شهدت مدينة فاس انعقاد ملتقى وطني حول اللغة العربية، من تنظيم فرع فاس للجمعية المغربية لحماية اللغة العربية، تحت شعار «حماية اللغة العربية مسؤولية الفرد والمجتمع» بقاعة المؤتمرات، وذلك تخليدا ليوم اللغة العربية الذي يصادف فاتح مارس من كل سنة. الملتقى الذي كان بتعاون مع جامعة سيدي محمد بن عبد الله ? كلية الآداب سايس، وكلية الآداب ظهر المهراز، والمجلس العلمي للمدينة، وكذلك مجلسها الجماعي، عرف حضورا مكثفا من جمهور المهتمين والأساتذة وعموم الطلبة والمختصين، وذلك بالنظر إلى الأسماء المشاركة في الملتقى والتي لها وزنها الوطني والعربي والدولي. الملتقى الرابع للغة العربية والذي استمر على امتداد يوم كامل اختار منظموه أن يكون على جلستين علميتن تسبقهما جلسة افتتاحية عبارة عن كلمات للأعضاء المنظمين. في البداية افتتحت فعاليات اللقاء بآيات من الذكر الحكيم، تم تلتها كلمة ترحيبية للدكتور السرغيني الفارسي رئيس جامعة سيدي محمد بن عبد الله والتي رحب فيها بالحضور مثنيا على جهود الجمعية في تنظيم مثل هذه اللقاءات، تم تلتها كلمة السيد ممثل والي جلالة الملك على فاس بولمان وكلمة رئيس المجلس العلمي لفاس وكذا كلمة عمدة المدينة، وكلمة اللجنة المنظمة ألقاها الدكتور أحمد العلوي العبدلاوي رئيس فرع الجمعية بفاس. بدأت فعاليات اللقاء بالجلسة العلمية الأولى التي ترأسها الدكتور عبد الرحيم الرحموني بمحاضرة افتتاحية من تقديم الدكتور عبد الحق المريني مؤرخ المملكة، تحت عنوان «نظرات في مسار اللغة العربية بالمغرب» تناول فيها وضع اللغة العربية الراهن، الذي يمكن القول إجمالا إنه وضع متراجع لا يليق بحمولة هذه اللغة وأبعادها التاريخية والحضارية. والسبب في ذلك يقول الأستاذ المحاضر، راجع بالأساس إلى الناطقين بها، الذين فضلوا الاستسلام إلى ما يحيط بها من دسائس متنوعة المستويات، ومختلفة الصور. بعد المحاضرة الافتتاحية الأولى، وبعد استراحة شاي، انطلقت الجلسة العلمية الثانية - التي ترأسها الأستاذ عبد الحي الرايس - بمحاضرة تحت عنوان « أمانة حماية اللغة العربية أدب التحمل وحسن الرعاية» للدكتور عبد النبي الدكير من جامعة مكناس وهي المحاضرة التي استعرضت مجموعة من الأفكار حول واجب حماية اللغة العربية والتي اعتبرها السيد المحاضر باعتبارها أمانة لها دلالة تاريخية ودينية، ترتبط عند المسلمين بالأمن الفكري والروحي والنفسي وترتبط أيضا بالإيمان فعلا بالدفاع عن اللغة العربية واستيعاب المستلزمات التي يستدعيها هذا الدفاع، ومنها الاستماتة العلمية والمعرفية، خصوصا إذا ارتبط الأمر هنا بحماية كل ما يرتبط باللغة العربية بدء بعلومها اللغوية والنحوية والصرفية، المحاضرة الثانية التي ألقاها الدكتور موسى الشامي رئيس المكتب الوطني للجمعية المغربية لحماية اللغة العربية جاءت تحت عنوان «وضع اللغة العربية وضرورة حمايتها» حيث استهل الأستاذ المحاضر مداخلته بمجموعة من الأسئلة أبرزها: على من تقع مسؤولية حماية اللغة العربية؟ هل على الدولة؟ هل على عاتق المجتمع المدني؟ أم المجتمع السياسي؟ أسئلة الأستاذ المحاضر كانت بمثابة أرضية لصياغة مجموعة من الأفكار التي رآى من خلال - البناء المنهجي لمحاضرته- أن يكون الحسم في الإجابة عنها من أولويات مقدماته النظرية. لهذا يحسم ومنذ البداية في أن اللغة وطن، وأن مسؤولية الحماية تعود بالدرجة الأولى إلى الدولة بواسطة القانون المنظم لكل علاقات الأفراد والذي هو طبعا الدستور. إن السؤال الحقيقي الذي يجب طرحه يقول الأستاذ المحاضر هو لماذا نفشل دائما في كل مرة أرادت النوايا الصادقة العمل على إقرار مشروعية الترسيم القانوني للغة العربية : هل هذه العرقلة مقصودة؟ أم إنها موجهة من جهات غير معلنة تعمل في خفاء من أجل عرقلة مشروع الترسيم؟ من هي هذه الجهات؟ ومن المسؤول عن إسماع كلمتها؟ من هذه الأسئلة، انطلق المحاضر إلى بلورة مجموعة من الأفكار ذات المنحى العلمي والتقريري، والتي أراد منها إعطاء الدليل العلمي والواقعي على أن تقدم الدول هو رهين بإقرار لغته القومية. المحاضرة الثالثة والأخيرة كانت تحت عنوان « دور شعب اللغة العربية في التمكين للغة» من تقديم الدكتور أحمد العلوي العبدلاوي أستاذ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية سايس فاس، والرئيس المحلي لفرع الجمعية المغربية لحماية اللغة العربية حيث تناول فضيلته بالتفصيل والتدقيق دور شعب اللغة العربية بالكليات في تمكين طالب العلم من الإحاطة الشمولية باللغة العربية علما وأدبا، محددا الأدوار الوظيفية التي تضطلع بها الشعب في توصيل اللغة العربية لمتلقيها توصيلا بيداغوجيا وعلميا سليما. غير أن السيد المحاضر ولإبراز فكرته وبلورتها أقر منذ مقدمة مداخلته أن اللغة العربية تدخل ضمن مبادئ الأمة في الوجود، فاللغة العربية لا تصلح للتواصل فقط بل تصلح للوجود الكينوني في الحياة، لهذا فحمايتها هو حماية للوجود الحضاري والتاريخي للأمة، وحماية لمشروعها الوجودي أيضا، لهذه الأهمية التاريخية والحضارية تنبع الضرورة العلمية التي تتحملها الشعب بالكليات الأدبية، فهذه الشعب عليها أن تعي أن دورها في هذه المؤسسات قائم على أن العربية بالنسبة لمنتسبيها هي عنوان معرفتهم العلمية التي من خلالها سيدركون أسرار الوجود من حولهم، وهذه مهمة الطالب الذي هو محور هذه الشعب. إن هذه الجهود ? يقول السيد المحاضر- ينبغي أن تكون منطلقة من الواقع الاجتماعي، وبهذا تتحدد المسؤولية الاجتماعية على أن مسؤولية الفردية تكمن في التفعيل والانجاز الميداني عبر حركة التواصل اليومي مع كافة المؤسسات التعليمية والصحية والقانونية قصد ضمان استخدامهم للغة العربية في كافة المرافق الاجتماعية. لهذا كله، ينبغي تهيئ ما يستلزم من ضمانات لانجاز مختلف الطموحات، كما ينبغي- والأمر كذلك - تسطير برنامج عمل يومي يتضمن الخطوات الكفيلة بخلق مبادرات الحماية الفعلية للغة العربية، بعيدا عن هواجس التنظير فقط. يجب أن يرتقي الطالب والأستاذ إلى مستوى الفعل أكثر من القول. فالأقوال والتوصيات وبنود الدستور موجودة في متونها، لكن، ألا يحق لنا أن نتساءل: لماذا فشلنا في إقرار اللغة العربية في واقع الحياة اليومية؟ لماذا بقيت التوصيات رهينة الرفوف؟ يعيد المحاضر طرح هذه الأسئلة، لكن هذه المرة بنفس المناضل الداعي إلى تجاوز عتبات القول إلى الفعل، إن الفعل هو السبيل الوحيد الذي يؤدي الى حماية اللغة العربية. بعد المحاضرة الثالثة فتح باب المناقشة التي ركزت في معظمها على السادة المحاضرين والتي تناولت المزيد من التفصيل المعرفي لمجموعة من القضايا والمفاهيم التي بقيت عالقة في سياق المداخلات مما أضفى على جميع التساؤلات طابع الجدة والإفادة. هكذا اختتم الملتقى أشغاله بتسطير توصياته التي سيعمل أعضاء مكتب فرع الجمعية على احترامها ضمن سياق الملتقيات المقبلة .