هكذا يجد المسؤولون في الألطاف الالهية متنفسا لتفادي الكوارث، هكذا يلطف الله بعباده درءا للمخاطر في الوقت الذي تحلل فيه البعض من مسؤوليته تجاه المواطنين حماية وحفظا لأرواحهم. من الألطاف الإلهية في حريق مكناس الشهير، أن النيران لم تصل الى حاويات المواد الكيماوية وإلا لكانت الكارثة. ومن الألطاف الالهية أيضا، أن الجو كان ممطرا عندما انهارت صومعة مسجد البرادعيين بنفس المدينة، وإلا لفاق عدد القتلى المائة! ومن الألطاف الالهية أن الوقت كان عطلة عندما انهارت مؤسسة تعليمية بخنيفرة قبل سنوات وإلا لكانت الكارثة بحق..! ومن الألطاف الالهية في حادث انهيار حضانة الأطفال بمدينة وجدة، أنه تم إخلاء المكان قبيل الانهيار بقليل! ومن الألطاف الالهية في حادث انهيار قبة مسجد زايو أن السقوط وقع فترة الاصلاح وليس فترة الصلاة! ألم يكن من الواجب، بل من المفروض أيضا أن يتحمل كل واحد مسؤوليته من موقعه قبل حدوث الكارثة؟ شخصيا أتساءل ماجدوى أن تتوفر إداراتنا ووزاراتنا وجماعاتنا على أقسام لمراقبة التعمير، المؤسسات المرتبطة بحفظ الصحة والغش، السلامة الطرقية، خلية الأزمة، لجان تحقيق، أقسام مراقبة النفقات.. واللائحة أطول من أن تحصر في سطور، جلها إن لم نقل كلها في عطالة ولا نسمع عنها شيئا إلا بعد أن تقع الواقعة «التي ليست لوقعتها كاذبة»، آنذاك يتحرك ممثلو هذه المصالح / المؤسسات في كل اتجاه وصوب، يبعثون من سباتهم السنوي، منهم من يبرر، وآخرون يحصون، ومنهم من يكتفي بالقول لولا الألطاف الإلهية لكانت الفاجعة! إنها سياسة «الحاضي الله»، والقضاء والقدر. إنها سياسة الهروب إلى الأمام واللغة الخشبية التي تطمس الحقائق وتبرئ من تسبب في الكارثة، وإن اتضحت مسؤوليته التقصيرية بشكل مباشر أو غير مباشر! مايشجع على تنامي هكذا سلوك، أن المحاسبة غائبة هنا، فلا أحد يحاسب من قصر في عمله أو من تسبب بإهماله في وقوع الفاجعة كيفما كانت في حدود مسؤولياته. تبرير وحيد يمكن أن يفسر هذا التغاضي، فالخوف كل الخوف من أن يكشف التحقيق، في إطار تسلسل منطقي، عن مسؤولية من يحتل مناصب عليا، وبالتالي لابد من الإلتفاف على الموضوع، وفي أقصى الحالات تقديم أكباش فداء من صغار الموظفين كقرابين لإسكات أصوات المحتجين والمعارضين مادامت الألطاف الالهية قد قلصت من عدد الضحايا، أو لربما للمسؤولين عندنا «باريم خاص» للتعامل مع الكوارث قبل تحديد المسؤولية، قد يكون «باريم» القتلى هو الألف أو الألفين قبل تحريك مسطرة المحاسبة! من يدري؟