بدأت تداعيات احتكار الأسطول الأجنبي لحركة الملاحة البحرية بمضيق جبل طارق تظهر إلى الوجود مع انطلاق موسم عبور الجالية المغربية المقيمة بأوروبا، إذ كما كان منتظرا، فشركات الملاحة التي تؤمن الرحلات البحرية بين ميناء طنجة المتوسطي وكل من موانئ الجزيرة الخضراء، سيت الفرنسية وجنوة الإيطالية، عمدت إلى فرض شروطها في ما يخص تحديد أثمنة تذاكر العبور التي ارتفعت إلى مستويات صاروخية، فثمن رحلة عبور سيارة وأربعة ركاب من الميناء المتوسطي إلى الجزيرة الخضراء قفز إلى 2800 درهم بعدما لم يكن الثمن يتجاوز 1000 درهم في السنة الماضية، بزيادة تفوق % 180، أما الشركة الإيطالية « GRANDI NAVI VELOCI « الحائزة على الترخيص المؤقت لتأمين الرحلات البحرية التي تربط بين ميناء طنجة المتوسط ومينائي سيت الفرنسي وجنوة الإيطالي، معوضة بذلك إفلاس شركة كوماريت المملوكة لآل عبد المولى، فقد شرعت هاته السنة في فرض سلم متحرك لأثمنة التذاكر يتراوح ما بين 5000 و 8000 درهم حسب نسبة ملء الباخرة، بل إن الشركة أصبحت تجبر المسافرين على التحديد المسبق لنوع السيارة وحجمها بالتدقيق تجنبا لأية مصاريف إضافية، وهو ما يتسبب في حدوث احتكاكات بين أفراد الجالية ومسؤولي الشركة جراء هاته الزيادات غير المتوقعة وغير المألوفة بالنسبة لهم. الجريدة وفي زيارة لها للميناء المتوسطي عاينت عن قرب مشاعر الغضب والتذمر لأفراد الجالية المغربية بسبب الارتفاع المهول لأثمنة عبور هاته السنة التي فاقت كل التوقعات، وكذا بسبب سوء المعاملة التي يلاقونها أثناء رحلاتهم، بل إن العديد ممن استقصت الجريدة آراءهم عبروا عن استنكارهم لموقف الصمت الذي تلتزمه الحكومة المغربية إزاء تغول الشركات الأجنبية المحتكرة لعملية العبور لهاته السنة، وفي حالة استمرار هذا الموقف، فإن من شأن ذلك أن يؤثر سلبا على حركية تدفق أفراد الجالية المغربية نحو بلدهم، مع ما سيترتب عن ذلك من آثار سلبية على الاقتصاد المغربي الذي هو في أمس الحاجة لتحويلات العمال المغاربة بالخارج من العملة الصعبة، خاصة في ظل تفاقم الأزمة الاقتصادية التي تكاد تعصف بالبلاد. وعن الأسباب الحقيقية لهذا الارتفاع المهول في أثمنة التذاكر لهاته السنة مقارنة مع السنة الماضية، أوضحت مصادر متطابقة، على اطلاع جيد بملف الربط البحري بين المغرب وموانئ جنوب البحر المتوسط، أن السبب المباشر وراء ذلك يكمن بالدرجة الأولى في احتكار الأسطول الأجنبي لعملية الربط البحري بين ضفتي المتوسط بعد إفلاس الشركتين المكونتين للأسطول المغربي، يتعلق الأمر بكل من كومناف/ كوماريت المملوكة لأسرة علي عبد المولى وشركة IMTC المملوكة لمحمد قاريا، مما أثر سلبا على عدد البواخر التي تؤمن الرحلات البحرية حيث تنحصر اليوم في 15 باخرة بعد أن كان عددها يصل إلى 30. أضف إلى ذلك، تؤكد ذات المصادر، أن ما يحدث اليوم هو نتيجة طبيعية للتدبير الكارثي لملف النقل البحري من طرف حكومة بنكيران التي لم تستحضر المصالح الاستراتيجية للوطن، حيث كان عليها أن تلتقط التحذيرات التي لطالما تم التنبيه إليها في وقت سابق، بل إن جريدة «الاتحاد الاشتراكي» كانت سباقة إلى دق ناقوس الخطر حول هذا الموضوع، لكن الحكومة عوض المسارعة إلى وضع تصور استباقي للتخفيف من تداعيات إفلاس الأسطول المغربي، فضلت الركون إلى الحلول السهلة عبر تمكين الأسطول الأجنبي من بسط سيطرته على الموانئ المغربية، بحيث صار مألوفا أن ترى العلم الإسباني والإيطالي والفلبيني يرفرف فوق البواخر الراسية بالموانئ المغربية في غياب تام للعلم المغربي. ومن الأمثلة الصارخة على كارثية التدبير الحكومي لهذا الملف، ذلك المتعلق بالترخيص المؤقت الذي منحته وزارة عبد العزيز الرباح للشركة الإيطالية « GRANDI NAVI VELOCI « وفق شروط مجحفة تمكنت من فرضها هاته الشركة عل حساب المصالح المغربية. وختمت المصادر تصريحها بالتأكيد على أن ما تعرفه عملية العبور لهاته السنة هو بمثابة جرس إنذار موجه لحكومة بنكيران، لأن تماديها في التعاطي مع هذا الملف بنفس العقلية من شأنه أن يعتبر تفويتا غير معلن لقطاع استراتيجي يعتبر من المقومات الأساسية للسيادة المغربية.