في هذا الكتاب «عين المينوتور»، يضعنا رولاند دوما رئيس الدبلوماسية الفرنسية في عهد فرانسوا ميتران، في مواجهة مباشرة وحية مع الشخصيات الرئيسية التي تعامل معها، واكتشف أن كل واحد منها يستعمل أسلحته الخاصة. هناك فنانون مثل بابلو بيكاسو (المينوتور الطريف) وأندريه ماسون (مجزرة على القماش) اللذان كانا منشغلين برسم العنف والجنس. وهناك الكتاب مثل جورج باتاي وجان جينيه وبيار غويوتات الذين علموه كيف ينبغي للرجل ألا يهاب الآلهة وألا يخاف من مواجهة الأذكياء. وهناك أيضا سياسيون مثل فرانسوا ميتران الذي قال إنه يدين له بمسيرته السياسية. كما أن هناك قراصنة السياسة، مثل جان ماري لوبين، المتهيئون لتسديد كل الضربات. ولم يفته أن يأتي على ذكر الطغاة، أمثاال معمر القذافي أو حافظ الأسد، ليثبت أن الدبلوماسي مجبر أيضا على الاستيلاء على غنائم ثيسيوس لمواجهة الوحش إلى عرينه. هناك أيضا المرأة وكل ما يسمح بالعثور على مخرج من العرين بأقل الخسارات الممكنة. هذا الكتاب، كما يريد له صاحبه ينسج مدى حاجة الحياة، كي تستحق أن تعاش، إلى «العاطفة». وفي الفصل الذي نقدمه للقراء يعود رولان دوما إلى بداية علاقته مع حافظ الأسد. يروي كيف ساهمت السيدة ناهد العجة (ابنة وزير الدفاع السوري السابق مصطفى طلاس) في تعبيد الطريق بين فرنسا وسوريا. ذهب دوما في المرة الأولى إلى دمشق وكان الأسد مريضا ويكتفي بأكل الألبان. بقي عنده أسبوعا كاملا. يكشف أن الرئيس الإسرائيلي الحالي شمعون بيريز هو الذي نصحه بتلك الزيارة حين كان الرجلان وزيري خارجيتي دولتيهما. حصل ذلك في العام 1992. كان بيريز يدرك أن الأميركيين يبحثون عن وسيلة للتفاهم مع دمشق، فارتأى أن تجني فرنسا أيضا مصلحة في ذلك من خلال اندماجها في مسيرة السلام في الشرق الأوسط. وافق الأسد على الفكرة لكنه تمنى أن يكون اللقاء ثنائيا فقط بوجود مترجم واحد ومن دون حضور وزير خارجيته. للذين فاجأهم اهتمامي بشخصيات لا ينصح بالاقتراح منها، أي شخصيات مستبدة متسلطة ودموية في بعض الأحيان، أقول» »ان عمل الدبلوماسي بالضبط هو أن يذهب للقاء الوحش حتى في مغارته».« كان فرانسوا ميتران يترك لي حرية التصرف حتى لا يتورط. لم يكن ليسمح للقدافي بنصب خيمته جوار الإليزيه كما فعل نيكولا ساركوزي. عدنما تعلق الأمر بتشجيع لقاء بين الرجلين، تقرر أن لا يتم ذلك إلا في مكان محايد، مالطا في هذه الحالة، وقد لعب رئيس وزراء اليونان أندرياس باباندريو دور «»الوسطاء»» في الكواليس. اشتغلت على الأمر كذلك من خلال مهام سرية في الصحراء تحت خيمة العقيد. ولكن رئيس الجمهورية كان يريد إعطاء اللقاء أقل ما يمكن من اللمعان ولم يستدعنا لا أنا ولا كلود شسون وزير الخارجية آنذاك. خلال النصف الثاني من سنة 1992، انتبهت الى أنه لم يسبق لي أن التقيت مع الرئيس السوري حافظ الأسد، أحد الشخصيات الرئيسية في الشرق الأوسط. كنت دائما بحاجة لمثل هذه الاتصالات المباشرة لأكون رأيا حول الرجال والنساء الذين يقودون العالم. وهذا اللقاء لا يمكن أن يكون له طابع رسمي، لم أتحدث بشأنه لا مع الإليزيه ولا مع مصالح وزراء الخارجية التي كنت أقودها. بطبيعة الحال كانت لي إتصالات مع نظيري السوري شاهيد الذي لم يكن سوى صنيعة للنظام، يردد ما يطلب منه قوله، وعندما كنت أذهب الى دمشق، كنت استقبل من طرف الجنرال طلاس وزير الدفاع في منزله. كنت مدعوا لحفل عشاء منظم من طرف المجلس التمثيلي للموسسات اليهودية في فرنسا (CRIF)، وكان ضيف الشرق صديقي شمعون بيريز رئيس دولة اسرائيل منذ 2007، كان وقتها وزير الشؤون الخارجية في حكومة إسحاق رابين. ألقى بيريز كلمة كانت نقطتها المحورية بطبيعة الحال هي العلاقات الإسرائيلية الفلسطينية. بيريز يعتبر »»رومانسيا»« في العلاقات الدولية، وبهذه الصفة بالذات أحب هذا الرجل. وفي نشوة نهاية الحفل، ختم كلمته كالتالي: »رولان، لماذا لا تذهب الي دمشق، التي لك بها أصدقاء، عن السلام مع حافظ الأسد، ومن أجل انتزاع ابتسامة الحاضرين، أضاف: »بما أنك كنت محامي بيكاسو، فإن أقدر من يستطيع تحريك أكثر الأوضاع تعقيدا» الحضور الذي كان يضم أكثر الشخصيات اليهودية الفرنسية نفوذا من سيمون فيل إلى آل روتشيلد، صفق للتعليق. انتهزت الفرصة وبدأت أستعد دون تأخير للسير في الطريق إلى دمشق»». كان من حظي آنذاك ان من بين أصدقائي المقربين، ناهد، ابنة الجنرال طلاس، وأرملة المياردير السعودي من اصل سوري أكرم أوجه الذي نتذكره لكونه اشترى الباخرة فرنسا«« خلال بضعة أيام تمكنوا دون عناء من ترتيب موعد لي مع سيد دمشق. ومصطفى طلاس كان أحد المقربين من الأسد، كلاهما ينتميان لحزب البعث وتعرفا علي بعضهما في المدرسة العسكرية سنة 1952 ثم التقيا في القاهرة ما بين 1958 و1963 خلال مرحلة الجمهورية العربية الموحدة التي جسدت حلم الوحدة بين سوريا ومصر بعد فشل الجهورية العربية الموحدة، عادا الى دمشق حيث ساعد طلاس حافظ الأسد على الإستيلاء على السلطة سنة 1970 عن طريق انقلاب عسكري، ورث الأسد نظاما دكتاتوريا لم يعمل علي تغييره، بل أرسى جهازا بوليسيا ومخابراتيا واسعا وقويا نصب داخله كل الموالين له بدءا بأخيه رفعت الأسد وابنه البكر، باسل الذي كان يعده لخلافته. وصلت متخفيا الى دمشق، حيث غضب سفيرنا، دانييل كونوناي لأنه لم يكن على علم بمجيئي، نقلتني مروحية عسكرية الي اللاذقية، المحطة السياحية على ساحل البحر الأبيض المتوسط، كانت معقل الدكتاتور، حيث تربي فيها وسط عائلة بسيطة، تنتمي الى فرع من الطائفة العلوية الشيعية. استقبلني في بيته المتواضع نسبيا بعيدا عن زخارف وحدائق القصر الذي بناه في دمشق، كانت بنيته الجسدية مثيرة: طويل القامة، نحيف، تعلو وجهه جبهة ضخمة يعتقد الخبراء أن له وجها مريضا نفسانيا! بشنبه الرقيق، كان يلقب بيسمارك الشرق الأوسط، جالسني مرتين ست ساعات، مما أتاح لي فرصة ملاحظته. تناولت وجبتين معه. كانوا يقدمون لي وجبات شرقية لذيذة. وأعتذر لعدم تناول نفس الوجبة لأنه كان مريضا ولا يتناول سوى مشتقات حليبية. كان لطيفا في حديثه، ولكنه لم يدخل مباشرة في صلب الموضوع أي الوضع بين اسرائيل والفلسطينيين. كان يتقدم بقفزات صغيرة على الطريقة الشرقية. النقاش بالانجليزية ودون مترجم، كان مسترسلا لا ينتهي. كنت مضطرا لمقاطعته للذهاب إلى الحمام. حكيت له أنني كنت بشكل ما «مفوضا«« من طرف شمعون بيريز. ظل وجه حافظ الأسد جامدا وكرر سؤاله. »»هل فعلا بيريز طلب منكم لقائي؟»« - نعم. سيدي الرئيس - هل أنتم متأكدون أنه حصل على موافقة وزيره الأول؟«« السوري لا يندفع بسهولة ويعرف طوباوية الاسرائيلي. كان يعرف كل شيء عن الصراعات التي كانت قائمة داخل الحكومة الاسرائيلية، اضافة الى أنه في سنة 1992، لم تكن اتفاقيات أوسلو، لم توقع بعد بين ياسر عرفات واسحاق رابين. هذا الأخير سيتم اغتياله سنة 1995 على يد طالب اسرائيلي معارض لمسلسل السلام، كانت أغلبية من الاسرائيليين سواء من اليمين أو اليسار، تقدميين أو محافظين، لا تريد بأي حال من الأحوال قيام مقاربة بناءة للنزاع. وهو الحال القائم حاليا مع استمرار الاستيطان في أراضي الضفة الغربية. موضوع غضب حافظ الأسد، ونقطة الخلاف الرئيسية في أي مفاوضات مع الإسرائيليين كانت هي احتلال الاسرائيليين لهضبة الجولان، وهو الموضوع الذي مازال قائما ولا أحد منشغل به. قال لي حافظ الأسد بوضوح: »الجولان بالنسبة إلينا، هو ألزاس لورين بالنسبة لكم«. تحليله لم يكن يهم فقط الجولان، الذي تحتله اسرائييل، بل أيضا جزءا من لبنان بل وتركيا. كان كلامه يحيل على سوريا أسطورية وقديمة.وكانت له عبارة لا تخلو من دلالة»»حتى المسيح كان سوريا»« الناصرة تقع اليوم في شمال الجليل وأغلب سكانها اليوم من العرب. وأضاف: »المسيح لم يكن يتكلم العبرية بل الآرامية«. كان ذلك ضعيفا من الناحية التاريخية، خاصة وأن آرام كان هو الإسم السائد في ميلاد سوريا آنذاك. كنت أتوقع كل شيء وأنا اقابل الأسد. لكن بالتأكيد لم أكن أتوقع أن يتحدث عن الأنجيل بل شجعني لعى زيارة قرية سورية مازل سكانها يتحدثون. لغة المسيح ابدى انفتاحه للمناقشة، لكنه كان يضع هذا التبرير «تريدون جني الاجاص قبل زرع الشجرة» بمعنى آخر. اعتبر انني وضعت «العربة قبل الحصان» في نهاية اللقاء، صافحني بحرارة وقال لي »عد وقتما شئت، فأنت هنا في بيتك. الجنرال مصطفى طلاس المعروف بعدائه للسامية، كان يملك دار نشر كانت تطبع كتبا تنشر هذه «الايديولوجيا». اذا جازت تسميتها كذلك وهو شاعر في بعض الاوقات ويظهر احاسيس رقيقة. عندما حصلت الممثلة الايطالية جينا لولوبريجديدا وسام الشرف من ايدي جاك شيراك، بعث لها الجنرال هذه التحية» »الميدالية محظوظة لأنها على صدرك«« طلاس كان كذلك من كبار المعجبين بفرانسوا ميتران وكان يحرص على أن يستقبله. هذا الأخير كان دائما حساسا تجاه عبارات الاعجاب التي تصدر في حقه، ولو انه كان يوحي انه لا يعيرها اي اهتمام. لقد اهدى العديد من مؤلفاته للجنرال. كان يضعها في مكان بارز في مكتبه بدمشق. الرئيس كان في منتجع لا تشي ودعاه لزيارته، كان يلتقي هناك العديد من الشخصيات حتى شخصيات قيل عنها انها غير مرغوب فيها. قمنا بالرحلة صحبة ابنته ناهد التي كانت تقوم بدور المترجم، كانت أول مرة التقيتها. جمالها الشرقي أثار ميتران واثارني ايضا. القضية انتهت هنا. نسيت السيدة اوجه .بعد اشهر اخبرتني كاتبتي الخاصة ان السيدة تسمى «اوجي» تصر على التحدث معي. كانت احدى مساعداتي السابقات في مكتب المحاماة تدعى «اوجي» كنت اعتقد انها هي بعد بضع ثوان، فهمت الخلط عندما حدثتني عن رحلتنا الى منتزه لاتشي.