إن الحديث على مشروع إحداث الكليات الحرة للطب والصيدلة وطب الأسنان بالمغرب، خلق نوعا من ردود فعل متباينة انطلاقا من باب المسؤولية ومن باب الإصلاح والاستقرار لهذا البلد بكل عدالة وتقدم. الصحة والأمن القومي وفي تصريح لجريدة «الاتحاد الاشتراكي» أكد الدكتور خالد الزوين، أن الصحة من مقومات الأمن القومي في أي بلد، باعتبارها تتدخل مباشرة عند انتشار عدد من الأمراض، مثل ما حدث بخصوص مقاومة مرض الطاعون والوقاية من خطر مرض انفلوينزا الخنازير الذي هز العالم مؤخرا، وذلك بفضل قوة التعليم الطبي والصيدلي بكل تخصصاتهما الذي يشكل جزء هام من حصن البلاد، مشيرا أن التخطيط للصحة يتطلب إستراتيجية مستقبلية، تبنى على القدرات الذاتية وتحت الإشراف المباشر للدولة حتى تضمن القوة والاستقلالية، معلقا، أن عددا من الدول الرائدة في علوم الطب والصيدلة، والتي كانت المنهل لأبناء المغرب لتحصيل هذه العلوم قبل الاستقلال، لم تسمح لنفسها بفتح جامعات خاصة في هذا الميدان، تجنبا لأي انزلاق تكون عواقبه وخيمة على المجتمع، باعتبار أن الصحة مكون أساسي في الأمن القومي للدولة، التي تسهر عليه مباشرة وتعمل على معالجة أي تصدع أو تردي يصيبه، إما نتيجة الإهمال والتساهل أو بسبب كيد أجنبي. وقد استشهد الدكتور خالد بأمثلة حية، متحدثا أنه الكلية الوحيدة في فرنسا والحاملة لاسم الجامعة الحرة للطب بمدينة ليل، أسست سنة 1876 وكان ذلك في العهد التوافقي بين الكنيسة والجمهورية، واشترط عليها خضوعها لقوانين الجمهورية، شأنها شأن باقي المدارس الكاثوليكية الحرة وليست الخاصة، موضحا بخصوص الكلية الخاصة التي شرعت في تسجيل الطلبة بمدينة تولون جنوبفرنسا شهر نونبر 2012، فإن جينفيف فيورازو وزيرة التعليم العالي قد رفعت دعوى ضدها خلال شهر دجنبر 2012، معللة ذلك كون الكلية أخلت بقانون التصريح المسبق للعمادة، وأضافت في تصريح لها «...ثم إنها طريقة غير ديونتولوجية للارتكاز على شرعية عدم نجاح الطلبة في المباريات وتحميلهم جباية لأنها مدارسة مكلفة كثيرا، واقتراح عليهم تكوينا غير معترف به رسميا»، أما بالنسبة للصيدلة يقول الدكتور الزوين، «فهناك مدرستين في اسبانيا، ولا يخفى على أحد المشاكل المطروحة لحد الآن حول المعادلة الوطنية للشواهد الأجنبية، حيث تم الالتفاف على قانون المعادلة بالاكتفاء بإجراء تدريب !!! ، وجاء في الأخير ليفجر سخطه حول هذا الموضوع في دولة مالي التي التجأت لمثل هذه المبادرة، إذ أنشئت شهر 6/ 2009 كلية حرة في الطب والصيدلة وطب الأسنان، مشيرا أنه كان صاحب المشروع احد مسؤولي سابقا في كلية الطب العامة، بعد سنة اضطرت إلى تطبيق numerus clausus للحد من الأعداد الهائلة للطلبة الراغبين في الولوج إليها، وبعد تكررت الشكايات من استفحال الرشوة ومشاكل أخرى صدر شهر 2/2013 قرارا بإغلاقها دون رجعة. خصاص في الأطر الطبية والتخصصات الصيدلانية المغربية وقد وقف الدكتور خالد عند الخصاص في الأطر الطبية والتخصصات الصيدلانية المغربية، التي يتطلب تأطيرها وتأهيلها إشراف القطاع العمومي، نظرا لأهميتها على مستوى إستراتيجية الدولة وأمنها القومي، مبرزا ذلك على سبيل المثال لا الحصر قطاع الصيدلة ، فالأعداد الهائلة التي تمارس المهنة بالصيدليات قد فاقت الاحتياج الذاتي، حتى بدأت تظهر بعض حالات البطالة من ضمنهم، وأصبح من الضروري التفكير في إيقاف التخرج في تخصص «أوفيسنال» مثلا لبضع سنين، ريثما تستوعب الأفواج الحالية في الجامعات الوطنية والخارجية، موضحا أن المغرب هو في أمس الحاجة لبعض التخصصات، تهم الصيادلة المتخصصون في الصناعة الدوائية بكل شعبها، وكذلك الصيادلة المتخصصون بالمستشفيات والمراقبة الصناعية واليقظة الصيدلانية والهندسة الصيدلانية، و»ما نظن هذه التخصصات يمكن أن تكون تحت إشراف تعليم خاص»، يقول الدكتور الزوين، لأنها تعتمد على أسلوب التدريج والعمل الجيد، وليس أسلوب «الكوكوت منوت» الذي يتناقض مع مستوى الطبي والصيدلي الذي جعل المغرب قبلة للاستشفاء، رغم الحالات الاستثنائية الشاذة في الممارسة المهنية التي لا يقاس عليها، لان ظاهرة المال لها آثار خطيرة على التعليم والممارسة للمهن الصحية، ما بالكم إذا انفتحت هذه المؤسسات على القطاع الخاص، مؤكدا، أن من جملة المشاكل القائمة على مستوى الصحة في المغرب، تتمثل في قلة الموارد البشرية في بعض التخصصات، الأمر الذي يتطلب العمل على توفير طاقات ذات كفاءة عاليا بعيدا عن لغة المال، وعلى رصيد علمي يميزها عن نظيرتها التي لا تتوفر فيها القدرات والشروط لتعلم وممارسة الطب والصيدلة، فالفقر لم ولن يكون يوما عقبة في وجه طلب العلم. مع جودة الخدمات الطبية والصيدلية يعرف القطاع الطبي اجتهاد كبير للرفع من جودة الخدمات الصحية المقدمة للمواطن، رغم بعض المشاكل القائمة التي تعيق الوصول للأهداف المتوخاة، والتي لا ترجع فقط للتكوين الجامعي بقدر ما هي ناجمة عن غياب سياسة صحية شمولية، سياسة تكون فيها وزارتي الصحة والتعليم العالي منطلق إشعاع الإصلاح والتغيير، باعتماد مبدأ الإشراك والتوجيه والحرص على احترام القانون. وقد ناشد الدكتور خالد الزوين في الأخير، وزارة التعليم العالي أن لا تتسرع وتفتح المجال لمن يتسابق لخوصصة تعليم الطب والصيدلة، فأي زيادة غير طبيعية في أعداد المتخرجين سيعطي فرصا كبيرة للمزيد من الفوضى والتسيب، مضيفا، أن المغرب في حاجة إلى عمل حكومي مشترك مبني على التشاور والدراسة المسبقة تحدد مفهوم وأسباب الخصاص دون التسابق وانفراد بالقرارات، فالخصاص يهم عدد من الأطباء وتخصصات معينة في الصيدلة، معلقا، «أن تشجيع الاستثمار أمر مطلوب للرفع من الإنتاج المحلي والتخفيض من البطالة، لكن لا يجب أن يكون بطرق جشعة تفقد الصواب، وتجعلنا نلهث وراء الربح بأي أسلوب كان ولو على حساب مقومات الدولة مثل صحة المواطن، وبالتالي المغامرة بالأمن القومي المغربي من أجل زمرة من المستثمرين لا يرغبون إلا الرقي لصفوف المليارديرات العالميين...» وبخصوص الحلول التي يراها الدكتور خالد الزوين، صيدلي بمدينة مكناس، أن الرفع من عدد الأطباء وإيجاد التخصصات الناقصة في الصيدلة بالمغرب يتطلب تأهيل البنية التحتية بمعني بناء الجامعات في معظم المدن الكبيرة في المغرب، ومراجعة أسلوب المشاركة في مباراة الولوج لكليات الطب والصيدلة، إلى جانب إصلاح مناهج تعليم الطب و الصيدلة و التعليم الثانوي المؤهل لها، والزيادة في عدد الأساتذة في الكليات بالتأهيل والتحفيز، مع رصد الميزانية المالية التي تحقق ذلك.