تحولت جبال «كوركو» المتواجدة على الساحل المتوسطي لجبال الريف، إلى موطن للمئات من المهاجرين الأفارقة المتحدرين من دول جنوب الصحراء، الذين يتخذون من الجبال الغابوية المطلة على مدينة مليلية المغربية المحتلة، مكانا للاستيطان ورسم الاستراتيجيات الهادفة إلى اختراق السياج الحدودي الوهمي لمليلية السليبة، رغم الحراسة الأمنية المشددة على الحدود من قبل الجنود المغاربة والحرس المدني الاسباني. ويترقب المهاجرون الأفارقة من على جبال «كوركو» الحركة اليومية الدءوبة بمليلية، وهم كلهم أمل وشغف في الوصول إلى الثغر المحتل، بمختلف الوسائل والآليات غير المشروعة، حتى ولو تعلق الأمر بتأزيم العلاقات المغربية الاسبانية التي تمر من عنق الزجاجة. وسط غابة «كوركو»، يتوزع عدد هائل من المهاجرين، يعيشون ويتعايشون، يعانون ويتناسلون، داخل غابة كثيفة الأشجار، ويعيشون واقعا مؤلما، خاصة حين تعمل عناصر القوات العمومية على تمشيط الغابة من المهاجرين الأفارقة، مما يجعلهم يضطرون إلى الاحتماء بمرتفعات الغابة، أو السقوط في يد عناصر الأمن التي تعمل على تهجيرهم إلى الحدود المغربية - الجزائرية. ويوجد المهاجرون الأفارقة بغابة «كوركو» على واقع صعب جدا، إذ يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، وينتظرون لحظة هجومهم على السياج الحدودي الوهمي الشائك بالأسلاك الحديدية، أو التسلل إلى قلب مليلية عن طريق الهجرة السرية، إذ يرون في «القارة العجوز»، الفردوس الذي سينسيهم في عقد الحياة، والتخلص من الواقع المعيش، بعد أن قطعوا الآلاف من الكيلومترات مشيا على الأقدام، واختراقهم لمجموعة من المعابر الحدودية بشمال إفريقيا، خاصة الشريط الحدودي المغربي الجزائري، الذي يتخذونه منفذا رئيسيا للدخول إلى التراب الوطني، ثم الوصول إلى غابة «كوروكو» التي تشكل دولة للمهاجرين الأفارقة، داخل الدولة المغربية. البحث عن الفردوس المفقود بين الأجساد السوداء كخشب الأبنوس انبثق وجهان طفوليان ويتعلق الأمر ب»ألاسان ديوباطي» ذي 16 سنة و»فودي ستنغاري» الذي يكبره بسنة واحدة فقط، وكبقية زملائهم بجبل «كوروكو»يرتديان بدلة وقميصا وسروالا أعطتهما إياه إحدى العائلات التي قدمت من مليلية بعد اجتيازها للحدود المغربية بمنطقة بني أنصار بإقليم الناظور، في الوقت الذي يتقدم فيه زملائهم بأكواب بلاستيكية مملوءة بالشاي، قالوا إنهم تركوا عائلاتهم منذ حوالي سنة للسفر إلى المجهول تقول جريدة «الموندو الاسبانية». غالبية المهاجرين الأفارقة، جاؤوا من «غينيا - كوناكري» بحثا عن الفردوس المفقود «مليلية»، استغرق الأمر منهم اجتياز ما يناهز 4000 كيلومترا، بعد أن تأخروا ثلاثة أسابيع مشيا على الأقدام ، عبروا فيها الصحراء وخمسة بلدان أخرى (غينيا بيساو وغامبيا والسينيغال وموريتانيا والمغرب)، يقول «فودي» وهو أكبر الأطفال سنا «قطعنا كل تلك المسافة مشيا على الأقدام ولم نستعمل أية وسيلة نقل».، في حين يوجد مهاجرون آخرون قادمون من مختلف دول جنوب الصحراء، وبالتحديد من «الكامرون» و»السينيغال» و»مالي» و»بوركينا فاسو»، أماكن حيث الجوع والفساد يشكلان جزءً لا يتجزأ من معيشهم اليومي. «حتى اللحظة، لازال الوصول إلى مليلية بعيد المنال، منذ تواجدنا هنا حاولنا اجتياز المعبر لأزيد من مرة، لكن لم نستطع مواصلة الأمر» يقول مهاجر إفريقي. وكان الحظ، لبعض هؤلاء المهاجرين في عبور غابة «كوركو» عن طريق إحدى وسائل النقل أو إحدى السيارات، فالكاميروني «كامشي روسطاند» ذي 19 سنة، يعتقد أنه في الوقت الراهن «يمكن القول إن جبل «كوروكو» يضم أزيد من 700 شخص قادم من دول جنوب الصحراء»، وهو الشاب الذي قضى بالجبل نصف سنة، ينام تحت الأشجار ويفترش الأعشاب ويتخذ قطع «الكارطون» غطاء له. ويقول (كامشي مهاجر كامروني) « أن شرطة الحدود المغربية، عاقبته بالضرب على الأقدام والكعبين، فيما قال «خوسي بالاسون» عن جمعية حقوق الطفل أن الأمر كان يتكرر في كل حملة تمشيطية تقوم بها عناصر الأمن المغربي لتفريق وتفكيك مخيمات المهاجرين الأفارقة، والتي أضحت تتسع يوما بعد يوم. وأكدت منظمة «أطباء بلا حدود»، في أكثر من مناسبة أن التعذيب الذي يطال المهاجرين من دول جنوب الصحراء خلال تواجدهم في الحدود بين الناظور ومليلية، يشمل الضرب والتعنيف الوحشي في مستويات مختلفة من أجسادهم، قبل أن يتم نقلهم فيما بعد إلى وجدة على الحدود مع الجزائر، بما يقرب 150 كيلومترا شرق مليلية، غير أن بعضهم سرعان ما يستعيد قواه ليعود أدراجه إلى الحدود بين مليلية والناظور مرة ثانية. تجمع إفريقي بامتياز وحسب دراسة ميدانية سابقة أنجزتها الجمعية المغربية للدراسات والبحوث حول الهجرة، فإن عدد المهاجرين غير الشرعيين الوافدين من بلدان إفريقية يناهز 15 ألف مهاجراً. ويمثل النيجيريون من بينهم نسبة 15.7 في المائة، ويتبعهم المهاجرون الوافدون من مالي بنسبة 13.1 في المائة، ثم مهاجرو السنغال ب 12.8 في المائة، ومن الكونغو الديمقراطية ب10.4 في المائة. ويتدفق العشرات من المهاجرين السريين على مدينة وجدة، قادمين من بلدان إفريقيا جنوب الصحراء، الأمر الذي جعل هذه الظاهرة تبدو جلية للعيان في العديد من المناطق المغربية، وقد استطاع بعض هؤلاء المهاجرين أن يواصل مسيرة الهجرة السرية إلى أوروبا، بينما بقي كثير منهم فوق التراب المغربي، منهم من يمارس أنشطة تجارية، وآخرون اختاروا البقاء في المغرب بعد أن استهوتهم ظروف الحياة. وكانت السلطات المغربية قد شنت حملة تمشيط واسعة النطاق ضد المهاجرين الأفارقة، وتم خلالها اعتقال المئات من المهاجرين غير الشرعيين في طنجة، ووجدة، والرباط، والدار البيضاء. وجرى ترحيل عدد كبير من هؤلاء المهاجرين غير القانونيين إلى بلدانهم الأصلية، فيما تم إطلاق مجموعات أخرى فضلت إخفاء جنسياتها على الحدود مع الجزائر باعتبارها المنفذ الذي دخلوا منه. كما شددت السلطات المغربية الحراسة على الحدود الشرقية مع الجزائر، والتي تعتبر أكبر منفذ للمهاجرين غير القانونيين المقبلين من أفريقيا. وربط متتبعون هذه الحملات بالأحداث الجارية في مالي وتخوفات المغرب من إمكانية استعمال شبكات الهجرة السرية من طرف الجماعات الإرهابية وعصابات تهريب المخدرات المتضررة من الحرب في شمال مالي. وفي هذا الإطار، يتخوف المغرب من ارتفاع عدد المهاجرين الأفارقة الموجودين على أراضيه بشكل غير قانوني نتيجة الحرب في مالي. وأكد هشام بركة، رئيس «جمعية بني يزناسن للثقافة والتنمية والتضامن» إن جمعيته التي تنشط وسط المهاجرين الأفارقة في منطقة وجدة لم تلاحظ أي تغيير يذكر في حركة المهاجرين الأفارقة بهذه المنطقة. وقال: «نقوم باستمرار بزيارات للملاجئ التي يعسكر فيها الأفارقة في الغابات القريبة من المدينة. ولم نلاحظ أي حركة غير عادية لتوافد أعداد جديدة من المهاجرين بشكل ملحوظ خلال الفترة الأخيرة. ولعل هذا يرجع إلى كون الجزائر أغلقت حدودها الجنوبية مع مالي بإحكام تحت إشراف الجيش الجزائري خوفا من تسرب الجماعات الإرهابية إلى أراضيها» وأضاف المصدر «عرفت مدينة وجدة في الآونة الأخيرة استنفارا أمنيا ملحوظا وتشديدا للحراسة على الحدود، وفي الحملة التمشيطية الأخيرة لاحظنا تحسنا في تعامل الأمن المغربي مع المهاجرين، خاصة النساء والأطفال، لكن الملاحظ أيضا أن المجموعات التي يتم إطلاقها من طرف الأمن المغربي في الحدود مع الجزائر يتم إرجاعها من طرف السلطات الجزائرية، ليعاد ردهم مرة أخرى من طرف السلطات المغربية فيما يشبه لعبة كرة الطاولة». ويقدر عدد المهاجرين الأفارقة الذين يعيشون في ملاجئ بالغابات المجاورة لمدينة وجدة بنحو 1200 شخص، يشكل النيجيريون أغلبيتهم بنسبة 40 في المائة منهم، يليهم العاجيون والكاميرونيون والكنغوليون. ويعيش هؤلاء في شكل مجموعات عرقية، تنتخب كل مجموعة رئيسا لتسيير أمورها والحديث باسمها مع السلطات ومع الجمعيات. حالات عنف بين المهاجرين ومن جهة أخرى، حذرت منظمة أطباء بلا حدود من ارتفاع أعمال العنف ضد المهاجرين غير النظاميين في المغرب، حيث يتواجد ما بين 20 و25 ألف مهاجر غير شرعي ينحدرون من دول جنوب الصحراء نهاية 2012، على أمل العبور إلى إسبانيا وفق جمعيات محلية. وأكدت المنظمة في تقرير من 40 صفحة هو الأول من نوعه منذ ثماني سنوات أن «العنف واقع يومي بالنسبة لغالبية مهاجري دول جنوب الصحراء الكبرى في المغرب». وأضاف التقرير أنه تم تسجيل «ارتفاع حاد للعنف» خلال 2012، محملا المسؤولية لقوات الأمن المغربية والإسبانية، وداعيا الرباط ومدريد، إلى «اتخاذ تدابير جذرية على الفور» لوضع حد ل»لانتهاكات المؤسسات الأمنية التي صارت واسعة». وسلطت منظمة أطباء بلا حدود الضوء كذلك على مسؤولية الاتحاد الأوروبي، مشيرة إلى أن بروكسل خلال السنوات العشر الأخيرة «شددت الرقابة على حدود الاتحاد». و أعلنت المنظمة الإنسانية عن نيتها مغادرة المغرب، وهو قرار تم اتخاذه منذ أكثر من سنة وفق دافيد كانتيرو المنسق العام للمنظمة في المغرب. وقد تحول المغرب من «دولة عبور» إلى «دولة إقامة» مفترضة لمهاجري دول جنوب الصحراء وتعتبر مدينتا مليلية وسبتة المنفذ الرئيسي لمحاولات آلاف المهاجرين السريين معانقة الحلم الأوروبي بالضفة الجنوبية من شبه الجزيرة الأوروبية . حصار ومحاولات اختراق بفعل الحصار الأمني المغربي الإسباني المضروب على محيط مدينة مليلية المحتلة و تواجد سياج حديدي يحيط بأطراف المدينة السليبة، يجد المهاجرون الأفارقة من دول جنوب الصحراء أنفسهم في وضعية اختناق شديد، مما يدفعهم إلى خوض غمار العديد من المغامرات الانتحارية من خلال تجييش أنفسهم عبر مجموعات متفرقة على طول السياج الحديدي واستعمال السلاليم وأحيانا محاولة تسلق السياج بالأيدي للعبور إلى داخل المدينة، و هو ما يترتب عنه احتكاكات مع قوى الأمن بالجانبين و حدوث إصابات متفاوتة الخطورة . و تعود آخر محاولة لاختراق السياج الحديدي إلى الاثنين الماضي و التي أصيب خلالها حوالي 23 مهاجرا سريا، بسبب التدخل الأمني لمنعهم من اقتحام سياج المدينةالمحتلة، خوفا من حدوث ضحايا أثناء التدخل العنيف الذي عادة ما يستعمله الحرس المدني الإسباني، فالعناد الشديد للأفارقة وعزمهم الدخول إلى مدينة مليلية ،عادة ما يخلف إصابات وضحايا أحيانا و اعتقالات في صفوف هؤلاء المهاجرين، علما أنه يتم شهريا ترحيل المئات من منهم و المنحدرين من دول جنوب الصحراء، بينهم النساء و الأطفال كان قد تم توقيفهم في إطار عمليات و دوريات أمنية للحد من انتشار الظاهرة. وقد لوحظ تزايد أعداد المهاجرين السريين بالمدن و المناطق المجاورة لمعابر مليلية وخاصة بنفوذ عمالة الناظور المحطة ما قبل الأخيرة لعملية العبور إلى الفردوس المفقود، على أساس الحصول على الإقامة، لكن الحراسة المشددة من خلال فرض مراقبة أنية واستعمال الوسائل الإلكترونية الحديثة فضلا عن الحراسة التي فرضتها الحكومة الإسبانية بمليلية على طول السياج الحديدي الذي يعزل المدينةالمحتلة عن الناظور ،إضافة إلى الإستراتيجية الأمنية لمراقبة المياه الإقليمية الأوروبية التي وضعتها الوكالة الدولية للتعاون على الحدود الخارجية للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي (فرونتيكس)، والدعم الأمني الذي توفره السلطات الأمنية بالناظور للجارة الإسبانية، تجعل عبور المهاجرين الأفارقة مسألة مستحيلة ، لتتحول بذلك الجبال و الأدغال المحيطة بالناظور و فرخانة وبني شيكر مكان إقامة المئات من المهاجرين السريين في إنتظار حملات أمنية تقود إلى ترحيلهم. ومن جهته، اقترح رئيس مليلية المحتلة، «خوان خوسي إمبرودا» على المغرب الطرد العاجل للمهاجرين الأفارقة من جنوب صحراء، اللذين يفدون عليه ويتسببون في أعمال عنف من خلال مواجهاتهم مع سلطات الحدود الأمنية. وقال إمبرودا، «يجب أن تكون عملية الطرد قانونية توجب على السلطات المغربية تعديل القانون المتعلق بالمهاجرين غير الشرعيين، ووضع حاجز حدودي حتى يتسنى للمغرب التصدي لتوافد هؤلاء المهاجرين، وهجومهم على مختلف مرافق الحياة اليومية لسكان المناطق المجاورة للحدود». وأكد المصدر ذاته، أن المغرب يعبر عن تعاونه في ملف المهاجرين الأفارقة بشكل متواصل، الأمر الذي سيتيح، على حد قول إمبرودا، التعامل مع الملف بجدية، مشيرا إلى أن المهاجرين الأفارقة غير الشرعيين يقومون بأعمال سرقة وتخويف الأمر الذي يشكل ارتباكا في أوساط المجتمع.