12 فبراير 2013 من عبد القادر وساط إلى أحمد بوزفور مساء الخير سي أحمد هل تَذكر دواة الواترمان و حبر الواترمان ؟ و هل تَذكر قلم الحبر الذي كانت له مضخة و كان له خزان يمتلئ عن آخره بحبر الواترمان ؟ بذلك القلم ، يا صديقي، كنتُ و أنا في العشرين من العمر أنسخ بعض القصائد من الشعر العربي القديم، لأنني كنتُ أحلم في ذلك الزمن البعيد أن تكون لي ( حماستي) الخاصة ، أجمع فيها مختاراتي الشعرية كما كان يفعل الأقدمون ... أذكر من بين «قصائدي المختارة « بائيةَ أبي تمام ( السيف أصدق إنباء من الكتب) و لاميةَ المتنبي( دروعٌ لمَلْك الروم هذي الرسائلُ) و لاميةَ المعري( طربْنَ لضوء البارق المتعالي) ، إلى آخر تلك اللائحة الطويلة ... لم تكتمل حماستي تلك ( و هل هناك شيء يكتمل في هذه الحياة يا صديقي ؟) و لكن القصائد بقيت عالقة بالذاكرة ، أعود إليها بين الفينة و الأخرى ، و أتمثل بأبيات منها في مواقفَ مختلفة من الحياة...وهو ما حدث لي مثلا هذا الصباح ، حين وجدْتُني أردد مع نفسي بيتَ ضابئ بن الحارث : و رُبَّ أمورٍ لا تَضِيرُك ضيرةً و لِلقلب منْ مَخْشاتهنَّ وَجِيبُ و البيت من قصيدة كانت هي الأخرى ضمن «مختاراتي «. و هي قصيدة نظمها هذا الشاعر و هو في السجن، كما لا يخفى عليك ، بعد أن حاول اغتيال الخليفة عثمان بن عفان . و فيها يخاطبُ جَمَلَهُ قَيّاراً ، و يطلب منه أن يتحلى بنظرة ( فلسفية) إلى الوجود : فَمَنْ يكُ أمسى بالمدينة رَحْلُهُ فإنّي و قَيّاراً بها لَغَريبُ فلا تَجْزَعَنْ قَيَّارُ منْ حبْس ليلةٍ قضيَّة ما يُقْضى لنا فنَؤوبُ إلى أن يقول: فلا خيرَ فيمَنْ لا يُوَطِّنُ نفْسَهُ على نائباتِ الدهر حين تَنُوبُ و في الشك تفريطٌ و في الحزم قُوّةٌ و يُخطئُ في الحدس الفتى و يُصيبُ و لستَ بمُستبْقٍ صديقاً و لا أخاً إذا لمْ تَعَدَّ الشيءَ و هْو يريبُ و قد لبث ضابئ بن الحارث في سجن عثمان بن عفان إلى أن مات ...و بقيتْ قصيدته هذه يَرويها عشاقُ الشعر الجميل ، جيلاً بعد جيل... 13 فبراير 2013 من أحمد بوزفور إلى عبدالقادر وساط
صباح الشعر سي عبدالقادر ضابئ أحد الشعراء الكبار الذين كنت سأختارهم أنا أيضا لو بنيتُ مختاراتي الشعرية ، رغم أنه كان عنيفا شرساً ، سريع البادرة، فاحشَ الهجاء . و قد رمى خصوماً له بأن أمهم تعاشر كلباً : و أمُّكُمُ لا تتركوها و كلبَكُمْ فإنّ عقوقَ الوالدات كبيرُ و إنما بهذا النوع من الهجاء حبسَهُ عثمان بن عفان ، فاضطغنها عليه حتى كاد يقتله ذات مرة ، و في ذلك يقول: هَمَمْتُ و لمْ أفعلْ و كدتُ و ليْتَني تركتُ على عثمانَ تَبْكي حلائلُهْ و لكنه كان شاعرا حقيقيا حتى و هو غاضب . و انظرْ معي إلى هذا الشطر الشعري الدرامي بحق ( همَمْتُ و لم أفعلْ و كدتُ و ليتَني) ، كأن المتكلم هو هاملت ! و قد زعموا أن الحطيئة و هو يُحْتَضَر قال له أهله : « انطق الشهادتين» فقال لهم : - أبلغوا أهل ضابئ أنه شاعر حين يقول: لكلِّ جديد لذّةٌ غير أنني وجدتُ جديدَ الموتِ غيرَ لذيذِ أما قصيدته البائية ، يا صديقي، فهي تستحق الإعجاب ، و قَيّار أحدُ مَنابع الشعر فيها ، لأنه أشْبهُ بمعادل موضوعي ( كما يقول النقاد) لإحساس الشاعر بالغربة . و قيّار هذا ، سواء كان جملاً أو فرساً - و أنا أميل إلى تصَوُّره جَمَلاً - يُذكرني بمُعادل خارجيّ آخر أقْدَم ، هو هذه المرة جَبَل لا جمل ، و هو ( عَسيب) في شعر امرئ القيس .فَيَرْون أن امرأ القيس و هو عائد من عند ملك الروم بخُفَّي حُنين ، جاءه الموت خلال هذه الرحلة فآوى إلى قوم في الطريق و رأى جبلا أمامه، فسأل امرأة منهم عن اسم الجبل فقالت ( عسيب) فقال : أجارتَنا إنّ الخُطوبَ تَنُوبُ و إنّي مُقِيمٌ ما أقامَ عَسيبُ أجارَتَنا إنّا غريبان هاهنا و كُلُّ غريبٍ للغريب نسيبُ و أنا أزعم أنّ الجمل ( قيّار) سليلُ الجبل ( عسيب) و أنّ شعر امرئ القيس هذا كان في وجدان ضابئ بن الحارث و هو ينظم بائيتَه ، فقد حاكاه في الإحساس بالغربة و في إسقاط هذا الإحساس على معادل خارجي ، و حاكاه كذلك في وزن الشعر( الطويل) و في رويّه ( الباء) و في حركة الرويّ ( الكسرة) و في ضرب الطويل المحذوف ( فعولن بدل مفاعيلن) ... و قد يكون هذا حَدَث حتى دون أنْ يَعيَ ضابئ ، فكثيرا ما يَكتب الإنسان نصوصاً في ذاكرته و هو يظن أنه يبدع ( سبحان المبدع من لا مثال). 15 فبراير 2013 من عبدالقادر وساط إلى أحمد بوزفور مساء الخير سي أحمد ما أروع بيتي امرئ القيس ، و هو يخاطب تلك المرأة و يتحدث عن جبل عسيب بقوله : أجارتَنا إن الخطوبَ تَنُوبُ و إنّي مُقيمٌ ما أقامَ عَسيبُ أجارتَنا إنا غريبان هاهنا و كلُّ غريب للغريب نَسيبُ و ما أشد التقارب بين هذين البيتين و بين قول ضابئ بن الحارث: فلا خير فيمنْ لا يُوطنُ نفسه على نائبات الدهر حينَ تَنُوبُ... أصارحك أني لم أنتبه قط لهذا التقارب الشديد بين النصين ... و إني أشكرك كثيرا على تنبيهي إليه ... فعلا ، كأن الأمر يتعلق بقصيدة واحدة ، بدأها امرؤ القيس في الجاهلية ثم أتمّها ضابئ في عهد الخليفة عثمان بن عفان ! شاعران مختلفان في كل شيء يَكتبان ( قصيدة مشتركة) ، على بُعد المسافة الزمنية بينهما ... يتحدث الأول عن جبل و يتحدث الثاني إلى جمل ، و لكننا نلاحظ في كلتا الحالتين كيف يتم إضفاء حياة خاصة و مشاعر خاصة على الجبل مثلما على الجمل ... أوَ ليس هذا هوالشعر الحقيقي ، يا صديقي العزيز ، في نهاية المطاف ؟ يُذكرني هذا بتلك اللامية الرائعة للمعري ، حين اعتزمَ العودة من بغداد إلى معرة النعمان ، بعد تجربة أليمة عاشها في ( الزوراء) ... و قد كانت هذه اللامية كذلك ضمن ( حماستي) التي لم تر النور ... و فيها يُضفي شيخ المعرة حياة خاصة و مشاعر خاصة على إبله ، التي طربَت لرؤية البرق: طربْنَ لضوء البارق المُتَعالي ببغدادَ وهْناً ، ما لهُنَّ و ما لي ؟! و يتخيل رهينُ المحبسين في هذه القصيدة أن الإبل تَقول شعراً و أن ذلك الشعر يُعبّر عن الشوق و الحنين: و أنْشَدْنَ منْ شعْر المطايا قصيدةً و أوْدَعْنَها في الشوق كلَّ مَقالِ هذا دون أن ننسى ذلك البيت الرائع الذي يستحضر فيه شيخُ المعرة أسطورةَ عمرو الذي تزوجَ سعلاةً ، فلما ألفَها و ألفَتْه صارَ يحرص غاية الحرص على مَنعها من رؤية البرق ، لأنها ستنطلق حتما نحو عشيرتها إن هي رأتْه ! و في هذا السياق يقول أبو العلاء عن إبله التي يخشى عليها هي الأخرى من رؤية البرق : إذا لاح إيماضٌ سترْتُ وجوهَها كأنّيَ عَمْرو و المَطيُّ سَعالي اعذرني ، يا صديقي، إن أنا أطلتُ في الحديث عن قصيدة تعرفها و تعرف تفاصيلها ، و لكن الشعر الجميل يغري بالإطناب ... و خلاصة القول أن الشاعر الحقيقي يضفي أحاسيسه الخاصة حتى على الحيوان الذي لا يعقل ، بل إنه يخلق حياة خاصة حتى في الجماد ... ألم يصف لنا مالك بن الريب كيف أن سيفه و رمحه يبكيان عليه ؟ تذكّرْتُ منْ يَبكي عليّ فلم أجدْ سوى السيف و الرمح الرُّدَيْنيِّ باكيا ألم يبين لنا أبو الطيب المتنبي أن السيف يموت في نهاية المطاف مثلما يموت صاحبه؟ يا قاتلَ السيف في جسْم القتيل بِهِ و للسيوف كمَا للناس آجالُ 18 فبراير 2.13 من أحمد بوزفور إلى عبد القادر وساط صباح النور سي عبد القادر لامية المعري هذه من الروائع التي تخلبني ، و كل أبياتها شعرٌ عال و بيت قصيدها هو بيت السعالي . كأنه برق يومض لنا نحن عشاق الشعر فنكاد نطير إلى وطن السعالي ذاك ، وراء جبل قاف . و هناك قصيدة أخرى ، هي « ليلة الزنج» ( علّلاني فإنّ بيضَ الأماني/ فنيتْ و الظلامُ ليس بفانِ) تقف أمام اللامية كالضرة الحسناء . و يقولون إن شعر المعري كله في اللزوميات . عجبي ! إن بسقط الزند شعرا نديا ، قد لا يكون له العمق الفكري للزوميات ، لكن حرارته و حيويته و عواطفه الرقيقة و أحاسيسه المرهفة ترفعه إلى مستويات الشعر الإنساني العليا . و بَعد، فأين نضع ( تعب كلها الحياة)؟ و بمناسبة شعر الحيوان يا صديقي ، فقد عثرتُ بالأمس على بيت غريب للمعري يقول : إذا اشتاقت الخيلُ المناهلَ أعْرَضَتْ عن الماء فاشتاقتْ إليها المَناهلُ ألا يُصور هذا البيتُ المعري نفسَه ؟ ألا تراه معي سيرة شعرية له ، تلخص حياته و فكره و شعره في بضع كلمات ؟ كيف استطاع هذا العبقري الفريد أن يصوغ حياته في بيت شعر ؟ بيت يلخص زهده و إعراضه عن الأضواء و عَرَض الحياة الزائف و العابر . و ما هي النتيجة ؟ تأتيه الدنيا زاحفة إلى معتكفه ، تلتمس منه (وهو الأعمى ) أن ينظر إليها ... اشتاقت إليك المناهل يا أبا العلاء العالي ... رغم أنك تقول ( دُعيتُ أبا العلاء و ذاك مَيْنٌ / و لكنّ الصحيحَ أبو النزولِ ) ...و لا أدري يا صديقي ماذا ارتكبنا من جرائم حتى يعاقبنا الله بإبقائنا أحياء حتى نرى ( الثوار) السوريين في المعرة يقطعون رأس تمثال المعري ... فلا حول و لا قوة إلا بالله و الله يدينا في ما بقي من ضوء... 20 فبراير 2.13 من عبدالقادر وساط إلى أحمد بوزفور
أخي أحمد بوزفور، مساء الخير كأنَّ الشعر الجميل برْقٌ يومض لنا في كل لحظة، فنكاد نطير إلى وطن السعالي، وراء جبل قاف! ما أجمل هذه الصورة البوزفورية ! و يا سي أحمد، أتخيل تلك العزلة الصارمة التي فرضها المعري على نفسه في المعرة ، بعد عودته من بغداد، و التي استمرت تسعا و أربعين سنة ، لم يغادر خلالها محبسه بمعرة النعمان سوى مرة واحدة ! و أنتَ تذكر طبعا السبب الطارئ الذي جعله يخرج من عزلته . فقد وقعت ( أحداثُ شغب) بالمعرة ، بعد أن جاءت امرأة إلى المسجد و هي تصرخ و تستغيث ، زاعمة أن صاحب الماخور قد اغتصبها فخرج الناسُ من المسجد و ذهبوا إلى الماخور و هدموه و نهبوا ما فيه و سمعَ أسدُ الدولة (صالح بن مرداس) بذلك فجاء من صيدا و حاصر المعرة و رماها بالمنجنيق و اعتقل من أعيانها سبعين رجلا ، فلما رأى أهل المعرة هولَ ما حدث و ما سيحدث ، سعوا إلى أبي العلاء يسألونه الخروج إلى أسد الدولة و الشفاعة لهم عنده ! و لا يخفى عليك أن الشيخ الضرير قد نجح في تلك المهمة الدبلوماسية التي قام بها على مضض فأقنع أسدَ الدولة - صالح بن مرداس- بالرحيل عن المعرة و عاد هو إلى عزلته ، مرددا أبياته العجيبة التي نظمها عن لقائه بأسد ذلك الزمان : بُعثْتُ شفيعاً إلى صالحٍ و ذاكَ منَ القوم رأيٌ فَسَدْ و يَسْمَعُ منّيَ سَجْعَ الحَمامِ و أسمعُ منه زئيرَ الأسَدْ
22 فبراير 2013 من أحمد بوزفور إلى عبدالقادر وساط صباح النور سي عبدالقادر ذكرتَني بالمقطوعة الدالية الجميلة لأبي العلاء ( بُعثْتُ شفيعاً إلى صالح ...) تَصَور الشيخ الضرير ، الذي اعتزل العالمَ زمناً طويلاً و أخلد إلى العلم و الأدب و الطلاب الذين يقصدونه من كل الأصقاع ، يقتسم معهم لقمته الخشنة الجافة و علْمه الريان ... هذا الشيخ يقصده أهل بلدته ليردّ عنهم - و هو الضعيف الواهن- جيشاً يحاصرهم . لكن العجب ليس هنا . العجب أنه خرج فعلا و ردَّ الجيش فعلا و أن أهله و عشيرته و سكان بلدته احتفلوا بهذا النصر الذي أحرزه و أن أبا العلاء نظرَ - و هو الأعمى- في أعطافه و أعجبَتْه نفسه ...ثم ثاب إلى زهده و مذهبه في الحياة. فقال مقطوعتَه الدالية هذه ، التي اختتمها ببيت معرّيّي اللغة و الفكر، تقرأه فتعرف فوراً أنه للمعري ، يعاتب نفسَه فيه على لفحة الغرور التي خامرَتْه حين اعتقد أن النَّفاق ، أي الرواج و الانتشار و اعتبار الناس و احترامهم و تقديرهم له هو الذي ردَّ الاعتداءَ على بلدته ، و هو نَفاق و رواج فعلا و لكنه نَفاق محنة ، لأن البلدة التي تحتاج في الدفاع عن نفسها إلى شيخ هرم ضعيف بلدةٌ شقية ... و سلعها البائسة تروجها المحنة و الانحطاط و ليس الرقي والازدهار، مثلما قد تُروج الحربُ سلعاً و الكارثةُ سلعاً ... و مثلما يروج الموتُ حرفة حفاري القبور .. لذلك يقول المعري في مقطوعته : تَغَيَّبْتُ في منزلي بُرْهَة سَتِيرَ العيوب فقيدَ الحسدْ فلمّا مضى العمْرُ إلا الأقَلّ و حُمَّ لروحي فراقُ الجسدْ بُعثْتُ شفيعاً إلى صالح و ذاك منَ القوم رأيٌ فَسَدْ فيَسْمع منّيَ سَجْعَ الحَمام و أسمعُ منه زئيرَ الأسَدْ فلا يُعْجبَنِّيَ هذا النَّفاقُ فكمْ نَفَّقَتْ سلعةٌ ما كسَدْ من عبدالقادر وساط إلى أحمد بوزفور نعم صديقي العزيز، كم في هذه القصة من أمور جديرة بالتأمل ! فيها أن أهل المعرة - الذين ليسوا من الشر في شيء و إن هان- قد ألحّوا على أبي العلاء في الخروج ، كي يكون شفيعا لهم عند أسد الدولة ، لأنهم كانوا يعرفون أن شفاعته ستُقبل ... و فيها أن الطاغية كان يعرف قدر أبي العلاء ، إذ يحكي المؤرخون ( أنّ أسدَ الدولة - صاحبَ حلب- لم يكد يسمع من بعض جنده أن باب المعرة قد فُتح و خرج منه رجل يُقاد كأنه أعمى ، حتى عَرفَ من فوره أنه أبو العلاء فأمرَ بوقف القتال و استقبل أبا العلاء و أكرمَ وفادتَه و عرَّفه شوقَه إلى لقائه ، ثم قبلَ شفاعتَه و رحل عن المعرة، و عاد أبو العلاء إلى محبسه ...) و قد تحدثَ شيخ المعرة في تلك القصيدة الدالية عن دنوّ أجله ، حين قال (فلمّا مضى العمرُ إلا الأقلّ / و حُمَّ لروحي فراقُ الجسَدْ ) و كان آنئذ في الخامسة و الستين من العمر، و لكنه عاش ثلاثين سنة أخرى ، قضاها كلها في محبسه لا يغادره ! و لا يخفى عليك يا سي أحمد أنه أشار إلى هذه القصة في قصيدة أخرى من قصائد اللزوميات ، حين قال متحدثا عن هدم أهل المعرة للماخور بعد أن جاءت المرأة تستنجد بهم : فلو لم يَقوموا ناصرين لصوتها لَخلْتُ سماءَ الله تُمطرُ جَمْرَها و هي قصيدة طويلة نسبيا ، يطغى عليها - في رأيي- ما يطغى على اللزوميات بكيفية عامة من تكلف و من ( صنعة )...و أنا أرى أن أجمل شعر المعري هو ذلك الذي نجده في سقط الزند ... أما اللزوميات ففيها حكَم و فيها نظرة فلسفية إلى الوجود و فيها جرأة عجيبة على المتاجرين بالدين ، و لكنني لا أجد فيها من الشعر إلا القليل ... و يا صديقي العزيز ، كم وددتُ أن ( أسافر في الزمن) حتى أتمكن من قضاء أسبوع في بيت الشيخ أبي العلاء، هناك في معرة النعمان، أستمع إليه و هو يملي رسالة الغفران أو ينشد شيئا من شعره ... و من ذلك لاميته الأخرى على الطويل ، التي يُعَبّر فيها عن هذه الأمنية العجيبة : تَمَنّيتُ أنَّ الخمرَ حلّتْ لنشْوَةٍ تُجَهِّلُني كيف اطمأنَّتْ بيَ الحالُ