إذا لم يكتب لمسرح البدوي أن يشهد أجواء الحماس والتتبع التي عاشتها باقي المسرحيات المعروضة فوق خشبة دار الثقافة بالحاجب لا لشيئ سوى لتهاون إدارة دار الثقافة في الترويج للمسرحية، بل فقط القيام بالأمر المهني في حدود المطلوب، وهو الموقف الذي خلف استياء عميقا ليس فقط في نفوس طاقم المسرحية بل في نفوس كافة الحاجبيين ، تمكنت فرقة دار أرلكان عبر مسرحية «أش داني» لمخرجها عمر الجدلي من جمع أكبر عدد من الجمهور الذي تتبع بكثير من الحماس والتجاوب العرض المشوق الذي غاص بالجمهور في عمق التراث المغربي سواء من حيث الديكور، الملابس أو القصة . ولعبت الأسماء المغربية البارزة في مجال المسرح والتمثيل أدوارا مهمة في جلب حب الجمهور الحاجبي وشغفه لتحقيق هذا التجاوب الكبير ، حيث قدم عبد الرحيم المنياري كل ما بجعبته من أجل إيصال الرسائل المهمة للمسرحية شأنه شأن عبد اللطيف حمولي و جواد العلمي، وتمكن الجمهور الحاجبي من اكتشاف الأسباب الحقيقية لنجاح عرض الفرقة التي راكمت العديد من التجارب عبر مختلف الجولات التي قامت بها داخل وخارج المغرب. وأكد عمر الجدلي لجريدة«الإتحاد الاشتراكي» على هامش التظاهرة التي لقيت إقبالا غير مسبوق بأن مسرحية «أش داني» هي كوميديا اجتماعية تتناول إحدى أهم القضايا المرتبطة بالإنسان أينما وجد، قضية السلطة في تجلياتها السياسية والاجتماعية والنفسية. ومن حيث أن الإنسان، هذا الكائن الطموح الحالم المتطلع إلى تشكيل العالم على طريقته، تتنازعه الأهواء والغرائز في خضم صراع جواني غامض، فإن ما يطفو على السطح من أفعال وسلوكات يكون دائما هو السبيل الوحيد لدراسة الإنسان ككائن اجتماعي. وهنا تكمن صعوبة التناول الفني والمسرحي لعمل من هذا القبيل. ويؤكد عمر الجدلي أن القايد «بوشتى» و «زغيبة» و «ميمون» وجوه متناقضة للأنا ما تفتأ تتحول، بمكيدة الأهواء وفوضوية الحلم، إلى شخصيات أخرى يحكمها منطق مغاير لكنه مرتبط بالأحداث. وقد آثرنا، على المستوى السردي، أن تبقى شخصية «الأنا» ، الحقيقية المنتظرة، حاضرة منكشفة لتعيدنا بين الفينة والأخرى إلى منطق اللعبة (الواقع/الانتظار) وتؤكد عبر هذا السفر الحلمي أن الحقيقة الوحيدة الثابتة هي الموت وان آخر انتظار هو انتظار النهاية . وغاص المخرج في أعماق العرض من خلال تأكيده على كون التركيب الفني للنص الدرامي، وبناء شخصياته على التماهي والانفصال كعمليتين أساسيتين للصراع الداخلي لشخصية الأنا، والذي يتحول إلى صراع سياسي حول السلطة، كمفهوم كرسه النص لتصوير حقبة معينة من تاريخ المغرب (زمن السيبا) من جهة، ولكشف مكامن السوء في شخصية الإنسان ومشاعر الضعف والاستسلام لوحش السلطة والتملك والجشع والانحراف من جهة أخرى... وذلك عبر الاشتغال على مفهوم التمثل الاجتماعي كأولوية سيكوسوسيولوجية لإبراز المكر الإبداعي الذي تنبني عليه عقدة النص (إحقاق الباطل وإبطال الحق ). وبذلك يكون المخرج وكل طاقم المسرحية قد نجحوا في العودة بجمهور الحاجب العاشق للفن والثقافة إلى فترة قيل عنها الكثير بل ساهمت في بناء جزء من التاريخ المغربي لكن في قالب كوميدي لم يخل من رسائل صالحة في زماننا وفي هذا الإطار يقول عمر الجدلي أن النص بكثير من الإشارات والتلميحات والإحالات التي تفرض تناول الشخصية التقليدية للديكتاتور كنموذج للحكم الشاذ والمقبول من لدن المجتمع التقليدي. وبالنظر لهذه الازدواجية حاولنا الاشتغال على كاريكاتورية الشخصية مع الحفاظ على قوتها وجبروتها، وتقديم نموذج رابع للسلطة يجمع بين الاستبداد واللامبالاة.