نظمت مجموعة البحث في ثقافات البحر الأبيض المتوسط بالتعاون مع شعبة اللغة الإسبانية، وبدعم من مركز محمد السادس لحوار الحضارات بدولة الشيلي يوما دراسيا تحت عنوان «قراءات في أعمال حول البحر الأبيض المتوسط»، وذلك صباح يوم الخميس 23 ماي، بالمدرج رقم 3 بكلية الآداب والعلوم الإنسانية عين الشق. حيث عرف اليوم الدراسي مشاركة الطلبة الباحثين في سلك الماستر والدكتوراة بشعبتي التاريخ واللغة الإسبانية، إضافة إلى حضور الأساتذة الباحثين من مختلف التخصصات، وجمهور غفير من طلبة الشعبتين. افتتحت الجلسة الأولى بكلمة ذ- حسن بوتكى رئيس شعبة اللغة الإسبانية ومنسق ماستر الترجمة والتواصل بالاسبانية، والذي قدم للحضور السياق العام لتنظيم هذا اليوم الدراسي، والمرتبط بالبرنامج السنوي لأنشطة مجموعة البحث في ثقافات البحر الأبيض المتوسط، إضافة إلى أن هذا اللقاء يأتي في إطار اليوم الثقافي لطلبة شعبة اللغة الإسبانية، لذا فهو فرصة حسب ذ- بوتكى لخلق التلاقح الثقافي والإنساني بين التاريخ والأدب الإسباني. بعد ذلك أخذ الكلمة ذ- أحمد بلعيد الرئيس السابق لمركز محمد السادس لحوار الحضارات بدولة الشيلي، حيث قدم نبذة عامة عن المركز وعمله وأهدافه التي تتمحور في نشر الثقافة المغربية في بلدان أمريكا اللاتينية، والمساهمة في بناء أواصر العلاقات الثقافية بين الثقافة المغربية ونظيرتها الأمريكو- لاتينية من خلال مساهمة المركز في نشر نصوص مترجمة من الإسبانية إلى العربية تعكس نظرة الإنسان الشيلي للمغرب. أما ذ- الطيب بياض أستاذ التاريخ الاقتصادي للمغرب المعاصر ومنسق مجموعة البحث في ثقافات البحر الأبيض المتوسط فقد أكد أن مجموعة البحث التي يشرف عليها تهدف إلى فتح فضاءات للنقاش والتفاعل الفكري حول قضايا متوسطية تجمع بين التاريخ، وباقي حقول العلوم الإنسانية من خلال تنظيم ندوات ولقاءات علمية، وفتح المجال أمام الطلبة الباحثين للمساهمة فيها على مستوى النشر والمشاركة في أنشطة مجموعة البحث. وفي الأخير قدم ذ- سعيد بنعبد الواحد منسق ورشة الترجمة بشعبة اللغة الإسبانية نبذة عن عمل هذه الورشة التي تتكون من طلبة ماستر الترجمة والتواصل، إضافة إلى طريقة اشتغالهم في ترجمة النصوص من الإسبانية إلى العربية، وهذا ما جعلهم يتوجون في الأخير مجهوداتهم بنشر العديد من الأعمال التي تم تقديمها في اليوم الدراسي. خلال الجلسة الثانية التي أشرف على تسييرها الأستاذ عبد اللطيف الأشهب الباحث في ماستر الترجمة والتواصل، تم في البداية تقديم قراءة في الكتاب المترجم حديثا «السياسة الخارجية للمغرب في النصف الثاني من القرن الثامن عشر» للمؤرخ والراهب الفرنسيسكاني الإسباني رامون لوريدو دياث، وترجمة الأستاذ مولاي أحمد الكامون، حيث قدم القراءة كل من ذ- حسام هاب الباحث في سلك دكتوراة تاريخ الزمن الراهن بكلية الآداب والعلوم الإنسانية أكدال بالرباط وعضو مؤسس لمجموعة البحث في ثقافات البحر الأبيض المتوسط، وذ- إقبال السويدي أستاذ مادة الاجتماعيات في سلك الإعدادي والطالب في سلك الإجازة بشعبة التاريخ والحضارة. يتناول الكتاب دراسة مجمل العلاقات الخارجية للمغرب خلال فترة السلطان العلوي سيدي محمد بن عبد الله مع جميع الدول الأوربية والإسلامية والولايات المتحدةالأمريكية، على المستوى السياسي والاقتصادي والعسكري. ففي البداية قدم الباحث حسام هاب قراءته للجزء الأول من الكتاب حيث تضمنت مداخلته المعلومات العامة المتعلقة بالكتاب، وبيوغرافية صاحبه، ومنهجيته في البحث، والبيبليوغرافية التي اعتمد عليها، ثم عرج إلى القراءة التفاعلية حيث تطرق في البداية إلى القضايا الأربعة التي تؤطر الجزء الأول وهي: القرصنة، وافتكاك الأسرى المسلمين والمسيحيين، واسترجاع الثغور المحتلة، والانفتاح الاقتصادي والعسكري على أوربا. كما قدم أسباب اختيار هذه القضايا والإشكاليات المحددة التي انطلق منها خلال قراءته للكتاب، حيث اعتبر أن الفهم العميق للتداخل الموجود بين كل هذه القضايا عامل جوهري ومفسر للسياسة الخارجية للسلطان محمد بن عبد الله مع الدول الأخرى، وتلقي الضوء بشكل مجهري على حضور العلاقات الخارجية ضمن المحاولات «التحديثية» لمحمد بن عبد الله بالمغرب، وتمكن الباحث الذي يشتغل في تاريخ المغرب المعاصر والراهن من تتبع وتفسير الأسباب التي أدت بالمغرب إلى السقوط في براثين الحماية الأجنبية سنة 1912، خاصة أن فترة النصف الثاني من القرن الثامن عشر عرفت انفتاحا مغربيا على الأوربيين مما أدى إلى زرع أولى بذور التغلغل الإمبريالي بالمغرب. انتقل بعد ذلك ذ- حسام هاب إلى التفاعل مع قضيتين اعتبرهما أساسيتين هما: افتكاك الأسرى المسلمين والمسيحيين، ومحاولات استرجاع الثغور المحتلة، حيث تطرق بشكل مختصر إلى محاولات السلطان والأوربيين افتكاك أسرى بعضهم البعض، وتركيز السلطان محمد بن عبد الله على افتكاك الأسرى الأتراك، وانتقل إلى النقاش حول رغبة المغرب في استرجاع الثغور المحتلة وبشكل خاص استرجاع الجديدة من يد البرتغاليين، وفشل حصار مليلية المحتلة من طرف الإسبان. وفي الأخير ختم الباحث مداخلته بتقديم 6 خلاصات تركيبية ركز فيها على أن فشل المحاولات «التحديثية» للسلطان محمد بن عبد الله على المستوى الداخلي والخارجي راجع إلى عدم وجود بنيات الاستقبال الاجتماعية، وحضور البنيات الثقافية ذات المرجعية الدينية السلفية التي ترفض أي تجديد يمكنه أن يخلخل البنيات الراكدة للمجتمع المغربي. قدم الباحث إقبال السويدي قراءته التفاعلية مع الجزء الثاني من الكتاب حيث اعتبر أن الفشل الذي مني به المغرب في حصار حصن مليلية، يشكل مرحلة فاصلة في توجهات السلطان سيدي محمد بن عبد الله، فقبل هذا الحدث كانت الجهود الدبلوماسية للسلطان موجهة لتحقيق علاقات التعاون والصداقة مع الدول الأوربية، وهي علاقات ذات طبيعة اقتصادية بالدرجة الأولى، فالهدف حسب الباحث هو توفير الأموال اللازمة لشراء الأسلحة، ودعم المجهود الحربي بغاية استرجاع الثغور المحتلة، لكن بعد فشل حصار حصن مليلية وتبذير ما تم جمعه، ستتوجه دبلوماسية سيدي محمد بن عبد الله نحو محاولة تفادي رد فعل اسبانيا، وستبدأ في جمع الأموال لمواجهة التحديات الداخلية، وأهمها تحديات المجاعة المرتبطة بالجفاف والجراد، وتحديات سياسية نتيجة للاضطرابات التي خلقها بعض أبناء السلطان. بعد القراءة في كتاب «السياسة الخارجية للمغرب في النصف الثاني من القرن الثامن عشر»، تم تقديم الكتاب الثاني «مكان في العالم: المغرب بعيون شيلية» وهو ترجمة من الإسبانية لكتاب ?Lugar en el mundo: Marruecos visto por chilenos? ، الذي تم نشره سنة 2009 بمدينة سانتياغو بالشيلي بالتعاون مع مركز محمد السادس لحوار الحضارات بمدينة كوكيمبو والسفارة المغربية بالشيلي. يحكي الكتاب وقائع سفر قامت به مجموعة من الشيليات والشيليين إلى مناطق مختلفة من المغرب، وقد قام بترجمة الكتاب طلبة ماستر الترجمة والتواصل (شعبة الدراسات الإسبانية) في ورشة الترجمة من تأطير الأستاذان سعيد بنعبد الواحد وحسن بوتكى، وشارك في تقديمه الطلبة (إدريس ولد الحاج - عبداللطيف الأشهب - هدى بركاني - عزالدين ظافر- زكرياء مرشود - نادية بلين). أما الكتاب الثالث الذي تم تقديمه هو «حياة في بداية اليأس» لغابرييلا ميسترال، وقام بترجمته إلى العربية الباحث إدريس ولد الحاج، وهو كتاب للشاعرة الشيلية غابرييلا ميسترال (َ1889-1957) الحائزة على جائزة نوبل للآداب سنة 1945. وتم تقديم مجلة «مانكا أنتشا» التي تعتبر فضاء للتلاقي والتواصل بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط، ويشارك فيها كتاب من إسبانيا والمغرب والبرتغال يعيد فيها الكتاب سرد حكايات شعبية من بلدانهم أو عادة من عادات شعوبهم. وفي ختام اليوم الدراسي تم تقديم قراءات شعرية للشاعر الكرعاني منجد النور والذي قام بتقديم ديوانه الصادر مؤخرا «حينما سيذبل السوسن». خلال نهاية هذا اليوم الدراسي المتميز فتح النقاش بين الباحثين الشباب والطلبة والأساتذة الحاضرين حيث تمحورت التدخلات حول العديد من القضايا، والإشكالات المتعلقة بكتاب «السياسة الخارجية للمغرب في النصف الثاني من القرن الثامن عشر»، وشخصية مؤلف الكتاب رامون لوريدو دياث، وموضوع الرحلات السفارية المغربية إلى أوربا، إضافة إلى إشكاليات الترجمة، ونظرة الآخر الأجنبي للذات والمجتمع المغربيين خاصة الإنسان الأمريكو لاتيني. وعلى ضوء هذا النقاش العلمي المتميز انتهى اللقاء الثاني خلال هذا الموسم الجامعي لمجموعة البحث في ثقافات البحر الأبيض المتوسط، مبرزا أهمية البحث الأكاديمي في فتح النقاش حول قضايا تاريخية وثقافية وأدبية لها حضورها في الفضاء المتوسطي في علاقاته بعوالم ثقافية وحضارية أخرى، وذلك على أمل تنظيم أنشطة علمية أخرى لمجموعة البحث تفتح المجال للخوض في مواضيع ثقافات البحر الأبيض المتوسط .