أمام مجلس النواب ,وجعل رئيسها مؤسسة قائمة الذات (على عكس دستور 96 وما قبله) تدبر السياسات العمومية وتعين في المناصب العليا وتخضع للمحاسبة والمراقبة البرلمانية والشعبية، وبذلك يبتعد دستور 2011 بشكل كبير عن نظام الملكية التنفيذية. * إعطاء صفة الشريك للمجلس الوزاري في وضع مشاريع لقوانين ذات الطابع الاستراتيجي في الميادين الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، مع إمكانية تفويض الملك لرئيس الحكومة ترؤس المجلس الوزاري (النص لم يحدد دوريات واجتماعات المجلس الوزاري) , والجديد هنا أن المجلس الوزاري في دستور 2011 فقد رقابته على مشاريع القوانين كما كان عليه الأمر في دستور 1996 بفعل تعزيزه لسلطتي الحكومة والبرلمان في مجال التشريع وإصدار قوانين دون موافقة ملكية. * تقوية صلاحيات البرلمان كمصدر وحيد للتشريع (لم تعد للخطاب الملكي قوة القانون) وتوسيع اختصاصاته في المراقبة والمساءلة وتقييم السياسات العمومية، إضافة إلى التكريس الدستوري لحقوق المعارضة وإشراكها في التشريع . * النص على دور الأحزاب في تأطير المجتمع بشكل أكثر تفصيلا بالمقارنة مع الدساتير السابقة , ودسترة دور المجتمع المدني بما يعزز الديمقراطية التشاركية , هذا إلى جانب جعل القضاء السلطة مستقلة , ودسترة آليات التصريح بالممتلكات وتعزيز المساواة بإقرار مبدأ المناصفة، ودسترة الحقوق الاجتماعية وتوصيات هيئة الإنصاف والمصالحة... إلى غير ذلك من المقتضيات الأخرى التي تؤسس لإصلاحات سياسية ومؤسسية عميقة توفر أرضية وقاعدة الانتقال إلى نظام سياسي ديمقراطي قائم على فصل السلط وتوازنها,وتعزيز الحريات الفردية والجماعية ,وعلى تداول ديمقراطي للسلطة التنفيذية . وتبقى «المعركة الحقيقية هي معركة ما بعد إقرار الدستور : المعركة من أجل تطبيقه وصون مكتسباته من أي سعي جهير أو موارب إلى مصادرتها بالتعطيل أو سوء التأويل». في أفق الملكية البرلمانية في النقاش العمومي الذي رافق الإعلان عن مشروع دستور 2011 , والذي ما زال مستمرا بعد إقراره , نقف عند وجهتي نظر داخل الصف الديمقراطي اليساري بشكل خاص حول مدى استجابة هذا الدستور لمطلب الملكية البرلمانية , وقد ذهب جزء من اليسار إلى حد مقاطعة التصويت على الدستور الجديد لأنه لا يحقق مطلب «الملكية البرلمانية هنا والآن» فكل دستور يسود فيه الملك ويحكم ? حسب هذا الموقف - هو مرفوض من الأساس مهما تعددت مكتسباته, التي يقر بها أصحاب هذه المقاربة المستعجلة للملكية البرلمانية , بينما الموقف الآخر يعتبر الدستور الجديد وإن كان يجسد « التغيير ضمن الاستمرارية» فإنه فتح أفقا واضحا نحو نظام الملكية البرلمانية يقتضي بلوغه إنجاز تراكمات أقوى على الصعيد المجتمعي العام . ولاشك في أن أسئلة كبرى تواجه كل ديمقراطي يتبنى استراتيجية الملكية البرلمانية منها : _ هل المرحلة التاريخية التي تمر بها البلاد اليوم هي مرحلة ثورة وتفكيك للمنظومة «المخزنية» وإرثها المعيق للتقدم الديمقراطي ؟أ م مرحلة تعميق الإصلاحات الشاملة ومراكمة وإنضاج شروط التغيير في إطار من التوافق على أسس تعاقد سياسي واجتماعي جديد؟ أي دور للمؤسسة الملكية بشرعيتها التاريخية والدينية المؤسسة للدولة المغربية في هذه السيرورة؟ أليس دورها حاسما في تأمين الانتقال إلى نظام برلماني ديمقراطي ومراكمة عناصره ؟ كيف ترفع الأحزاب السياسية الديمقراطية التقدمية التحدي الذي يضعه أمامها الدستور الجديد في ظل تعددية حزبية عقيمة ؟ وكيف تساهم وتشارك بفعالية في إنضاج الشروط السياسية والثقافية والتنظيمية الضرورية لأي انتقال إلى الملكية البرلمانية ؟ أليس تحديث وتجديد الثقافة السياسية المؤطرة للوعي والموجهة للسلوك والفعل ,العنصر الرئيس لتفعيل ديمقراطي وحداثي للدستور ,يحول «المؤجل (اي الملكية البرلمانية ) إلى إمكان قبل للتحقق الواقعي في أمد قريب ومنظور ؟ إن وثيقة دستور 2011 استجابت لمعظم ما طالبت به مذكرات الأحزاب والنقابات وجمعيات المجتمع المدني (بشكل لم يتوقعه بعضها ) واضعة الملكية البرلمانية في منتصف الطريق وهو ما يعني الحاجة إلى إنضاج الشروط الذاتية المتعلقة بشكل أساسي بإرادة وفاعلية وثقافة مكونات الحقل الحزبي في التطبيق والتفعيل لمقتضياته وفق تأويل ديمقراطي وحداثي . وتشكل فعالية الملك في هذا الصدد , عنصرا حاسما كي لا يتم التقهقر إلى الوراء وإعادة إنتاج نفس التجربة السابقة، كما لا تقل فعالية وإرادة ومسؤولية رئيس الحكومة، كرئيس للسلطة التنفيذية، أهمية وحيوية عن مسؤولية وإرادة كافة القوى السياسية وقوى المجتمع المدني ,فقطع المسافة المتبقية والموصلة إلى الملكية البرلمانية الناجزة التي وضع الدستور لبناتها الاساسية رهين بتأهيل سياسي وثقافي وحقوقي, وبتنظيم تأطيري لكافة القوى الفعالة في المجتمع بما يمكنها من إحداث تراكمات نوعية وخلق ميزان قوى اجتماعي وثقافي وسياسي يفضيان إلى الملكية البرلمانية : فالملكية البرلمانية لا تعطى بنص، ولا تؤخذ جاهزة , وإنما تبنى ,ف» لا يمكن للملكية البرلمانية أن تنشأ في مجتمع يعاني من نقص فادح في الثقافة الديمقراطية في نسيجه العام(...) ويعاني من ثقل المواريث في الأفكار والذهنيات وفي البنى والمؤسسات(...) إنها بناء مستمر للسياسة والاجتماع والثقافة...» 6 وبناء على ذلك فإن معركة التطبيق والتأويل اليوم , ليست معركة سياسوية,ولا تباريا «فقهدستوري « في تفسير النصوص والمحاججة بها، وإنما هي معركة تحركها إرادتان : إرادة لجم التطور السياسي والدستوري والمؤسسي في الحدود التي لا تمس بملكية تنفيذية غير مقيدة كما سادت وحكمت منذ الستينيات ,وبين إرادة الارتقاء بالملكية المغربية إلى مستوى الأنظمة الملكية البرلمانية الديمقراطية في عصرنا . إن فصل دستور 2011 بين صلاحيات الملك المستمدة من المشروعية الدينية كأمير المؤمنين (الفصل 41) وبين صلاحياته المستمدة من المشروعية الدستورية كملك للبلاد ورئيس للدولة (الفصل 42) يشكل عنصر تحول نوعي في تاريخ الهندسة الدستورية، خاصة إذا ما تمت قراءة دلالاته في علاقة مع ما نص عليه الفصل 89 من تقوية وتوسيع للسلطة الحكومية، حيث « تمارس الحكومة السلطة التنفيذية،وتعمل تحت سلطة رئيسها على تنفيذ البرنامج الحكومي وعلى ضمان تنفيذ القوانين ,والإدارة موضوعة رهن إشارتها، كما تمارس الإشراف والوصاية على المؤسسات والمقاولات العمومية...» ولعل أهم ما يقود إليه أي تطبيق مطابق لنص وروح الدستور هو حصر السلطة التنفيذية في يد الحكومة ورئيسها،وجعل الملك يقوم بأدوار تحكيمية, وهذا ما يعبد الطريق نحو النظام البرلماني,ويجعله المؤهل الوحيد لتدبير عقلاني للعلاقة بين رئيس الدولة ورئيس الحكومة في إطار من التعايش ,لا التنافر أو التنافس ,بين سلطة الدولة وسلطة الحكومة. إن الاعتراض الرئيسي لدى بعض الفعاليات والفصائل الديمقراطية اليسارية على دستور 2011 هو اعتباره _في تقديرها _ تكريسا للملكية التنفيذية حيث أن الفصل 41 يعطي للملك صلاحيات واسعة : فهو يرأس المجلس الوزاري طبقا للمادة 49 ,وبإمكانه إقالة وزير أو أكثر بعد استشارة رئيس الحكومة ورئيس المجلس الأعلى للقضاة , و هو رئيس الجيش ,ويعين في الوظائف العسكرية الخ , فهل تتناقض هذه الصلاحيات مع نظام الملكية البرلمانية؟ في تصفح لدستور اسبانيا لسنة 1978 نقرأ «الملك هو رئيس الدولة ورمز وحدتها ودوامها (المادة 56) والحكم بين مؤسساتها والممثل الأعلى للدولة الاسبانية في علاقاتها الدولية خاصة مع الأمم والطوائف المرتبطة تاريخيا باسبانيا...» وفي علاقته بالحكومة ينص الدستور الاسباني على حق الملك في «اقتراح رئيس الوزراء وتعيينه كما يملك حق تعيين أعضاء الحكومة باقتراح رئيسها ويجب اطلاعه على كل مجريات الدولة...ويترأس مجلس الوزراء عندما يعتبر ذلك ضروريا بطلب من رئيس الحكومة ( المادة 62 ) إضافة إلى اعتماده للسفراء , ودوره في التعيين في الوظائف المدنية والعسكرية . ويذهب الدستور البلجيكي إلى أبعد من ذلك في نصه على أن «السلطة التنفيذية تمارس جماعة من طرف الملك ومجلس النواب والشيوخ, ويتولى الملك إصدار القوانين وفقا للقانون.. ويبرم الاتفاقات مع اشتراط موافقة البرلمان عليها...» إن الغرض من هذين المثالين من الدستورين الاسباني والبلجيكي هو التأكيد على أن ما يجعل الملكية البرلمانية واقعا سياسيا, ومؤسسات للتدبير العقلاني لشؤون الدولة, ليس فقط ما نصت عليه الدساتير الموضوعة في سياقات تاريخية مختلفة وتحت ضغط توازنات سياسية واجتماعية لمعينة,وإنما وبدرجة أولى, هو قابلية المجتمع للانتقال من مشروعية تستند إلى ميراث التقليد وتتماهى مع التاريخ / الماضي , إلى مشروعية رافعتها البنية الفكرية للحداثة السياسية ومفاهيمها المركزية : ألديمقراطية التعاقد المواطنة والمساواة أمام القانون ... الخ ولا شك في أن تشبع المجتمعات الأوروبية بروح الديمقراطية وأسسها الفلسفية والسياسية والذي استغرق عقودا طويلة من الانتقال المتدرج من المشروعية التاريخية التقليدية إلى المشروعية الديمقراطية، وتطور الحقل السياسي فيها على أساس تقاطبي ومهيكل تتصدره أحزاب قوية وذات مشاريع مجتمعية واضحة المعالم والمرجعية , هو ما جعل كل ما نصت عليه دساتيرها من مكانة وصلاحيات للمؤسسة الملكية يمارس في نطاق سيادي ,رمزي في الغالب , وفي إطار من التكامل والتعاون بينها وبين المؤسسات الدستورية من حكومة وبرلمان. وتأسيسا على كل ذلك, يبدو أن دستور 2011، ومعركة تفعيله واستكماله وفق منظور ديمقراطي حداثي يضع نصب أعينه قطع المسافة المتبقية الفاصلة بينه وبين أفق الملكية البرلمانية ,الواضحة معالمه والمتوفرة لنباته داخل هندسته، يفرض من بين ما يفرضه كمهمات موازية ومرافقة ,ذات طابع تأسيسي وحاسم, ما يلي : - تجديد الثقافة السياسية للنخب السياسية الفاعلة في المشهد السياسي والحقل الحزبي وتحرير خطابها من المفاهيم والعبارات والجمل العتيقة في علاقتها وتواصلها مع المؤسسة الملكية, ومع المواطنين المفترض فيها تأطيرهم انطلاقا من تمثل عميق لتحولات المجتمع والعصر ,ومن ما يمليه المستقبل الديمقراطي للبلاد من مواطنة كاملة قائمة على الحرية والكرامة . - إعادة هيكلة الحقل الحزبي على أسس فكرية وسياسية وبرنامجية واضحة بما يساعد على الفرز بين التقليداني والمخزني المحافظ منها , وبين الديمقراطي الحداثي، يساريا كان أم ليبراليا , فالملكية البرلمانية ستظل صعبة المنال في ظل التعددية الحزبية الفوضوية والعقيمة القائمة حاليا والتي لا مبرر لها غير نزعات انتخابوية وسياسوية ومصلحية ضيقة,تعيق التقدم الديمقراطي وتشكل عصا في عجلته . إن السند القوي للملكية البرلمانية في ديمقراطيات العالم هو أحزاب سياسية قوية ومهيكلة, وذات امتداد شعبي واحتضان من طرف تيار مجتمعي واسع لمشروعها المجتمعي. - تحديث المؤسسة الملكية، بتحريرها من الثقافة المخزنية المكرسة لتقاليد وسلوكات الامتثال والإذعان والنظر إلى المواطنين كرعايا ولمفهوم متجاوز لهيبة الدولة، ما سيساهم في تفكيك بنية العلاقات القائمة على الولاء,والتي طالما تضرر منها الحقل السياسي _ وما زال- وكانت سندا لمختلف أشكال الريع . إن المؤسسة الملكية بمشروعيتها التاريخية والدينية المتجذرة والمتماهية مع تاريخ وحضارة البلاد، محكوم عليها بالتجدد والعصرنة والتحديث كي تصبح مطابقة لمقومات وروح ومقاصد النظام الديمقراطي البرلماني .. إنها مقدمة مقدمات الملكية البرلمانية التي لاح افقها في دستور 2011. وبين العهد الدستوري الجديد ,وهذا الأفق مسافة زمنية قد تطول , وقد تقصر بحسب وتيرة الإنجاز ونوعية ووجهة التطبيق للدستور ودرجة الإنضاج ألذاتي الثقافي والسياسي والحزبي والمجتمعي بشكل عام . هوامش: 1الدفتر الثالث من مذكرات عبد الرحيم بوعبيد _ جريدة الاتحاد الاشتراكي _عدد 8 يناير 2013 _ 2جريدة المحرر ليوم 15 نونبر 1962 3 _دراسة للباحث الموساوي العجلاوي : « إشكالية العلاقة بين المؤسسة الملكية والاحزاب « _ جريدة الاتحاد الاشتراكي _ عدد 12 و13 يناير 2013 4 _أورده عبد العالي حامي الدين _ داسة حول «سؤال الانتقال بالمغرب : المعوقات الدستورية للانتقال « _مجلة وجهة نظر _ عدد 23 خريف 2004 5_ كتاب عبد الاله بلقزيز: ثورات وخيبات : في التغيير الذي لم يكتمل _ منتدى المعارف _ بيروت _ 2012 ص 213 6 _ نفس المرجع _ ص 216 و217