عرى بعض المهنيين في ميناءي الدارالبيضاء والجرف الأصفر، عن جزء من الريع المخيم على هذين الميناءين في ما يخص مهنة المرشدين البحريين، وهي مهنة قلما سلطت عليها الأضواء، ولا يعرف حقيقة خباياها إلا المهنيون ومن أوكلت إليهم مسؤولية تسيير الموانىء. المرشدون البحريون هم من يقوم بإدخال وإخراج البواخر التي تريد أن ترسو في الميناء، أو أن تخرج منه، منذ 1937 يتحكم في هذه العملية 15 مرشداً، منظمون في تعاونية يستغلون آلياتها ويقتسمون الأرباح. أيام الحماية كان يتولى هذه المهمة ضباط في الجيش الفرنسي، قبل أن يتم «توريثها»لمغاربة، دون أن تتم مأسسة هذه المهنة، لتبقى مفتوحة في وجه من لهم خبرة في المجال. العجيب في الأمر، أن ميناء الدارالبيضاء في سنة 1937، كان به 15 مرشداً وكان يروج مليونين و 491 ألف طن، اليوم يروج ميناء البيضاء ، بالإضافة، إلى ميناء الجرف الأصفر الذي يعمل فيه هؤلاء المرشدون، 44 مليون طن ومازال الاعتماد على 15 مرشداً، ! ميناء طنجة المتوسطي يروج 27 مليون طن ويعتمد 16 مرشداً، أما في فرنسا، فميناء بوردو مثلا ، الذي يروج فقط 9 ملايين طن فيعتمد 22 مرشداً بحرياً. وأكد المهنيون أن بإمكان ميناءي البيضاء والجرف الأصفر أن يعتمدا ما بين 50 و 60 مرشداً بحرياً. المرشدون الخمسة عشر المعتمدون في الميناءين، يعملون 48 ساعة بميناء الدارالبيضاء و 24 ساعة بميناء الجرف الأصفر، الشيء الذي يؤدي أحياناً إلى وقوع حوادث وجنوح البواخر في الميناءين نظراً للإرهاق. في عام 2006، تمت المصادقة من طرف مجلسي النواب والمستشارين على القانون 02/15، الخاص بإصلاح الموانىء وتنظيم المهن به، وأعطيت مهلة للمهنيين لتسوية أوضاعهم حتى 2009، وذلك بإنشاء شركات وتقنين المهنة وإخضاعها للمنافسة. لكن المرشدين البحريين رفضوا ذلك معللين رفضهم بظهير يعود لعهد الحماية الذي أطر هذه المهنة إذاك، وبأنهم يعملون في ظله، رغم إنشائهم لشركة (شركة الإرشاد بالبيضاء). في شهر شتنبر من سنة 2009، أعلن مجلس المنافسة أن محطة الإرشاد بالبيضاء تعمل بدون رخصة وعلى الوكالة الوطنية للموانىء أن تتدخل لخلق المنافسة في المجال. في 2012 ستستجيب الوكالة لتوصية مجلس المنافسة، وأعلنت عن طلب عروض من أجل تسيير قطاع إرشاد السفن، فأنشأ بعض ربابنة شركة مرسى ماروك وربابنة الوكالة، شركة محدودة المسؤولية، من أجل خلق منافسة شريفة في القطاع، لكن الوكالة حسب المهنيين أخرجت طلب عرض على مقاس محطة الإرشاد. فاحتج الربابنة على طلب العروض لدى وزير التجهيز الذي ألغاه، وأصدر تعليمات بتغييره، طبقاً للقوانين الجاري بها العمل، وهو ما تم، وفي شهر غشت من سنة 2012، قامت إدارة الوكالة بفتح طلبات العروض الجديدة، فازت خلاله الشركة الجديدة بمنحها 2.2800.000 درهم، كإتاوة سنوية قارة و 5,8 في المائة، كإتاوة متغيرة سنوية من المداخيل الخام لميناء الدارالبيضاء. بينما أعطت محطة الإرشاد 2 مليون درهم فقط كإتاوة سنوية قارة، و 4 في المائة كإتاوة متغيرة لميناء البيضاء. أما بالنسبة لميناء الجرف الأصفر، فأعطت الشركة الجديدة 125 مليون كإتاوة قارة و 5,8 في المائة كإتاوة متغيرة، بينما أعطت محطة الإرشاد 105 ملايين و 4 في المائة كإتاوة متغيرة. بعد مرور أزيد من 75 يوماً يقول المهنيون توصلت الشركة الجديدة برسالة من الوكالة تخبرها أنها ألغت طلب العروض لعدم مطابقته لقانون العروض، فتمت مراسلة وزارة التجهيز بشأن سبب هذا القرار ولم تتوصل الشركة الفائزة بأي رد، ومازال المرشدون السابقون يعملون بدون رخصة وبدون تأدية أي إتاوة لفائدة الدولة وبذمتهم 5 ملايير سنتيم كضرائب و 10 ملايين درهم كمستحقات لصندوق الضمان الاجتماعي، مع التوفر على صندوق «أسود»، كما وصفه المهنيون ، يسمى صندوق التقاعد والإنقاذ، والذي يمول من مداخيل المحطة ب 14% من المداخيل، ويحصل منه المتقاعدون المغاربة والفرنسيون وأراملهم على 8000 درهم شهرياً، زيادة على تقاعد الصندوق المهني للتقاعد، حيث يحصل كل واحد على خمسة ملايين سنتيم، بالإضافة إلى حصتهم من تقاعد الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، فيما لا يستفيد البحارة العاملون لديهم من تعويضات الصندوق الأول والثاني. وأكد المهنيون أن راتب كل مرشد بحري من أولئك يفوق 20 مليون سنتيم شهرياً، أما راتب مرشد بشركة مرسى ماروك، فلا يزيد عن 17 ألف درهم ومرشد الوكالة الوطنية للموانىء لا يتعدى 23 ألف درهم شهرياً في أحسن الأحوال. واعتبر المهنيون الذين اتصلوا بنا بأن ما يجري في ميناء البيضاء والجرف الأصفر، يدخل في باب الريع، متسائلين عن سر القوة التي يتمتع بها هؤلاء ليتحدوا الوكالة والوزارة ومجلس المنافسة؟!